بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أبو بكر أحمد بن محمد المروزي - رحمه الله - :
={ وسمعتُ أبا عبد الله يقول : ( ليس للمرأة خير من الرجل ، ولا للرجل خير من المرأة ، قال طاووس : المرأة شطر دين الرجل ) .
سمعت أبا عبد الله يقول : ( ليس العزوبة من أمر الاسلام في شيء ؛ النبي تزوج أربعة عشر ، ومات عن تسع ) ثم قال : ( لو كان بشر بن الحارث تزوج لكان قد تم أمره كله ، لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ولم يكن كذا ) .
فقال : (كان النبي [] يصبح وما عندهم شيء ويمسي وما عندهم شيء ، ومات عن تسع وكان يختار النكاح ويحث عليه ) .
وسمعت أبا عبد الله يقول : ( نهى النبي عن التبتل فمن رغب عن فعل النبي فهو على غير الحق ، ومن رَغِبَ عن فعل أصحاب النبي رضي الله عنهم والمهاجرين والأنصار فليس هو من الدين في شيء ! . قال النبي : « إني مكاثر بكم الأمم » ويَعقوبُ [عليه السلام]في حُزنِه قد تزوج وولد له .
والنبي قال : « حبب إليَّ النساء » .
وأصحاب الرسول تزوجوا ) .
قلتُ : إنهم يقولون قد ضاق عليهم الكسبُ من وجهه .
فقال : ( إن النبي قد زَوّجَ على خاتم لمن ليس عنده شيءٌ ) .
قلتُ : وعلى سورَةٍ . قالَ : ( دع هذا ) . قلتُ : أَو ليسَ هو صحيحًا ؟ قال : ( دعهُ إذا نهيتك عن شيء فانتهِ ، ينبغي أن يتزوجَ الرجلُ ، فإن كان عنده أنفق عليها ، وان لم يكن عنده صبَرَ ) .
قلتُ : أنتم تقولون لي إن لم أجد ما أُنفق أُطلّق ، وقع لي عمل ، وكان مهرها ألف درهم وليس عندي شيء ! .
فضحك ، ثم قال : ( تزوج على خمسة دراهم ؛ ابن المسيب زوج ابنتَه على درهمين ) .
قلت : لا يرضى أهلُ بيتي أن أتزوج على خمسة دراهم .
قال : ( ها ! جئتني بأمر الدنيا ، فهذا شيءٌ آخر ) .
قلتُ : إن إبراهيم ابن ادهم يُحكى عنه أنه قال لروعة : صاحب عيال ... فما قدرت أن أتِمّ الحديثَ حتى صاح بي ، وقال : ( وقعنا في بنيات الطريق ، انظر - عافاك الله - ما كان عليه محمد [] وأصحابه ) .
قلت لأبي عبد الله : إن الفضيل يروي عنه أنه قالَ : لا يزال الرجل في قلوبنا حتى اذا اجتمع على مائدته جماعة زل عن قلوبنا ؟ . قال : ( دعني من بنيات الطريق ، العلم هكذا يؤخذ ؟! ، انظر - عافاك الله - ما كان عليه محمد [] وأصحابه ) ، ثم قال : ( هو ذا أهل زمانك الصالحون هل تجد فيهم إلا من هو متزوج ) ؟! ثم قال : ( ليتق الله العبد ولا يُطعِمهم الا طَيِّبًا ، لبُكاء الصبي بين يدي أبيه متسخطًا يطلب منه خُبزًا أفضل من كذا وكذا ، يراه الله بين يديه ) ، ثم قال : ( هو ذا عبد الوهاب ، كن مثل هؤلاء لو ترك الناس التزويج من كان يدفع العدو ) .
وقال لي أبو عبد الله : ( صاحب العيال إذا تسخط ولده بين يديه يطلب منه الشيء أين يَلحقُ به المتعبدُ الأعزبُ ) ؟!} اهـ.
من كتابه ( الورع ص 116-119 ) .
---تأملتُ هذا الكلام من الإمام ، فوجدت فيه فوائد ، منها :
1) الحرصُ على حفظ سنة النبي .
2) الاحتجاجُ بما كان عليه النبيُّ وأصحابه الكرام ، وهذا هو الفقه .
3) أن من رغب عن سنة النبي وما كان عليه أصحابه فليس على الحق .
4) الإحاطة بأحوال الأنبياء السابقين ، وذلك في قوله - رحمه الله - : (ويَعقوبُ في حُزنِه قد تزوج وولد له) .
5) الإحاطة بأقوال السلف ، وذلك في قوله : (قال طاووس : المرأة شطر دين الرجل) .
6) إصلاحٌ وتربيةٌ لحالة اجتماعية تفشو في المجتمعات ، وهي قلة ذات اليد ، وكيف قالَ - رحمه الله - : (ليتق الله العبد ولا يُطعِمهم الا طَيِّبًا ، لبُكاء الصبي بين يدي أبيه متسخطًا يطلب منه خُبزًا أفضل من كذا وكذا ، يراه الله بين يديه) .
حقًّا : من يتق الله يجعل له مَخرَجًا .
رحمك الله يا أبا عبد الله ، كيف لو رأيتَ المُخنّثين (المتسمين بالرجال) زَماننا من الذُّكران ، وهم يَبْلَعون الرّبا بَلْعًا وبدون ماءٍ !! لِيتَمتعوا في الإِجازات بالرحَلات العالمية ، وليزوروا أغلى الفنادق ، وليَشْتَروا من مِتاجرِ الفِرنسيسِ والنّصارى كلَّ ثَمينٍ وَباهظٍ !! .
7) التربية على الإعراض عن التوغل في الجدل ، والاقتصار على المهم في المناظرات ، وذلك في أقواله : (وقعنا في بنيات الطريق...) .
و : (دعني من بنيات الطريق ، العلم هكذا يؤخذ ؟! ، انظر - عافاك الله - ما كان عليه محمد [] وأصحابه) .
و : (ها ! جئتني بأمر الدنيا ، فهذا شيءٌ آخر) .
8) فضل التزويج في الإسلام ، وآثار التساهل والتشديد في أمره في مجتماعاتنا ، حتى انقلبت علينا العزوبة جحيمًا لا يُطاق ! .