تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: باب ما جاء في احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في الأحكام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    35

    افتراضي باب ما جاء في احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في الأحكام

    هذا بحث مختصر سبق أن نشرته في نلتقى أهل الحديث، وأنا أنشره الآن في هذا الملتقى المبارك



    (باب ما جاء في احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في الأحكام)

    الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعدُ:

    فقد قال أحمد -رحمه الله- في رواية الأثرم: "ربما كان الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في إسناده شيء، فيؤخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه، مثل: حديث عمرو بن شعيب، وإبراهيم الهجري، وربما أَخُذُ بالمرْسلِ إذا لم يجيء خلافُه". [العدة (4/1178)][مع أن المتأخرين يحتجون بعمرو بن شعيب مطلقا ويجعلون حديثه من قبيل الحسن المحتج به، حتى ولو عارضه حديث صحيح]

    وقال ابن هانئ: قلت لأبي عبد الله: حديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرسل برجالٍ ثبت أحب إليك أو حديث عن الصحابة أو التابعين متصل برجال ثبت؟
    قال أبو عبد الله: عن الصحابة أعجب إلي. [مسائل ابن هانئ].

    وقال -في رواية أبي طالب-: "ليس في النَّبِق حديث صحيح، ما يعجبنى قطْعُه؛ لأنه على حال قد جاء فيه كراهة" [العدة][وكثير من المتأخرين يصححون ما جاء في النهي عن قطع السدرة]

    قلت: فظاهر مما جاء في رواية الأثرم: أنه يأخذ بالحديث الذي فيه ضعفٌ يسير من جهة راويه كأن يكون في حفظه سوء (كحديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري)، وكالحديث الذي فيه ضعف يسير من جهة انقطاعه كالمرسل. وهذا كله بقيدٍ: وهو أنْ لا يأتي خلافُه أثبت منه (والموقوف الصحيح أثبت منه كما في رواية ابن هانىء، وكما ذَكَرَه محققي الأصحاب وسيأتي).
    وما جاء في رواية أبي طالب: فيه دلالة على أخذه بالنهي الوارد في حديثٍ يسير الضعف، وحمله على الكراهة. وهذا قد قرره ابن مفلح والنووي (كما سيأتي).

    وإليك تقرير ما سبق _أسوقه لك في مباحث أربعة-:
    1)أن احتجاجه مقيّدٌ بعدم وجود معارض راجح (ومن المعارِض الراجح: الأثر الموقوف)
    2) أنه يأخذ بالحديث الضعيف في باب الاحتياط.
    3)قد يحتج الإمام بخبر ضعيف لا لذاته بل لما عضَدَه من عمل وقياس ونحوهما: فلا يصح الاستدلال بهذه الأمثلة على أنه يأخذ بالضعيف.
    4) مراد الإمام بالضعيف.

    المبحث الأول/ أن احتجاج الإمام بالضعيف مقيّدٌ بعدم وجود معارض راجح (ومن المعارِض الراجح: الأثر الموقوف)
    وهذا قد نصّ عليه الإمام في روايتي الأثرم وابن هانئ –كما تقدم في أول البحث-,
    قال ابن النجار: (وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقِي لَسْت أُخَالِفُ مَا ضَعُفَ مِنْ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ مَا يَدْفَعُهُ). [شرح الكوكب المنير]
    قال السخاوي: (وكذا نقل ابن المنذر: أن أحمد كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ إذا لم يكن في الباب غيره.
    وفي رواية عنه: أنه قال لابنه: لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء؛ ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني لا أخالف ما يضعف؛ إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه). [فتح المغيث]
    وهذا الذي قرره الأصحاب فقد قال ابن مفلح: (وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا {: الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ } إنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَمِلْ إلَيْهِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَمْرَو بْنَ بُجْدَانَ ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ هُوَ حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَحِيحًا لَقَالَ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَذْهَبُهُ إذَا ضَعُفَ إسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَ إلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ ، وَإِذَا ضَعُفَ إسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ فَهَذَا كَانَ مَذْهَبُهُ
    وَقَالَ الْخَلَّالُ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ قَالَ: كَأَنَّهُ يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ : أَحَبَّ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرِبًا ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْأَحَادِيثِ إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُخَالِفٌ قَالَ بِهَا).
    وقال ابن رجب: ظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف، لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف ما لم يجئ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أو عن أصحابه خلافه. [شرح العلل] .
    وقرره أيضا شيخ الإسلام وابن القيم –وسيأتي كلامهما-
    وهذا ليس خاص بمذهب أحمد، بل روي هذا عن الشافعي: قال السخاوي: ([ونسب] الماورديُّ لقول الشافعي في الجديد: أن المرسل يحتج به إذا لم يوجد دلالة سواه) انتهى كلامه.

    ثم لِتعلم أن القياس (ويراد به عند المتقدمين الاجتهاد والرأي) ليس من المعارض الراجح:
    ففي فتح المغيث (1/82) قال: روينا من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال: سمعت أبي يقول لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه غل، والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي، قال: فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحبَ حديث لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحب رأي فمن يسأل؟ قال: يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي.
    [ثم قال] وذكر ابن الجوزي في الموضوعات: أنه كان يقدم الضعيف على القياس) ا.ه

    وقال ابن حزم في المحلى (3/61): (وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله، فلم نجد فيه عن رسول الله r غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله:ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي، قال علي: وبهذا نقول). [وهذه مِن ابنِ حزم غريبةٌ]

    وهذا ابن القيم يقول –في كلامه على أصول الإمام أحمد-: (الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس).

    وهذا ليس بسبيله وحده؛ فقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه : وليس هذا إسناد تقوم به الحجة،... غير أنى أقول به؛ لأنه أصلح من آراء الرجال. [الجرح والتعديل 8/347]

    المبحث الثاني/ الأخذ بالحديث الضعيف في باب الاحتياط.
    وقد سبق إيراد قول الإمام -في رواية أبي طالب-: "ليس في النَّبِق حديث صحيح، ما يعجبنى قطْعُه؛ لأنه على حال قد جاء فيه كراهة"

    وقد ذكر هذا ابنُ مفلح في (حاشيته على المحرر للمجد أبي البركات): أن الإمام أحمد يأخذ بالضعيف في باب الاحتياط. وأنه إن كان النهي واردا في حديث ضعيف كره فعله.

    وقرره النووي في (الأذكار) حين قال: (وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن؛ إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك ، كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة ، فإن المستحب أن يتنزه عنه ولكن لا يجب).

    وفي كتاب الترجل للخلال: أن الإمام أحمد قال في الاكتحال: «وتراً، وليس له إسناد».
    [أيْ ليس له إسنادٌ يصح. وإلا ففيه عن ابن عباس مرفوعاً من رواية عباد بن منصور المشهورة عن ابن أبي يحيي].

    وهذا ليس بسبيل الإمام أحمد وحده؛ فقد قال الشافعي: (وأحب للجنب والحائض أن يدعا القرآن احتياطا؛ لما روي فيه، وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه) [معرفة السنن والآثار: 1/323]

    المبحث الثالث/ قد يَحتج الإمام بخبر ضعيف لا لذاته بل لما عضَدَه من عمل وقياس ونحوهما: فلا يصح الاستدلال بهذه الأمثلة على أنه يأخذ بالضعيف.
    قال ابن النجار في شرح الكوكب المنير - (2 / 573):
    (وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ، كَابْنِ لَهِيعَةَ وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ. فَيُقَالُ لَهُ. فَيَقُولُ أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، لا أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ. وَيَقُولُ: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَيَقُولُ: الْحَدِيثُ عَنْ الْجُعْفِيِّ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ. وَقَالَ: كُنْت لا أَكْتُبُ حَدِيثَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، ثُمَّ كَتَبْته أَعْتَبِرُ بِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَعْجَبَ أَمْرَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ. وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ مِنْ أَعْجَبِهُمْ، يَكْتُبُ عَنْ الرَّجُلِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ ...).

    قال القاضي "قال (الإمام أحمد) في رواية مهنا : الناس كلهم أكفاء إلا حائكا أو حجاما ، فقيل له: أتأخذ به وأنت تضعفه؟ فقال: إنما نضعف إسناده و لكن العمل عليه"

    "وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أن غيلان أسلم و عنده عشر نسوة، فقال: ليس بصحيح و العمل عليه، كان عبد الرزاق يقول: معمر عن الزهري مرسلا".
    قال القاضي: معنى قول أحمد: هو ضعيف، على طريق أصحاب الحديث، لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال و التدليس، والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة، وهذا موجود في كتبهم، تفرد به فلان وحده، فقوله: هو ضعيف، على هذا الوجه، وقوله: والعمل عليه، معناه على طريق الفقهاء ".
    [فالإمام قال بموجَبِه لدلالة القرآن ولجريان العمل عليه]

    وفي مسائل أبي داود (178) أن: «الحائض لا تقرأ القرآن». وساق حديث: «إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع...». ونقل المحققُ (طارق عوض الله) في الحاشية عن الإمام أحمد أنه أنكره.
    [فالإمام أحمد لم يستند في هذا الحكم إلى هذا الحديث، بل للنصوص المتكاثرة عن الصحابة والتابعين في المنْع، ويحتمل أنه قال بموجبه للاحتياط].

    وفي كتاب الترجل للخلال (69) استدلال الإمام أحمد على كراهة حلق القفا بحديث مرسل.
    [وتجد أن الكراهة تحصلت عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى من مقدمتين:
    أما الأولى: فلأنه فعلُ المجوسِ
    وأما الثانية: فمن تشبه بقوم فهو منهم]

    وهذا السبيل ليس هو بسبيل الإمام أحمد وحده:
    ففي علل ابن أبي حاتم:
    (سمعت أبا زرعة يقول: حديث زيد بن أرقم عن النبي في دخول الخلاء: قد اختلفوا فيه؛ فأما سعيد بن أبي عروبة فإنه يقول: عن قتادة عن القسمِ بن عوف عن زيد عن النبي، وحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أشبه عندي، قلت: فحديث إسماعيل بن مسلم يزيد فيه الرجس النجس؟ قال: وإسماعيل ضعيف؛ فأرى أن يقال: الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم؛ فإن هذا دعاء)
    وقال أبو حاتم الرازي: وإن كان مثل هذا لا يثبت (أي: حديث الخراج بالضمان) إلا أنّ عليه العمل

    ولهذا الباب نظائر كثيرة جدا، أن يوردوا الحديث الضعيف في سياق الاحتجاج مع علمهم بضعفه، والحكم لم يبن عليه وحده، ولذلك: فيصح القول بأن باب الاحتجاج أوسع من باب القبول.

    وهذا البابُ معقودٌ: لئلا يُحتجّ بأن الإمام أحمد يحتج بالضعيف (استقلالا) استدلالا بنظائر هذه المسائل.

    المبحث الرابع/ مراد الإمام بالحديث الضعيف.

    قال شيخ الإسْلام ابن تيمية في شرح العمدة ج: 1 ص: 337: ... وقول أحمد وإسحاق إنما أرادا بقولهما حديثان صحيحان[يريدان:حديثا الوضوء من لحوم الإبل] على طريق أهل الحديث واصطلاحهم، وأما الحسن فإنهم لا يسمونه صحيحا مع وجوب العمل به، وهذا كثير في كلام أحمد يضعف الحديث ثم يعمل به؛ يريد أنه ضعيف عن درجة الصحيح ومع هذا فراويه مقارب وليس مُعَارضٌ= فيجب العمل به وهو الحسن، ولهذا يضعف الحديث بأنه مرسل مع أنه يعمل بأَكْثر المراسيل.
    وقال في الفتاوى (1/251) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَلَا حَسَنَةً لَكِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَوَّزُوا أَنْ يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَال مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ ... وَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيحِ وَلَا حَسَنٍ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ كَانَ فِي عُرْفِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ : صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ . وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى ضَعِيفٍ مَتْرُوكٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِلَى ضَعِيفٍ حَسَنٍ كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ بِالْمَرَضِ يَنْقَسِمُ إلَى مَرَضٍ مَخُوفٍ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى ضَعِيفٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .
    وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَدِيثَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ - صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ - هُوَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ . وَالْحَسَنُ عِنْدَهُ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي رُوَاتِهِ مُتَّهَمٌ وَلَيْسَ بِشَاذِّ . فَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ يُسَمِّيهِ أَحْمَدُ ضَعِيفًا وَيَحْتَجُّ بِهِ وَلِهَذَا مَثَّلَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ الهجري وَنَحْوِهِمَا .

    وعلى خطى شيخه سار ابنُ القيم حيث يقول –في كلامه على أصول الإمام أحمد-: (الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده: الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن؛ ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماعا على خلافه =كان العمل به عنده أولى من القياس)

    وقال ابن رجب الحنبلي- وهو من أعلم الناسِ بمذهبِ أحمد -: كان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه ومراده بالضعيف قريبٌ مِن مراد الترمذي بالحسن. [شرح العلل] .

    وقال شيخ الإسلام ( روى إبراهيم النخعي (أن النبي ورث ثلاث جدات جدتيك من قبل أبيك وجدتك من قبل أمك ) وهذا مرسل حسن؛ فإن مراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل فأخذ به أحمد ... )

    هذه النقول عن ابن تيمية وابن القيم وابن رجب: متفقة على أنّ مراد الإمام أحمد بالحديث الضعيف (والذي جاء في رواية الأثرم: "في إسناده شيء" "مرسل") ليس هو الضعيف المصطلح عليه عند المتأخرين؛ بل هو قريب من مصطلح الترمذي (قاله ابن تيمية وابن رجب) (وقال ابن القيم: هو قسم من أقسام الحسن)، والبرهان على ما ذهبوا إليه:
    1- أنه فِي عُرْفِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوْعَيْنِ : صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ . وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إلَى ضَعِيفٍ مَتْرُوكٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِلَى ضَعِيفٍ حَسَنٍ كَمَا أَنَّ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ بِالْمَرَضِ يَنْقَسِمُ إلَى مَرَضٍ مَخُوفٍ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَى ضَعِيفٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .و أن َأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَدِيثَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ - صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ - هُوَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ .
    2- أن الإمام أحمد مَثَّلَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ الهجري وَنَحْوِهِمَا .

    وردّ بعض المعاصرين هذين الدليلين:
    1- بأن الحسن قد ورد في كلام من قبل الترمذي كابن المديني والبخاري وغيرهما.
    2- أن عمرو بن شعيب هو ضعيف عند أحمد.

    والجواب عن هذين الاعتراضين:
    1- أن المتقدمين لم يصطلحوا على اصطلاح للحديث الحسن وأنه هو المرتبة التي بين الصحيح والضعيف، وإنما يطلقونه باعتبار معناه اللغوي، ولذلك تجدهم يطلقونه على الحديث الغريب.
    2- أن عمرو بن شعيب قد قواه أحمد في بعض الروايات، وأجمع ما جاء عن أحمد في عمرو: ما رواه الأثرم: سُئِلَ أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) عن عَمْرِو بن شُعَيْب، فقال: «أنا أكتب حديثه وربما ‏احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء». والمتأخرون يجعلون حديثه حجة مطلقا. حتى لو عارضه ‏حديثٌ صحيح!‏.

    وقال الشيخ حمزة المليباري: الحديث ثلاثة أقسام:
    [1] حديث صحيح ثبت أن رسول الله قد قاله, فهذا حجة ولا ريب.
    [2] حديث ضعيف ثبت أن رسول الله لم يقله. فهذا لا يجوز أن يكون حجة.
    [3] حديث توقف المحدِّث في الحكم عليه. فتجده متردداً في الحكم عليه. ففي الاحتجاج بهذا الحديث خلاف. وأحمد يحتج بمثل هذا. والصواب أن الضعيف الذي يحتجون به أو يستأنسون به أو يقدمونه على الرأي: هو الحديث الذي لم ‏يتبيّن صوابه ولا خطؤه، وذلك لاحتمال أن يكون قولاً للنبي. وقد يطلقون عليه بالضعف أو يطلق ‏عليه المتأخرون بالحسن. وأما ما تبين فيه الخطأ، وثبت أنه قول صحابي أو تابعي وليس قولاً للنبي, ‏فلا يحتج به، ولا مجال لتقديمه على رأيٍ آخر؛ لتساويهما في الأمر.‏ مع العلم أنه ثبت من خلال الاستقراء أن هذه الأحاديث التي يحتجون بها، هي عند المتأخرين من قبيل ‏الحديث الحسن، هذا إذا لم يأت خلافها. [إلى أن قال] ويمكن القول بأن احتجاجهم بتلك الأحاديث الضعيفة التي لم يتبين فيها الخطأ ‏كان على سبيل الاحتياط لاحتمالها أن تكون مما قاله النبي, وليس احتجاجهم بها كما يحتجون ‏بجميع أنواع الأحاديث الصحيحة وما يقاربها.

    قلت: وأنا إلى هذا الرأي الأخير أميل –وهو قريب من القول الأول إلا أنه أوضح منه-؛
    فإن الأئمة النقاد إما أن يتضح لهم أن الحديث محفوظ: وهذا في حال المتابعات وفي حال رواية الثقات مع عدم القرائن على الخطأ.

    وإما أن يتضح لهم أن الحديثَ خطأٌ وهذا يقع في حالِ المخالفة أو عند رواية المتروك (من روايته مطّرحة) أو عند التفرد التي اتضح فيه الخطأ كما لو تفرد من هو سيء الحفظ عن الزهري (وليس له اختصاص به) وهلم جرى. فإن هذا النوع من مقتضى النظر أن لا يحتج به؛ إذ كيف يحتج بما علم أنه خطأ، وإنما يحتج بوجه الصواب منه.

    وإما أن لا يتضح لا صوابه ولا خطؤه: وهذا كما في المرسل، وفي تفرد الصدوق ومن قاربه مع عدم القرائن على الخطأ ؛ فإن المرسل إنما يخاف منه لجهالة الساقط: مع أنه معلوم أنه يحتمل أن الساقط صحابيٌ، ويحتمل أن يكون عدلا ضابطا (إذ الغالب على من هو في تلك الأعصار الديانة والحفظ –سيما في الحجاز-)، وأما التفرد فلعدم وضوح الدليل على الوهم (كما هو الحال عند المخالفة). وهذا القسم يدخل في الحسن والضعيف (المصطلح عليهما عند المتأخرين): فالمرسل من أقسام الضعيف عندهم، ورواية سيء الحفظ ومن قاربه من قبيل الحسن عندهم تارة، وتارة من قبيل الضعف اليسير.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    35

    افتراضي رد: باب ما جاء في احتجاج الإمام أحمد بالحديث الضعيف في الأحكام

    للفائدة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •