بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذا بحث مختصر سهل في دليل ( الاستصحاب ) أرجو أن ينتفع به الإخوة الكرام
أولاً : تعريفه لغةً واصطلاحاً :
الاستصحاب لغةً : استفعال من الصحبة أي طلب الصحبة كقولهم : ( استغفر أي طلب المغفرة واستفهم أي طلب الفهم ) والصحبة يراد بها معانٍ :
الأول : المقاربة والمقارنة ولذا يقال للقرين صاحب .
الثاني : الملازمة وعدم المفارقة ومنه تسمية الزوجة صاحبة لملازمتها للزوج وطول صحبتها له في الغالب كما في قوله تعالى : ﴿ وصاحبته وأخيه ﴾.
الثالث : الحفظ ومنه قولهم : أصحب الرجل واصطحبه أي حفظه .
الرابع : الانقياد ومنه قولهم : أصحب فلان إذا انقاد .
وأما اصطلاحاً : فعرف بعدة تعريفات نذكر منها :
1 - تعريف الغزالي : ( التمسك بدليل عقلي أو شرعي وليس راجعاً إلى عدم العلم بالدليل بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير ، أو مع ظن انتفاء المغير عند بذل الجهد في البحث والطلب ) وبنحوه عرفه ابن قدامة .
2 – تعريف ابن تيمية : ( البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع )
3 – تعريف ابن القيم : ( استدامة إثبات ما كان ثابتاً ، أو نفي ما كان منفياً )
4 – تعريف البخاري : ذكر البخاري أربع تعريفات وهي :
أ – الحكم بثبوت أمرٍ في الزمان الثاني بناء على أنه كان ثابتاً في الزمان الأول .
ب – التمسك بالحكم الثابت في حال البقاء لعدم الدليل المغير .
ج – الحكم ببقاء الحكم الثابت في الماضي للجهل بالدليل المغير لا للعلم بالدليل المبقي .
د – الحكم ببقاء حكم ثابت بغير دليل غير معترض لبقائه ولا لزواله محتملٍ للزوال بدليله لكنه التبس عليك .
يظهر مما سبق في التعريفات أن الاستصحاب يعتمد على عدة أمور :
الأول : أن يستند الاستصحاب إلى دليلٍ عقلي أو شرعي ( كما يظهر في تعريف الغزالي وابن قدامة وغيرهما ) .
الثاني : العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير للحكم السابق ، ولا يكفي في ذلك الجهل بعدم وجود الدليل ، ويحصل العلم أو الظن عن طريق البحث والطلب ممن هم أهلٌ لذلك .
الثالث : أن الدليل المغير لا بد أن يكون شرعياً كما يظهر في تعريف ابن تيمية .
ولعلنا نختار تعريفاً يكون جامعاً مانعاً فنقول هو : ( التمسك بالحكم الثابت شرعاً أو عقلاً في الماضي للعلم أو الظن بانتفاء الدليل الشرعي المغير )
ثانياً : استخدام مصطلح الاستصحاب عند الأصوليين :
لم يكن مصطلح ( الاستصحاب ) مستخدماً في العصور المتقدمة لا العصر النبوي ولا عصر الصحابة والتابعين بل ولا عصر الأئمة الأربعة وإن كان معمولاً به عند الأئمة المجتهدين لكن ليس بهذا المصطلح ، ومن أوائل من ذكر هذا المصطلح ابن القصار المالكي في مقدمته والباقلاني ثم الجويني والشيرازي والدبوسي والباجي وابن حزم وأبو الحسين البصري المعتزلي وكانوا يطلقون عليه مصطلح ( استصحاب الحال ) .
وكان المتقدمون يذكرون للاستصحاب نوعين هما : استصحاب الحال واستصحاب الإجماع ، ثم أضاف المتأخرون أنواعاً أخرى سيأتي بيانها إن شاء الله .
ثالثاً : حجية الاستصحاب :
اختلف في حجية الاستصحاب على أقوال أهمها :
القول الأول : أنه حجة مطلقاً ويصلح للدفع والإثبات وبهذا قال جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة والمتقدمون من الحنفية .
القول الثاني : أنه ليس بحجة مطلقاً وهو قول بعض الحنفية كالدبوسي وابن الهمام وبعض الشافعية وأبي الحسين البصري من المعتزلة وكثير من المتكلمين .
القول الثالث : أنه حجة يصلح للدفع لا للإثبات وبهذا قال جمهور المتأخرين من الحنفية بمعنى أنه يصلح دليلاً يدفع الدعوى الواردة ولا يصلح لإثبات دعوى حادثة ابتداءً ، فالمفقود مثلاً بقاؤه حياً هو الأصل لكنه يصلح حجة لإبقاء ما كان فلا يورث ماله لكن لا يصلح لإثبات أمر لم يكن فلا يرث من أقاربه .
القول الرابع : أنه حجة في حق المجتهد فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى ، وليس حجة في المناظرة مع الخصوم وهو قول الباقلاني .
أدلة الأقوال :
أدلة القول الأول : استدل من يرى حجية الاستصحاب مطلقاً بأدلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والمعقول :
أولاً :أدلة الكتاب :
1 – قوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، وقوله تعالى : وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون
وجه الاستدلال : أن الله بين في هاتين الآيتين أنه أباح لنا كل ما خلق في السماوات والأرض إلا ما ورد به النص .
2 – قوله تعالى : قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجسٌ ، وقوله تعالى : وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ، وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم .
وجه الاستدلال : أن الله بين في هذه الآيات أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما نصَّ على تحريمه وفصله وبينه في كتابه أو على لسان رسوله ، ونهى عن السؤال عن ذلك حتى لا يحرم ما لم يحرم من قبل .
ثانياً : أدلة السنة :
1 – حديث أبي سعيد الخدري ررر قال : قال رسول الله : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانت ترغيماً للشيطان " أخرجه مسلم
وجه الاستدلال : أن الحديث فيه بيان أنه متى شك المرء في صلاته هل صلى ثلاثا أم أربعاً لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو فهو صريح في وجوب البناء على اليقين فالأصل بقاء الصلاة في ذمته وهذا هو الاستصحاب .
2 – حديث عباد بن تيم عن عمه ررر أنه شكا إلى رسول الله الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ؟ فقال : " لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " متفق عليه ، وأخرج مسلم نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وجه الاستدلال :أن هذا يدل على أن الأصل بقاء المتطهر على طهارته فالنبي لم يأمره بالوضوء مع ورود الشك ، وهذا هو معنى الاستصحاب .
ولذا قال النووي _ رحمه الله _ : ( هذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه ، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها )
3 - عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أن رجلاً سأل النبي : ما يلبس المحرم ؟ فقال : " لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوباً مسَّه الورس أو الزعفران فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين " متفق عليه
وجه الاستدلال : أن النبي أجاب السائل بما يحرم عليه لبسه ؛ لأنه ينحصر وأعرض عما يباح له لبسه ؛ لأنه لا ينحصر فهذا يبين أن ما سوى المذكورات يباح لبسه ، وهذا يدل على أن الأصل هو الإباحة .
4 – عن سعد بن أبي وقاص ررر قال : قال رسول الله : " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " متفق عليه .
وجه الاستدلال : أن هذا الحديث يدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة وأن التحريم عارض حيث ربط التحريم بالمسألة وهذا يعني أن المسؤول عنه كان مباحاً قبل ذلك .
ثالثاً : عمل الصحابة والتابعين بالاستصحاب :1 - عن الحسن قال : قال عمر ررر : " إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه انقطاع .
وعن مسلم بن صبيح قال قال رجل لابن عباس _ رضي الله عنهما _ أرأيت إذا شككت في الفجر وأنا أريد الصيام قال كل ما شككت حتى لا تشك " أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والبيهقي في السنن الكبرى .
وجه الاستدلال : أن عمر وابن عباس رضي الله عنهما استصحبا الأصل وهو بقاء الليل إلى أن يتيقن طلوع الفجر ولم يعتدا بالشك في طلوع الفجر .
2 - عن علي ررر قال : " إذا طفت بالبيت فلم تدر أتممت أم لم تتمم فأتم ما شككت فإن الله لا يعذب على الزيادة " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه الحارث كذاب .
وجه الاستدلال : أن علياً استصحب الأصل وهو اليقين وهو الأقل فأمر بالإتمام .
3 - عن علي ررر قال : " إذا فقدت زوجها لم تزوج حتى يصل أن يموت " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وفي رواية عنه عند البيهقي قال : " ليس الذي قال عمر ررر شيء يعني في امرأة المفقود هي امرأة الغائب حتى يأتيها يقين موته أو طلاقها ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها ونكاحه باطل " وروي مثل هذا عن ابن سيرين والنخعي وأبي قلابة والحكم بن عتيبة وجابر بن زيد والشعبي وغيرهم ( أخرج الآثار ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه وسعيد بن منصور في سننه ).
وجه الاستدلال : أن علياً ررر ومن وافقه في حكم زوجة المفقود استصحبوا الأصل وهو بقاء الزوج حياً وعليه فالأصل بقاء حكم الزوجية حتى يرد ما يرفعه .
4 - أن عثمان بن عفان ررر ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف بعد انقضاء العدة وكان طلقها مريضاً " أخرجه مالك في الموطأ وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والبيهقي في السنن الكبرى ، وبهذا أفتى أبي بن كعب وشريح والحسن البصري وابن سيرين أن من طلق زوجته في مرض موته ترثه .
وجه الاستدلال : أن عثمان ررر ومن وافقه في قوله بتوريث المطلقة في مرض الموت استصحبوا حكم النكاح وبقاء عقد الزوجية ، وورثوا الزوجة بعد انقضاء عدتها وعاملوه بنقيض قصده ؛ لأنه إنما أراد الإضرار بها في الظاهر .
5 - كتب عمر بن الخطاب ررر إلى شريح : " أن لا تورثوا حميلاً إلا ببينة " أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما ، وروي مثله عن عثمان _ رضي الله عنه _ أخرجه البيهقي في سننه ثم قال : ( وهذه الأسانيد عن عمر وعثمان _ رضي الله عنهما _ كلها ضعيفة ) ، وقد أفتى بهذا أيضاً الحسن البصري وابن سيرين وغيرهما .
وجه الاستدلال : أن عمر ررر لم يورث الحميل _ وهو من يحمل من بلاده صغيراً إلى بلاد الإسلام وقيل : هو محمول النسب وذلك بأن يقول الرجل لآخر : هو ابني ليزوي ميراثه عن مواليه _ استصحاباً لعدم إسلامه حتى يأتي ببينة أو استصحاباً لجهالة النسب والأصل أنه لا يتوارث أهل ملتين وأنه لا يثبت نسب إلا ببينة فلا يثبت إلا بيقين .
رابعاً : المعقول : وهو من وجوه :
1 – أنه يلزم من نفي الاستصحاب أن لا تثبت المعجزة ؛ لأنها خلاف المستصحب عادةً ، ولا تثبت الأحكام الثابتة في عهده ؛ لأنه يمكن نسخها، ولتساوي الشك في الطلاق والنكاح مع الاتفاق على عدم التساوي ، ولتساوى ايضاً الشك في وجود الطهارة ابتداءً والشك في بقائها .
2 - أن العقلاء وأهل العرف إذا تحققوا وجود شيء أو عدمه وله أحكام خاصة به فإنهم يسوغون القضاء والحكم بها في المستقبل من زمان ذلك الوجود أو العدم حتى إنهم يجيزون مراسلة من عرفوا وجوده قبل ذلك بمدد متطاولة وإنفاذ الودائع إليه ويشهدون في الحالة الراهنة بالدين على من أقر به قبل تلك الحالة ولولا أن الأصل بقاء ما كان على على ما كان لما ساغ لهم ذلك .
3 - أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير ؛ لأنه يتوقف على أمرين هما : وجود الزمان المستقبل ومقابل ذلك الباقي له كان وجوداً أو عدماً ، وأما ظن التغير فيتوقف على ثلاثة أمور : وجود الزمان المستقبل وتبدل الوجود بالعدم أو العدم بالوجود ومقارنة ذلك الوجود أو العدم لذلك الزمان ، وما كان يتوقف على أمرين فقط فهو أولى مما يتوقف على ثلاثة أمور .
4 – أن بقاء الحكم الأول مظنون وراجح، والعمل بالظن والراجح واجبٌ في الأمور العملية بالإجماع .
5 – أن أكثر المجتهدين والقضاة يبنون أحكامهم على الاستصحاب .
أدلة القول الثاني : استدل النافون لحجية الاستصحاب بما بلي :1 – أن الاستدلال بالاستصحاب استدلال بغير دليل وهو باطلٌ شرعاً .
وأجيب عنه بأن الاستصحاب مبنيٌ على العلم بعدم وجود الدليل وليس هو عدم العلم بالدليل فإن عدم العلم بالدليل ليس بحجة وأما العلم بعدم الدليل فهو حجة .
2 – أن العمل بالاستصحاب يؤدي إلى تعارض الأدلة واختلاف الأقوال ؛ إذ يجوز لكل من الخصمين أن يحتج بالاستصحاب ولهذا أمثلة منها : مسألة الشك في الوضوء يرى الجمهور أن الشاك في الوضوء يجوز له أن يصلي بذلك الوضوء واستصحبوا الأصل وهو الطهارة ، بينما ذهب المالكية إلى عدم جواز الصلاة بهذا الوضوء ؛ لأنه مشكوك فيه والأصل المستصحب أن لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة متيقنة .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : بأن تعارض الأقوال والأدلة لا يمنع من حجيته ؛ لأن كثيراً من الأدلة يقع بينها تعارض في نظر المجتهدين مع حجيتها فيقع التعارض بين آيتين وحديثين وقياسين .
الثاني : أن الاختلاف في المثال المذكور إنما هو اختلاف في تحديد جهة اليقين وإلا فالكل متفقٌ على الاحتجاج باليقين والاعتماد عليه ولذا ذكر القرطبي صاحب المفهم أن سبب الخلاف تقابل يقيني الطهارة والصلاة .
أدلة القول الثالث : استدل جمهور الحنفية المتأخرين لكون الاستصحاب حجة في الدفع وليس بحجة في الإثبات بما يلي :
1 - أن الاستصحاب مبنيٌ على عدم وجود الدليل المغير وعدم الدليل حجة قاصرة تكفي للحكم ببقاء الشيء واستمراره لكن لا يقوى على إثبات حكمٍ ابتداء لاحتمال وجود الدليل المزيل وهذا الاحتمال يفيد أن الدليل المغير منفيٌ ظناً لا يقيناً وما كان بهذه الصفة لا يصلح أن يثبت حكماً ابتداءً .
وأجيب عنه بجوابين :
الأول : سلمنا أن الاحتمال وارد في التغيير لكن الاحتمال المعتبر هو الاحتمال الراجح أو المساوي و المقارب وإلا لو قدم الاحتمال لتعطلت معاملات الناس وتعذرت العلاقة بينهم وهذا خلاف العادة .
الثاني : أن ظن البقاء مبنيٌ على العلم أو الظن بعدم الدليل المغير وهذا الظن يصلح للنفي والإيجاب والدفع والإثبات .
2 - أن استصحاب الحال كاسمه وهو التمسك بالحكم الذي كان ثابتاً إلى أن يقوم الدليل المزيل ، وفي إثبات الحكم ابتداء لا يوجد هذا المعنى ، ولا عمل لاستصحاب الحال فيه صورة ولا معنى .
وأجيب عنه بأن الحكم بالاستصحاب ليس إثباتاً لحكمٍ ابتداءً وإنما هو البقاء والاستمرار على الحكم السابق ما لم يرد ما يزيله ويغيره فلا فرق .
أدلة القول الرابع :
استدل من يرى أن الاستصحاب حجة في حق المجتهد فيما بينه وبين الله ، وليس بحجة في المناظرة بأن الأحكام الشرعية العملية يجوز أن تبنى على الظن لكن في المناظرات لا يحتج به لوجود احتمال الدليل المغير وما كان كذلك فإنه لا يحتج به فللخصم أن يقول : الدليل عندي بخلافه .
الترجيح : الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الاستصحاب حجة مطلقاً في الإثبات والنفي في الدفع والابتداء وهو أمرٌ لا بد منه في الدين والشرع والعرف والله أعلم .
رابعاً : مكانة الاستصحاب وقوته :
ينبغي أن يعلم أن الاستصحاب مبني على العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير ، وعليه فهو آخر الأدلة ، وآخر مدار الفتوى وأضعف الأدلة فلا يصار إليه إلا بعد أن لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو قول الصحابي كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، و مما يدل على ضعفه أمران :
1 – أن أدنى دليل مغير يمكن أن يرجح عليه .
2 – أنه مبنيٌ على العلم أو الظن بعدم وجود الدليل المغير وهذا ينبني على قوة المجتهد وسعة علمه وكثرة البحث والطلب في أدلة الشريعة وهذا لا يتأتى لكل مجتهد فقد خفيت كثير من الأدلة على كبار المجتهدين من الصحابة ومن بعدهم ولم يطلعوا عليها .
يتبع