تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: « دراسة حديث شكاية امرأة صفوان بن المعطل »، للأخ صالح بن فريح البهلال.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي « دراسة حديث شكاية امرأة صفوان بن المعطل »، للأخ صالح بن فريح البهلال.

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


    « دراسة حديث شكاية امرأة صفوان بن المعطل »،
    للأخ صالح بن فريح البهلال
    ـ سلَّمَهُ اللَّـهُ تعالى ـ .

    الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

    فهذه دراسةٌ موجزةٌ لحديثِ صفوانَ بنِ المعطَّل رضي الله عنه الذي فيه أن زوجَه جاءت تشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يضربها إذا صلت، ويفطِّرها إذا صامت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس.
    وقد اجتهدت في تخريجه، والحكم عليه، وبيان غامضه، فإلى البيان، والله المستعان، فأقول:

    أولاً: لفظ الحديث:

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة صفوانَ بنِ المعطَّل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوانَ بنَ المعطَّل، يضربني إذا صليت، ويفطِّرني إذا صمت، ولا يصلِّي صلاة الفجر حتى تطلعَ الشمس. قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت؟ فقال: يا رسول الله، أماقولها: يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ سورتين، فقد نهيتها عنها، قال: فقال: ((لو كانت سورةً واحدةً لكفت الناس))، وأما قولها: يفطِّرني، فإنها تصوم وأنا رجلٌ شابٌّ فلاأصبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: ((لا تصومنَّ امرأةٌ إلاّ بإذن زوجها)). قال: وأما قولها: بأني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنّا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لانكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: ((فإذا استيقظت فصل)).

    ثانياً: شرح ألفاظه:

    - صفوان بن المعطَّل: هو ابن رُبَيِّعة - بالتصغير - السُّلَمي، الذَّكواني، وأبوه ضُبِط بفتح الطاء بلا خلاف كما قال النووي في شرح صحيح مسلم 17 / 105، وكذا ضبطه الحافظ ابن حجر في الفتح 8 / 461.
    كان صفوان رضي الله عنه صحابياً فاضلاً، وله ذكر في حديث الإفك المخرج في صحيح البخاري ح 4750 وصحيح مسلم ح 2770، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم عنه: ((ما علمت عليه إلا خيراً)).
    قال ابن إسحاق: قتل صفوان في خلافة عمر رضي الله عنه في غزاة أرمينية شهيداً سنة تسع عشرة، وثبت في صحيح البخاري ح 4757 عن عائشة أنه قتل شهيداً في سبيل الله، ويقال: عاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه، فغزا الروم، فاندقَّت ساقه، ثم نزل يطاعن حتى مات، وكان ذلك سنة54 أو 58هـ وقيل: سنة ستين، وهذا الأخير يعارضه قول عائشة رضي الله عنها: قتل شهيداً؛ لأن عائشة رضي الله عنها ماتت سنة 58هـ.
    ينظر: الإصابة لابن حجر2 / 190 - 191 والفتح 8 /461

    - قوله: ((فإنها تقرأ سورتين، فقد نهيتها عنها)): هكذا جاء في غالب الروايات بدون إضافة، وجاء - كما سيأتي في التخريج - عند أحمد في إحدى الروايتين، وأبي يعلى، والطحاوي وفي بعض نسخ أبي داود - فيما ذكره السهارنفوري في بذل المجهود 11 / 340 - بإضافته إلى ياء المتكلم، هكذا ((سورتي)).


    - قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت سورةً واحدةً لكفت الناس)): اختُلف في معناه بناءً على اختلاف لفظة: ((سورتين)) هل هي مجردة من الإضافة، أم هي مضافة إلى ياء المتكلم؟


    - فمعناها بلا الإضافة: ما ذكره السهارنفوري في بذل المجهود 11 / 341: ((أي لو كانت قراءة الناس في الصلاة بسورة واحدة لكفت الناس، وفي هذا زجر لامرأة صفوان، على أنه لا ينبغي لها أن تطول القراءة بقراءة سورتين؛ فإنها يكفي لها أن تقرأ بسورة واحدة قصيرة)).


    - ومعناها بالإضافة: ما ذكره الطحاوي في شرح المشكل 5 / 288: ((أن يكون ظن أنها إذا قرأت سورته التي يقوم بها، أنه لا يحصل لهما بقراءتهما إياها جميعاً إلا ثواباً واحداً، ملتمساً أن تكون تقرأ غير ما يقرأ، فيحصل لهما ثوابان، فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك يحصل لهما به ثوابان؛ لأن قراءة كل واحد منهما إياها غيرُ قراءة الآخر إياها)).


    وقال السهارنفوري في بذل المجهود 11 / 341: ((لو كانت سورة واحدة في القرآن لكفت الناس قراءتها في الصلاة، فلا ينبغي لك أن تنهاها عن السورة التي تقرأها، فعلى هذا، فالكلام زجرٌ لصفوان عن نهيها عن السورة التي يقرؤها))، ويؤيد هذا المعنى الثاني الرواية التي عند ابن سعد، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إن الناس كلهم لو قرأوها لكفتهم))، و الرواية التي عند أحمد، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو قرأها الناس ما ضرك))، والرواية التي عند الطحاوي، وفيها أن صفوان قال: ((أما قولها: يضربني إذا صليت، فإنها تقوم بسورتي التي أقرأ بها فتقرأ بها))، والرواية التي حاءت في مرسل أبي المتوكل، وفيها أن صفوان قال: ((وأما الصلاة فإن معي سورة، ومعها سورة غيرها، فإذا قمت أصلي قامت تصلي، فتقرأ سورتي، فتغلطني)).


    ثالثاً: تخريجه:

    * أخرجه الإمام أحمد، وابنه عبدالله كما في المسند 18 / 281 ح 11759واللفظ لهما، وأبوداود 3 /193 ح 2451 ، وأبو يعلى في مسنده 2 /308 ح 1037و1174، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 5 /286 ح2044، وابن حبان في صحيحه 4 / 354ح 1488، والحاكم في المستدرك 1 /602، والبيهقي في السنن 4 / 303، والخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة ص 142 ح 75، وابن عساكر في تاريخ دمشق 24 /165-164، كلهم من طريق جرير بن عبدالحميد.
    وأحمد 18 / 323ح11801 من طريق أبي بكر بن عياش.
    وابن سعد في الطبقات 5 / 157، وابن ماجه 3 / 236 ح 1726 من طريق أبي عوانة.
    وعلقه البخاري عنه في التاريخ الأوسط 1 /123
    والدارمي في سننه 2 / 1074 ح1760 من طريق شريك.
    وعلقه البخاري في التاريخ الأوسط 1 /123عن أبي حمزة السكري.
    خمستهم (جرير، وأبو بكر، وأبو عوانة، وشريك، وأبو حمزة) عن الأعمش، عن أبي صالح السمان، عن أبي سعيد الخدري، به، إلا أن رواية ابن ماجه والدارمي مقتصرة على نهي المرأة عن الصوم بغير إذن زوجها، دون ذكر بقية القصة، وفي إحدى روايتي أبي يعلى قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقرئي سورته))، وعند البخاري ذكر طرف القصة.

    * وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده - كما في بغية الباحث للهيثمي 1 /340ح232 - عن روح، ثنا حماد، عن ثابت، عن أبي المتوكل، بمعناه مرسلاً، وفيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة صفوان أن تقرأ سورته.

    وعلَّق هذا الإسناد أبو داود في سننه،عقب إخراجه الحديث متصلاً، فقال: ((رواه حماد - يعني ابن سلمة - عن حميد أو ثابت، عن أبي المتوكل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وأخرجه الخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة ص 142 ح 75 عن أبي محمد الخلال، قال: حدثنا علي بن عمرو بن سهل الحريري، قال: حدثنا أبو الدحداح التميمي، قال: حدثنا موسى بن عامر، قال: حدثنا عيسى بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن عبدالله بن عبيد بن عمير الليثي، بمعناه مرسلاً.

    رابعاً: درجته:

    هذا الحديث ظاهر إسناده الصحة، فرجاله ثقات، وقد صححه ابن حبان، والحاكم، وصححه ابن حجر في الإصابة 2 / 191، والساعاتي في الفتح الرباني 16 / 231، والألباني في السلسلة الصحيحة 5 / 204 وفي الإرواء 7 / 65، وهو ظاهر صنيع ابن القيم؛ فإنه قد ناقش قول بعض من ضعفه، كما في تهذيب السنن 3 / 336 وإعلام الموقعين 4 / 317، إلا أن بعض الأئمة أعله بعدة علل، وهذا سردها، مع نقل كلام من ناقشها:
    العلَّة الأولى: معارضته لحديث الإفك الوارد في صحيح البخاري ح4757، وفيه أن صفوان رضي الله عنه لما بلغه أمر الإفك قال: ((سبحان الله! ما كشفت كَنَفَ[1] أنثى قط))، وفي هذا الحديث إثبات زواجه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة 2 /191: ((ولكن يشكل عليه - يعني حديث زواج صفوان الذي معنا - أن عائشة قالت في حديث الإفك: إن صفوان قال: والله ما كشفت كنف أنثى قط، وقد أورد هذا الإشكالَ قديماً البخاري، ومال إلى تضعيف حديث أبي سعيد بذلك).
    ولعل الحافظ يشير إلى كلام الإمام البخاري في "التاريخ الأوسط" 1 / 123؛ إذ قال: ((حدثني الأويسي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل - تعنى صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني - ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله، هذا في قصة الإفك.
    وقال أبو عوانة، وأبو حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، جاءت امرأة صفوان بن المعطل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن صفوان يضربني)).

    وقد أجاب من صحح الحديث عن هذا الإشكال بما يلي:

    - قال ابن القيم في "تهذيب السنن" 3 / 336: ((قال غير المنذري: ويدل على أن الحديث وَهْمٌ لا أصل له: أن في حديث الإفك المتفق على صحته: قالت عائشة: (وإن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط...) وفي هذا نظر، فلعله تزوج بعد ذلك))، وقال نحوه في "إعلام الموقعين" 4 / 317.
    - وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8 / 462: ((والجمع بينه - يعني قول صفوان: والله ما كشفت كنف أنثى قط - وبين حديث أبي سعيد - على ما ذكر القرطبي - أن مراده بقوله: ما كشفت كنف أنثى قط؛ أي بزنا، قلت: وفيه نظر؛ لأن في رواية سعيد بن أبي هلال، عن هشام بن عروة، في قصة الإفك، أن الرجل الذي قيل فيه ما قيل، لما بلغه الحديث، قال: (والله ما أصبت امرأة قط حلالاً ولا حراماً)، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني: (وكان لا يقرب النساء)،فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه القصة، ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك، فهذا الجمع لا اعتراض عليه، إلا بما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصوراً، لكنه لم يثبت، فلا يعارض الحديث الصحيح)).

    خلاصة كلام هذين الحافظين: أنه بالإمكان الجمع بين هذين الحديثين: بأن صفوان في حادثة الإفك، لم يتزوج، ثم تزوج بعد، وكلامهما وجيه من حيث النظر؛ فإن حادثة الإفك وقعت بعد قفوله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وكانت سنة خمس، فيجوز أن يكون صفوان قد تزوج بعدها، وليس في حديث الإفك ما يمنع، وقول صفوان: ((ما كشفت كنف أنثى قط)) أتى بصيغة الماضي،وما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصوراً، لم يثبته الحافظ، فالذي يظهر - والله أعلم - أن هذا ليس علة الحديث.


    الثانية: أن الأعمش موصوفٌ بالتدليس، وقد عنعن هنا، وممن وصفه بالتدليس من الأئمة:

    1 - ابن معين، نقله عنه ابن عبد البر في التمهيد 1 / 31.
    2 - النسائي، في كتابه: ذكر المدلسين ص125.
    3 - أبو الفتح الأزدي، كما في الكفاية للخطيب ص400، فإنه قال: ((نحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه؛ لأنه يحيل على مليء ثقة، ولا نقبل من الأعمش تدليسه؛ لأنه يحيل على غير مليء، والأعمش إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعباية بن ربعي....).
    4، 5 - الكرابيسي، والدارقطني، ذكره عنهما الحافظ ابن حجر في تعريف أهل التقديس ص118.
    6 - ابن حبان، في كتابه الثقات 4 / 204.
    7 - الذهبي، في الميزان 2 / 224 فإنه قال: ((... وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا، فلا كلام، ومتى قال: ( عن ) تطرق إليه احتمال التدليس..)).
    8 - الحافظ ابن حجر، في التقريب رقم 2615.

    * فإن قيل: قال أبو داود كما في سؤالاته ص 199: سمعت أحمد، سئل عن الرجل، يعرف بالتدليس، يحتج فيما لم يقل فيه: (سمعت)؟
    قال: (لا أدري)، فقلت: الأعمش، متى تصاد له الألفاظ؟ قال: (يضيق هذا؛ أي: أنك تحتج به). وقال الذهبي في الميزان 2 /224: (... متى قال - يعني الأعمش -: ( عن ) تطرق إليه احتمال التدليس ؛ إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال...).
    فيقال: إن هذا الكلام محمول على الغالب من حال الأعمش، لا أن يُسَّلم مطلقاً بقبول روايته عنهم، خاصةً إذا صاحب الحديث نكارة متن، فإن هذا قرينة تقوِّي تدليسه، كما هنا، وقد ورد عن بعض الأئمة - ومنهم الإمام أحمد - أنه وصف الأعمش بالتدليس، مع روايته عن أمثال هؤلاء الكبار،وإليك البيان:
    قال العلائي في جامع التحصيل ص 189-190: (... وروى الأعمش عن أبي وائل، عن عبدالله: كنا لا نتوضأ من موطئ، قال الإمام أحمد: كان الأعمش يدلس هذا الحديث، لم يسمعه من أبي وائل، قلت له: وعمن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي وائل، فطرح الحسن بن عمرو، وجعله عن أبي وائل، ولم يسمعه منه، وقال سفيان الثوري: لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم في الوضوء من القهقهة، وروى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، في حديث (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن) قال يحيى بن معين: لم يسمع الأعمش من أبي صالح).
    وقد أعل الإمام أحمد حديث (الإمام ضامن...) كما في العلل المتناهية 1 /433:فقال: (ليس لهذ الحديث أصل، ليس يقول فيه أحد عن الأعمش، أنه قال: أنا أبو صالح، والأعمش يحدث عن ضعاف).

    قال المعلمي في حاشية تقدمة الجرح والتعديل ص70: (كان الأعمش - رحمه الله - كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيراً من الكبار، ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه، ما سمعه من الكبار).

    * فإن قيل: فإن الحافظين العلائي و ابن حجر ذكرا الأعمش في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين كما في جامع التحصيل ص113وتعريف أهل التقديس ص118، وهي طبقة من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه، فيقال: قال العلامة المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة ص 351:
    (ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة تقبل عنعنتهم مطلقاً كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو الساقط منه ثقة، أو كان ثابتاً من طريق أخرى، ونحو ذلك... وقد أعل البخاري في تاريخه الصغير ص 86 خبراً رواه الأعمش، عن سالم، يتعلق بالتشيع: والأعمش لا يُدرى، سمع هذا من سالم أم لا؟ قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش، أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها ديناًَ).
    أي، لا يمتنع إعلال حديث أمثال هؤلاء، إذا احتف بالخبر قرائن، تدل على أنه دلسه.
    ثم إن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد ذكرالأعمش في كتابه النكت 2 / 640في الطبقة الثالثة.

    وممن أعل الحديث بذلك أبوبكر البزار، حيث قال – فيما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (8/462): (قال البزار هذا الحديث كلامه منكر ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة وليس للحديث عندي أصل انتهى)، وحكى صاحب عون المعبود 7 / 95 كلام البزار هكذا: (.... وإنما أتى نُكْرة هذا الحديث ؛ أن الأعمش
    لم يقل: حدثنا أبو صالح، فأحسب أنه أخذه عن غير ثقة، وأمسك عن ذكر الرجل، فصار الحديث ظاهرُ إسنادِه حسن).
    * فإن قيل: فإن الحافظ ابن حجر قال في الفتح 8 / 462 متعقباً البزار: (وما أعله به ليس بقادح ؛ لأن ابن سعد صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح).
    فيقال: إن الحديث جاء من طريق يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ورواه عن يحيى راويان:
    - محمد بن يحيى الذهلي، كما جاء عند ابن ماجه، وقد رواه بعنعنة الأعمش.
    - ابن سعد في طبقاته، وقد رواه بتصريح الأعمش بالتحديث.
    و محمد بن يحيى الذهلي أضبط وأحفظ من ابن سعد، وقد قال الحافظ عن الذهلي في التقريب (6388): (ثقة حافظ جليل) وقال عن ابن سعد (5903): (صدوق فاضل) مما يدل على أن رواية الذهلي هي الراجحة، وأن ابن سعد رحمه الله قد وهم فيه، فيكون التصريح بالتحديث شاذاً غير محفوظ، ومما يؤكد هذا أن من تابع أبا عوانة من الرواة، وهم: جرير، وأبوبكر بن عياش، وشريك، وأبوحمزة السكري، رووه بعنعنة الأعمش، ولا شك أن اتفاق الرواة، يدل على حفظهم، وعدم دخول الخطأ عليهم، والخطأ غالباً ما يكون في حديث الفرد، وهو عن الجماعة أبعد.

    * فإن قيل: إن الأعمش قد توبع، فقال الحافظ ابن حجر في الفتح 8 / 462 - لما أورد الرواية المرسلة، التي أخرجها الحارث، وعلقها أبوداود - قال:(وهذه متابعة جيدة، تؤذن بأن للحديث أصلاً)، وقال صاحب عون المعبود 7 /94- وهو يتكلم على الرواية المرسلة في السنن - قال: (والحاصل أن أبا صالح ليس بمتفرد بهذه الرواية عن أبي سعيد، بل تابعه أبو المتوكل عنه، ثم الأعمش ليس بمتفرد أيضاً، بل تابعه حميد أو ثابت، وكذا جرير ليس بمتفرد، بل تابعه حماد بن سلمة، وفي هذا كله ردٌ على الإمام أبي بكر البزار...).

    فيقال: إنما يسلم بأنها متابعة، لو كانت متصلة مسندة، عن أبي سعيد، أما والواقع أنها مرسلة، فإنه لا يفرح بها، ولا تعزِّز الطريق الأولى، بل إن بعض الأئمة قد جعلها علة للطريق الأولى،كما صرح به الحافظ في الموضع السابق من الفتح.
    - وقد وهم صاحب عون المعبود، فظن أبا المتوكل يرويه عن أبي سعيد، وليس كذلك، ولعله أُتي بسبب نقص النسخة التي وقف عليها ؛ إذ ليس في بعض النسخ: (عن أبي المتوكل، عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وإنما تقف على أبي المتوكل.

    الثالثة: نكارة ألفاظه، فقد جاء في عون المعبود 7 / 95 أن المنذري قال:(قال أبو بكر البزار: هذا الحديث كلامه منكرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ولو ثبت احتمل إنما يكون إنما أمرها بذلك
    استحباباً، وكان صفوانُ من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..... ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدح هذا الرجل ويذكره بخير،وليس للحديث عندي أصل).
    أي فلا يليق بصحابي أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما علمت عليه إلا خيراً) أن يضرب زوجه لأنها تطيل القراءة في الصلاة، أو لأنها تقرأ بسورته التي حفظها!
    ومما يدل على نكارته: أن النبي صلى الله عليه وسلم كره احتجاج علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما طَرَقه هو وفاطمة - رضي الله عنهما - ليلةً، فقال:(ألا تصليان) فقال عليٌ رضي الله عنه: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال علي - رضي الله عنه -: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبرٌ يضرب فخذه ويقول:[...وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا]. أخرجه البخاري (1127) ومسلم (775).
    فإذا كان النبي "كره احتجاج عليٍ رضي الله عنه بالنوم في ترك قيام الليل، وأراد منه أن ينسب التقصير إلى نفسه، كما أشار إلى ذلك ابن التين كما في الفتح 3 /11، فلأن يلوم النبي صلى الله عليه وسلم المتخلف عن الصلاة الفريضة على سبيل الديمومة والاستمرار من باب أولى، والله أعلم.
    وقال الذهبي في السير 2 /549-550: (وقد روي: أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إنا أهل بيت معروفون بذلك، فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على ساقة الجيش، فلعله آخر باسمه).

    وهذا العلة الثالثة لا تنفك عن العلة الثانية، بل تقويها وتؤكدها، فقد قال المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة ص (ح):

    (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا له علة قادحة مطلقاً، حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر، فمن ذلك إعلالهم بأن راويه لم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من التهذيب...)، ثم ساق أمثلة أخرى ثم قال: (وحجتهم في هذا، بأن عدم القدح في العلة مطلقاً، إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر، الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب، بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق).

    الخلاصة:

    أن الحديث لايصح مسنداً، وإن كان ثابتًا مرسلاً عمَّن أرسله، وهما أبو المتوكل، وعبيد بن عمير الليثي، والرجال إليهما ثقات ما خلا الطريق إلى عبيد بن عمير، ففيها: موسى بن عامر، صدوق له أوهام، كما في التقريب6979.
    ثم إن الحديث ليس فيه مستمسك لمن اعتاد النوم عن الصلاة ؛ محتجاً بهذ الحديث، فإن القائلين به، حملوا الحديث على من يُشْبِهُ أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع، واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه، كما أشار إلى ذلك الخطابي في معالم السنن 3 /337، والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
    ـــــــــــــــ ـــــــــ
    [1] قال الحافظ في الفتح 8 / 462: ((أي ما جامعتها، والكنف بفتحتين: الثوب الساتر، ومنه قولهم: أنت في كنف الله؛ أي في ستره... )).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « دراسة حديث شكاية امرأة صفوان بن المعطل »، للأخ صالح بن فريح البهلال.

    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •