تقديم
فضيلة الشيخ الدكتور/ عاصم بن عبد الله القريوتي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على نبيِّه ورسوله محمد، وبيَّنه أحسن بيان، ورضي الله عنه وعلى صحبه الذين ساروا على نهجه واتبعوا هداه وعلى آله، وبعد:
فإنَّ هذا السِّفر الذي بين أيدينا «مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم» له أهميَّته ومكانته من عدة أوجهٍ:
أولاها: أنه مسندٌ اعتنى بجمع مرويات الفاروق –رضي الله عنه- عن نبيِّ الهدى –صلى الله عليه وسلم-، وغير خافٍ على كلِّ ذي بصيرةٍ منزلة هذا الخليفة الراشد الذي نصر الله به الإسلام وكان يفرُّ منه الشيطان، إذ أنه كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك»، ولا ينال من الفاروق إلا مبغضٌ للإسلام ولنبيِّ الإسلام –صلى الله عليه وسلم-، ذلك لأنَّ الطعن فيه وفي غيره من الصحب العظام –رضي الله عنهم جميعا- طعنٌ في كَتَبَة الوحيين وناقليهما، بل هذا أعظمُ سبيلٍ للطعن في الكتاب والسُّنة مما قد يعجز عنه أعداء الإسلام، فتنبَّه رعاك الله.
وثانيها: أنه عُني بجمع أقوال هذا الخليفة الراشد، ومعلومٌ لدى من رُزق الفقه في الدين أهمية معرفة آثار الصحابة وما لها من مكانةٍ، لا سيما ما كان عليه الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي –رضي الله عنهم-، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ».
ومما يؤكد أهمية معرفة آثار الصحابة أنَّ منها ما له حكم الرفع؛ مما لا يقال بالرأي، وكذا أسباب النزول، وما بيَّنه الصحابة مما لا تعرفه العرب، إضافةً إلى أهمية معرفة فهمهم وفقههم للنصوص الشرعيَّة –رضي الله عنهم-.
وثالثها: أنَّ مؤلف صاحب هذا الكنز هو الإمام المحدِّث الناقد: عماد الدين بن كثير الذي استفاضت شهرته، وتعدَّدت مؤلفاته، وتنوَّعت شهادة من تَرجم له بالثناء عليه، وتضلُّعه بعلوم التفسير والحديث والتاريخ وغيرها، وبقوَّة حافظته، وكثرة استحضاره، وهو خريج مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي والمزي رحمهم الله، وكان على اعتقاد السَّلَف الصالح –المشهود لهم بالخيريَّة- ومنابذًا لأهل البدع والأهواء.
ورابعها: أنَّ هذا الكتاب جمع مرويات وآثار الفاروق –رضي الله عنه- من قرابة مائة وأربعين مصدرًا، منها خمسة عشر مصدرًا في عداد المفقودات من المخطوطات الحديثيَّة القيِّمة.
وخامسها: أنَّ هذا السِّفر ليس جمعًا للمرويات فحسب، ولكنه إضافةً إلى تبويبها على أبواب العلم فقد اعتنى المؤلف الناقد ابن كثير –رحمه الله- بتخريج هذه المرويات وحسن سياقه لها، والحكم على كثيرٍ منها، وبيان ما فيه من علَّةٍ، وهو جديرٌ بأن يعتني الباحثون بدراسة منهجه في ذلك ليستفاد منه، إضافةً لبيانه بعض ما تدلُّ عليه من الفقه.
وسادسها وآخرها: أنَّ إخراج هذا الكتاب وتحقيقه من أخينا الفاضل الشيخ إمام بن علي بن إمام –وفقه الله- جاء متميِّزًا في جوانب عدَّة:
حيث اعتنى بإخراج النصِّ على وجهٍ أقرب إلى ما أراده مؤلفه، مع العناية الفائقة بتوثيق النصوص من المصادر التي نقل عنها المؤلف، مع التنبيه على المغايرات بينها –إن وجدت- وخاصة في الأسانيد.
كما قام –وفقه الله- بتخريج المرويات فيما تيسر له دون توسُّع لا حاجة له، ودَرَس الأحكام على هذه الأحاديث والآثار، مع عنايته بالأحاديث المعلَّة، ولا يعلم عناء ذلك إلا من مارسه.
كما عُني بنقل ما وَجَد من أحكام أئمة المحدِّثين من بطون العديد من الأسفار على مدار العصور، وهذا مما يُشكر عليه ويُدعى للسير على منواله؛ لأنَّ بالرجوع إلى أحكامهم وخاصةً فيما اتفقوا عليه، تطمئن النفوس وترتاح، وما سوى ذلك فيسعنا ما وسعهم مع الاحترام والتبجيل والعذر لمن كان الظن أنَّ قوله مرجوحًا مع أنه قد يكون راجحًا كما يعلم ذلك أهل الشأن، وكم من إمام قال قولاً ثم بان له خلافه، وهذا من إنصاف أئمتنا المحدِّثين أهل السُّنة أئمة أهل الجرح والتعديل، خلافًا لما يفتريه الحاقدون المنحرفون من أهل الأهواء، كصاحب كتاب «العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل» وهو اسم على غير مسماه، إذ حوى كتاب هذا الزيدي الافتراء والتحامل والحقد على أهل السنة، ولا تقل عنه تعليقات محقق ذلك الكتاب وناشره المتخبط حسن السقاف –هداه الله-.
ختامًا: إنَّ هذا الجهد من فضيلة المحقق مما يُشكر عليه، فرضي الله عن أبي حفص الفاروق وسائر الصحابة، ورحم الله الحافظ ابن كثير وأعلى درجته في الجنة، وجزى أخانا الشيخ إمام بن علي على هذا العمل خير الجزاء وجعله في موازينه، وزاده رفعةً في العلم، وخَتَم لي وله وللقارئين بالصالحات، وعلى الإسلام والسُّنة، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: أبو صهيب عاصم بن عبد الله بن إبراهيم الخليلي آل معمر القريوتي.
في مدينة الرياض، في العاشر من شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة.