الأوهَام الواقعة في أسماء العلماء والأعلام
إعداد
مصطفى بن قحطان الحبيب
الحمد لله وكفى، وسلام على عبده المصطفى، وبعد:
فإن من منة الله على هذه الأمة أن بعث فيها نبيها المصطفى رحمة لهذه الملة، ومن رحمته ومزيد فضله أن جعل علماءها وأعلامها هم ورثة الأنبياء، وهم الذين يحملون هذا العلم حتى صح قول من قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».
وقد ألفت كتب ورسائل لتعرف الناس بأعلام الأمة وعلمائها، ذاك أن الأمم لا بد لها من أن تعرف تاريخ عظمائها؛ ليكونوا منارًا لمن بعدهم، وسيرهم هديًا لأجيالهم، وأثناء مسيرتي العلمية لاحظت أن هناك مشاكل تشكل على طلبة العلم، بل وعلى الجيل المسلم، وقد يتجاوز الأمر إلى بعض المحققين، وإن كانت هذه الإشكالات تتفاوت من طبقة إلى طبقة، فنحن نىر أن طلبة العلم الشرعي الذين يميزون أكثر المتشابه والمشكل قد يقعون في بعض منه، والأمر في ظني يعود إلى سعة الاطلاع، وقوة الطلب العلمي، ودقته، والإشكال الذي أعني هنا هو الاشتباه الحاصل في تشابه أسماء العلماء والأعلام في الاسم والرسم.
إنَّ اختلاط أسماء الأعلام بعضهم ببعض يمثل مقوقًا في فهم أشياء كثيرة في العقيدة، والفقه، والسلوك، والتاريخ، وغير ذلك، والمتطلع إلى ما تحويه المكتبة الإسلامية يجد إشكالًا واضحًا يواجه الجيل المسلم في إدراك حقيقة هذا العَلم أو العالم، وهذا الوهم لا يشمل الكُتاب المسلمين وعامتهم، بل امتد إلى أهل العلم، والمتطفلين على أهل التحقيق والمتعالمين.
والذي دفعني لكتابة هذا المقال أن لي مع كل علم من الذين سأذكرهم في هذه العجالة السريعة قصة إما كتاب، أو طالب علم، أو محقق. وما سأذكره ينبئ القارئ الكريم عن حجم الضعف العلمي والثقافي لهذه الأمة، وابتعادها عن سير علمائها، بل ويريك بونًا شاسعًا بين عامة أهل الدين، والإيمان، وأعلام أمتنا المجيدة.
وإليك أمثلة بسيطة لذلك، فقد حاول جمع من كتاب أهل البدعة والباطنية أن يخلطوا على أهل الحق، مستخدمين تشابه الأسماء، فهذا الكاتب المصري المعروف أحمد أمين صاحب كتاب «ضحى الإسلام»، و«فجر الإسلام»، و«بدأ الإسلام» اختلط على البعض بكاتب رافضي خبيث –أحسبه من أهل لبنان- يدعى أحمد أمين أيضًا، وهو صاحب كتاب «التكامل في الإسلام»، وللرافضة تاريخ قديم بذلك فقد دسَّ أهل الضلالة كتابًا يدعى «الإمامة والسياسة»، ونسبوه زورًا إلى خطيب أهل السنة والجماعة الإمام ابن قتيبة الدينوري، والكتاب كما هو معروف محشو بذم الصحابة، وإثارة الخلاف بينهم، وقد انبرى جمع من الكتَّاب لبيان بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة، وكما قال المثل: حبل الكذب قصير.
ومثال آخر: هو اشتباه الأديب المحقق محمود شاكر مع أستاذ التاريخ محمود شاكر، والأول هو شقيق العلامة أحمد محمد شاكر، وقد اشترك مع أخيه في تحقيق كتب جمة، والثاني هو صاحب الكتاب المشهور «تاريخ الإسلام» وغيره.
ومثال ثالث: اشتباه اسم الشيخ ابن عثيمين بالمحقق المشهور عبد الرحمن بن عثيمين.
والاشتباه مداره على أشياء كثيرة، نذكر بعضًا منها:
1- اشتباه سببه اللقب، أو اسم الشهرة.
2- تطابق الاسم واسم الأب، وأحيانًا حتى الجد.
3- الاشتباه بين الأب والابن، وقد قرأت مرارًا كتب تترجم للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله ويُوضع في ترجمته كتاب «الاختيارات لفتاوى شيخ الإسلام» وتنسبه لابن القيم، وهو لابنه برهان الدين. وكذا الإمام الحافظ أبو داود وابنه فلا يزال المترجمون ينسبون كتب الأب للابن، والابن للأب. والأمثلة في ذلك كثيرة.
4- الاشتباه الحاصل من رسم الكلمة، ومثاله الهيثمي (بالثاء)، والهيتمي (بالتاء)، وسبب هذا الخطأ النسخ، والنسَّاخ، والمطابع، وضعف التصحيح في المطبوعات الحديثة.
5- عدم التنبيه من قبل أهل العلم، وأساتذة الجامعات، والمشايخ على الأوهام الحاصلة، وقد اهتم أهل الحديث سابقًا بتبيين ذلك، وخاصة في أسماء الرواة، وهذا علم اندرس، والحاجة اليوم ماسة مع انتشار الحس الثقافي للفرد والأمة، وأعني: بالثقافة الثقافة الإسلامية.
من أجل هذا وغيره توكلت على العزيز الرحيم، واستمدت العون من ربي، وسألته أن يفتح لي في أن أكتب الأسماء والأعلام الذين حصل فيهم لبس معين، أو قد يحصل.
وقد جمعت عددًا لا بأس فيه إلا إنني بدأت بمجموعة مهمة، وسأكملها بعد حين في أعداد قادمة. وقد أهملت بعض التشابه بالألقاب؛ وذلك لعدم شهرة المشتبه به. فإدراجه في مقالنا هذا يولد إشكالًا جديدًا على القارئ اللبيب ... وعسى ربي أن ينفع به أهل العلم، وعامتهم، ويقبله مني –آمين- وصلى الله على سيد المرسلين (1).
--------------------------------
(1) ملاحظة: جميع السنين المكتوبة بالتاريخ الهجري فقط.