تمثُّلُ الجنِّ بصورةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ ومحاربتُهُم لَهُ
تمثل بعض الجن بالشيخ عند استغاثة بعض الناس به
قال([1]):" ذكر غير واحد أنه استغاث بي من بلاد بعيدة وأنه رآني قد جئته، ومنهم من قال: رأيتك راكبًا بثيابك وصورتك، ومنهم من قال: رأيتك على جبل، ومنهم من قال غير ذلك، فأخبرتهم أني لم أغشهم، وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بالله ودعوا غير الله"انتهى
وقال([2]):"... كما جرى مثل هذا لى كنت فى مصر فى قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية. فلم يشك ذلك الأمير أنى أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين، وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولًا، وكنت فى الحبس فاستعظموا ذلك، وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيًّا يحبنا، فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاءوا إلى دمشق كنت أدعوهم إلى الإسلام، فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامى ليظن ذاك أنى أنا الذى فعلت ذلك. قال لى طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكًا؟ قلت: لا، إن الملك لا يكذب، وهذا قد قال: أنا ابن تيمية، وهو يعلم أنه كاذبٌ فى ذلك. وكثير من الناس رأى من قال: إنى أنا الخضر، وإنما كان جنيًّا"انتهى
وقال([3]):" وأعرف من ذاك وقائع كثيرة في أقوام استغاثوا بي ، وبغيري في حال غيبتنا عنهم، فرأوني أو ذاك الآخر الذي استغاثوا به قد جئنا في الهواء، ورفعنا عنهم، ولما حدثوني بذلك بينت لهم أن ذلك إنما هو شيطان تصور بصورتي وصورة غيري من الشيوخ الذين استغاثوا بهم ليظنوا أن ذلك كرامات للشيخ فتقوى عزائمهم في الاستغاثة بالشيوخ الغائبين والميتين، وهذا من أكبر الأسباب التى بها أشرك المشركون وعبدة الأوثان"انتهى
محاربة الشيخ لأرواح شيطانية
قال ابن القيم في كتابه الماتع –حقًا- مدارج السالكين([4]):" كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة[5]، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له فى مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال: فلما اشتد علي الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبة. وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته"انتهى
(قلت): تخصيص قراءة آيات السكينة عند اشتداد الأمور والكرب مشكل، وظاهره جار على قاعدة البدع الإضافية. ويجاب على ذلك بأمور:
أحدها: أن التخصيصَ عُلِمَ بالدُّربة والتجربة.
الثاني: لا نسلم بأن ذلك التخصيص محدث، بل أنزلت آيات السكينة جميعها على النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة كربات حلت عليه وأصحابه، أنزلت لتفريجها بقراءة تلك الآيات، فالجمع بينها لا شيء فيه.
الثالث: نص ابن القيم لا يقطع بإفراد هذه الآيات بالقراءة في تلك الحال، لا سيما والشيخ ابن تيمية لم يذكره في كتبه ولا نقله عنه غيره، والله أعلم.
والأمر مشكل، وهذا ما فتح لي به، ولعلي أمعن النظر فيه، وأعيد الكرة لحله في مقال مفرد، والله الموفق.
والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا ومولانا محمد.

[1] - الجواب الصحيح (2/322)، تحقيق د.علي حسن ناصر‏,د.عبد العزيز إبراهيم العسكر ,د. حمدان محمد، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1414هـ.

[2] - مجموع الفتاوى(13/92-93).

[3] - مجموع الفتاوى(1/360).

[4] - مدارج السالكين(2/502-503)، تحقيق محمد حامد الفقي، طبعة دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية1393هـ.

[5] - هي ستُّ آياتٍ:
§ قوله تعالى { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }(البقرة-248).
§ قوله تعالى{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}(ا لتوبة-26).
§ قوله تعالى{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة-40).
§ قوله تعالى{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}(الفتح-4).
§ قوله تعالى{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(الفتح-18).
§ قوله تعالى {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الفتح-26).