بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
نتج عن رفض الزوجة الأولى لمبدأ تعدد الزوجات وكذا بسبب الجهل بأحكام الدين, وغلاء المهور وكثرة متطلبات المعيشة ، والشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول التعدد أن فتحت الأبواب للبحث عن البدائل ، ومنها ظهور أنواع كثيرة من الزيجات ؛ كزواج السر ، والزواج المؤقت ، وغيرها ومنها ما يسمى بـ ( زواج المسيار) الذي انتشر حديثاً في الجزيرة العربية ؛ لذا فإننا أفردنا له فصلاً خاصاً للتعرف عليه ، ثم التعرف على الأسباب التي أدت إلى انتشاره ، وحكمه ثم إيجابياته وسلبياته مع ذكر التوصيات الخاصة بذلك.
أولاً: تعريفه
هو عقد نكاح شرعي مستوفي الأركان تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها من نفقة ، وسكنى ، ومبيت ، أو أحدها ترغيباً له للاقتران بها ، حتى تتمتع بالحياة الأسرية قبل انقطاع الأمل في ذلك .
ثانياً : سبب تسميته بذلك
كلمة المسيار يستخدمها أهل الجزيرة العربية بمعنى الزيارة ، وسمي بذلك لأن الرجل يذهب إلى زوجته غالباً في زيارات نهارية أشبه ما تكون بزيارات الجيران ، والزوار لا يطيلون المكوث عند المزار ولذا كان يعرف بـ (زواج النهاريات) قديماً ؛ لأن الزوج يزور زوجته في النهار فقط .
ثالثاً : أسباب شيوع زواج المسيار
1- كثرة العوانس اللاتي فاتهن قطار الزواج ، أو تقدم بهن السن .
2- كثرة المطلقات اللاتي يتوفر لديهن العائد المادي ، ويشعرن بالحاجة إلى حياة أسرية مطمئنة .
3- كثرة الأرامل اللاتي مات أزواجهن ، وخلفوا وراءهم ثروة .
4- عمل المرأة ، والذي جعل لها مورداً خاصاً بها .
5- كثرة عوائق الزواج لدى الرجال سواء المادية ، أو الاجتماعية : كغلاء المهور ، وارتفاع كلفة تجهيز بيت الزوجية .
6- رفض الزوجة الأولى لمبدأ التعدد .
7- طمع بعض الرجال في راتب زوجة المسيار .
8- رغبة بعض الفتيات في عدم الارتباط الكامل بزوج يكون له كافة الحقوق الزوجية
9-النواحي الإنسانية ، تجد بعض البنات تكون أمها مريضة ، وبأمس الحاجة على بقائها بجانبها أو بجانب أبيها إذا كان عاجزاً ، وترغب البنت في الاقتران بزوج ، وهي في بيتها فتجمع ين الأمرين عصمة لنفسها ، وعدم ضياع أهلها .
رابعاً : حكمه الشرعي
قبل الحكم لا بد أن نفرق بين صورتين :
الصورة الأولى : أن يستوفى العقد جميع أركانه من الإيجاب ، والقبول ، والشهود ، والولي ، ولا يذكر فيه شرط تنازل المرأة عن حقها في النفقة أو السكن أو المبيت بل يكون ذلك حسب اتفاق بين الزوجين خارج صلب العقد .
وقد اختلف الفقهاء في هذه الصورة على قولين :
الأول : اتفق جمهور العلماء على صحة هذا العقد لاستيفائه لأركانه ، وللمرأة الحق في الرجوع عن شرطها ، أو التنازل عن حقها بطيب نفس منها – انظر المغني لابن قدامه ج7 ص72 - ؛ لقوله تعالى في سورة صدر سورة النساء:
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا.
وقال أهل الظاهر : ببطلان الشرط فقال ابن حزم : كل شرط خالف مقتضى العقد فإن كان في العقد أبطله وإن كان خارج العقد بطل الشرط – انظر المحلى لابن حزم ج9 ص517
الصورة الثانية : أن يذكر شرط تنازل المرأة عن حقها في السكنى ، والنفقة والمبيت في صلب العقد ، ففي هذه الصورة ثلاثة أقوال :
القول الأول : بطل العقد والشرط وهو قول الظاهرية – انظر المحلى لابن حزم ج9 ص517 – ورواية عن الشافعي – انظر الفتح لابن حجر ج10 ص218 – ودليلهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" – سنن ابن ماجة رقم الحديث 2521 .
القول الثاني : صح العقد وبطل الشرط ، وهو المعتمد في مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة وبه قال الثوري – انظر المغني لابن قدامه ج7 ص72 –
ودليلهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "كل شرط لي في كتاب الله فهو باطل" - سبق تخريجه- وهذا شرط لم يأمر به الله ولا رسوله ، ولأنه يتضمن إسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده ، فلا يصح كما لو أسقط الشفيع حقه في الشفعة قبل البيع ؛ ولأن المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم
إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج
سنن أبي داوود رقم الحديث 2139 – هو الشروط التي توافق مقتضى العقد كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها ، وكسوتها ، وسكناها بالمعروف ، وألا يقصر في شيء من حقوقها ، ويقسم لها كغيرها .
القول الثالث : صح العقد ، وجاز الشرط ، وهو رواية عند الحنابلة إذ روي عن الإمام أحمد أنه قال : يجب الوفاء بالشرط مطلقاً – انظر الفتح لابن حجر ج1 ص218 – وهو قول الأوزاعي – انظر شرح سنن أبي داود لمحمد شمس الحق ج6 ص125.
وبه قال أصحاب الرأي الحنفية –انظر المغني لابن قدامه ج7 ص72.
وكان الحسن ، وعطاء ، وابن سيرين لا يرون في نكاح النهاريات باساً – ص72 انظر مصنف ابن أبي شيبة ، تحقيق كمال يوسف الحوت ج3 ص508 ، وعلقه البخاري في كتاب الشروط باب السمسرة – ودليل هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون عند شروطهم - سنن البيهقي الكبرى ، ورقم الحديث 11212 - وقوله صلى الله عليه وسلم : إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج
سنن أبي داود رقم الحديث 2139 ––
يتضح من خلال ما سبق ذكره من أقوال أهل العلم أن هناك خلافا قائما حول صحة هذا الزواج ومرجع الخلاف إلى الشروط التي تصاحب العقد كما يحدث في تنازل المرأة عن بعض حقوقها "عدا الجماع" الذي لا يجوز أن يشترط في العقد لأنه شرط ينافي مقصود العقد فيبطله والذي يترجح عندي هو القول بصحة العقد وجوازالشرط وذلك لما يلي :
1- لما ثبت أن سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وقد كانت امرأة كبيرة في السن ، وقد شعرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد يقبل عليها كما كان من قبل وخافت أن يطلقها وتحرم من أمومة المؤمنين ومن أنه تكون زوجته في الجنة ، فبادرت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بتنازلها عن يومها لعائشة رضي الله عنها فحمد لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأبقاها في عصمته.
2- ولما رواه الامام البخاري في الجامع الصحيح رقم الحديث 4910 عن السيدة عائشة رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى في سورة النساء 128
وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا
هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها ، فيريد طلاقها ويتزوج غيرها ، تقول له : أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري ، فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي . فذلك قوله تعالى
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير.
3- لعموم الأدلة وهي قوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون عند شروطهم
، وقوله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما وفيتم به الشروط .
وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم : كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
يحمل على أن المراد به الشروط المنهي عنها أو التي تعارض مقتضى العقد ومقاصده التي لا خلاف فيها .
وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم
إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج
كدليل لأصحاب القول الثاني بما يتوافق ومقتضى العقد قولهم مردود ؛ لأن ما كان من مصلحة العاقد فهو من مقتضى العقد مالم يرد فيه نهي كأن تشترط المرأة طلاق ضرتها أو نحو ذلك
وقد أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز المسيار, فحين سئل عن زواج المسيار والذي فيه يتزوج الرجل بالثانية أوالرابعة، وتبقى المرأة عند والديها، ويذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما. أجاب رحمه الله: «لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد وسلامة الزوجين من الموانع، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:
أحق ما أوفيتم من الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفروج
وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم
فإن اتفق الزوجان على ان المرأة تبقى عند أهلها أو على ان القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً أو في أيام معينة أو ليالٍ معينة، فلا بأس بذلك بشرط إعلان النكاح وعدم إخفائه.
ومن الذين قالوا بإباحته أيضا: فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية،ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، حيث أجاب سماحته عندما سئل عن حكم زواج المسيار: ان هذا الزواج جائز إذا توافرت فيه الأركان والشروط والإعلان الواضح، وذلك حتى لا يقعان في تهمة وما شابه ذلك، وما اتفقا عليه فهم على شروطهم، ثم ذكر حفظه الله ان هذا الزواج قد خف السؤال عنه هذه الأيام وقد كان يسأل عنه قبل سنتين تقريباً.
ومن الذين قالوا بإباحته فضيلة الشيخ عبدا لله محمد المطلق - عضو الإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية - وفي ذلك يقول «الزواج الشرعي هو ما تم فيه أركانه وشروطه، وأما الاشتراط بتنازل المرأة عن حقها في النفقة والقسم فهو شرط باطل، والزواج صحيح، ولكن للمرأة بعد الزواج ان تسمح بشيء من حقها. وذلك لا يخالف الشرع، وهذا الزواج قد يكون مفيداً لمن يعيش في ظروف خاصة كأم أولاد تريد العفة والبقاء مع أولادها، أو راعية أهلها مضطرة للبقاء معهم.
ومن الذين قالوا بإباحته أيضا: فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري - القاضي بمحكمة التمييز بالمملكة العربية السعودية- حيث قال: زواج المسيار شرعي وضروري في عصرنا هذا، خاصة مع كثرة الرجال الخوافين؟؟ ومع اشتداد حاجة النساء إلى أزواج يعفونهن، والتعدد أصل مشروع، والحكمة منه إعفاف اكبر قدر ممكن من النساء، فلا أرى في زواج المسيار شيئاً يخالف الشرع ولله الحمد والمنة، بل فيه إعفاف الكثير من النساء ذوات الظروف الخاصة، وهو من أعظم الأسباب في محاربة الزنا والقضاء عليه ولله الحمد والمنة، ومشاكله كمشاكل غيره من عقود الزواج.
إيجابيات زواج المسيار
1- قد يخفف من مشكلات كثرة العوانس من النساء والأرامل والمطلقات .
2- وقد يكون فيه حلول بض المشاكل المالية لبعض الرجال الذين لا يستطيعون القيام بأعباء الزواج .
3- وقد يتفق مع ظروف كثير من النساء كمن لديها ثروة من المال وعندها الرغبة في الزواج خوفاً من الوقوع في الحرام وهي تعلم عدم رغبة المجتمع في التعدد فتلجأ إلى إغراء الرجل والتنازل عن بعض حقوقها مقابل زواجها .
سلبيات زواج المسيار
1- تشريد الأطفال فلو اتفق الطرفان على إتيان المرأة مرة في الأسبوع أو الشهر فهذا فيه تقصير وتشريد للأولاد .
2- تهميش دور الرجل ؛ حيث تصير المرأة هي التي لها سلطة القوامة .
3- تشجيع الرجال على عدم تحمل المسئولية وترغيبهم في هذا النوع من الزواج فقط .
4- تشجيع النساء على عدم الارتباط بالحياة الأسرية .
ولذا قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله :عن سليبات زواج المسيار "كنت قلت بجوازه ولكني توقفت ؛ لما يترتب عليه من السلبيات" وضرب أمثلة لذلك ومنها بأن الرجل قد يتزوج مسياراً في المدينة وزواجاً في مكة وزواجاً في الرياض الخ.
التوصيات
1- يجب على الرجال أن يتقوا الله عز وجل أن لا يتقاعسوا عن واجبهم في الإنفاق والقوامة التي فضلهم الله بها على النساء حيث قال تعالى في سورة النساء 34
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم.
2- عدم الإقدام على هذا النوع من الزواج "المسيار" إلا إذا دعت الحاجة لذلك .
3- ألا يكون الهدف من زواج المسيار هو الرغبة في المتعة فقط والطمع والبحث هنا وهناك عن مثل هذا النوع من الزواج .
4-العمل على تسهيل عوائق الزواج لدى الرجال سواء المادية ، أو الاجتماعية ؛ كغلاء المهور وما شاكل ذلك حتى لا يلجأ الرجال إلى هذا النوع من الزواج .
5- الاهتمام بالأطفال والقيام بواجبهم خير قيام .
6-على النساء أن يتقبلن شرع الله بالرضا والتسليم ، ولا يرفضن التعدد الذي شرعه الله عز وجل فتحرم أخواتها من النساء من بعض حقوقهن وتضطرهن لزواج المسيار .
7-كما يجب على المرأة القيام بكافة حقوق الزوج حتى لا تلجئه على البحث عن هذه الحقوق من مصدر آخر .
8-بعض النساء يتمنعن عن أزواجهن ، ويختلقن الحجج الواهية كالمرض أو غيرها من الحجج ، وهذا يضطره إلى البحث عن مصادر أخرى لإشباع هذه الرغبة فلا يجد إلا الزواج بأخرى ، أو زواج المسيار ، أو الزواج العرفي .
الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة والزواج العرفي
كثير من الناس يخلط بين " زواج المسيار " و " زواج المتعة " و " الزواج العُرفي " لذا أحببت أن أوضح الفرق بين هذه الزيجات الثلاث وذلك فيما يلي :
1- زواج المسيار : هو: أن يعقد الرجل زواجه على امرأة عقدًا شرعيًا مستوفي الأركان . لكن المرأة تتنازل عن بعض الحقوق كالنفقة والسكني والمبيت.
2- زواج المتعة : هو: أن يتزوج الرجل المرأة بشيء من المال لمدة معينة ، ينتهي النكاح بانتهائها من غير طلاق . وليس فيه وجوب نفقة ولا سُكنى . ولا توارث يجري بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة النكاح .
3- الزواج العُرفي : وهو نوعان :
أ -باطـل ؛ وهو أن يكتب الرجل بينه وبين المرأة ورقة يُقر فيها أنها زوجته ، ويقوم اثنان بالشهادة عليها ، وتكون من نسختين ؛ واحدة للرجل وواحدة للمرأة ، ويعطيها شيئًا من المال ! وهذا النوع باطل ؛ لأنه يفتقد للولي ، ولقيامه على السرية وعدم الإعلان .
ب -شرعي؛ وهو أن يكون كالزواج العادي ؛ لكنه لا يقيد رسميًا عند الجهات المختصة ! وبعض العلماء يُحرمه بسبب عدم تقييده عند الجهات المختصة ؛ لما يترتب عليه من مشاكل لاتخفى بسبب ذلك .
أما رأيي الشخصي فانه يعتمد على ما رواه الامام الدارمي رحمه الله بسنده الصحيح وصححه الالباني رحمه الله, عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوابصة
جئت تسأل عن البر والإثم ؟
قال: قلت :نعم , قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال عليه الصلاة والسلام
استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة , استفت فلبك يا وابصة, استفت قلبك يا وابصة, البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب , والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك.
والله وحده أعلم بغيبه