تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين .

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين .

    بسم الله الرحمن الرحيم
    التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين :
    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبِه ومَن استنَّ بسنَّتِهم واهتدى بهديِهم إلى يوم الدين...
    أما بعد : فسأتحدث هنا – بإذن الله تعالى – عن محورَين نجد فيهما مفارقاتٍ جسيمة في مواقف الناس من «التقليد».
    المحورُ الأول : تقديسُ المتمذهِبين للتقليد :
    مصطلحُ «التقليد» يُرادُ به في أصول الفقه : قبولُ قول الغير بلا حجةٍ ولا دليل(1 )، والأصوليون يدرسونه من زوايا عدة، تشمل بيانَ أقسامه، ومواضعه، وأحكامَه، وشروطَه.
    وهو نوعان : عام،وخاص.
    فالعام : أن يلتزمَ مذهباً معيَّناً يأخذُ بِرُخَصِه وعزائمِه في جميع أمور دينه.
    وهذا هو الذي يُراد بالتقليد إذا أطلِق، فالمقلِّدُ هو المتمَذهِبُ بمذهبٍ معيَّن، وغيرُ المقلد : مَن لا يلتزمُ مذهباً معيناً، بل يلتزمُ الدليلَ أينما كان ومع مَن كان.
    والتقليدُ بهذه الصورة لم يكن في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين، بل حدثَ في عصر أتباع التابعين، وانتشر بعد ذلك.
    وقد أسهَمت عواملُ عديدةٌ في انتشارِه، حتى ظَنَّ البعضُ أن الإسلامَ مرتبِطٌ بالتمذهُب، وأن المسلمَ لا بد أن يكون في تعبِّده لله تعالى ملتزماً لمذهبٍ من المذاهب الأربعة المعروفة.
    ومن هذا الباب صرَّحَ كثيرٌ من العلماء من أتباع المذاهبِ بكون باب الاجتهاد قد أُقفل بعد عصر الأئمة الأربعة، وبذلك حجَّروا واسعاً، وتقوَّلوا على الله تعالى دون أن يستندوا إلى قواطع الشرع.
    وقد تفنّنَ أتباعُ المذاهب في إثبات أحقِّـيَّةِ هذا المذهبِ أو ذاك، واستدلُّوا لذلك بما لا يُغني ولا يُسمِنُ من جوع.
    ولم يكتفِ كثيرٌ منهم بذلك، بل تعدَّى على مَن يلتزمُ الدليل ولا يقلِّدُ مذهباً معيَّناً، فاتَّهَمَه بالتعالـُم، والخروج على مذاهب المسلمين، وأنه ممن يستخِفُّ بالأئمة... إلى غيرها من الشتائم التي تُوَجَّه إلى مَن يدعو إلى اتباع الكتاب والسنة، ونبذِ ما خالفهما، سواء في العقائد، أو في الأحكام.
    وقد وصلَ الأمرُ ببعضِ هؤلاء فألَّفَ رسالةً أسماها : «اللَّامَذهَبية : أخطَرُ بدعةٍ تُهَدِّدُ الشريعة الإسلامية ».
    ومن الواضح : مدى تقديس هؤلاء للتقليدِ حتى بهذه الصورة التي لم ينزل الله بها من سلطان، فالالتزامُ بمذهبٍ معيَّنٍ في جميع أمور الدين : من البدع المحدثةِ بعد القرون المشهودِ لها بالخيرية، ولذلك قال شيخُ الإسلام : (إنّ في القولِ بوجوب التقليد – بهذا المعنى – طاعة غير النبيِّ في كل أمرِه ونهيِه، وهو خلاف الإجماع).
    ويقول أيضاً : «إنه متى اعتقدَ أنه يجبُ على الناس اتباعُ واحدٍ بعينه من هؤلاء الأئمة الأربعة دون الآخر : فإنه يجب أن يُستَتاب... بل غايةُ ما يُقال : إنه يسوغ، أو ينبغي، أو يجب على العامي أن يقلِّدَ واحداً لا بعينه، من غير تعيين زيدٍ ولا عمرو»(2).
    فلا شكَّ «أنّ هذا القولَ من أبطل الباطل؛ لأن هذا يستلزمُ أن تكون دلالاتُ الكتاب والسنةِ الآن مقفَلة، فالكتابُ والسنةُ للأممِ السابقة، أما المتأخرون: فقد أُقفِلَ عنهم بابُ الاستدلال، مع أن الكتاب والسنةَ هدًى وبيان للناسِ من بعثة الرسول ونزولِ هذا الهدى إلى قيام الساعة، ويقولُ الرسولُ : «وقد تركتُ فيكُم ما إن تمسّكتُم به : فلن تضلُّوا بعدي؛ كتاب الله »(3 ) (4 ).
    والتقليدُ بهذا المعنى لا شك أنه مذمومٌ، ومع ذلك نرى تقديسَ المتمذهِبين له بإيجابهم له على أنفسِهم وعلى الآخرين، وبنبذِ مخالفيهم في ذلك بشتى التهم التي لا أساسَ لها.
    هذا جانبٌ من مواقف الناس مع «التقليد»، وهو تقديسُه حتى ولو كان على هذه الصورة المذمومة.

    المحور الثاني : تشويهُ المتكلمين للتقليد :
    أما الصورة الأخرى من مواقف الناس من «التقليد» : فهو موقف المتكلمين بشتى طوائفهم.
    وهم على النقيض من الطائفة الأولى، فبينما نرى الطائفةَ الأولى تقدِّسُ التقليدَ الذي ليس عليه دليلٌ من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، بينما نراهم كذلك : نطالِـعُ هنا موقفاً مناقِضاً لذلك الموقف، وهو تشويهُ «التقليد» حتى وإن كان موافقاً لما جاء به الكتاب والسنة، بل يكون مما يجب على المسلم القولُ به واعتقادُه.
    وينبغي أن يُعرَف هنا : أن المتكلمين لا يختلفون في تعريف التقليد عن بقية الأصوليين، فالتقليدُ عندهم – كما هو عند غيرهم – هو : قبولُ قول الغيرِ بلا حجةٍ ولا دليل(5).
    وبعضُهم عرَّفوه بأنه : «قبولُ قول الغير من غير أن يُطالِبَه بحجةٍ وبيِّنة»(6).
    وهذا التعريفُ لا يختلف عن التعريف الأولِ سوى أنه زادَ عدمَ المطالبة بالحجة والبيِّنة، ومؤدَّى التعريفَين واحد.
    ومع اتفاق المتكلمين مع غيرهم في تعريف التقليد : إلّا أنهم يُطلقون «المقَلِّدَ» على كلِّ مَن لا يقول بالـ«ـنَّظَرِ الكلامي»، فالتقليدُ عندهم : الإيمانُ بالله تعالى دون الاعتماد على الأدلة الكلامية التي يُوصَل إليها بالنظر، ولا يَخرج الإنسانُ عن دائرة التقليد عندهم حتى ولو كان إيمانُه بناءً على نصوص الكتاب والسنة؛ إذ المُخرِج من التقليد عندهم هو النظرُ الكلاميُّ المعروف عندهم.
    ومما يتصل بالموضوع : أن المتكلمين يختلفون مع أهل السنة في قضية مهمة تتفرع عنها مسائل عديدة، وهي مسألة «فِطْرِيَّةِ معرِفةِ الله تعالى»، فمذهبُ أهل السنة أن معرفة الله تعالى فطريةٌ، بينما يذهب المتكلمون من المعتزلةِ، ومَن تبعَهم من الأشاعرة والماتريديّة إلى أنّ معرفة الله تعالى ليست فطريّة، ولذلك أوجبوا النظرَ العقليَّ لِيُتَوَصَّلَ به إلى معرفة الله عز وجل، وهذا النظرُ العقليُّ هو الذي يُخرجُ الإنسانَ – عندهم – عن التقليد.
    والمرادُ بالنظرِ هنا: هو «النظرُ في الأدلة؛ ليتوصلَ بها إلى المعرفة» (7).
    وقد صرّحَ المتكلمون بأنّ «معرفةَ الله تعالى لا تُنالُ إلاّ بحجة العقل»، واستدلوا لذلك بأنّ ما عدا حجة العقلِ «فرعٌ على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله، فلو استدللنا بشيءٍ منها على الله والحالُ هذه: كنا مستدلين بفرع الشيء على أصله، وذلك لا يجوز» (8).
    فخلاصةُ النظرِ عندهم: هو النظرُ العقليُّ في الأعراض، وملازمتِها للأجسام، دون اعتمادٍ على الوحي.
    وقد أوجبوا هذا النظرَ على كلِّ أحد، ليتَوصَّلَ به إلى إثباتِ الصانع، بل جعلوه أولَ واجبٍ على المكلف.
    يقولُ عبـد الرحمن النيسابوري (ت478): «أولُ واجبٍ على المكلَّف: القصدُ إلى النظرِ الصحيح، المؤدّي إلى العلمِ بحدوث العالم، وإثباتِ العلمِ بالصانع، والدليلُ عليه: إجماعُ العقلاء على وجوب معرفة الله تعالى، وعلِمنا عقلاً: أنه لا يعلم حدوثُ العالَم، ولا الصانع: إلاّ بالنظرِ والتأمُّل، وما لا يُتوَصَّلُ إلى الواجبِ إلاّ به فهو واجبٌ»(9).
    ومما يتصلُ بهذا الموضوع أيضاً: حكمُ مَن آمَنَ بدون النظرِ والاستدلال، وهذه المسألةُ هي المسألةُ المعروفةُ في كتب الكلام بمسألة «إيمان المقلِّد»، وقد اختلفوا في إيمانِه اختلافاً عريضاً.
    وأكثرُهم على أن إيمان المقلد لا يخلو من إشكال، وأن المقلدَ عاصٍ بترك النظر إذا كان أهلاً له(10 )، يقول المقّري في ذلك(11):
    أول واجب على المكــلف***إعمال ه للنظر المؤلف
    إلى أن قال:
    وفي المقلد اختلافٌ مستطر***لأن إيمانَـه على خطر

    وأكثرُ المتكلمين على أنّ إيمانَ المقلِّدِ صحيحٌ على ما فيه، وذهبَ الأشعريُّ والمعتزلةُ وكثيرٌ من المتكلمين إلى عدم الاعتداد بإيمانه.
    وبقطع النظرِ عن صحيحِ أقوالِهم من سقيمها، إلاّ أنّ طريقةَ طرحِهم للموضوع، وتفاصيلهم المتجاذِبةِ فيه: يدلُّ على تهوُّرِهم فيه، ومدى اغترارِهم بمبادئهم الباطلة، إذ بلغ بهم الأمرُ إلى الاختلافِ في إيمان جمهرةِ الأمة.
    وهذا التهور قد سجَّله عليهم أحدُ أئمةِ المتكلِّمين أنفسِهم -وهو الغزالي- إذ يقول: «من أشد الناس غلواً وإسرافاً: طائفةٌ من المتكلمين كفّروا عوام المسلمين، وزعموا أن مَن لا يعرف الكلامَ معرفتنا، ولم يعرف العقائد الشرعيةَ بأدلتنا التي حررناها: فهو كافر.
    فهؤلاء ضيقوا رحمةَ الله الواسعة على عباده أولاً، وجعلوا الجنةَ وقفاً على شرذمةٍ يسيرة من المتكلمين، ثم جهلوا ما تواترَ من السنة ثانياً»(12).
    والصحيح أن إيمان المقلد صحيح ولا إشكالَ فيه.
    بل التقليد الذي يذمُّه المتكلمون هو صريحُ الإيمان، ذلك أنهم قد عرّفوا «التقليدَ» بأنه: «قبولُ قولِ الغير بلا حجة ولا دليل»، ولا شكّ أنّ المقلدَ الذي يختلفون في إيمانه لم يتبع إلاّ الكتابَ والسنة، فكيفَ يُتّهَمُ، مع ذلك، بالتقليد؟!
    قال الإمامُ أبو المظفر السمعانِي رادًّا عليهم: «وقد قالوا: إنّ التقليدَ (قبولُ قولِ الغيرِ من غير حجة)، وأهلُ السنةِ إنما اتبعوا قولَ رسولِ الله ، وقولُه نفسُ الحجة، فكيف يكون هذا قبولَ قولِ الغير من غير حجة؟! » (13).
    وقال الحافظُ ابنُ حجر : «المذموم من التقليد: أخذُ قولِ الغيرِ بغيرِ حجة، وهذا ليس منه حكمُ رسولِ الله ؛ فإنّ الله أوجبَ اتّباعَه في كل ما يقول، وليس العملُ فيما أمَر به أو نهى عنه داخلاً تحت التقليدِ المذمومِ اتفاقاً، وأمّا مَن دونه ممن اتّبعَه في قولٍ قاله، واعتقَدَ أنه لو لم يقله لم يقل هو به: فهو المقّلدُ المذموم، بخلاف ما لو اعتقَدَ ذلك في خَبَرِ الله ورسوله؛ فإنه يكون ممدوحاً...»(14).
    وأصلُ هذا البلاء: من قلةِ تعظيم المتكلمين للنصوصِ الشرعية، وقلةِ اعتبارِها، ومن إعلاء شأنِ العقلِ في كل شيء.
    وقد صدق الإمام اللالكائي (ت418هـ) فيما ذكرَ أن المبتدعَ يعدُّ رأيَ النظّامِ(15)، والعلاّف(16 )، والجبّائيِّ(17)، وابنِه( 18)، وأمثالِهم: «حكمةً، وعلماً، وحججاً، وبراهين، ويَعُدُّ كتابَ الله وسنةَ رسولِه: حشواً، وتقليداً، وحملَتَها: جهالاً، وبُلْهاً(19)...وإن ا وجهُ خطئِهم عندهم: إعراضُهم عمّا نصبوا من آرائهم لنصرةِ جدَلِهم، وتركُ اتّباعِهم لمقالتِهم، واستحسانِهم لِمذاهبِهم، فهو كما قال الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (20 )، ثم ما قذفوا به المسلمين من التقليد والحشو: ولو كُشِفَ لهم عن حقيقةِ مذاهبِهم: كانت أصولُهم المُظلِمةُ، وآراؤهم المحدَثَةُ، وأقاويلُهم المنكَرة: بالتقليدِ أليق، وبما انتحلوها من الحشوِ أخلق؛ إذ لا إسنادَ له في تمَذهُبِه إلى شرعٍ سابق، ولا استنادَ لِمَا يزعمُه إلى قولِ سلفِ الأمةِ باتفاقِ مخالفٍ أو موافق... فليس بحقيقٍ مَن هذه أصولُه: أن يعيبَ على مَن تقلّدَ كتابَ الله وسنةَ رسولِه، واقتدى بهما، وأذعنَ لهما، واستسلَمَ لأحكامهما، ولم يعترض عليهما بظنٍّ أو تخرُّص واستحالةٍ: أن يطعنَ عليه؛ لأنه بإجماعِ المسلمين على طريق الحقِّ أقوم، وإلى سبيل الرشادِ أهدى وأعلم، وبنورِ الاتباعِ أسعد، ومن ظلمةِ الابتداع وتكلفِ الاختراع أبعد، وأسلمُ من الذي لا يمكنه التمسُّكُ بكتابِ الله إلاّ متأوِّلاً، ولا الاعتصامُ بسنةِ رسولِ الله إلاّ منكِراً، أو متعجِّباً، ولا الانتسابُ إلى الصحابةِ والتابعين والسلفِ الصالحين إلاّ متمسخِراً مستهزئاً، لا شيءَ عنده إلاّ مضغُ الباطل، والتكذيبُ على الله ورسولِه والصالحين من عبادِه، وإنما دينُه: الضِّجاج(21)، والبقباقُ، والصياحُ، واللقلاق...»(22).
    وقال الحافظُ ابنُ حجر بعد مناقشتِه للمتكلمين في مسألة «التقليد»: «والعجَبُ: أنّ مَن اشترطَ ذلك من أهلِ الكلام يُنكِرون التقليدَ وهم أولُ داعٍ إليه، حتى استقرَّ في الأذهانِ: أنّ مَن أنكَرَ قاعدةً من القواعدِ التي أصّلوها فهو مبتَدِعٌ، ولو لم يفهمها ولم يعرفْ مأخذَها، وهذا هو محضُ التقليد، فآلَ أمرُهم إلى تكفيرِ مَن قلّدَ الرسولَ - عليه الصلاةُ والسلام - في معرفةِ الله تعالى، والقولِ بإيمانِ مَن قلّدَهم، وكفى بهذا ضلالاً...»(23).
    والخلاصةُ: أنّ ذنبَ مَن يسميه المتكلمون «المقلِّد» هو جهلُه أو إعراضُه عن طرقِ أولئك المتكلمين المبتَدَعة، ولم ينفعه اتباعُ الحُجَجِ من كتابِ الله وسنةِ رسولِه عند هؤلاء، وهذا من جهلِهم بضروريات الدين.
    وقد تبين من هذا : أنّ الاختلافَ معهم ليس في تعريف التقليد، فالتقليدُ عند الجميع هو قبولُ قولِ مَن ليس قوله حجة، وإنما الاختلاف في تحديد الحجة، فالحجةُ عند أهل السنة والجماعة وجمهورِ المسلمين هي الكتاب والسنة، والحجةُ في أصول العقائد عند المتكلمين هي العقل، أو ما يسمونه الأدلة العقلية.
    والمقلدُ الذي لا يفتأ المتكلمون يذمُّونه : هو المتبِعُ للكتاب والسنة، ومنهجهُ هو الواجبُ اتباعُه، والتقليدُ هنا هو عينُ الصواب، وهو ليس من التقليد في شيء، وإنما يسميه المتكلمون تقليداً : تشويهاً لصورتِه، وتنفيراً للناس عنه.
    أما التقليدُ الذي توجبُه طائفةُ المقلِّدين في الفروع : فليس عليه دليلٌ من الكتاب أو السنة، وتقديسُهم ليس في موضعه، كما أنّ تشويهَ المتكلمين له ليس في محله.
    وما أحسنَ مَن قال في ذمِّ الطائفتَين، ومخاطِباً المتكلمين، الذين تراهم ينصرون التقليدَ في الفروع، مع أنه مذموم، ويُنَفِّرون عنه في العقائد، مع أنه هو الواجب – على التفسير الذي سبق - :
    واحذَرْ من التقليدِ فهو مضلَّةٌ * إنّ المقلِّدَ في سبيــــــل الهالِكِ
    تأبونَه في العقلِ وهو مقالُكم * في الدين، يا لَه من ضلالٍ فاتكِ
    وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وكتب:
    عبد الله الأثري.
    (1) انظر : (البرهان) للجويني (2/1357)، (المستصفى) للغزالي (2/462)، (شرح الكوكب المنير) (4/529)، وغيرها من الكتب الأصولية.
    (2) (مختصر الفتاوى المصرية) (ص/46).
    (3) رواه مسلم (ح/1218).
    (4) من كلام الشيخ ابن عثيمين في (شرح الأصول من علم الأصول) (ص/641).
    (5) انظر : (الإشارة إلى مذهب أهل الحق) للشيرازي (ص/185).
    (6) انظر : (شرح الأصول الخمسة) للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/61).
    (7) شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي ص: (45).
    (8) المصدر السابق ص: (88).
    (9) الغنية في أصول الدين له ص: (55- 56).
    (10) انظر: شرح جوهرة التوحيد ص: (34-35).
    (11) إضاءة الدجنة (ق/2/أ-ب).
    (12) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغزالي ص: (81).
    (13) فصول من كتاب الانتصار لأهل الحديث ص: (60).
    (14) فتح الباري بشرح صحيح البخاري له (13/363- 364 ح7372).
    (15) هو: إبراهيم بن سيار بن عباد، أبو إسحاق، النظام البصري المعتزلي.
    (16) هو: محمد بن الهذيل بن عبد الله، أبو الهذيل، العلاف البصري المعتزلي، (ت235هـ).
    (17) هو: محمد بن عبد الوهاب بن سلام، أبو علي، الجبائي البصري، رأس المعتزلة وشيخهم، (235-303هـ).
    (18) هو: عبد السلام بن أبي علي محمد بن عبد الوهاب، أبو هاشم الجبائي، شيخ المعتزلة، (ت321هـ).
    (19) من البلاهة، وهي الحماقة.
    (20) سورة الحج، الآيتان (8-9).
    (21) الضَّجاجُ: المشاغَبةُ والمشارّة والمجادلة، والبقباق واللقلاق: كثرةُ الكلام.
    (22) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي (1/11-13).
    (23) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (13/366ح7372). قلت: لا شكّ أنّ مَن كان سليماً في عقلِه وفطرتِه، ولم يحس من مدّعي معرفةِ الطرق شيئاً يُريبُه: يجبُ عليه أن يغتنم توفُّرَ هذا المرشِدِ في مثل هذه الظروفِ الحالِكة، وأن لا يتردّد في استغلال هذا المرشِدِ إلاّ مَن لا يخلو من إصابةٍ في شيءٍ من عقلِه، أو فسادٍ لشيءٍ من فطرتِه، وهذا ينطبقُ تمامَ الانطباقِ على المتكلمين، حيث أغلقوا عليهم بابَ الوحي، الذي قدّمَ لهم كلَّ ما يحتاجون إليه في دينهم في أمور الغيب، ثم لجأوا إلى طرقٍ ساقطةٍ لا تناسبُ الشرعَ والعقلَ لإثباتِ ما أغناهم الشرعُ مؤونتَه، والله تعالى أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    359

    افتراضي رد: التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين .

    جزاك الله خيراً

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخليفي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيراً
    وإياكم.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    60

    افتراضي رد: التقليد بين تقديس المتمذهِبين وتشويه المتكلمين .

    هل المقلد في مسائل العقيدة مع قدرته على معرفة الدليل يعتبر آثما ؟
    شكرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •