تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 19 من 19

الموضوع: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    132

    Lightbulb رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب
    عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال أو الترغيب والترهيب
    الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على خليله وصفيه وعبده ونبيه الرسول الأمين محمد وعلى آله وصحبه وسائر من آمن به واهتدى بهديه ، وبعد .
    فقد وقع في كلام كثير من المتأخرين على أحاديث الترغيب والترهيب وأحكامها لبس وخلط وإيهام ، فأردت المشاركة في كشف ذلك ، وإن كنت مسبوقاً إليه ، فإن الحاجة إلى نشر مثل هذا الكشف ما زالت قائمة بل ماسة ملحة ، فأقول :
    أما الترغيب فالمراد به تحبيب النفوس في فعل الأعمال الصالحة ، ودفعِها إلى ذلك ، وذلك بذكر النصوص المبينة لثواب تلك الأعمال والفضل المرجو من فِعلها .
    وأما الترهيب فالمراد به التخويف مِن فعل الأعمال السيئة والمعاصي ، وذلك بذكر عقوباتها وأضرارها .
    والمراد بالأعمال الصالحة تلك الأعمال التي ثبت بالآيات أو الأحاديث الثابتة أنها أعمال صالحة ، وتشمل الواجبات والمستحبات ، ومن المعلوم المقرَّر أن الوجوب والاستحباب حكمان شرعيان لا يثبتان لعمل من الأعمال بحديث ضعيف .
    ومثل ذلك يقال في الأعمال السيئة ، فالمراد بها : الأعمال التي ثبت بالكتاب والسنة الثابتة أنها أعمال محرمة ، فلا تثبت الحرمة بحديث غير ثابت .
    وأما المكروهات فقد ورد في النصوص الشرعية وأصول الدين ترغيب في اجتنابها ، فإنَّ في اجتنابها ثواباً لمن يجتنبها ، والتحقيق أن ترك المكروهات لوجه الله هو في الحقيقة داخل في جملة الحسنات والأعمال الصالحة ، ومثله ترك المباحات بقصد التفرغ للطاعات والتقوّي عليها ، وكذلك فِعلها - أي المباحات - بقصد التقوي على الطاعات : كل ذلك يثاب عليه المرء لأنه عملٌ صالح ، وإنما الأعمال بالنيات .
    هذا وإنَّ أحاديث الترغيب والترهيب تسمى اختصاراً أحاديث الفضائل .
    وقد كانت هذه التسمية واحداً من جملة أسبابٍ أوقعت كثيراً من أهالي العصور المتأخرة في لبس شديد وغلط بعيد ، في هذا الباب ؛ فقد خلط أكثر العامة وكثير من أشباههم ممن يعدون أنفسهم في جملة طلبة العلم الشرعي بين فضائل الأعمال والأعمال الفاضلة ، ففهموا ما قاله كثير من العلماء من أن الحديث الذي فيه ضعف غير شديد وهو غير منكر يعمل به إذا كان وارداً في فضائل الأعمال ، أي في الترغيب والترهيب المتقدم معناهما ، وإنما مرادهم بذلك ما أسلفتُه ، ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى (فضائل الأعمال) هو (الأعمال الفاضلة) ، فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة ، والتي نصها (يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) ، أقول : صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين : (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة) ، وبعبارة أخرى : (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب ، للأعمال ، لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة : أعمال فاضلة) ، وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب ؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع ، ونُصرت كثير من الضلالات ، وأُميتت كثير من السنن ، وكيدت كثير من الحقوق ، والله وحده المستعان .
    هذا جانب مما يتعلق بأحاديث الترغيب والترهيب ، وكان السلف يسمونها أيضاً الرقاق ، وبقي جانبٌ آخرُ مضادٌّ لهذا الجانب ، وهو أنَّ طائفة من طلبة العلم ، وقد يكون بينهم بعض العلماء - منعوا رواية الحديث الضعيف أصلاً ، ومنعوا الترغيب والترهيب به ، وهذا مخالف لطريقة أئمة هذا العلم ، والتي نقلها عنهم الخطيب الحافظ في (الكفاية) و(الجامع) ، ونقلها غيره أيضاً .
    قال الخطيب في (الكفاية) (2/398-400) تحت بابٍ أسماه (باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال ) :
    (قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئاً من التهمة بعيداً من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ) ؛ ثم أسند هذه الآثار الخمسة التالية :
    370 - عن سفيان الثوري قال : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.
    371- عن سفيان بن عيينة قال : لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
    372- عن أحمد بن حنبل قال : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.
    373- عن أحمد قال : أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجىء شيءٌ فيه حكم . [وقع في نسخة خطية من كتاب (الكفاية) : (الأحاديث) بدل (أحاديث) ، فأثبتَها محقق الكتاب ] .
    374- عن أبي زكريا العنبري قال : الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً ولم يُحِلَّ حراماً ، ولم يوجب حكماً ، وكان في ترغيب أو ترهيب أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه والتساهل في رواته [لعلها روايته] .
    انتهى النقل عن الخطيب .
    إن رواية الحديث الضعيف للترغيب به في عمل صالح ، أو للترهيب به من عمل سيء : ليست عملاً به ولا تصحيحاً له ، والقول الصحيح هو جواز ذلك ، فيجوز ذِكر الحديث الضعيف للناس لعلهم ينتفعون بمعناه ، ولكن لذلك شروط :
    الأول منها : أنه يجب أن يُقتصر في ذلك على جانب واحد فقط ، هو جانب الترغيب والترهيب ؛ ويجب أن يكون العملُ المرغَّبُ فيه قد ثبت كونُه واجباً أو مستحبّاً بالنصوص الثابتة ، كما تقدم .
    والثاني : أن يكون الحديثُ المرغَّبُ به متنُه غيرُ منكر (1) ، وضعفُه غيرُ شديد .
    ----------------------------------
    هامش (1) : لو جرينا على جادة التحقيق والتدقيق لما احتجنا إلى الاحتراز عن المنكر ، فإنه يُغني عنه الاحتراز عن شدة الضعف ، فالمنكر أقل ما يوصف به أنه شديد الضعف ، ولكن المقام مقام تفصيل وبيان لمسألة خطيرة فصار التقسيم المذكور غير منكور ، وعلى مِثله جرى غير واحد من العلماء المتأخرين ممن تكلم في هذه القضية .
    ----------------------------------
    والثالث : أن لا يُوهمَ ذِكرُ الحديث الضعيف أو روايتُه ثُبوتَه ، وأن لا يجرّ ذلك أي مفسدةً إلى الدين ، مثل أن يوافق الحديثُ هوى بعض الجاهلين أو المبتدعة المتهاونين ، فينشره ويحاجج به على رغم معرفته بضعفه ؛ ولذلك فإنه يجب أن يبرأ المرغِّب بذلك الحديث من تصحيحه ويبين ضعفه ، وأن يبين ذلك بالطريقة التي يفهمها الحاضرون .
    فلا يكتفي بالإشارة الغامضة ، مثل ما يصنعه بعض الخطباء ونحوهم من الاسترواح والاكتفاء في بيان ضعف الحديث!! بالإشارة إلى ذلك بأن يذكر الحديث بلفظة (رُوي) زاعماً أنها تفيد تضعيف الحديث ، وهل يفهم العامة ذلك ؟! .
    ولا يكتفي بإطلاق الاصطلاح ، مثل أن يقول : هذا الحديث غير ثابت ، أو يقول : في إسناده نظر ، أو : مختلف في صحته ، ونحو ذلك ، إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون مقاصد هذه العبارات .
    بل حتى كلمة (ضعيف) ونحوها أرى أن يشرحها الخطيب - إذا رأى حاجةً لذلك - وأن يبين معناها بوضوح تامِّ مناسب لحال المخاطَبين ، ويكرر ذلك على المنبر مرات ومرات ، مع بيان حكم الحديث الضعيف ومع الترهيب من أن يُنسَبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من المرويات غير الثابتة عنه .
    ولعل الأولى أنه إذا احتاج إلى ترغيب جماعة في أمر من الأمور ، وكان عَلِم - أو خشيَ - تساهلهم في تلقف الأحاديث ولا سيما الغريبة منها ونشرِها بين الناس مع جزمهم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أقول لعل الأولى هنا إن أبى إلا أن يذكّرهم ويعظهم بمتن ذلك الحديث أن يقول لهم : ورد في بعض الآثار كذا وكذا ، ثم يقول لهم : هذا ليس بحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لأحد أن ينسبه إليه ، أو نحو ذلك من الاحترازات المشروعة ؛ وصيانة السنة الصحيحة والذبُّ عنها مع التقصير في جانب الترغيب والترهيب - لو قُدّر وقوع هذا - أولى من ترغيب الناس بما يكون سبباً في انتهاء تلك الصيانة وانتفاء ذلك الذب(2) .
    -------------------------------
    هامش (2) : نقل السخاوي في (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) (ص195) عن النووي أنه قال: « قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً !! ؛ وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شئ من ذلك »؛ ثم نقل السخاوي عن ابن العربي المالكي أنه خالف في ذلك فقال: « إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً ».
    ثم قال : « وقد سمعت شيخنا [ يعني الحافظ ابن حجر ] مراراً يقول - وكتبه لي بخطه - : إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :
    الأول: متفق عليه، ان يكون الضعف غير شديد فيخرج [حديث] من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
    الثاني: ان يكون مندرجا تحت اصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له اصل اصلا.
    الثالث: ان لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب الى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
    قال: والاخير عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد؛ والاول نقل العلائي الاتفاق عليه ».
    قلت: قد حصل تساهل ضار في هذا الباب.

    ------------------------------------------
    وأرجعُ إلى ما كنتُ فيه ، وهو بيان عدم التلازم بين الامتناع من رواية الحديث الضعيف وبين ترك الانتفاع بما قد يرد فيه من الحكم العالية والمواعظ الجليلة ، وأزيد على ما تقدم أنَّ طرد ذلك الأصل في الأخبار غير المرفوعة يكون من باب الأولى ؛ ولهذا كان العمل على جواز رواية ونشر أحاديث الترغيب والترهيب غير المرفوعة ، وإن كانت ضعيفة الأسانيد .
    فمن أراد أن يجمع كتاباً أو كلاماً في الزهد من أقوال السلف وأخبارهم رحمهم الله، الصحابة والتابعين ومن بعدهم من القدماء فإنه لا يُشترط - لجواز نشر تلك المرويات بين الناس - صحةُ أسانيدها ، وذلك لأن باب هذه الأخبار هو باب الترغيب والترهيب في مسائل أعمال القلوب المتفق على أنها من أبواب الدين وشعب الإيمان كالصبر والشكر والحياء والتوكل والخوف والرجاء ونحوها؛ ثم إن العلماء اختلفوا في رواية الضعيف من أحاديث الترغيب والترهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتفقوا على منع ذلك ، بل الأرجح الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين هو جواز ذلك ولكن بشروط مشى عليها المتقدمون وفصل فيها المتأخرون ، وقد تقدم التفصيل في ذلك ؛ ولا شك أن الأمر في باب الآثار الموقوفة والمقطوعة أسهل وأقرب ، كما تقدم ، بل لعل الباحث لا يكاد يقف على كبير نهي لهم عن رواية هذا النوع من الأخبار غير المرفوعة .
    بل إن من أراد نشر مثل تلك الآثار وروايتها لغيره فإن له في هذا المسلك سلفاً من كبار أئمتنا، فتأمل ما جرى عليه من صنف في الزهد والأخلاق والأدب ونحوها من أئمة الاسلام وكبار علمائه كابن المبارك ووكيع وأحمد ثم البيهقي في مؤلفاتهم في الزهد والبخاري في الأدب المفرد وما شاكله من كتبه، وابن حبان في روضة العقلاء والآجري في مؤلفاته في الأخلاق والآداب وكذلك من جمع أبواباً في الزهد والرقائق كأصحاب السنن وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، وكذلك من ألف أو كتب في هذا الفن وما قاربه أو شاركه في بعض مسائله كفن المناقب والسير ونحو ذلك من المتوسطين والمتأخرين كالخطيب وابن الجوزي وابن قدامة والنووي وابن تيمية والمزي والذهبي وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن حجر وغيرهم، تأمل صنيع هؤلاء العلماء في هذه الكتب وهذه الأبواب تجد أنهم جميعاً تساهلوا في هذا الباب في إيراد ما لا يثبت سنده من غير المرفوعات لأن الغاية سماع الحكمة الصحيحة والموعظة الحسنة والعبرة المؤثرة، ولقد كاد أكثر قدماء المحدثين على جواز التساهل برواية المرفوع - فضلاً عن الموقوف والمقطوع - من أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وكل ما ليس فيه إثبات عقيدة أو تشريع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)؛ رواه البخاري؛ أفلا يكفي هذا الترخيص في التحديث عن بني اسرائيل - رغم كل الذي جرى من تحريف في كتبهم وانقطاع فظيع في أسانيدهم - دليلاً ومستنَداً للتحديث عن أحد من أفاضل علماء المسلمين أو أكابر واعظيهم بخبر تظهر صحة معناه وتشهد له النصوص الثابتة والأصول المقررة أو هي - في الأقل - لا يعارضها ولا تدل على بطلان فيه أو نكارة؟*!
    وإنه لمما يناسب هذا المقام أن أسوق فيه جملة من أقوال العلماء في هذا الباب تأييداً لهذا التأصيل ؛ فأقول :
    روى الخطيب في (اقتضاء العلم العمل) (ص83) عن الغلابي قال: سأل رجل ابن عيينة عن إسناد حديث قال: ما تصنع بإسناده؟! أما أنت فقد بلغتك حكمته ولزمتك موعظته.
    وذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين) (ص88-89) عن الحسن البصري أنه حدث بحديث فقال رجل: يا أبا سعيد عمن؟ قال: ما تصنع بعمن؟! أما أنت فقد نالتك عظته وقامت عليك حجته.
    وقال الذهبي في ترجمة الشافعي من (سير أعلام النبلاء) (10/97): وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم؛ ثم سرد الذهبي جملة طيبة منها.
    وقال أبو نعيم في (الحلية) (9/377-378): حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن الرازي قال: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال ذو النون: (صدور الأحرار قبور الأسرار؛ قال: وسئل ذو النون: لم أحب الناس الدنيا؟ قال: لأن الله تعالى جعلها خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها؛ وقيل له: ما إسناد الحكمة؟ قال: وجودها؛ وسئل يوماً----)(3).
    -------------------------------
    هامش (3) هذا كلام ذي النون المصري ينقله يوسف بن الحسين الرازي، وأما في رواية الخطيب الآتية بعد قليل ففيها أن الكلام المتعلق بالحكمة ليوسف الرازي، ولا تنافي، فكأنه سمعها من ذي النون فمرة رواها عنه، ومرة سئل هو عنها فأجاب بما سمعه من ذي النون.
    -------------------------------
    وقال الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/213-215) تحت هذه الترجمة (ما لا يفتقر كتبه الى الإسناد): (كل ما تقدم ذكره [يعني أحاديث الأحكام ونحوها] يفتقر كتبه الى الإسناد فلو أسقطتْ أسانيده واقتصر على ألفاظه فسد أمره ولم يثبت حكمه لأن الأسانيد المتصلة شرط في صحته ولزوم العمل به؛ كما أنا محمد بن عمر بن جعفر الخرقي أنا أحمد بن جعفر الختلي نا أحمد بن علي الأبار نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت عبدان يقول: قال عبد الله وهو ابن المبارك: الإسناد عندي من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، واذا قيل له: من حدثك؟ بقي)---إلى أن قال الخطيب:
    (وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء فالأسانيد زينة لها وليست شرطاً في تأديتها.
    وقد أخبرني عبد الصمد بن محمد الخطيب نا الحسن بن الحسين الفقيه الشافعي قال: سمعت عبد الرحمن الجلاب يقول: سمعت يوسف بن الحسين الرازي يقول: إسناد الحكمة وجودها.
    أنا منصور محمد بن عيسى الهمذاني نا صالح بن أحمد التميمي اخبرني أحمد بن موسى الدينوري فيما كتب إلي نا ابو حفص عمر بن محمد الخراساني عن سعيد بن يعقوب قال سمعت ابن المبارك وسألناه، قلنا: نجد المواعظ في الكتب فننظر فيها؟ قال: لا بأس وإن وجدت على الحائط موعظة فانظر فيها تتعظ، قيل له: فالفقه؟ قال: لا يستقيم إلا بالسماع.
    نا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري لفظاً أنا ابو بكر بن المقرئ الأصبهاني نا ابو جعفر محمد بن عبدان المعروف برزقان الواسطي نا العباس بن عبد الله الترقفي نا محمد بن عبد الخالق قال كنت جالساً ثم يزيد بن هارون وخراساني يكتب الكلام ولا يكتب الإسناد قال : فقلت له أو قيل له: ما لك لا تكتب الإسناد؟ فقال: أنا خانه خواهم نبازار؛ قال أبو طالب: تفسيره: قال: أنا للبيت أريده لا للسوق.
    قال أبو بكر [الخطيب]: إن كان الذي كتبه الخراساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ فلا بأس بما فعل؛ وإن كان ذلك من أحاديث الأحكام وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط اسانيده لأنها هي الطريق إلى تبينه فكان يلزمه السؤال عن أمره والبحث عن صحته).
    ثم قال الخطيب: (وعلى كل حال فان كتب الإسناد أولى سواء كان الحديث متعلقاً بالأحكام أو بغيرها)؛ ثم أسند إلى أبان بن تغلب قوله: (الإسناد في الحديث كالعَلَم في الثوب) يعني أنه زينة فيه.
    إذا عُلم هذا فليعلم أنه لا بد من الاحتياط الكافي، فعلى من يجمع أو يروي تلك الأخبار أن يختار من أقوالهم ما لا يرى فيه مخالفة صريحة لشيء من نصوص الوحيين وأصول المعتقد الإسلامي؛ وهذا يقتضي أن لا يُقْدِم على مثل هذا العمل إلا من يكون من أهل السنة والاتباع ومن طلبة العلم النابهين وأهل الاطلاع على العلوم الاسلامية، العقائد والسنن والتفسير والسيرة وغيرها؛ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
    وللمقال بقية تأتي قريباً بإذن الله تعالى .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    132

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه في (المجموع) (1/250-252) في ثنايا تفصيله في أحكام التوسل وأحاديثه : (والمقصود أن هذه الأحاديث التي تروى في ذلك : من جنس أمثالها من الأحاديث الغريبة المنكرة بل الموضوعة التي يرويها من يجمع في الفضائل والمناقب الغثَّ والسمين ، كما يوجد مثل ذلك فيما يصنَّف في فضائل الأوقات وفضائل العبادات وفضائل الأنبياء والصحابة وفضائل البقاع ونحو ذلك ؛ فإن هذه الأبواب فيها أحاديث صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث ضعيفة وأحاديث كذب موضوعة .
    ولا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يُروى في فضائل الأعمال ما لم يُعلم أنه ثابت إذا لم يُعلم أنه كذبٌ ، وذلك أن العمل إذا عُلم أنه مشروع بدليل شرعي ورُوي في فضله حديثٌ لا يُعلم أنه كذبٌ جاز أن يكون الثوابُ حقاً .
    ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يُجعل الشيءُ واجباً أو مستحبّاً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع .
    وهذا كما أنه لا يجوز أن يُحَرَّمَ شيء إلا بدليل شرعي ، لكن إذا عُلم تحريمُه ورُويَ حديث في وعيد الفاعل له ولم يُعْلَمْ أنه كذبٌ : جاز أن يرويَه ؛ فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يُعلم أنه كذب ، لكن فيما عُلم أن الله رغَّبَ فيه أو رهَّب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله .
    وهذا كالإسرائيليات : يجوز أن يروى منها ما لم يُعلم أنه كذبٌ ، للترغيب والترهيب فيما عُلم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا ؛ فأما أن يثبت شرعاً [كذا] لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ، ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة .
    ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه .
    ولكن كان في عُرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين : صحيح وضعيف ؛ والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به ، وإلى ضعيف حسن ، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرعَ من رأس المال ، والى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك .
    وأول من عُرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام : صحيح وحسن وضعيف : هو أبو عيسى الترمذي في (جامعه) ، والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ ؛ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به ، ولهذا مثَّل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما ؛ وهذا مبسوط في موضعه) .
    وقال في (المجموع) (18/65-68) : ( قول أحمد بن حنبل : إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد) ، وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال : ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به ، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي ، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم .
    ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل الدين المشروع ؛ وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله ، بنص أو إجماع ، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ، ونحو ذلك ، فإذا روي حديث في فضل بعض الأعمال
    المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها ، فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به ، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً ، فهذا إن صدق نفَعه وإن كذب لم يضره .
    ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف .
    فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقاً أو باطلاً ،فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإن الكذب لا يفيد شيئاً ، وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه .
    وأحمد إنما قال : إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، ومعناه أنا نروي في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم .
    وكذلك قول من قال : يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها العمل بما فيها من
    الأعمال الصالحة ، مثل التلاوة والذكر ، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة .
    ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو : ( بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) ، مع قوله في الحديث الصحيح ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) ، فإنه رخص في الحديث عنهم ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به ، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع .
    فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً ، مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة : لم يجز ذلك ، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي ، بخلاف ما لو روي فيه (من دخل السوق فقال لا إله إلا الله كان له كذا وكذا ) ، فإن ذكر الله في السوق مستحب ، لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ---- .
    فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته ---- .
    فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب ، لا في الاستحباب ؛ ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي ) .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    914

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    بارك الله فيك يا شيخ محمد على هذا البحث الماتع الجميل، ولا حرمك الله الأجر.
    ** قـال مـالـك رحمه الله: **
    (( إن حقا على من طلب العلم أن يكون عليه:
    وقار، وسكينة، وخشية، وأن يكون متبعا لآثار من مضى من قبله ))
    ============================== ==============================
    الشيخ العلامة المحدث / عبد الكريم بن عبد الله الخضير

    الشيخ العلامة المحدث / سعد بن عبد الله آل حميد

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    بارك الله فيك
    وهذا كما أنه لا يجوز أن يُحَرَّمَ شيء إلا بدليل شرعي ، لكن إذا عُلم تحريمُه ورُويَ حديث في وعيد الفاعل له ولم يُعْلَمْ أنه كذبٌ : جاز أن يرويَه
    فيه دليل على جواز ذكر الأحاديث الضعيفة في باب الأحكام للاستئناس والشد والتقوية لا للتشريع وإثبات الأحكام
    وبهذا يتضح خطأ كثير من المتفقه والمنتسبين إلى فقه النص في إنكارهم على الفقهاء لذكرهم الضعيف في باب الأحكام وكتب الفقه
    فإنهم إنما ذكروه للاستئناس والشد والتقوية والحكم عندهم ثابت من طريق أخرى صحيحة كفهم من كتاب الله أو حديث صحيح أو قاعدة فقهية أو إجماع أو قياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة
    إذا الفقه ليس مقتصرا على النصوص كما هو مقرر في موضعه
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    لم أر في كلام أغلب من تكلم فيه هذه المسألة التنبيه على جزئية مهمة وهي :
    حديث اختلف النقاد في صحته وضعفه اختلافا شديدا كأن يضعفه أحمد ومسلم ويصححه على والبخاري ونحو ذلك
    ويكون دليل كل واحد منهم له حظ كبير من النظر وعلى ذلك أمثلة كثيرة يجدها المعتني بكتب العلل
    ولعل حديث طلق بن علي في الوضوء أو حديث جابر في الشفعة يصلح مثالا على ذلك
    طبعا في هذه الحالة يكون الحديث معلولا في الغالب على طريقة المحدثين لا الفقهاء
    السؤال : هذا النوع من الأحاديث هل يحتج به في الأحكام ؟؟
    ذكر بعضهم أن أحمد قد يعل حديثا لكن في باب الفقه يحتج به
    ولعل هذا يكون مراد من قال أن أحمد يحتج بالضعيف
    وهذا النوع من الأحاديث لا يدخل في قولهم "غير شديد الضعف" لأن مرادهم بهذا الشرط أن لا يكون في إسناده متهم أو كذاب
    وهذا النوع أعلى بكثير وأقرب إلى الصحة من غيره
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    132

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    بارك الله في الشيخ وليد وفي الشيخ أمجد ، وأحسن الله إليهما .
    وليت الأخ أمجد يواصل بحث المسألة التي ذكرها (أعني في مشاركته الأولى) ، وللمعلمي كلام في ذلك في ترجمة الخطيب من (التنكيل) .
    ومما قاله هناك دفاعاً عن الخطيب : (ولا يضره أن يكون فيما ذكره أخيراً رواية ساقطة توافق أخرى قوية) .
    وقال أيضاً (1/143-144) متعقباً بعض من طعن في الخطيب يروي في بعض أجزائه الحديثية الفقهية روايات غير صحيحة ساكتاً عليها : (أقول : الجواب من أوجه :
    الأول : أن الخطيب إن كان قصد بجمع تلك الرسائل جمع ما ورد في الباب فلا احتجاج ، وإن كان قصد الاحتجاج فبمجموع ما أورده ، لا بكل حديث على حدة .
    ---- .
    السادس : إذا روي الحديث بسند ساقط لكنه قد روي بسند آخر حسن أو صالح أو ضعيف ضعفاً لا يقتضي الحكم ببطلانه : لم يجز الحكم ببطلان المتن مطلقاً ، ولا يدخل من رواه بالإسنادين معاً في حديث (( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )) ، لأنه لا يرى الحديث نفسه كذباً .
    وقد يتوسع في هذا فيلحق به ما إذا كان المتن المروي بالسند الساقط ولم [لعل الواو زيدت خطأ] يرو بسند أقوى لكن قد روي معناه بسند أقوى ؛ ويقوي هذا أن المفسدة إنما تعظم في نسبة الحكم إلى النبي صلى الله عيه وآله وسلم مع ظن أنه كذب لا في نسبة اللفظ ، وشاهد هذا جواز الرواية بالمعنى ---- ) .

    والآن أرجع إلى تكملة موضوعنا ، فدونك ما يأتي :
    لطيفة فيها بيان بعض حكمة وجود ما لا يصح من الأحاديث
    قال شيخ الإسلام في المجموع (13/95-97) عقب كلام له ذكر فيه كثيراً من أنواع الأحوال الشيطانية وتصرفات الجن والمنامات والمكاشفات والمخاطبات ونحوها وانخداع كثير من جهلة المشايخ وغيرهم بذلك :
    (فهذا باب واسع واقع كثيراً ، وكلما كان القوم أجهل كان عندهم أكثر ، ففي المشركين أكثر مما في النصارى ، وهو في النصارى كما هو في الداخلين في الاسلام [كذا العبارة] ، وهذه الأمور يسلم بسببها ناس ويتوب بسببها ناس يكونون أضل من أصحابها فينتقلون بسببها إلى ما هو خير مما كان عليه ، كالشيخ الذي فيه كذب وفجور من الإنس قد يأتيه قوم كفار فيدعوهم إلى الإسلام فيسلمون ويصيرون خيراً مما كانوا وإن كان قصد ذلك الرجل فاسداً ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم) [متفق عليه] .
    وهذا كالحجج والأدلة التي يذكرها كثير من أهل الكلام والرأي فإنه ينقطع بها كثير من أهل الباطل ويقوى بها قلوب كثير من أهل الحق وإن كانت فى نفسها باطلة ، فغيرها أبطل منها ، والخير والشر درجات ، فينتفع بها أقوام ينتقلون مما كانوا عليه إلى ما هو خير منه .
    وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين ، وهو خير من أن يكونوا كفاراً ؛ وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزواً يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثماً بذلك ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفاراً فصاروا مسلمين ، وذاك كان شراً بالنسبة إلى القائم بالواجب ، وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير .
    وكذلك كثير من الأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب والفضائل والأحكام والقصص ، قد يسمعها أقوام فينتقلون بها إلى خير مما كانوا عليه وإن كانت كذباً .
    وهذا كالرجل يسلم رغبة في الدنيا ورهبة من السيف ثم إذا أسلم وطال مكثه بين المسلمين دخل الإيمان في قلبه ، فنفس ذل الكفر الذي كان عليه وانقهاره ودخوله في حكم المسلمين خير من أن يبقى كافراً ، فانتقل إلى خير مما كان عليه وخف الشر الذي كان فيه ، ثم إذا أراد الله هدايته أدخل الإيمان في قلبه
    ؛ والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا الخلق بغاية الإمكان ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان ، (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) [الأحقاف 19].
    وأكثر المتكلمين يردون باطلاً بباطل وبدعة ببدعة ، لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين فيصير الكافر مسلماً مبتدعاً .
    وأخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة - كبدعة الرافضة - ببدعة أخف منها وهى بدعة أهل السنة ؛ وقد ذكرنا فيما تقدم أصناف البدع ، ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة ومن الخوارج----) إلى آخر كلامه رحمه الله .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمجد الفلسطينى مشاهدة المشاركة
    لم أر في كلام أغلب من تكلم فيه هذه المسألة التنبيه على جزئية مهمة وهي :
    حديث اختلف النقاد في صحته وضعفه اختلافا شديدا كأن يضعفه أحمد ومسلم ويصححه على والبخاري ونحو ذلك
    ويكون دليل كل واحد منهم له حظ كبير من النظر وعلى ذلك أمثلة كثيرة يجدها المعتني بكتب العلل
    ولعل حديث طلق بن علي في الوضوء أو حديث جابر في الشفعة يصلح مثالا على ذلك
    طبعا في هذه الحالة يكون الحديث معلولا في الغالب على طريقة المحدثين لا الفقهاء
    أخي الحبيب أمجد من قال لك أن كل حديث اختلف فيه الحفاظ وكان دليل كل واحد منهم له حظ من النظر ... طبعًا يكون الحديث معلولا في الغالب على طريقة المحدثين .
    أخي الحبيب: هذه ليست القاعدة وليست هذه طريقة المحدثين ، إنما العبرة بهل العلة التي ذكرها من أعل الحديث مؤثرة أو غير مؤثرة ، يعني العبرة بالترجيح وليست هكذا جزافًا أو ليس الحكم لمن أعل مطلقًا، والاختلاف في تصحيح الحديث شأنه شأن الاختلاف في أي مسألة فقهية أو عقدية .. ، عند وقوع الاختلاف فالعبرة بالراجح من الأدلة والعالم المجتهد وطالب العلم الذي يستطيع أن يميز بين الأدلة يحكم بما تبين له من الدليل أما العامي فيقلد من شاء من العلماء من أعل الحديث أو من صححه شريطة تجنب الهوى وحظ النفس ، وعليه أن يقلد من تحدث في نفسه الثقة بحكمه ، بارك الله فيك ونفع بك .
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    132

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    تكلم العلامة المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص87-88) على ما ينسب إلى بعض الأئمة من التساهل فقال : (معنى التساهل في عبارات الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة.
    ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم.
    غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلة لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة كقيام ليلة معينة، فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل؛ فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف، وقد بين الشاطبي في الاعتصام خطأ هذا الفهم؛ ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة. على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجاميعهم ذاك الحد، فأثبتوا فيها كل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل؛ وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوا معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويكتبوا سنده وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله.
    ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد.
    والخلاص من هذا أسهل [كذا، ولعلها مصحفة عن (سهل)] وهو : أن تبين للناس الحقيقة، ويرجع إلى أهل العلم والتقوى والمعرفة؛ لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم ويبغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدعي لنفسه ما يدعي، ولا ميزان عنده إلا هواه لا غير، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في الصحيحين عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا، والله المستعان).

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    مشايخنا الأكارم
    يبدو أن هذا الباب يحتاج إلى بسط كثير؛ لأنه يقع فيه إشكال عندي وعند كثير من طلبة العلم، وذلك أن كثيرا من أهل العلم ينقلون عن الإمام أحمد وغيره من العلماء أنهم يجعلون الحديث الضعيف أقوى من الرأي، وذكروا أن هذه طريقة أبي داود أيضا، ويظهر من كلام الشيخ عبد الكريم الخضير في رسالته أن هذا قول جمع كبير من المتقدمين.

    والذين صنفوا في أصول الحنابلة يطلقون القول بالاحتجاج بالحديث الضعيف، وقول شيخ الإسلام إن ذلك غلط على أحمد يحتاج إلى بسط أكثر لبيان من الذي غلِط، ومن الذي نقل بخلاف هذا الغلَط، ومن الذي غلّط هذا الغالِط؟

    والتفريق بين (إثبات الحكم) و(إثبات فضيلة للحكم) وارد على الحلال والحرام، كما هو وارد على المستحبات والمكروهات، فكيف ساغ هذا التفريق؟

    هذه استشكالات وليست اعتراضات، ورحم الله من أزال عني هذا الإشكال، وبارك الله فيكم وزادكم علما.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    132

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي مشاهدة المشاركة
    مشايخنا الأكارم
    يبدو أن هذا الباب يحتاج إلى بسط كثير؛ لأنه يقع فيه إشكال عندي وعند كثير من طلبة العلم، وذلك أن كثيرا من أهل العلم ينقلون عن الإمام أحمد وغيره من العلماء أنهم يجعلون الحديث الضعيف أقوى من الرأي، وذكروا أن هذه طريقة أبي داود أيضا، ويظهر من كلام الشيخ عبد الكريم الخضير في رسالته أن هذا قول جمع كبير من المتقدمين.
    والذين صنفوا في أصول الحنابلة يطلقون القول بالاحتجاج بالحديث الضعيف، وقول شيخ الإسلام إن ذلك غلط على أحمد يحتاج إلى بسط أكثر لبيان من الذي غلِط، ومن الذي نقل بخلاف هذا الغلَط، ومن الذي غلّط هذا الغالِط؟
    والتفريق بين (إثبات الحكم) و(إثبات فضيلة للحكم) وارد على الحلال والحرام، كما هو وارد على المستحبات والمكروهات، فكيف ساغ هذا التفريق؟
    هذه استشكالات وليست اعتراضات، ورحم الله من أزال عني هذا الإشكال، وبارك الله فيكم وزادكم علما.
    ---------------------
    الأخ الكريم أبا مالك
    إن كنت تعني أنهم فرقوا بين الحديث الضعيف الذي ورد فيه فضيلة لعمل لم يعرف له فضل - أو فضل مختص به - في غير ذلك الحديث ، وبين حديث آخر ضعيف مثله ولكنه ورد فيه فضيلة لعمل قد ثبتت له فضيلة في الجملة ، فتركوا الحديث الأول ولم يتركوا الحديث الثاني .
    إن كنت تعني هذا فهو استيضاح أو استشكال وجيه .
    وجوابه – بحسب ما أرى – أن الحديث الأول لا يمكن العمل به ، لأنه حينئذ يؤدي إلى عبادة مبتدعة أو عبادة لسنا على يقين – بل ولا على ظن راجح – من أنها قربة أو عبادة يحبها الله ويرتضيها ، والأصل في العبادات المنع حتى يقون الدليل على مشروعيتها ، والحديث الضعيف ليس دليلاً ، وإنما هو فقط احتمال غير قوي .
    وأما الحديث الثاني فهو متروك أيضاً ، أعني من جهة الاحتجاج به ، ولكنه يروى لزيادة الترغيب به ، فقط ، أي ببيان فضل أعظم للعمل الصالح ، أعظم من ذلك الفضل المذكور في الآية أو الحديث الثابت .
    فإن قيل : هذه الزيادة في الترغيب ، كيف تثبتونها بحديث ضعيف وهي شيء من جنس الفضل الذي أبيتم إثباته بالحديث الضعيف لذلك العمل الذي لم تدل النصوص الثابتة على كونه واجباً أو مستحباً ؟ أي لم تدل النصوص الثابتة على أي فضل له ؟!
    فالجواب أن نوعي الفضلين مختلفان تماماً ، فهذا فضل يؤدي – كما تقدم - في كثير من الأحيان إلى بدعة أو غلط أو تعبد بالظن المرجوح ، وهذا ما تأباه أصول الدين وتبطله .
    وأما الفضل الثاني أي الزيادة في الترغيب فلا محذور فيها .
    ثم إننا لم نثبت تلك الزيادة أعني ذلك الترغيب الزائد ، نعم لم نثبتها ولم نقطع بها وإنما هي على الاحتمال ، لم يثبتها العلماء النفاد المحققون ولا المرغّبون للناس بذلك الحديث ولا المرغَّبون ، إلا من انحرف منهم أو أخطأ ؛ بل ينبغي أن يفهم من يرغَّب بذلك الحديث أن صحته على الاحتمال الضعيف ويجب أن يحذر من نسبة مثل ذلك الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن توهمِ وإيهام ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم .
    فإن قيل : لماذا لا تُترك الأحاديث الضعيفة جملة واحدة وذلك هو الأسلم والأحوط للدين ؟
    فالجواب أن تركها الكلي التام والإعراض عنها من أصلها ليس من العدل في حقها ، وهي بحسب ما تقرر عند علماء السنة الراسخين وأئمتها - كما تقدم نقل مذهبهم أو بيانه - شبه متروكة ، أو قريبة من الترك ، وإنما استعملت تلك الأحاديث الضعيفة بطريقة تناسب أو تراعي مقتضى احتمال صحة كثير منها – أي تلك الأحاديث الضعيفة - في نفسها ، من جهة ، وعدم شدة ضعفها وعدم نكارتها وعدم بطلانها من جهة أخرى ، ولذلك لم يطلق عليها النقاد اسم الترك ، ولذلك أيضاً يقوون الأسانيد الضعيفة ببعضها أحياناً ؛ ثم إن تلك الطريقة المقتصرة على ذلك القدر اليسير من الاستعمال - إن صحت العبارة علمياً - وذلك القدر الكبير من الترك : خالية من أي محذور – لو التزم الناس حقيقتها - ، فلا تلك الأحاديث نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل القطع ولا الظن المعتبر ، ولا ما قاربهما ، ولا هي معمول بها في الأحكام العملية ولا في العقائد ولا غيرها ؛ فأين سوء أثرها ، وما نراه من آثار سيئة للأحاديث الضعيفة فليست هي السبب في تلك الآثار ولكن الناس من أنفسهم يُؤتَون .
    هذا ما عندي الآن ، ولعله يأتي لاحقاً من حوارات الفضلاء ما يفتح أبواباً أخرى للإيضاح والتفصيل ، والله المستعان ونعم الوكيل .
    --------------
    وأما ما يروى عن الإمام أحمد في ذلك فهو – حقاً – يحتاج إلى تحقيق ، ولعل الله يوفق إلى التعاون في النظر في المسألة ونقل أقوال العلماء المحققين فيها وتدارسها .
    وعندي فيها وجهة نظر لا أدري أتستحق الذكر أو لا .
    والله أعلم وهو الموفق إلى الحق بإذنه .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    تفضل يا شيخنا بذكر وجهة نظركم، ولا تبخلوا علينا بشيء من علمكم، أسأل الله أن ينفع بكم
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    ( للفائدة )

    قال الإمام النووي في (خلاصة الأحكام):
    (( وأمرنا الله سبحانه وتعالى عند التنازع بالرجوع إلى الله والرسول، أي الكتاب والسنة، وهذا كله في سنة صحت، أما ما لم تصح فكيف تكون سنة وكيف يحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله أو فعله من غير مسوغ لذلك، ولا تغترن بكثرة المتساهلين في العمل والاحتجاج في الأحكام بالأحاديث الضعيفة وإن كانوا مصنفين وأئمة في الفقه وغيره وقد أكثروا من ذلك في كتبهم ولو سئلوا عن ذلك لأجابوا بأنه لا يعتمد في ذلك الضعيف، وإنما أباح العلماء العمل بالضعيف في القصص
    وفضائل الأعمال التي ليست فيها مخالفة لما تقرر في أصول الشرع مثل فضل التسبيح وسائر الأذكار والحث على مكارم الأخلاق والزهد في الدنيا وغير ذلك مما أصوله معلومة مقررة )).
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    جزى الله الشيخ الفاضل محمد سلامة خيرا وأثابه أحسن الثواب وكل من شارك أو علق.
    شيخنا الحبيب محمد سلامة وفقه الله:
    الذي يظهر لفهم كاتبه السقيم أن فضائل الأعمال ليس المراد بها الترغيب والترهيب فقط بل أعم من ذلك وهذا ظاهر ما حكاه النووي وغيره كالرملي والقاري.
    "وقال الهيتمي رحمه الله"الذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والأصوليون والحفاظ أن الحديث الضعيف حجة في المناقب كما أنه بإجماع من يعتد به حجة في فضائل الأعمال"
    .
    وقال العراقي في شرح ألفيته "وأما غير الموضوع فجوزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعفهإذا كان في غير الأحكام والعقائد بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوها أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما وفي العقائد كصفات الله تعالى وما يجوز ويستحيل عليه ونحو ذلك فلم يروا التساهل في ذلك وممن نص على ذلك من الأئمة عبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبدالله بن المبارك وغيرهم وقد عقد ابن عدي في مقدمة الكامل والخطيب في الكفاية بابا لذلك...".



    ونحوه كلام السخاوي في فتح المغيث ونقله عن غير واحد من المتقدمين كأحمد وابن معين وابن المبارك والسفيانين وابن مهدي .
    ونقل قول أبي عمر بن عبدالبر:أحاديث الفضائل لانحتاج فيها إلى من يحتج به .
    وكذا صرح السيوطي رحمه الله في تدريب الراوي .
    وهو الذي عليه عمل الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة وأتباعهم وكتبهم مليئة بذلك كما صرح به الكمال بن الهمام وابن عابدين والخرشي والنووي والرملي والهيتمي والسيوطي والمرداوي وابن النجار وغيرهما من أصحابنا الحنابلة .
    وقال ابن مفلح في الآداب :
    فصل في العمل بالحديث الضعيف وروايته والتساهل في أحاديث الفضائل دون ما تثبت به الأحكام والحلال والحرام ... والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف فيما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا.
    وظاهر كلام هؤلاء وغيرهم ان الكلام في غير الأحكام أي الحلال والحرام والإيجاب والحظر وأن الاستحباب والكراهة يثبتان بالضعيف .
    فقد نقل النواوي رحمه الله كما في الأذكار عن العلماء من المحدثين والفقهاء أن الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق لايعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شئ من ذلك كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة فإن المستحب أن يتنزه عنه ولكن لايجب.
    ونقله عنه السخاوي في فتح المغيث مقرا به.
    وقال ابن الهمام في فتح القدير:
    والاستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع.
    وصرح ابن مفلح رحمه الله كما في النكت على محرر المجد بذلك .
    وقال الموفق في المغني:
    فإن النوافل والفضائل لايشترط صحة الحديث فيها
    .
    وصنيع الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم ظاهر في ذلك وإنكاره مكابرة فكم استحبوا أشياء وكرهوا أشياء باحاديث ضعيفة وهذا في عشرات المسائل في كتب أصحابنا وغيرهم وتتبع ذلك يطول وهو لايخفى على شريف علمكم.
    بل في الأحكام يأخذ أحمد وغيره من الأئمة الأربعة بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره ويقدمونه على الرأي والقياس كما هو مدون في مذاهبهم وصرح به ابن القيم في إعلام الموقعين وضرب أمثلة من المذاهب الأربعة وأمثلته المذكورة أحاديثها ضعيفة بل هو مصرح بأن مالكا رحمه الله يقدم المرسل والمنقطع والبلاغات على القياس وكلهامن الضعيف عند أهل الحديث ،وأصحابنا صرحوا في كتب الأصول بأن المرسل حجة في الأحكام بشروط ذكروها والمرسل عندهم يشمل المنقطع والمعضل وصرحوا بذلك في كتبهم الفروعية كذلك .
    فكيف يفسر الضعيف عند أحمد بالحسن عند الترمذي كما ذهب إليه الشيخ تقي الدين وابن القيم رحمهما الله تعالى وكيف يقدم على الحسن قول الصحابي؟!
    فلو كان الضعيف عند أحمد هو الحسن عند الترمذي لقدم على قول الصحابي وهذا واضح بحمد الله .

    وصنيع أحمد وابي داود في سننه وغيره من أصحابنا يشهد لذلك ومذهبنا فيه عشرات المسائل المبنية على أحاديث ضعيفة وفيها نصوص عن أحمد وليست تخريجات لأصحابه.والله أعلم.
    على اعتقاد ذي السداد الحنبلي ...إمام أهل الحق ذي القدر العلي

    قال أبو عمرو بن العلاء "ما نحن فيمن مضى إلا كبقل بين أصول نخل طوال فما عسى أن نقول نحن، وأفضل منازلنا أن نفهم أقوالهم وإن كانت أحوالنا لاتشبه أحوالهم"

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    99

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    [quote
    ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يُجعل الشيءُ واجباً أو مستحبّاً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع .
    Quote]
    وهذا حال كثير من الشباب في هذا الزمان خالفووا الاجماع

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    339

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    جزاكم الله خيرا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    155

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    ، ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى (فضائل الأعمال) هو (الأعمال الفاضلة) ، فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة ، والتي نصها (يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) ، أقول : صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين : (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة) ، وبعبارة أخرى : (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب ، للأعمال ، لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة : أعمال فاضلة) ، وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب ؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع ، ونُصرت كثير من الضلالات ، وأُميتت كثير من السنن ، وكيدت كثير من الحقوق ، والله وحده المستعان .

    من يشرح لي ما الفرق بين عبارة فضائل العمال والعمال الفاضلة بالأمثلة:

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    155

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    ، ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى (فضائل الأعمال) هو (الأعمال الفاضلة) ، فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة ، والتي نصها (يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) ، أقول : صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين : (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة) ، وبعبارة أخرى : (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب ، للأعمال ، لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة : أعمال فاضلة) ، وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب ؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع ، ونُصرت كثير من الضلالات ، وأُميتت كثير من السنن ، وكيدت كثير من الحقوق ، والله وحده المستعان .

    من يشرح لي ما الفرق بين عبارة فضائل الأعمال والأعمال الفاضلة بالأمثلة؟

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد خلف سلامة مشاهدة المشاركة
    [color="darkred"]
    وليت الأخ أمجد يواصل بحث المسألة التي ذكرها (أعني في مشاركته الأولى) ، وللمعلمي كلام في ذلك في ترجمة الخطيب من (التنكيل) .
    ومما قاله هناك دفاعاً عن الخطيب : (ولا يضره أن يكون فيما ذكره أخيراً رواية ساقطة توافق أخرى قوية) .
    وقال أيضاً (1/143-144) متعقباً بعض من طعن في الخطيب يروي في بعض أجزائه الحديثية الفقهية روايات غير صحيحة ساكتاً عليها : (أقول : الجواب من أوجه :
    الأول : أن الخطيب إن كان قصد بجمع تلك الرسائل جمع ما ورد في الباب فلا احتجاج ، وإن كان قصد الاحتجاج فبمجموع ما أورده ، لا بكل حديث على حدة .
    ---- .
    السادس : إذا روي الحديث بسند ساقط لكنه قد روي بسند آخر حسن أو صالح أو ضعيف ضعفاً لا يقتضي الحكم ببطلانه : لم يجز الحكم ببطلان المتن مطلقاً ، ولا يدخل من رواه بالإسنادين معاً في حديث (( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )) ، لأنه لا يرى الحديث نفسه كذباً .
    وقد يتوسع في هذا فيلحق به ما إذا كان المتن المروي بالسند الساقط ولم [لعل الواو زيدت خطأ] يرو بسند أقوى لكن قد روي معناه بسند أقوى ؛ ويقوي هذا أن المفسدة إنما تعظم في نسبة الحكم إلى النبي صلى الله عيه وآله وسلم مع ظن أنه كذب لا في نسبة اللفظ ، وشاهد هذا جواز الرواية بالمعنى ---- ) .
    قال أبو بكر البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" ص 332:
    "وقد عابه بعض الناس بروايته عن بعض الضعفاء وقد أجبنا عنه في غير موضع وهو أن الضعفاء الذين طعن فيهم أهل العلم بالآثار مختلفون ، منهم من قد أجمعوا على سقوطه وترك الاحتجاج بروايته فهؤلاء لا يحتج بهم الشافعي ، وقد يروي عن بعض ما سمعه من الأحاديث في مسائلها ، واعتماده على ما سبق من الكتاب أو السنة الصحيحة أو القياس الصحيح دون ما أورده من الرواية الضعيفة ، ومنهم من قد اختلفوا في جواز الاحتجاج بروايته فأدى اجتهاده إلى صدق بعضهم في الرواية مع من أدى اجتهاده إلى مثله من أهل المعرفة فاحتج بروايته وأكدها بما يؤكد به أمثالها من المتابعة ، وذلك بين في كتاب المعرفة
    وقد أجاب إمام من أئمة أهل العلم بالنقل عائب الشافعي رحمه الله بذلك بجواب فيه كفاية وهو فيما أبنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال قرأت في أصل كتاب أبي أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الماسرجي، سمعت أبا الحسين مسلم بن الحجاج يقول في قول أجاده في مثله :
    "وهذا قول أهل العلم بالحديث والأخبار ممن يعرف بالتفقه فيها والاتباع لها منهم يحي بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي ،ومحمد بن ادريس الشافعي، وأحمد بن حنبل ،وإسحاق بن راهويه

    وقال مسلم: "ثم أقبل صاحب الوضع في في جلود السباع والميتة يعطف على الشافعي محمد بن ادريس يعيره بالرواية عن أقوام فيقول لو أن الشافعي اتقى حديث فلان وفلان من الضعفاء لكان ذلك أولى به من اتقائه حديث عكرمة الذي أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديثه

    قال مسلم: "والشافعي لم يكن اعتماده في الحجة للمسائل التي ذكر في كتبه تلك الأحاديث في إثر جواباته لها، ولكنه كان ينزع الحجج في أكثر تلك المسائل من القرآن، والسنة، والأدلة التي يستدل بها، ومن القياس ،اذ كان يراه حجة ثم يذكر الاحاديث قوية كانت أو غير قوية
    فما كان منها قويا اعتمد عليه في الاحتجاج به وما لم يبلغ منها أن يكون قويا ذكره عند الاحتجاج بذكر خامل فاتر، وكان اعتماده حينئذ على ما استدل به من القرآن والسنة والقياس


    والدليل على أن ما قلنا من مذهب الشافعي لذكر الأحاديث الضعاف أنه كما قلنا أن مذهبه ترك الاحتجاج بالتابعين تقليدا، وأنه يعتمد في كتبه لمسائل من الفروع ويتكلم فيها بما يصح من الجواب عنها من دلائل القرآن والسنة والقياس، ثم يأتي على أثرها بقول ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار وغيرهما من آراء التابعين بما يوافق قوله لئلا يرى من ليس بالمتبحر في العلم ممن ينكر بعض فتواه في تلك الفروع أن ما يقول في العلم لا يقوله غيره فيذكر تلك الآراء عن التابعين لهذا، إلا انه لا يعتد بشئ من أقوالهم حجة يلزم القول به عنه تقليدا". ا.هـ
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريب عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال

    وقال في موضع من المعرفة:
    "وقد مضى في المسألة قبلها اعتماده على حديث أبي هريرة وترجيحه لفعله بصحة إسناده مع ما رَوَى فيه عن غيره وذلك يدلك على أنه كان يروي عن الضعفاء كما جرت به عادة الرواة واعتماده فيما رواه على ما يجب الاعتماد عليه أو على غير ما رواه من كتاب أو سنة أو قياس
    وبمثل هذا أو قريب منه أجاب مسلم بن الحجاج رحمنا الله وإياه من عاب الشافعي بروايته على بعض الضعفاء والله يغفر لنا وله فلم يترك لعائب مقالا
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •