رفع الغلَط الغريب ودفع الخلْط المريبالحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على خليله وصفيه وعبده ونبيه الرسول الأمين محمد وعلى آله وصحبه وسائر من آمن به واهتدى بهديه ، وبعد .
عن معاني وأحكام كون الحديث في فضائل الأعمال أو الترغيب والترهيب
فقد وقع في كلام كثير من المتأخرين على أحاديث الترغيب والترهيب وأحكامها لبس وخلط وإيهام ، فأردت المشاركة في كشف ذلك ، وإن كنت مسبوقاً إليه ، فإن الحاجة إلى نشر مثل هذا الكشف ما زالت قائمة بل ماسة ملحة ، فأقول :
أما الترغيب فالمراد به تحبيب النفوس في فعل الأعمال الصالحة ، ودفعِها إلى ذلك ، وذلك بذكر النصوص المبينة لثواب تلك الأعمال والفضل المرجو من فِعلها .
وأما الترهيب فالمراد به التخويف مِن فعل الأعمال السيئة والمعاصي ، وذلك بذكر عقوباتها وأضرارها .
والمراد بالأعمال الصالحة تلك الأعمال التي ثبت بالآيات أو الأحاديث الثابتة أنها أعمال صالحة ، وتشمل الواجبات والمستحبات ، ومن المعلوم المقرَّر أن الوجوب والاستحباب حكمان شرعيان لا يثبتان لعمل من الأعمال بحديث ضعيف .
ومثل ذلك يقال في الأعمال السيئة ، فالمراد بها : الأعمال التي ثبت بالكتاب والسنة الثابتة أنها أعمال محرمة ، فلا تثبت الحرمة بحديث غير ثابت .
وأما المكروهات فقد ورد في النصوص الشرعية وأصول الدين ترغيب في اجتنابها ، فإنَّ في اجتنابها ثواباً لمن يجتنبها ، والتحقيق أن ترك المكروهات لوجه الله هو في الحقيقة داخل في جملة الحسنات والأعمال الصالحة ، ومثله ترك المباحات بقصد التفرغ للطاعات والتقوّي عليها ، وكذلك فِعلها - أي المباحات - بقصد التقوي على الطاعات : كل ذلك يثاب عليه المرء لأنه عملٌ صالح ، وإنما الأعمال بالنيات .
هذا وإنَّ أحاديث الترغيب والترهيب تسمى اختصاراً أحاديث الفضائل .
وقد كانت هذه التسمية واحداً من جملة أسبابٍ أوقعت كثيراً من أهالي العصور المتأخرة في لبس شديد وغلط بعيد ، في هذا الباب ؛ فقد خلط أكثر العامة وكثير من أشباههم ممن يعدون أنفسهم في جملة طلبة العلم الشرعي بين فضائل الأعمال والأعمال الفاضلة ، ففهموا ما قاله كثير من العلماء من أن الحديث الذي فيه ضعف غير شديد وهو غير منكر يعمل به إذا كان وارداً في فضائل الأعمال ، أي في الترغيب والترهيب المتقدم معناهما ، وإنما مرادهم بذلك ما أسلفتُه ، ولكن هؤلاء ظنوا - جهلاً - أن معنى (فضائل الأعمال) هو (الأعمال الفاضلة) ، فصارت القاعدة التي لخص فيها بعض أهل العلم مذهب الأئمة في الأحاديث الضعيفة ، والتي نصها (يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) ، أقول : صار معنى هذه القاعدة عند هؤلاء الجهلة والمتساهلين : (يعمل بالحديث الضعيف في بيان الأعمال الفاضلة) ، وبعبارة أخرى : (الحديث الضعيف يثبت به حكم الوجوب وحكم الاستحباب ، للأعمال ، لأن الأعمال الواجبة والأعمال المستحبة : أعمال فاضلة) ، وهذا خلط ليس بعده خلطٌ أشد منه ولا أعجب ؛ وهكذا نَجَمت كثير من البدع ، ونُصرت كثير من الضلالات ، وأُميتت كثير من السنن ، وكيدت كثير من الحقوق ، والله وحده المستعان .
هذا جانب مما يتعلق بأحاديث الترغيب والترهيب ، وكان السلف يسمونها أيضاً الرقاق ، وبقي جانبٌ آخرُ مضادٌّ لهذا الجانب ، وهو أنَّ طائفة من طلبة العلم ، وقد يكون بينهم بعض العلماء - منعوا رواية الحديث الضعيف أصلاً ، ومنعوا الترغيب والترهيب به ، وهذا مخالف لطريقة أئمة هذا العلم ، والتي نقلها عنهم الخطيب الحافظ في (الكفاية) و(الجامع) ، ونقلها غيره أيضاً .
قال الخطيب في (الكفاية) (2/398-400) تحت بابٍ أسماه (باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال ) :
(قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئاً من التهمة بعيداً من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ) ؛ ثم أسند هذه الآثار الخمسة التالية :
370 - عن سفيان الثوري قال : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.
371- عن سفيان بن عيينة قال : لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
372- عن أحمد بن حنبل قال : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.
373- عن أحمد قال : أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجىء شيءٌ فيه حكم . [وقع في نسخة خطية من كتاب (الكفاية) : (الأحاديث) بدل (أحاديث) ، فأثبتَها محقق الكتاب ] .
374- عن أبي زكريا العنبري قال : الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً ولم يُحِلَّ حراماً ، ولم يوجب حكماً ، وكان في ترغيب أو ترهيب أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه والتساهل في رواته [لعلها روايته] .
انتهى النقل عن الخطيب .
إن رواية الحديث الضعيف للترغيب به في عمل صالح ، أو للترهيب به من عمل سيء : ليست عملاً به ولا تصحيحاً له ، والقول الصحيح هو جواز ذلك ، فيجوز ذِكر الحديث الضعيف للناس لعلهم ينتفعون بمعناه ، ولكن لذلك شروط :
الأول منها : أنه يجب أن يُقتصر في ذلك على جانب واحد فقط ، هو جانب الترغيب والترهيب ؛ ويجب أن يكون العملُ المرغَّبُ فيه قد ثبت كونُه واجباً أو مستحبّاً بالنصوص الثابتة ، كما تقدم .
والثاني : أن يكون الحديثُ المرغَّبُ به متنُه غيرُ منكر (1) ، وضعفُه غيرُ شديد .
----------------------------------
هامش (1) : لو جرينا على جادة التحقيق والتدقيق لما احتجنا إلى الاحتراز عن المنكر ، فإنه يُغني عنه الاحتراز عن شدة الضعف ، فالمنكر أقل ما يوصف به أنه شديد الضعف ، ولكن المقام مقام تفصيل وبيان لمسألة خطيرة فصار التقسيم المذكور غير منكور ، وعلى مِثله جرى غير واحد من العلماء المتأخرين ممن تكلم في هذه القضية .
----------------------------------
والثالث : أن لا يُوهمَ ذِكرُ الحديث الضعيف أو روايتُه ثُبوتَه ، وأن لا يجرّ ذلك أي مفسدةً إلى الدين ، مثل أن يوافق الحديثُ هوى بعض الجاهلين أو المبتدعة المتهاونين ، فينشره ويحاجج به على رغم معرفته بضعفه ؛ ولذلك فإنه يجب أن يبرأ المرغِّب بذلك الحديث من تصحيحه ويبين ضعفه ، وأن يبين ذلك بالطريقة التي يفهمها الحاضرون .
فلا يكتفي بالإشارة الغامضة ، مثل ما يصنعه بعض الخطباء ونحوهم من الاسترواح والاكتفاء في بيان ضعف الحديث!! بالإشارة إلى ذلك بأن يذكر الحديث بلفظة (رُوي) زاعماً أنها تفيد تضعيف الحديث ، وهل يفهم العامة ذلك ؟! .
ولا يكتفي بإطلاق الاصطلاح ، مثل أن يقول : هذا الحديث غير ثابت ، أو يقول : في إسناده نظر ، أو : مختلف في صحته ، ونحو ذلك ، إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون مقاصد هذه العبارات .
بل حتى كلمة (ضعيف) ونحوها أرى أن يشرحها الخطيب - إذا رأى حاجةً لذلك - وأن يبين معناها بوضوح تامِّ مناسب لحال المخاطَبين ، ويكرر ذلك على المنبر مرات ومرات ، مع بيان حكم الحديث الضعيف ومع الترهيب من أن يُنسَبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من المرويات غير الثابتة عنه .
ولعل الأولى أنه إذا احتاج إلى ترغيب جماعة في أمر من الأمور ، وكان عَلِم - أو خشيَ - تساهلهم في تلقف الأحاديث ولا سيما الغريبة منها ونشرِها بين الناس مع جزمهم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أقول لعل الأولى هنا إن أبى إلا أن يذكّرهم ويعظهم بمتن ذلك الحديث أن يقول لهم : ورد في بعض الآثار كذا وكذا ، ثم يقول لهم : هذا ليس بحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لأحد أن ينسبه إليه ، أو نحو ذلك من الاحترازات المشروعة ؛ وصيانة السنة الصحيحة والذبُّ عنها مع التقصير في جانب الترغيب والترهيب - لو قُدّر وقوع هذا - أولى من ترغيب الناس بما يكون سبباً في انتهاء تلك الصيانة وانتفاء ذلك الذب(2) .
-------------------------------
هامش (2) : نقل السخاوي في (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) (ص195) عن النووي أنه قال: « قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً !! ؛ وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شئ من ذلك »؛ ثم نقل السخاوي عن ابن العربي المالكي أنه خالف في ذلك فقال: « إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً ».
ثم قال : « وقد سمعت شيخنا [ يعني الحافظ ابن حجر ] مراراً يقول - وكتبه لي بخطه - : إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :
الأول: متفق عليه، ان يكون الضعف غير شديد فيخرج [حديث] من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني: ان يكون مندرجا تحت اصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له اصل اصلا.
الثالث: ان لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب الى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
قال: والاخير عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد؛ والاول نقل العلائي الاتفاق عليه ».
قلت: قد حصل تساهل ضار في هذا الباب.
------------------------------------------
وأرجعُ إلى ما كنتُ فيه ، وهو بيان عدم التلازم بين الامتناع من رواية الحديث الضعيف وبين ترك الانتفاع بما قد يرد فيه من الحكم العالية والمواعظ الجليلة ، وأزيد على ما تقدم أنَّ طرد ذلك الأصل في الأخبار غير المرفوعة يكون من باب الأولى ؛ ولهذا كان العمل على جواز رواية ونشر أحاديث الترغيب والترهيب غير المرفوعة ، وإن كانت ضعيفة الأسانيد .
فمن أراد أن يجمع كتاباً أو كلاماً في الزهد من أقوال السلف وأخبارهم رحمهم الله، الصحابة والتابعين ومن بعدهم من القدماء فإنه لا يُشترط - لجواز نشر تلك المرويات بين الناس - صحةُ أسانيدها ، وذلك لأن باب هذه الأخبار هو باب الترغيب والترهيب في مسائل أعمال القلوب المتفق على أنها من أبواب الدين وشعب الإيمان كالصبر والشكر والحياء والتوكل والخوف والرجاء ونحوها؛ ثم إن العلماء اختلفوا في رواية الضعيف من أحاديث الترغيب والترهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتفقوا على منع ذلك ، بل الأرجح الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين هو جواز ذلك ولكن بشروط مشى عليها المتقدمون وفصل فيها المتأخرون ، وقد تقدم التفصيل في ذلك ؛ ولا شك أن الأمر في باب الآثار الموقوفة والمقطوعة أسهل وأقرب ، كما تقدم ، بل لعل الباحث لا يكاد يقف على كبير نهي لهم عن رواية هذا النوع من الأخبار غير المرفوعة .
بل إن من أراد نشر مثل تلك الآثار وروايتها لغيره فإن له في هذا المسلك سلفاً من كبار أئمتنا، فتأمل ما جرى عليه من صنف في الزهد والأخلاق والأدب ونحوها من أئمة الاسلام وكبار علمائه كابن المبارك ووكيع وأحمد ثم البيهقي في مؤلفاتهم في الزهد والبخاري في الأدب المفرد وما شاكله من كتبه، وابن حبان في روضة العقلاء والآجري في مؤلفاته في الأخلاق والآداب وكذلك من جمع أبواباً في الزهد والرقائق كأصحاب السنن وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، وكذلك من ألف أو كتب في هذا الفن وما قاربه أو شاركه في بعض مسائله كفن المناقب والسير ونحو ذلك من المتوسطين والمتأخرين كالخطيب وابن الجوزي وابن قدامة والنووي وابن تيمية والمزي والذهبي وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن حجر وغيرهم، تأمل صنيع هؤلاء العلماء في هذه الكتب وهذه الأبواب تجد أنهم جميعاً تساهلوا في هذا الباب في إيراد ما لا يثبت سنده من غير المرفوعات لأن الغاية سماع الحكمة الصحيحة والموعظة الحسنة والعبرة المؤثرة، ولقد كاد أكثر قدماء المحدثين على جواز التساهل برواية المرفوع - فضلاً عن الموقوف والمقطوع - من أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وكل ما ليس فيه إثبات عقيدة أو تشريع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)؛ رواه البخاري؛ أفلا يكفي هذا الترخيص في التحديث عن بني اسرائيل - رغم كل الذي جرى من تحريف في كتبهم وانقطاع فظيع في أسانيدهم - دليلاً ومستنَداً للتحديث عن أحد من أفاضل علماء المسلمين أو أكابر واعظيهم بخبر تظهر صحة معناه وتشهد له النصوص الثابتة والأصول المقررة أو هي - في الأقل - لا يعارضها ولا تدل على بطلان فيه أو نكارة؟*!
وإنه لمما يناسب هذا المقام أن أسوق فيه جملة من أقوال العلماء في هذا الباب تأييداً لهذا التأصيل ؛ فأقول :
روى الخطيب في (اقتضاء العلم العمل) (ص83) عن الغلابي قال: سأل رجل ابن عيينة عن إسناد حديث قال: ما تصنع بإسناده؟! أما أنت فقد بلغتك حكمته ولزمتك موعظته.
وذكر الماوردي في (أدب الدنيا والدين) (ص88-89) عن الحسن البصري أنه حدث بحديث فقال رجل: يا أبا سعيد عمن؟ قال: ما تصنع بعمن؟! أما أنت فقد نالتك عظته وقامت عليك حجته.
وقال الذهبي في ترجمة الشافعي من (سير أعلام النبلاء) (10/97): وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم؛ ثم سرد الذهبي جملة طيبة منها.
وقال أبو نعيم في (الحلية) (9/377-378): حدثنا عثمان بن محمد العثماني ثنا أبو الحسن الرازي قال: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال ذو النون: (صدور الأحرار قبور الأسرار؛ قال: وسئل ذو النون: لم أحب الناس الدنيا؟ قال: لأن الله تعالى جعلها خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم إليها؛ وقيل له: ما إسناد الحكمة؟ قال: وجودها؛ وسئل يوماً----)(3).
-------------------------------
هامش (3) هذا كلام ذي النون المصري ينقله يوسف بن الحسين الرازي، وأما في رواية الخطيب الآتية بعد قليل ففيها أن الكلام المتعلق بالحكمة ليوسف الرازي، ولا تنافي، فكأنه سمعها من ذي النون فمرة رواها عنه، ومرة سئل هو عنها فأجاب بما سمعه من ذي النون.
-------------------------------
وقال الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (2/213-215) تحت هذه الترجمة (ما لا يفتقر كتبه الى الإسناد): (كل ما تقدم ذكره [يعني أحاديث الأحكام ونحوها] يفتقر كتبه الى الإسناد فلو أسقطتْ أسانيده واقتصر على ألفاظه فسد أمره ولم يثبت حكمه لأن الأسانيد المتصلة شرط في صحته ولزوم العمل به؛ كما أنا محمد بن عمر بن جعفر الخرقي أنا أحمد بن جعفر الختلي نا أحمد بن علي الأبار نا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت عبدان يقول: قال عبد الله وهو ابن المبارك: الإسناد عندي من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، واذا قيل له: من حدثك؟ بقي)---إلى أن قال الخطيب:
(وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء فالأسانيد زينة لها وليست شرطاً في تأديتها.
وقد أخبرني عبد الصمد بن محمد الخطيب نا الحسن بن الحسين الفقيه الشافعي قال: سمعت عبد الرحمن الجلاب يقول: سمعت يوسف بن الحسين الرازي يقول: إسناد الحكمة وجودها.
أنا منصور محمد بن عيسى الهمذاني نا صالح بن أحمد التميمي اخبرني أحمد بن موسى الدينوري فيما كتب إلي نا ابو حفص عمر بن محمد الخراساني عن سعيد بن يعقوب قال سمعت ابن المبارك وسألناه، قلنا: نجد المواعظ في الكتب فننظر فيها؟ قال: لا بأس وإن وجدت على الحائط موعظة فانظر فيها تتعظ، قيل له: فالفقه؟ قال: لا يستقيم إلا بالسماع.
نا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري لفظاً أنا ابو بكر بن المقرئ الأصبهاني نا ابو جعفر محمد بن عبدان المعروف برزقان الواسطي نا العباس بن عبد الله الترقفي نا محمد بن عبد الخالق قال كنت جالساً ثم يزيد بن هارون وخراساني يكتب الكلام ولا يكتب الإسناد قال : فقلت له أو قيل له: ما لك لا تكتب الإسناد؟ فقال: أنا خانه خواهم نبازار؛ قال أبو طالب: تفسيره: قال: أنا للبيت أريده لا للسوق.
قال أبو بكر [الخطيب]: إن كان الذي كتبه الخراساني من أخبار الزهد والرقائق وحكايات الترغيب والمواعظ فلا بأس بما فعل؛ وإن كان ذلك من أحاديث الأحكام وله تعلق بالحلال والحرام فقد أخطأ في إسقاط اسانيده لأنها هي الطريق إلى تبينه فكان يلزمه السؤال عن أمره والبحث عن صحته).
ثم قال الخطيب: (وعلى كل حال فان كتب الإسناد أولى سواء كان الحديث متعلقاً بالأحكام أو بغيرها)؛ ثم أسند إلى أبان بن تغلب قوله: (الإسناد في الحديث كالعَلَم في الثوب) يعني أنه زينة فيه.
إذا عُلم هذا فليعلم أنه لا بد من الاحتياط الكافي، فعلى من يجمع أو يروي تلك الأخبار أن يختار من أقوالهم ما لا يرى فيه مخالفة صريحة لشيء من نصوص الوحيين وأصول المعتقد الإسلامي؛ وهذا يقتضي أن لا يُقْدِم على مثل هذا العمل إلا من يكون من أهل السنة والاتباع ومن طلبة العلم النابهين وأهل الاطلاع على العلوم الاسلامية، العقائد والسنن والتفسير والسيرة وغيرها؛ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
وللمقال بقية تأتي قريباً بإذن الله تعالى .