سألني بعض الأفاضل -من غير الأعضاء- أن يضع مشاركة في هذا المنتدى المبارك- جزى الله تبارك وتعالى القائمين عليه خير الجزاء- ، فها هي:
استفسار مهم :
من المعلوم أن حديث بسرة بنت صفوان - رضي الله عنها - في مس الذكر ورد في بعض رواياته أنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ ».
وجزم غير واحد من الأئمة بأن قوله : "أو أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ" ، عبارة مدرجة في المتن خطأ ، وإنما هي من كلام عروة بن الزبير ، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، جزم بذلك الدارقطني والخطيب والبيهقي ، والذهبي ، وابن حجر ، وغيرهم.
وخالف في ذلك ابن دقيق وابن التركماني والعراقي.
وقد جاء هذا الإدراج في الحديث من عدة طرق :
1 - من طريق عَبْد الْحَمِيدِ بْن جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرَةَ به.
2 – من طريق محمد بن دِينَارٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن بُسْرَةَ به.
3 - من طريق ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة به مقتصرا على ذكر الأنثيين.
4 - من طريق هشام بن حسان ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة كسابقه.
5 – ومن طريق أبي كامل الجحدري ثنا يزيد بن زريع ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة به.
6 – من طريق القرقساني عن الأوزاعي عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن بسرة به.
ومعلوم الجواب عن هذه الطرق كلها ، إلا أن هناك إشكال في الجواب على طريق أبي كامل ، وإليك بيانه :
أخرجه الطبراني (طب 24/510) قال : حدثنا عبدان بن أحمد ثنا أبو كامل الجحدري ثنا يزيد بن زريع ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة به.
وهذا إسناد ظاهره الصحة ؛ رجاله جميعا ثقات من رجال الصحيح عدا عبدان بن أحمد ، وهو ثقة حافظ (إرشاد القاصي والداني 562).
ومشى الهيثمي على ظاهر الإسناد فقال : "وهو في السنن خلا ذكره الأنثيين والرفغين ، ورجاله رجال الصحيح" (المجمع ).
قلنا : نعم ، ولكنه معلول بالمخالفة ، فقد خولف فيه أبو كامل الجحدري من جماعة من الثقات من أصحاب يزيد بن زريع ، وهم :
1 - أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، وهو ثقة من رجال البخاري ، وثقه جماعة ، وتكلم فيه أبو داود بما لا يضره ، وفي (التقريب 110) : "صدوق صاحب حديث طعن أبو داود فى مروءته".
2 – عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين ، ووصفه الذهبي بالحافظ (الكاشف 3577) ، (التقريب 4325).
3 – عمرو بن علي الفلاس ، الثقة الحافظ ، روى عنه الجماعة (التقريب 5081).
4 - أحمد بن عبيد الله العنبري - على اختلاف في روايته كما سيأتي - ، ذكره ابن حبان في (الثقات 12118) وانظر (اللسان 1/218).
كل هؤلاء رووه عن يزيد بن زريع مقتصرين في المتن المرفوع على ذكر الفرج أو الذكر ، ووقفوا ذكر الأنثيين والرفغين على عروة من قوله ، ولذا جزم الحافظ ابن حجر بالإدراج في رواية الطبراني ، وعلق الوهم فيها بأبي كامل ، فقال : " استدرك شيخنا على الخطيب قوله : "إن عبد الحميد بن جعفر تفرد عن هشام بزيادة (ذكر الأنثيين والرفغين) في حديث بسرة" بأن يزيد بن زريع رواه أيضا عن أيوب ، وهو كما قال ، إلا أنه مدرج - أيضا - ، والذي أدرجه هو أبو كامل الجحدري راويه عن يزيد ، وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري ، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام ، وأحمد بن عبيد الله العنبري ، وغير واحد ، فرووه عن يزيد بن زريع مفصولا" (النكت على ابن الصلاح 2/829 ، 830).
قلنا : فأما طريق القواريري ، فلم نقف عليه.
وأما طريق أبي الأشعث ، فأخرجه الطوسي في (المستخرج 69) ، والدارقطني في (السنن 1/148/11) ، وفي (العلل 15/328) ، والبيهقي في (الكبرى 652) بلفظ : "من مس ذكره فليتوضأ" قال : "وكان عروة يقول : "إذا مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ" ، وأتبعه الدارقطني بقوله : "صحيح".
وأما طريق أحمد بن عبيد الله العنبري ، فأخرجه الدارقطني ، والبيهقي في الموضع السابق من (السنن) لكل منهما ، مقرونة روايته برواية أبي الأشعث ، ولم يسوقا لفظه ، وإنما ذكرا لفظ أبي الأشعث كما نص عليه الدارقطني نفسه حيث قال : "واللفظ لأبي الأشعث" ، وهو ظاهر صنيع البيهقي أيضا.
ثم وجدنا الدارقطني لما أفرد رواية العنبري عن رواية أبي الأشعث ، مبينا سياق كل منهما عن الأخرى ، إذا برواية العنبري توافق تماما رواية أبي كامل الجحدري!!.
فقال الدارقطني : حَدَّثنا إِبراهِيمُ بن حَمّادٍ القاضِي ، قال : حَدَّثَنا أَحمَد بن عُبَيدِ الله العَنبَرِيُّ ، قال : حَدَّثَنا يَزِيد بن زُرَيعٍ ، قال : حَدَّثنا أَيُّوبُ ، عَن هِشامِ بنِ عُروَة ، عَن أَبِيهِ ، عَن بُسرَة بِنتِ صَفوان ، قالَت : قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : إِذا مَسّ أَحَدُكُم ذَكَرَهُ أَو رُفغَهُ أَو أُنثَيَيهِ فَليَتَوَضَّأ" (العلل 15/328).
وهذا هو عين الطريق الذي ساق به الدارقطني رواية العنبري في (السنن) مقرونة برواية أبي الأشعث.
ثم ساق الدارقطني رواية أبي الأشعث من نفس الطريق الذي ذكره في السنن أيضا ، فقال :
حَدَّثنا ابن مُبَشِّرٍ ، والمَحامِلِيُّ ، ومُحَمد بن مَحمُودٍ ، قالُوا : حَدَّثنا أَبُو الأَشعَثِ بإسناده بلفظ : "مَن مَسّ ذَكَرَهُ فَليَتَوَضَّأ" ، وكان عُروَةُ يَقُولُ : "إِذا مَسّ رُفغَيه أَو أُنثَيَيهِ أَو ذَكَرَهُ فَليَتَوَضَّأ" (العلل 15/328).
فكأن الدارقطني ساق طريق أبي الأشعث هنا ليبين الإدراج الذي في رواية العنبري ، مع أنه في السنن أقرن بين رواية العنبري وأبي الأشعث ليبين الإدراج الوارد في رواية عبد الحميد بن جعفر.
وإقران روايات الرواة كثيرا ما يتساهل فيه بعض الأئمة ، حاملين رواية راو على رواية آخر ، قاصدين أصل الحديث بغض النظر عن بعض الاختلافات بين سياقات الرواة التي قد تبدوا لبعضهم يسيرة ، إلا أنه في مثل هذا الموطن - وهو إيراد الطريق السالم من الإدراج ، المبين له ، عقب الطريق المدرج - ، لا يستقيم حمل الروايتين كلاهما على الأخرى ؛ لأنه من المفترض أن المصنف يسوق الآن ما يخالف رواية المذكور أولا ، فكيف يدمج فيها رواية الموافق له ، معلا لروايته برواية من وافقه عليها سندا ومتنا؟!!.
وهذا إشكال كبير عندي ؛ إذ كيف يجوز هذا على إمام كالدارقطني ، بل ومعه البيهقي؟.
وأيضا لو ثبت أن رواية العنبري في العلل هي المحفوظة ، وأن روايته عند الدارقطني والبيهقي في السنن محمولة على رواية أبي الأشعث ، لما سلم القول بتوهيم الثقة الحافظ أبي كامل الجحدري ، لكونه متابع حينئذ متابعة تامة ، بغض النظر عن المتابعات الأخرى التي ورد فيها قول عروة هذا مرفوعا.
خطر ببالي احتمال وجود الخطأ في نسخة العلل للدارقطني ، ولكن أين البرهان؟.
فمن أمكنه المساعدة فليتفضل مشكورا ، برجاء عدم الخروج عن نقطة البحث.