تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

  1. #1

    افتراضي أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

    أصل هذه المشاركة ، مشاركة كتبتها في ملتقى المذاهب الفقهية فأحببت نقلها للألوكة للمدارسة :

    النقطة الأولى : أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء :

    الذي نجده في أغلب كتب الأصول هو تقسيم أحوال المطلق و المقيد إلى أربعة أقسام لكن أفضل أن أقسمها لستة أقسام (إذا لم نتطرق للنهي و النفي ) لتوضيح الخلاف في الجانب التطبيقي في هذه القاعدة.

    1- اختلاف السبب و اختلاف الحكم : في هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد
    2- اختلاف السبب و اتحاد الحكم : يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور بخلاف الأحناف
    3- اتحاد السبب و اختلاف الحكم : لا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور و خالف الشافعي في ذلك
    4- اتحاد السبب و اتحاد الحكم و هذه تنقسم إلى قسمين :
    1.4- قيد في الحكم فيحمل المطلق على المقيد عند الجميع
    2.4- قيد في السبب ، يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور (و القاعدة ليست مطردة عند التطبيق لدى الفقهاء) و خالف ابن حزم فحمل المقيد على المطلق


    لمعرفة سبب اختلاف الفقهاء في هذه القاعدة لابد من شرح سبب التقييد :


    النقطة الثانية : سبب التقييد

    اختلفت المذاهب في سبب تقييد المطلق فذهب الشافعي إلى أن حمل المطلق على المقيد من باب القياس لذلك قيد المطلق عند اختلاف الحكم قياسا و خالف الجمهور فجعلوه من باب اللفظ و اللغة و العمل بالدليلين فإذا كان القيد في الحكم فالعمل بالحكم المقيد يقتضي العمل بالحكم المطلق (أنظر الإحكام للآمدي ص 690) أما اذا كان القيد في السبب فالجمع بين النصين ممكن بحمل المطلق على بعض أفراده و لفهم ذلك لابد من ذكر الفرق بين المطلق و العام :

    العام لفظ يشمل جميع أفراده ، اي من شرط العام الاستغراق بعكس المطلق فهو لفظ يصح إطلاقه على جميع افراد جنسه لكن إن إطلق على بعض افراد الجنس لم يصح إشتراك البعض الاخر معه في نفس اللفظ المقصود.

    مثال ذلك إذا قال قائل لا تضرب الطفل فلفظ الطفل لفظ مطلق يصح إطلاقه على جميع الأطفال إلا انه ان اطلق على طفل بعينه فلا يصح إطلاقه على غيره فإن كان قصد القائل لا تضرب الطفل هو ضرب طفل بعينه فهذا اللفظ لا يمكن حمله على طفل آخر فمتى وُجِّه معنى اللفظ في المطلق لم يجز أن يشمل غيره معه.

    و لو قال قائل لا تضرب طفلا فهم منه دخول جميع الاطفال في اللفظ لأنها نكرة بعد نهي فهي تفيد العموم فلو ضرب طفلا و ترك آخر لكان مخالفا للنهي بعكس قوله لا تضرب الطفل فإن ترك الطفل الذي امامه و ضرب طفلا آخر في زمن آخر فيصدق عليه أنه لم يضرب الطفل لأنه لم يضرب الطفل الذي أمامه و هو المقصود باللفظ .

    من هنا يتبين الخلاف بين العام و الخاص و بين المطلق و المقيد فالتخصيص إخراج بعض أفراد العام من الحكم بعكس التقييد فحمل المطلق على المقيد إعمال للدليلين و ذلك لأنه لا تعارض بين مفهوم المقيد مع منطوق المطلق إذا أخد على عمومه لأن المطلق يصح إطلاقه على بعض الافراد فهو بدلي و يحُمل مفهوم القيد على البعض الآخر و ان كان يصح لكلا البعضين استعمال لفظ المطلق لكنهما لا يشتركان فيه في آن واحد في المعنى المقصود من المخاطب لأن اللفظ لا يحتمل معناه إشتراكا فلا يمكن للقائل أن يقول لك إمسك الطفل و يقصد به طفلين أمامك و ان كان يصح اطلاق الأمر على كل من الطفلين لكن لا يصح فهم مراد القائل على إمساكهما كليهما لأنه عنى طفلا واحدا لا إثنين فإذا حددنا المقصود من اللفظ بالطفل الأول خرج الطفل الثاني من هذا الأمر.

    مثال ذلك قوله تعالى : (حرمت عليكم الميتتة والدم) و قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا )

    فلفظ الدم في الآية الأولى مطلق يصح إطلاقه على بعض أفراد جنسه لذلك من ترك دما مسفوحا فقد ترك الدم و لفظ الدم يصح اطلاقه على الدم المسفوح فالتقييد هنا إعمال للدليلين.

    مما سبق يتبين أن لمفهوم النص الدور الأول في تقييد المطلق عند وجود القيد في السبب و من هنا يظهر سبب خلاف الفقهاء عند تطبيق هذه القاعدة لذلك هي غير مطردة فدلالة المفهوم و سياق اللفظ و القرائن تؤثر في ذلك و سأشرح ذلك في مشاركة لاحقة إن شاء الله.

    نستنبط من ذلك سبب خلاف ابن حزم في هذه القاعدة فهو يحمل المقيد على المطلق لعدم عمله بمفهوم النص و عمله بعموم النصوص ، قال ابن رشد في البداية :

    والسبب الثاني إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور ، وتقييدها بالتراب في بعضها ، وهو قوله ء عليه الصلاة والسلام ء " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " فإن في بعض رواياته " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " وفي بعضها " جعلت لي الأرض مسجدا وجعلت لي تربتها طهورا " وقد اختلف أهل الكلام الفقهي هل يقضى بالمطلق على المقيد أو بالمقيد على المطلق ؟ والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق وفيه نظر ، ومذهب أبي محمد بن حزم أن يقضى بالمطلق على المقيد ؛ لأن المطلق فيه زيادة معنى ، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق ، وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إلا بالتراب ، ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى . اهــ

    أما خلاف الأحناف في عدم تقييد المطلق عند اتحاد الحكم و اختلاف السبب لإعتبارهم ذلك من باب النسخ ونسخ النص لا يكون بالقياس لذلك لا يقيد الأحناف إلا بدليل
    (أنظر الإحكام للآمدي ص 692).





    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  2. #2

    افتراضي رد: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    النقطة الثالثة : عدم حمل المطلق على المقيد لا يعني نفي تقييد المطلق بأدلة أخرى

    قال الجمهور في حالة اختلاف الحكم بعدم حمل المطلق على المقيد , لابد أن تفهم هذه العبارة جيدا فالذي يقصده الأصوليون هو عدم تطبيق قاعدة المطلق و المقيد لا عدم التقييد مطلقا مثال ذلك التيمم و السرقة ففي هذه الحالة اختلف السبب و اختلف الحكم لكن عند النظر في الحكم الفقهي نجد في التيمم مسح الكفين و في السرقة قطع اليد إلى الكوعين فقيد الفقهاء القطع في السرقة إلى الكوعين لكن ليس بقاعدة المطلق و المقيد و إنما بأدلة أخرى.

    فإختلاف الحكم لا يعني بالضرورة عدم التقييد بنص آخر و للإنتباه لحساسة هذه المسألة نأخد مثال الإسبال فالكثير ممن يدرس هذه المسألة يجد قولا لبعض الفقهاء باختلاف الحكم و على ذلك لا يحمل المطلق على المقيد فيجعل ذلك دليلا على وجود اسبالين احدهما مقيد و الآخر مطلق و لكل منهما حكمه.

    في الحقيقة هذه القاعدة لا تعتبر دليلا في هذه المسألة فغاية ما يمكن قوله ان سلمنا بإختلاف الحكمين أن القاعدة لا تطبق لكن لا يعني ذلك أن لا يقيد المطلق بدليل آخر و من الأدلة التي تقيد المطلق قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه "إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء" فالقاعدة أن الحكم يدور مع علته و العلة منطوقة في الحديث فتقيد الأحاديث المطلقة في الإسبال بهذا الحديث.

    النقطة الرابعة :
    دور المفهوم في المقيد و المطلق

    لابد من التفريق بين القيد في الحكم و القيد في السبب فإن كان هناك شبه اتفاق بين الفقهاء ما عدا الأحناف في تقييد المطلق عند اتحاد الحكم فالأمر يختلف عند وجود القيد في السبب و ذلك أن القيد في السبب يترتب عنه مفهوم دلالته اخراج الأفراد الغير داخلة في القيد خارج الحكم ، هذه الدلالة منعدمة في قيود الحكم.

    لتوضيح ذلك نزجع للمثال السابق في الإسبال :

    يكون التقييد بإعمال مفهوم المخالفة فذكر قيد الخيلاء معتبر لكونه منطوقا و مثل هذا المفهوم يظهر جليا في حديث بن عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأذني هاتين ـ يقول: "من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة". رواه مسلم.

    قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد؛ إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.

    اذن في حالة وجود القيد في السبب يلعب مفهوم النص دورا مهما في تقييد المطلق، يلاحظ ذلك في اختلاف الفقهاء في مثل هذه النصوص

    المثال الثاني : حديث "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه" و حديث "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه و هو يبول" فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذاهب :

    فمنهم من جعله من باب الخاص و العام و منهم من جعله من باب المطلق و المقيد ثم اختلفوا كذلك في القيد هل هو معتبر أم غير معتبر و سبب الاختلاف مفهوم النص فمن غلب دليل الخطاب حمل المطلق على المقيد أو خصص العام و من جعل القيد خرج مخرج الغالب إما جعله من باب التنصيص أو جعله من باب قياس الأولى فلم يقيد المطلق.

    وتفصيل ذلك أن حديث لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه و هو يبول مفهوم المخالفة فيه يجوز لأحدكم أن يمسك ذكره بيمينه في حالة غير البول فعلى هذا يخصص حديث لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه بمفهوم الحديث الآخر و هكذا يحمل المطلق على المقيد لمن جعله من باب المطلق لكن من قال من الفقهاء بعدم التقييد أو التخصيص قال ذلك لأنه إذا نهي عن مسه باليمين حال البول ، فالنهي عن مسه في غير حال البول من باب أولى ، فإذا نهي في الحال التي يحتاج فيها إلى مسه فالنهي في غيرها أولى و خلاصة قولهم أن القيد خرج مخرج الغالب أو أن الحديث من باب التنصيص أو استخدموا مفهوم الموافقة فرد الآخرون بقولهم أن النهي وارد على ما إذا كان يبول فقط لأنه ربما تتلوث يده بالبول و هذا بإعتبار المسك معقول المعنى و الحكم يدور مع علته إلا أن هذه علة مستنبطة ، وإذا كان لا يبول فإن هذا العضو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو بضعة منك ) عندما سُئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة هل عليه وضوء ؟ وإذا كان بضعة مني فلا فرق أن أمسه بيدي اليمنى أو اليسرى .

    و قال ابن حزم بعدم المس مطلقا و هذا موافق لمذهبه لعدم عمله بمفهوم المخالفة لذلك هو يطلق المقيد في السبب فيعمل بالسببين لأنه ان عمل بالسبب المطلق فقد عمل بالسبب المقيد إلا أن في هذا الأمر إهدار لحكم الشريعة و هذا يوافق ظاهرية ابن حزم.

    قال ابن دقيق العيد في قول النبي - صلى الله عليه وسلم ـ : "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول"23: "هذا يقتضي تقييد النهي بحالة البول"، وفي رواية أخرى: النهي عن مسِّه باليمين من غير تقييد، فمن الناس مَن أخذ بهذا المطلق، وقد يسبق إلى الفهم أن العام محمولٌ على الخاص، فيخص النهي بهذه الحالة وفيه بحث؛ لأنَّ هذا يتَّجه في باب الأمر والإثبات، فإنه لو جعلنا الحكم للمطلق والعام في صورة الإطلاق أو العموم كان فيه إخلال باللفظ الدالِّ على كل قيد، وقد تناوله الأمر وذلك غير جائز، وأمَّا في باب النهي، فإنَّا إذا جعلنا الحكم للمقيد، أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق مع تناول النهي له، وذلك غير سائغ، وهذا كله بعد النظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم.اهــ
    قال أبو زرعة: "قد يقال في هذا الحديث: إنَّه من مفهوم الموافقة؛ لأنه إذا نهى عن إمساكه حالة البول مع الاحتياج لذلك، ففي غير هذه الحالة مع عدم الاحتياج لإمساكه أوْلَى بالنهي، وقد يقال لا مفهوم له أصلاً؛ لأنَّه خرج مخرج الغالب. اهــ


    إذن تلعب القرائن دورا مهما في توجيه مفهوم النص عند وجود القيد في السبب و القاعدة الأصولية حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم و السبب لابد أن لا تؤخد على عمومها في هذه الحالة.

    خلاصة هذه الحالة أن للمفهوم دور في اعتبار القيد في السبب فإما أن يغلّب مفهوم المخالفة فيحمل المطلق على المقيد و إما أن يغلّب مفهوم الموافقة فيؤخد بالمطلق أو لا يعتبر المفهوم فلا يقيد المطلق و هذا يظهر في القيد الذي يخرج مخرج الغالب.

    و الله أعلم.
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  3. #3

    افتراضي رد: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    النقطة الخامسة : شروط حمل المطلق على المقيد :

    قال الشوكاني في إرشاد الفحول


    اشترط القائلون بالجمل شروطا سبعة :

    ( الأول ) : أن يكون المقيد من باب الصفات ، مع ثبوت الذوات في الموضعين ، فأما في إثبات أصل الحكم ، من زيادة أو عدد فلا يحمل أحدهما على الآخر ، وهذا كإيجاب غسل الأعضاء الأربعة في الوضوء ، مع الاقتصار على عضوين في التيمم ، فإن الإجماع منعقد على أنه لا يحمل إطلاق التيمم على تقييد الوضوء ، حتى يلزم التيمم في الأربعة الأعضاء ، لما فيه من إثبات حكم لم يذكر ، وحمل المطلق على المقيد يختص بالصفات كما ذكرنا .

    وممن ذكر هذا الشرط القفال الشاشي ، والشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والماوردي والروياني ، ونقله الماوردي عن الأبهري من المالكية ، ونقل الماوردي أيضا عن ابن خيران من الشافعية : أن المطلق يحمل على المقيد في الذات ، وهو قول باطل .

    ( الشرط الثاني ) : أن لا يكون للمطلق إلا أصل واحد ، كاشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والوصية ، وإطلاق الشهادة في البيوع وغيرها ، فهي شرط في الجميع ، وكذا تقييد ميراث الزوجين بقوله تعالى : من بعد وصية توصون بها أو دين وإطلاق الميراث فيما أطلق فيه ، فيكون ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية [ ص: 482 ] والدين ، فأما إذا كان المطلق دائرا بين قيدين متضادين نظر ، فإن كان السبب مختلفا لم يحمل إطلاقه على أحدهما إلا بدليل ، فيحمل على ما كان القياس عليه أولى ، أو ما كان دليل الحكم عليه أقوى .

    وممن ذكر هذا الشرط الأستاذ أبو منصور ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع والماوردي ، وحكى القاضي عبد الوهاب الاتفاق على اشتراطه . قال الزركشي وليس كذلك ، فقد حكى القفال الشاشي فيه خلافا لأصحابنا ولم يرجح شيئا .


    ( الشرط الثالث ) : أن يكون في باب الأوامر والإثبات ، أما في جانب النفي والنهي فلا ؛ فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي ، وهو غير سائغ .

    وممن ذكر هذا الشرط الآمدي ، وابن الحاجب ، وقالا : لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما ؛ لعدم التعذر ، فإذا قال لا تعتق مكاتبا ، لا تعتق مكاتبا كافرا ( لم يعتق مكاتبا كافرا ) ولا مسلما ، إذ لو أعتق واحدا منهما لم يعمل بهما ، وأما صاحب المحصول فسوى بين الأمر والنهي ورد عليه القرافي بمثل ما ذكره الآمدي ، وابن حاجب ، وأما الأصفهاني فتبع صاحب المحصول ، وقال حمل المطلق على المقيد لا يختص بالأمر والنهي ، بل يجري في جميع أقسام الكلام .

    قال الزركشي : وقد يقال لا يتصور توارد المطلق والمقيد في جانب النفي والنهي ، وما ذكروه من المثال إنما هو من قبيل أفراد بعض مدلول العام ، وفيه ما تقدم من خلاف أبي ثور ، فلا وجه لذكره هاهنا انتهى .

    والحق : عدم الحمل في النفي والنهي ، وممن اعتبر هذا الشرط ابن دقيق العيد ، وجعله أيضا شرطا في بناء العام على الخاص .

    ( الشرط الرابع ) : أن لا يكون في جانب الإباحة . قال ابن دقيق العيد إن المطلق لا يحمل على المقيد في جانب الإباحة إذ لا تعارض بينهما وفي المطلق زيادة قال الزركشي وفيه نظر .

    ( الشرط الخامس ) : أن لا يمكن الجمع بينهما إلا بالحمل ، فإن أمكن بغير إعمالهما [ ص: 483 ] فإنه أولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما ، ذكره ابن الرفعة في المطلب .

    ( الشرط السادس ) : أن لا يكون المقيد ذكر معه قدر زائد يمكن أن يكون القيد لأجل ذلك القدر الزائد ، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا قطعا .

    ( الشرط السابع ) : أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد ، فإن قام دليل على ذلك فلا تقييد . اهــ

    ما قاله الشوكاني رحمه لله في الشرط الثالث فيه نظر لأن النفي و النهي منه ما يفيد العموم و منه ما لا يفيد ذلك مثال ذلك : (لا نكاح إلا بولي) و (لا نكاح إلا بولي مرشد) فهذا من باب الاطلاق و التقييد لأن من شروط العموم الإستغراق إلا أن الاستغراق هنا هو في النكاح لا في شرط النكاح و ذلك لأن اللفظ جاء بالحصر اي يبطل كل نكاح بدون ولي فالولي شرط أدنى لذلك فالعمل بالنصين يقتضي حمل المطلق على المقيد فمن نكح بولي مرشد نكح بولي و من نكح بولي فقط فهو لم ينكح بولي مرشد قطعا.

    ليس كل نهي من باب العام فإذا قلنا لا تعتق المكاتب و قلنا لا تعتق المكاتب الكافر ، فلفظ المكاتب لا يدل قطعا على العموم لأنه قد تكون اللام لام العهد الذهني فمن أعتق مكاتبا مسلما فقد عمل بالنصين لأنه يطلق عليه أنه لم يعتق المكاتب و يصدق عليه أنه لم يعتق المكاتب الكافر.

    المثال الذي ضربه الشوكاني دخل في العموم بأثر سياق اللفظ ، قال الشيخ الفوزان في شرحه على الورقات : الفارق بين العام والخاص والمطلق والمقيد
    قد يصعب التفرقة بين العام والخاص والمطلق والمقيد؛ وذلك للتشابه بينهما، فالمطلق عام والمقيد خاص، لكن العام عمومه شمولي، والمطلق عمومه بدلي، والخاص خصوصيته لأفراده، والمقيد خصوصيته بدلية، ولهذا يقال في المطلق والمقيد أحيانًا إنه عام باعتبار أن عمومه بدلي لذا فإن من أهل العلم من يدخل المطلق والمقيد في العام والخاص باعتبار كون المطلق عامًّا بدليًّا كالجويني مثلاً في «الورقات»
    وبالمثال يتضح الأمر في قوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا المجادلة ، وقوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه النساء
    «فتحرير رقبة» مطلقًا وليس عامًّا ؛ لماذا؟ لأن رقبة نكرة، والنكرة عندما تكون في سياق النفي أو النهي أو الاستفهام أو الشرط فإنها تفيد العموم، لكن قوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ نكرة، لكن في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات تكون مطلقة وليست عامة، فأكثر مواضع المطلق النكرة في سياق الإثبات
    مثلاً إذا قلت الرجال، دخل في ذهنك كل الرجال، أو الرقاب، دخل في ذهنك كل الرقاب، أو الكتب دخل في ذهنك كل الكتب، وهكذا فهذا يفيد العموم
    أما المطلق فإنه لا يكون الدخول فيه شموليًا كالعام ، ولكن يكون الدخول، دخول الأفراد تحت اللفظ بدليًّا، إما هذا أو هذا نعم هو عام لكن على سبيل البدل لا على سبيل الشمول، يعني مثلاً لو قلت اعتق الرقاب، فإن هذا يعني أن تعتقها جميعًا؛ لأن هذا عموم شمولي، لكن لو قلت اعتق رقبة، وعندك عشر رقاب من البشر، هذا سعيد، وهذا سعد، وهذا خالد، إلى آخره
    فهو من حيث الأمر يشمل الجميع، لكن هل يشملها بأن أعتق العشر الرقاب، أو أنا مخير في واحد منها، أنا مخير في أي رقبة منها، فتحرير أي واحد، سعيد، خالد تكون بذلك قد امتثلت للأمر، فالعموم هنا في المطلق بدلي كما رأيت لكن في العام شمولي اهــ

    فأثر سياق اللفظ هو الذي يبين دخول النص في العموم أو في الإطلاق لا مجرد النفي و النهي و الله أعلم

    و يضاف لما سبق من الشروط أن يكون القيد معتبرا :

    قال صاحب المراقي :
    كذا دليل للخطاب انضافا *** و دع إذا الساكت عنه خافا
    أو جهل الحكم أو النطق انجلب *** للسؤل عنه أو جريا على الذي غلب

    أو امتنان أو وفاق الواقع *** و الجهل و التأكيد عند السامع



    إذا خرج القيد مخرج الغالب لا يقيد المطلق و من علامات خروج القيد مخرج الغالب :

    العادة والعرف: مثاله قوله تعالى في المحرمات من النكاح: "وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن"

    ومنها الوضع و لغة العرب: مثاله قوله تعالى : "لاتاكلوا الربا اضعافا مضاعفة"

    و منها صرف القيد بدليل آخر كحديث: " الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله" لان المجلود وغير المجلود في الحكم سواء، بدليل نص آخر وهو قوله تعالى: الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة" و القيد هنا معقول المعنى.

    و الله أعلم

    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  4. #4

    افتراضي رد: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    النقطة السادسة : بعض الفروق بين العام و المطلق , المطلق و المقيد في آيات تحريم الدم كمثال

    الألف و اللام قد تفيد الجنس و قد تكون ذهنية فإن كانت تفيد الجنس دل اللفظ على العموم أما إن كانت ذهنية فلا تدل على العموم مثال ذلك :

    لو قال لك قائل لا تقطع الأشجار فقد يفهم من هذا اللفظ العموم أي لا تقطع أي شجرة و قد يفهم من هذا اللفظ غير العموم أي لا تقطع الأشجار التي أمامك فتكون اللام في الجملة الأخيرة للعهد الذهني.
    بالنسبة للمطلق فهو يختلف عن العموم في عدة نقاط

    أولها
    أنه لا يوجد مطلق إلا إذا وجد مقيد فلا يمكن أن تقول لفظ الدم مطلق لوحده بل تقول لفظ الدم مطلق بالنسبة للفظ الدم المسفوح فالمطلق مطلق بالنسبة للمقيد بعكس العموم فهو لا يحتاج خاصا ليصبح عاما.

    لذلك يعرف الأصوليون المطلق بقولهم " المطلق في اللغة الخالي من القيد " أو بقولهم : "المطلق هو اللفظ الدال علي مدلول شائع في جنسه، أو هو اللفظ الدال علي فرداً أو أفراد غير معينة، وبدون أي قيد لفظي مثل رجل، رجال، كتاب، وكتب" فيعرف المطلق عادة بمقارنته بالمقيد

    الأمر الثاني
    أن العموم شمولي أما المطلق بدلي فالعموم يدخل فيه كل أفراد جنسه أما المطلق فيصح إطلاقه على كل أفراد جنسه أو بعض أفراد جنسه لكن إن قيد ببعض أفراد جنسه لم يصح إطلاقه على غير ذلك و أضرب على ذلك مثالا فلو قلت لك لا تقطع الشجرة . فالشجرة تصدق على أي شجرة فوق الأرض لكن إن حددتها بشجرة معينة فلا يمكن أن تقصد في ذهنك شجرة أخرى أي أن المطلق من باب المشترك فكل أفراد جنسه تشترك فيه لكن إن أطلق على بعضها لا يطلق على الآخر لذلك نقول بدلي.

    لفظ الدم يمكن إطلاقه على أي دم كما يمكن إطلاقه على الدم المسفوح فإن قيدت الدم بالمسفوح فلا يمكن أن تقول أقصد غير المسفوح لأنك حددته بالمسفوح إذن الدم و الدم المسفوح العلاقة بينهما علاقة مطلق و مقيد لأن لفظ الدم يصلح إطلاقه على الدم المسفوح.

    الأمر الثالث
    أن العموم و الخصوص بينهما تعارض أما المطلق و المقيد فلا تعارض بينهما مثال ذلك
    الدم و الدم المسفوح فهذا مطلق و مقيد لا تعارض بينهما لأن الدم يصلح إطلاقه على الدم المسفوح فتقول المقصود بالدم الدم المسفوح

    أما الميتة المحرمة و ميتة البحر الحلال بينهما تعارض فهذا من باب العموم و الخصوص إذن التخصيص يخرج بعض أفراد العام من حكم العام أما التقييد فيقصر الحكم على بعض أفراد الجنس الذي يصح عليها إطلاق لفظ المطلق فهو عمل باللفظين ففي الأول الحكم على العام يشمل الأفراد التي أخرجت منه بدليل أما في الثاني فالحكم لا يشمل الأفراد التي يصح عليه إطلاق الحكم لإطلاقه على غيرها في المقيد فهو عموم بدلي و الفارق بين المسألتين رفيع عند وجود القيد في السبب لذلك تجد أغلب المسائل من هذا القبيل يختلف فيها الفقهاء هل هي من العموم و الخصوص أم هي من باب المطلق و المقيد.


    النقطة السابعة : المطلق و المقيد في الحديث

    بالنسبة للمطلق و المقيد في الحديث فلابد من التفريق، إذا اتحد مخرج الحديث فهذا من باب زيادة الثقة
    و ليس من باب المطلق و المقيد أما إذا اختلف مخرج الحديث فهذا من باب المطلق و المقيد
    و الله أعلم




    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    68

    افتراضي رد: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    بارك الله فيك اخي عبد الكريم تحرير طيب
    وفقك الله

  6. #6

    افتراضي رد: أحوال المطلق و المقيد عند الفقهاء

    بارك الله فيكم
    ونفع بكم
    استفدت كثيرا لا حرمكم المولى أجرها
    [يا أخي كيف تجد قلبك ؟ ألا لا تغرّك الدنيا ، والموعد الجنّة والسلام ]
    رسالة من أحد الصحابة لأخية.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •