مفهوم القوامة
الشيخ أبو أويس رشيد مومن الإدريسي
إن مسألة قوامة الرجل على المرأة من المسائل الهامة جدا في العلاقات الزوجية، وقد أكثر الناس- على اختلاف مشاربهم- الحديث عن حقيقتها.
فنجد الكثير من أعداء الإسلام, ومن سار على نهجهم, يحاولون التشنيع على الدين الإسلامي من خلال قضية" القوامة" كدليل على أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها وأهليتها وثقتها بنفسها!! فبلغ بهم الحد إلى إلغاء قوامة الرجل على أهل بيته بحجج واهية من التمشي مع العصر، أو مراعاة حقوق الإنسان، أو انصاف المرأة، أو تحقيق روح الدين...!!
قالت أمينة السعيد:"القوامة لا مبرر لها, لأنها مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي في مجال الثقافة والمال، ومادامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات فلا مبرر للقوامة" اهـ (عودة الحجاب) 142.
وفي المقابل فهم الكثير من الرجال " القوامة" فهما خاطئا فهي عندهم: قوامة قهر، وتسلط، وتعنت على المرأة، والمصادرة لرأيها، والإزدراء بشخصيتها...!!
وكل ذلك مخالف لشريعة الحكيم الخبير- سبحانه وتعالى- والحق في هذه المسألة هو ما قررته الشريعة الغراء، كما هو واضح في كتاب الله - تعالى- وفي سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-
ولتحديد مفهوم القوامة في الشريعة الإسلامية نقول: القوامة هي: إدارة الأسرة، ففي اللغة قام الرجل المرأة: أي قام بشؤونها وما تحتاج إليه.
والقوامة: اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوّامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها.
قال تعالى :{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }النساء34
قال الطبري- رحمه الله-:" يعني بقوله جل ثناؤه (الرجال قوامون على النساء) الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم (بما فضل الله بعضهم على بعض) يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم، من سوقهم إليهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قواما عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهن من أمورهن"اهـ (جامع البيان) ( 5/57)
فالقوامة- إذن- تنطوي على معنيين هامين:
1- أن يأخذ الرجل على عاتقه توفير حاجات المرأة المادية والمعنوية، بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لرغباتها، وتشعرها بالطمأنينة والسكن، وهذا قمة الإكرام والعز.
2- أن يوفر لها الحماية والرعاية ويسوس الأسرة بالعدل.
فالمقصود أن قوامة الرجل على المرأة: قوامة تدبير ورعاية وذب عنها وسعي في تحقيق مصالحها .
وليس المعنى قوامة قهر وتسلط وتعنت...
فالإسلام إذ جعل القوامة للرجل على المرأة لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة، ولم يرد أن تكون القوامة سيفا مسلطا على المرأة، وإنما شرع القوامة القائمة على الشورى والتعاون والتفاهم والتعاطف المستمر بين الزوج وزوجته.
قال تعالى:" وعاشروهن بالمعروف" النساء19.
وقال- صلى الله عليه وسلم-:" الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء، فإنهن عوان بين أيديكم أخدتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" اهـ رواه مسلم وغيره.
وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح:" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه:" رفقا بالقوارير".أي: النساء.
وليعلم أنه في شأن قوامة الرجل على المرأة احتمالات ثلاثة:
إما أن يكون الرجل هو القيم، أو تكون المرأة هي القيمة، أو يكونا معا قيمين.
وحيث أن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد، سنستبعد هذا الفرض الأخير من البداية.
والإحتمال الثاني: أن تعطى المرأة القوامة.
فنقول في خصوصه: كقاعدة عامة فإن المرأة عاطفية وانفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها هي أو أحد أفراد أسرتها، والذي يدبر أموره وأمور غيره بالانفعال كثيرا ما يحيد عن الصواب ويعرض نفسه وغيره لأزمات بالإمكان تخطيها وعدم الوقوع فيها.
وإنما خص الله سبحانه المرأة بعاطفة قوية تفوق عاطفة الرجل نظرا لعظم دورها في تنشئة الأجيال واحتياج فلذات كبدها لحنوها ورقتها، وهذا مظهر من مظاهر الكمال لا النقص كما يلبِّس به العلمانيون على الناس.
كما أن الشدة التي جعلها الله في الرجل إنما فطره عليها لما خصه به من وظائف تتطلب القوة والصلابة، كالزراعة والصناعة والجهاد والقوامة على المرأة وأبنائه.
وحيث نفينا الاحتمال الأول والثاني لم يبق إلا الاحتمال الذي حكم به الإسلام.
قال تعالى:" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" الملك 14
وختاما: فإن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنها من نسل طيب، وما تستتبعه من تبعات، مع التذكير أن وجود قيم أو قائد في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها, والعاملين في وظائفها.