لقد اطنب الشيخ الالباني في الكلام عن هذه الاحاديث وردها جميعا ، وبين انها كلها باطلة .
واليك بيان ذلك :
قال في السلسلة الضعيفة : 865 - " يجلسني على العرش " .
باطل .
ذكره الذهبي في " العلو" ( 55 طبع الأنصار ) من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ عليه حتى بلغت ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال : فذكره .
وقال الذهبي : " هذا حديث منكر لا يفرح به ، وسلمة هذا متروك الحديث ، وأشعث لم يلحق ابن مسعود " . قلت : قد وجدت له طريقا أخرى موصولا عن ابن مسعود مرفوعا نحوه ، ولا يصح أيضا كما سيأتي بيانه برقم ( 5160 ) إن شاء الله تعالى .
ثم ذكره الذهبي نحوه عن عبد الله بن سلام موقوفا عليه وقال : " هذا موقوف ولا يثبت إسناده ، وإنما هذا شيء قاله مجاهد كما سيأتي " .
ثم رواه ( ص 73 ) من طريق ليث عن مجاهد نحوحديث ابن مسعود موقوفا على مجاهد . وكذلك رواه الخلال في " أصحاب ابن منده " ( 157 / 2 ) ، ثم قال الذهبي : " لهذا القول طرق خمسة ، وأخرجه ابن جرير في " تفسيره " ، وعمل فيه المروزي مصنفا " ! ثم رواه ( ص 78 ) من طريق عمر بن مدرك الرازي : حدثنا مكي بن إبراهيم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس موقوفا مثله .
قال : " إسناده ساقط ، وعمر هذا متروك ، وجويبر ( سقط الخبر من الأصل ولعله . مثله ) ، وهذا مشهور من قول مجاهد ، ويروى مرفوعا ، وهو باطل " .
قلت : ومما يدل على ذلك أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم .
ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي ( ص 100 - 101 و117 - 118 ) عن غير واحد منهم ، بل غلا بعض المحدثين فقال : لوأن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش واستفتاني ، لقلت له : صدقت وبررت !
قال الذهبي رحمه الله : " فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ، واليوم فيردن الأحاديث الصريحة في العلو ، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) " .
قلت : وإن مثل هذا الغلو لمما يحمل نفاة الصفات على التشبث بالاستمرار في نفيها ، والطعن بأهل السنة المثبتين لها ، ورميهم بالتشبيه والتجسيم ، ودين الحق بين الغالي فيه والجافي عنه ، فرحم الله امرءا آمن بما صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كهذا الحديث ، فضلا عن مثل هذا الأثر !
وبهذه المناسبة أقول : إن مما ينكر في هذا الباب ما رواه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد " ( 144 / 1 - 2 ) من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش : أنشدنا أبو طالب محمد بن علي الحربي : أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله قال :
حديث الشفاعة في أحمد ، إلى أحمد المصطفى نسنده .... فأما حديث إقعاده على العرش فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده .... ولا تنكروا أنه قاعد ولا تجحدوا أنه يقعده .
فهذا إسناد لا يصح ، من أجل أبي العز هذا ، فقد أورده ابن العماد في وفيات سنة ( 526 ) من " الشذرات " ( 4 / 78 ) وقال : " قال عبد الوهاب الأنماطي : كان مخلطا " .
وأما شيخه أبو طالب وهو العشاري فقد أورده في وفيات سنة ( 451 ) وقال ( 3 / 289 ) : " كان صالحا خيرا عالما زاهدا " . فاعلم أن إقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل ، وأما قعوده تعالى على العرش فليس فيه حديث يصح ، ولا تلازم بينه وبين الاستواء عليه كما لا يخفى . وقد وقفت فيه على حديثين ، أنا ذاكرهما لبيان حالهما :
866 - "
إن كرسيه وسع السماوات والأرض ، وإنه يقعد عليه ، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله " .
منكر .
رواه أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني في فتياله حول الصفات ( 100 / 1 ) من طريق الطبراني عن عبيد الله بن أبي زياد القطواني : حدثنا يحيى بن أبي بكير : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فعظم الرب عز وجل ، ثم قال : فذكره .
ورواه الضياء المقدسي في " المختارة " ( 1 / 59 ) من طريق الطبراني به ، ومن طرق أخرى عن ابن أبي بكير به . وكذلك رواه أبو محمد الدشتي في " كتاب إثبات الحد " ( 134 - 135 ) من طريق الطبراني وغيره عن ابن أبي بكير به ولكنه قال : " هذا حديث صحيح ، رواته على شرط البخاري ومسلم " .
كذا قال : وهو خطأ بين مزدوج فليس الحديث بصحيح ، ولا رواته على شرطهما ، فإن عبد الله بن خليفة لم يوثقه غير ابن حبان ، وتوثيقه لا يعتد به كما تقدم بيانه مرارا ، ولذلك قال الذهبي في ابن خليفة هذا : " لا يكاد يعرف " ، فأنى للحديث الصحة ؟ ! بل هو حديث منكر عندي .
ومثله حديث ابن إسحاق في " المسند " وغيره ، وفي آخره : " إن عرشه لعلى سماواته وأرضه هكذا مثل القبة ، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب " . وابن إسحاق مدلس ، ولم يصرح بالسماع في شيء من الطرق عنه ، ولذلك قال الذهبي في " العلو" ( ص 23 ) : " هذا حديث غريب جدا فرد ، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند ، وله مناكير وعجائب ، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا ؟ وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، ولا إله غيره . ( قال : ) . " الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل ، فذاك صفة للرحل وللعرش ، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل . ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت " .
هذا حال الحديث وهو الأول من حديثي القعود على العرش )
وقال ايضا :
5008 - ( في قول الله عز وجل : (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) . قال : يجلسه فيما بينه وبين جبريل ، ويشفع لأمته ، فذلك المقام المحمود ) .
باطل .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/ 163/ 2) عن أبي صالح عبد الله بن صالح : حدثني ابن لهيعة عن عطاء بن دينار الهذلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : الانقطاع بين الهذلي وسعيد ، قال الحافظ : "صدوق ؛ إلا أن روايته عن سعيد بن جبير من صحيفة" .
والأخرى : ضعف ابن لهيعة .
وقال الهيثمي (7/ 51) : "رواه الطبراني ، وفيه ابن لهيعة ؛ وهو ضعيف إذا لم يتابع . وعطاء بن دينار ؛ قيل : لم يسمع من سعيد بن جبير" )
وقال ايضا :
6465 - ( { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ؛ قال : يجلسني معه على السرير ) .باطل .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/150/1) من طريق علي ابن عمر القزويني : حدثنا يوسف بن الفضل الصيدناني : حدثنا إبراهيم بن عبد الرزاق : حدثنا محمد بن سعد كاتب الواقدي : حدثنا عبداله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد غريب ، محمد بن سعد - كاتب الواقدي - ثقة حافظ من رجال "التهذيب" ، وكذا من فوقه .
وأما إبراهيم بن عبد الرزاق ؛ فلم أعرفه ، وفي طبقته ما في "تاريخ بغداد" (6/134 - 135) : "إبراهيم بن عبد الرزاق الضرير . حدث عن إسماعيل بن أبي مسعود وسعيد ابن سليمان المعروف بـ (سعدويه) الواسطي . روى عنه محمد بن مخلد الدوري ..
قال الدارقطني : بغدادي ثقة".
قلت : فمن المحتمل أن يكون هو هذا .
وعلي بن عمر القزويني ، فقد ترجمه الخطيب (12/43) بروايته عن جمع ، وقال : "كتبنا عنه ، وكان أحد الزهاد المذكورين ، من عباد الله الصالحين ، يقرأ القرآن ، ويروي الحديث ، لا يخرج من بيته إلا للصلاة ، وكان وافر العقل ، صحيح الرأي ... مات (442) ... ".
وأما شيخه يوسف بن الفضل الصيدناني ؛ فلم أجد له ترجمة ، وأظن أنه آفة هذا الحديث الباطل المخالف لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري" (4718) : أن المقام المحمود هي شفاعته صلى الله عليه وسلم الكبرى يوم القيامة . وراجع إن شئت "ظلال الجنة" (2/784 و 785 و789 و804 و813) ، و "الصحيحة" (2369 و 2370) ، و "الدر المنثور" (4/197) .
أضف إلى ذلك أنه يستغله أعداء السنة وأفراخ الجهمية ؛ ليطعنوا في أهل السنة الذين يثبتون الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة ، مع التنزيه التام ، ويرموهم بالتجسيم والتشبيه الذي عرفوا بمحاربته - كما يحاربون التعطيل - ، كمثل الكوثري وأذنابه ، وكالغماري والسقاف ونحوهما ، كفى الله المسلمين شرهم .
هذا ، وقد كنت خرجت الحديث في المجلد الثاني من هذه "السلسلة" برقم (865) من حدري ابن مسعود ، وبينت علته ونكارته هناك ، وأنه روي عن مجاهد مقطوعا ، وعن غيره موقوفا ، وذكرت مستنكرا موقف بعض العلماء منه .
ثم أتبعته بحديث منكر ، وآخر موضوع ، فيهما نسبة القعود إلى الله على كرسيه . وفي الأول منهما زيادة نصها :
"ما يفضل منه مقدار أربع أصابع ".
وذكرت تساهل بعضهم في توثيق رجالهما ، وتقوية إسنادهما ، فراجعه ، فإنه مهم .
كما كنت ذكرت في مقدمة كتابي المطبوع "مختصر العلو" (ص 15 - 17) ، اضطراب موقف الذهبي بالنسبة لأثر مجاهد ، مع تصريحه بأن رفعه باطل .
وبهذه المناسبة أريد أن أبين للقراء موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تلك الزيادة في الحديث الأول ، فقد ذكر أن بعض المحدثين رووها بلفظ : "إلا أربع أصابع" .
فهذه تثبت (الأربع) ، وتلك تنفيها - كما هو ظاهر - فضعف الشيخ رحمه الله الحديث بالروايتين لاضطرابهما ، مع ملاحظته أن المعنى الذي كل منهما لا يليق بجلال الله وعظمته ، فقال كما في "مجموع الفتاوى" (16/436) : "فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين ؛ هذه تنفي ما أثبتت هذه ، [ يعني تكفي في تضعيفه ] ، ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإثبات ، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب ! وهذا معنى غريب ليس له شاهد قط في شيء من الروايات ، بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر ، وهذا باطل ، مخالف للكتاب والسنة وللعقل .
ويقتضي أيضا أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق ، وقد جعل العرش أعظم منه ، فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق ، وهو أعظم من الرب . وهذا معنى فاسد مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل .
فإن طريقة القرآن في ذلك أن يبين عظمة الرب ،وأنه أعظم من كل ما يعلم عظمته ، فيذكر عظمة المخلوقات ، ويبين أن الرب أعظم منها " .
ثم استشهد الشيخ ببعض الأحاديث على ذلك ، وذهب إلى أن الصواب في رواية الحديث النفي . يعني من حيث المعنى ؛ كما تقدم بيانه منه بيانا شافيا رحمه الله تعالى .
وفي ذلك ما يؤيد حكمي على الحديث بالبطلان هنا وهناك من حيث المعنى ، وإن كان ذلك غير لازم من حيث المبنى ، فليكن هذا منك على ذكر .
ومما تقدم يتبين لقرائنا دجل ذاك السقاف ، أو أولئك الذين يؤلفون له ويتسترون باسمه ؛ حين يكذبون أو يكذب على أهل العلم والسنة أحياء وأمواتا لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة ، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية : فإنه لفساد عقيدته ، وجهله وقلة فهمه لا يتورع عن التصريح ورميه بأنه مجسم ، وبغير ذلك
من الأباطيل التي تدل على أنه مستكبر معاند للحق الجلي الناصع ، فرسائله التي يؤلفونها وينشرونها له تباعا مشحونة بالبهت والافتراء والأكاذيب وقلب الحقائق ؛ بحيث أنها لو جمعت لكانت مجلدا كبيرا بل مجلدات ، فها هي رسالته التي نشرها في هذه السنة (1414) - على صغرها وحقارتها - بالمين والتضليل والافتراء على السلفيين الذين ينبزهم بلقب (المتمسلفين) ! وعلى الأخ الفاضل بصورة [ خاصة ] ، وعلى شيخ الإسلام بصورة أخص .
وليس غرض الآن الرد عليه ، فإن الوقت أضيق وأعز من ذلك ، وإنما أردت بمناسبة هذا الحديث أن أقدم إلى القراء مثلا واحدا من مئات افتراءاته وأكاذيبه وتقليبه للحقائق ، التي تشبه ما يفعله اليهود بإخواننا الفلسطينيين اليوم الذين ينطلقون من قاعدتهم الصهيونية : (الغاية تبرر الوسيلة) ! الأمر الذي يؤكد للقراء أنه لا يخشى الله ، ولا يستحي من عباد الله ، وإلا لما تجرأ على الافتراء عليهم ، والله عز وجل يقول { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله }.
لقد نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية عدة أقوال هو منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب [ عليهما السلام] ، بل هو يقول بخلافها !! ويهمنا الآن بيان فرية واحدة من تلك الفريات ، فقال في مقدمة رسالته المشار إليها (ص 2 - 3) بعد أن نسب إليه عدة فريات : "ويقول : إن المقام المحمود الذي وعدنا به نبينا صلى الله عليه وسلم هو جلوسه بجنب الله على العرش في المساحة المتبقية ، والمقدرة عند هذه الطائفة بأربع أصابع (1) !!! وغير ذلك ن الترهات".
وفي الحاشية قال : (1) انظر "منهاج سنته"(!) (1/260) وكتاب "بدائع الفوائد" لتلميذه ابن قيم الجوزية (4/39 - 40) ".
وإحالته فيما نسبه إلى الشيخ مما يزيد القراء قناعة بدجله ، وأنه يتعمد الكذب والافتراء عليه ، وأنه لا يبالي بقرائه إذا اكتشفوا {تشابهت قلوبهم} ، وهذا نص كلامه رحمه الله منقولا بطريقة التصوير ، ليكون القراء على يقين من ذلك الإفك المبين : ((( وأما قوله إنه يفضل عنه العرش من كل جانب أربع أصابع فهذا لا أعرف قائلا له ولا ناقلا ولكن روى في حديث عبد الله بن خليفة أنه ما يفضل من العرش أربع أصابع يروى بالنفى ويروى بالإثبات والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي وابن الجوزي ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه ولفظ النفى لا يرد عليه شيء فإن مثل هذا اللفظ يرد لعموم النفى كقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما في السماء موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد أي ما فيها موضع ومنه قول العرب ما في السماء قدر كف سحابا
وذلك لأن الكف يقدر به الممسوحات كما يقدر بالذراع وأصغر الممسوحات التي يقدرها الإنسان من أعضائه كفه فصار هذا مثلا لأقل شيء فإذا قيل إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان المعنى ما يفضل منه شيء والمقصود هنا بيان أن الله أعظم وأكبر من العرش ومن المعلوم أن الحديث إن لم يكن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قاله فليس علينا منه وإن كان قد قاله فلم يجمع بين النفي والإثبات وإن كان قاله بالنفى لم يكن قاله بالإثبات والذين قالوه بالإثبات ذكروا فيه ما يناسب أصولهم كما قد بسط في غير هذا الموضع فهذا وأمثاله سواء كان حقا أو باطلا لا يقدح في مذهب أهل السنة ولا يضرهم لأنه بتقدير أن يكون باطلا ليس هو قول جماعتهم بل غايته أنه قد قالته طائفة
ورواه بعض الناس وإذا كان باطلا رده جمهور أهل السنة كما يردون غير ذلك فإن كثيرا من المسلمين يقول كثيرا من الباطل فما يكون هذا ضار لدين المسلمين وفي أقوال الإمامية من
المنكرات ما يعرف مثل هذا فيه لو كان قد قاله بعض أهل السنة ))) .
هذا كلام الشيخ رحمه الله ، فأين فيه ما عزاه السقاف وأعوانه إليه ؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم . بل فيه حكايته الخلاف في صحة حديث الأصابع ، وعدم جزمه هو بصحته ، وإن كان هذا مستغربا منه ، لأن علته الجهالة والعنعنة - كما كنت بينته هناك - .
وختاما : كلمة حق لا بد لي منها :
إذا كان حقا أن الله تعالى أعظم من العرش ، ومن كل شيء - كما بينه شيخ الإسلام فيما تقدم - ، فيكون اعتقاد أن الله يجلس محمدا معه على العرش باطلا بداهة .
وأما إجلاسه على العرش دون المعية ، فهو ممكن جائز لأن العرش خلق من خلق الله ، فسواء أجلسه عليه ، أو على منبر من نور - كما جاء ذلك في المتحابين في الله ، وفي المقسطين العادلين - لا فرق بين الأمرين ، لكن لا نرى القول بالإجلاس على العرش ؛ لعدم ثبوت الحديث به ، وإن حكاه ابن القيم عن جمع - كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- . والله سبحانه وتعالى أعلم ) .
وقال في مختصر العلو : ( ..... والمقصود من ذلك أن رواية الأحاديث الضعيفة من بعض المحدثين هو مما يعاب عليهم من قبل المخالفين لهم وإن كان هؤلاء يفعلون ما هو أسوأ من ذلك كما أوضحه شيخ الإسلام في الكلام الذي أحلناك عليه آنفا
ومن أشهر من أخذ ذلك عليهم في هذا العصر ويتخذه حجة في تسخيفهم وتضليلهم الشيخ الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهله السنة والحديث ونبزه إياهم بلقب الحشوية والمجسمة وهو في ذلك ظالم لهم مفتر ولكن - والحق يقال - قد يجد أحيانا في ما يرويه بعضهم من الأحاديث والآثار ما يدعم به فريته مثل الحديث المروي في تفسير قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : يجلسني على العرش .
رواه المصنف ( ص 74 - 75 ) عن ابن مسعود مرفوعا وضعفه جدا بقوله : ( مرسله الأحمر متروك الحديث ) . ورواه ( ص 99 ) عن ابن عباس مثله موقوفا . وقال : ( إسناده ساقط وعمر بن مدرك الرازي متروك وهذا مشهور من قول مجاهد ويروى مرفوعا وهو باطل )
وقد خرجت الحديثين في ( الضعيفة ) ( 871 )
وقال في ترجمة محمد بن مصعب العابد كما يأتي :
( فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه )
قلت : ولو أن المصنف رحمه الله تعالى وقف عند هذا البيان الواضح في أنه ليس في الباب نص ملزم للأخذ به لكان قد أحسن وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب ( تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري ) ( ص 64 ) فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية - أسوة بسلفه من الجهمية - وغيرهم ( 1 ) :
( ويقولون في الله مالا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له ( تعالى ) والنقلة ( ويعني بهما النزول ) والحد والجهة ( يعني العلو ) والقعود والإقعاد ) . فيعني هذا الذي نحن في صدد بيانه عدم ثبوته
أقول : لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن ولكنه لم يقنع بذلك بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : يجلسه أو يقعده على العرش . بل قال بعضهم : ( أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم ) بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال : هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة . وذكر في ( مختصره ) المسمى ب ( الذهبية ) أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك . وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال ( ص 126 ) : ( فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر . . . )
فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه ولكنك ستفاجأ بقوله ( ص 143 ) بعد أن أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني :
( وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف . . . )
ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم فإذا أنت فرغت من قراءة هذا قلت : لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به لأنه قال : إنه لا يقال إلا بتوقيف ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور : ( ولكن ثبت في ( الصحاح ) أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم )
قلت : وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في ( تفسيره ) ( 15 / 99 ) ثم القرطبي ( 10 / 309 ) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره وساق الأحاديث المشار إليها . بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير . وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر فقد ذكر المؤلف ( ص 125 ) أنه روي عن ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ) . قلت : والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم ولست أدري ما الذي منع المصنف - عفا الله عنه - من الاستقرار على هذا القول وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل وهذا يسلتزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى وهذا مما لم يرد فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل ولذلك ترى المؤلف رحمه الله أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة : إن الله استوى استواء استقرار ) كما تراه في ترجمة ( 140 - أبو أحمد القصاب ) . وصرح في ترجمة ( 161 البغوي ) أنه لا يعجبه تفسير ( استوى ) ب ( استقر ) . بل إنه بالغ في إنكار لفظة ( بذاته ) على جمع ممن قال : ( هو تعالى فوق عرشه بذاته ) لعدم ورودها عن السلف مع أنها مفسرة لقولهم باستواء الله على خلقه حقيقة استواء يليق بجلاله وكماله واعتبرها من فضول الكلام فانظرترجمة ( 136 - ابن أبي زيد ) و ( 144 - يحيى بن عمار ) و ( 146 - أبو عمر الطلمنكي ) و ( 149 - أبو نصر السجزي )
وهذه اللفظة ( بذاته ) وإن كانت عندي معقولة المعنى وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف وهي لفظة ( بائن ) في قولهم ( هو تعالى على عرشه بائن من خلقه ) . وقد قال هذا جماعة منهم كما ستراه في هذا ( المختصر ) في التراجم الآتية ( 45 - عبد الله بن أبي جعفر الرازي ) و ( 53 - هشام بن عبيد الله الرازي ) و ( 56 - سنيد بن داود المصيصي الحافظ ) ( 67 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان ) وذكره عن ابن المبارك و ( 77 - أبو زرعة الرازي ) و ( 87 - أبو حاتم الرازي ) وحكياه عن العلماء في جميع الأمصار . و ( 79 - يحيى بن معاذ الرازي ) و ( 84 - عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ و ( 103 أبو جعفر ابن أبي شيبة ) وكل هؤلاء من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ثم ( 108 - حماد البوشنجي الحافظ ) وحكاه عن أهل الأمصار ( 109 - إمام الأئمة ابن خزيمة ) . و ( 125 - أبو القاسم الطبراني ) و ( 133 - ابن بطة ) و ( 141 - أبو نعيم الأصبهاني ) وعزاه إلى السلف . و ( 142 - معمر بن زياد ) و ( 155 - الفقيه نصر المقدسي ) و ( 158 - شيخ الإسلام الأنصاري ) و ( 164 - ابن موهب )
قلت : ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين : ( ذاته ) و ( بائن ) لم تكونا معروفين في عهد الصحابة رضي الله عنهم . ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام بلفظ ( بائن ) دون أن ينكره أحد منهم .
ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق فإن هذه لا تعرفها الصحابة أيضا وإنما كانوا يقولون فيه : كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة : إنه مخلوق ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل : ( كلام الله ) ثم يسكت ؟ قال : ولم يسكت ؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون ؟ ( 1 ) سمعه أبو داود منه كما في ( مسائله ) ( ص 263 - 264 )
قلت : والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى أقر لفظة ( بائن ) لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم وأنكر اللفظة الأخرى وهي ( بذاته ) لعدم تواردها في أقوالهم . إلا بعض المتأخرين منهم فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد فكنت أحب له رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه ليس له شاهد في السنة ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار وإنما تارة وتارة والله تعالى يغفر لنا وله .
ومن العجيب حقا أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به ثم قال ابن القيم رحمه الله : ( قلت : وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه )
ثم ذكره المصنف فيما يأتي في ترجمة ( 134 - الدراقطني ) وزاد بيتا رابعا لعل المصنف تعمد حذفه :
( ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعده )
قلت : وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم . وما عزاه للدارقطني لا يصح إسناده كما بيناه في ( الأحاديث الضعيفة ) ( 870 ) وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدارقطني الآتية . وجعل ذلك قولا لابن جرير فيه نظر لأن كلامه في ( التفسير ) يدور على إمكان وقوع ذلك كما سبق لا أنه وقع وتحقق ولذلك قال الإمام القرطبي في ( تفسيره ) ( 10 / 311 ) : ( وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد ولا ينكر مع ذلك أن يروى والعلم يتأوله )
ثم بين وجه تأويله بما لا حاجة بنا إلى ذكره والنظر فيه ما دام أنه أثر غير مرفوع ولو افترض أنه في حكم المرفوع فهو في حكم المرسل الذي لا يحتج به في الفروع فضلا عن الأصول كما ذكرت ذلك أو نحوه فيما يأتي من التعليق على قولة بعضهم : ( ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بشيء ) التعليق ( 265 )
ولعل المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ذلك بقوله في ترجمة ( 165 - القاضي العلامة أبو بكر بن العربي ) وقد نقل عنه القول بهذا القعود معه على العرش : قال : ( وما علمت للقاضي مستندا في قوله هذا سوى قول مجاهد )
وخلاصة القول : إن قول مجاهد هذا - وإن صح عنه - لا يجوز أن يتخذ دينا وعقيدة ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة فيا ليت المصنف إذ ذكره عنده جزم برده وعدم صلاحيته للاحتجاج به ولم يتردد فيه فإنه هو اللائق به وبتورعه من إثبات كلمة ( بذاته ) والله المستعان )
انتهى ما اردت نقله عن الشيخ الالباني رحمه الله في بيان بطلان هذا الاثر وسقوطه ، وان كان النقل طويل جدا ، وقد ابرزت بعض المواضع من كلامه بخط كبير وبلون ازرق حتى يرى القارى خلاصة القول في هذه المسألة .
فهذا كلام محدث العصر الشيخ الالباني رحمه الله ! ، فكيف تدعي يا اخي زياني بقولك:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياني
أن المسألة فيها إجماع متيقن قاطع
؟؟؟؟
يا اخواني الكرام : لا تجعلوا للجهمية ممسكا عليكم ليصفوكم بالتجسيم كما فعل الكوثري واذنابه ، ولنكتفي بالصحيح ، ولندع الضعيف والموضوع جانبا كما فعل الشيخ الالباني رحمه الله .
نسال الله السلامة .