د.عبدالله بن بلقاسم - صحيفة المسك

يمثل المقال محاولة لإثارة التفكير نحو بناء استراتيجية لمقاومة التيار النفاقي في المجتمع، وإنضاج رؤية موحدة للتعاطي معه.

حيث يلاحظ أن التقدم الذي يحققه المشروع المريض يستثمر غياب الآليات المناسبة للممانعة، ووجود ثغور واضحة في منهجية المدافعة، مع استنزاف غير مرشد للجهود بعيدا عن التوظيف المناسب في إدارة الصراع.
دعونا نتأمل القرآن من جديد، ونحاول استباط أدوات المقاومة من آياته البينات، ونمضي نحو صياغة مشروع حضاري يحجم الوباء ويوقف تقدمه

ولنعد إلى تلاوة السور على رؤوسهم المريضة التي طالما أصابهم الرعب عند نزولها

وكي تتضح الفكرة أذكر مثالا واحدا يبين الخلاف المنهجي بين طريقتنا في المقاومة وأسلوب القرآن العظيم

يقول الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)

تتضمن الآية السابقة ثلاث أدوات في مدافعة المنافقين

أولها:

فأعرض عنهم

الإعراض يعني الإهمال وعدم منحهم الاهتمام الظاهر، وهو لا يعني بالتأكيد ترك الحذر منهم كما نبهت آيات أخرى

أين هذه المنهجية وأين الإعراض ونحن نرى الاحتفال بمقالات الكتاب المرضى، والتعليقات الضخمة على ما يكتبون، وزفة المواكب الإلكترونية التي تضج تحت سطورهم، ولو كانت بالنقد والمعارضة، ونسخ مقالاتهم حتى مل قوقل من كثرة المواقع التي نقلت إليها، فضلا عن المجالس التي تلاك فيها سيرتهم، وتكرر أسماؤهم، وتنشر آراؤهم، بل ربما سمعت من يتحدث عنهم في المنابر

الإعراض أداة فكرية مهمة تضمن تحجيم الخصم وإسقاط مبرارت وجوده، نحن ولشديد الأسف نصنع خصومنا، ونضفي هالة من الجاذبية عليهم، ولأنهم يعرفون ذلك فقد اصبح استفزاز الإسلاميين هو الخطوة الأولى نحو عالم الشهرة والإعلام، وكلما كانت الفكرة أكثر تصادمية مع الوعي الإسلامي كانت حظوظ الكاتب في النجاح أكبر

الأعراض هو أسلوب لمجاهدة المنافقين، وهو شديد الوقع في نفوسهم المتشوفة إلى الزحمة والحضور

فلنبدأ إذا بالإعراض الكلي المتقن وذلك بعدم التعليق على مقالاتهم ، وعدم شراء صحفهم ، وعدم ذكر أسمائهم في منتدياتنا وحوراتنا ومساجدنا وجامعاتنا ، وعدم حضور محاضراتهم وفعالياتهم الثقافية
إنها استراتيجية قاتلة لفيروس الوباء

إن الله تعالى الذي قال : واغلظ عليهم، هو سبحانه الذي قال فأعرض عنهم، وهو – والله أعلم – بيان لمجمل الإغلاظ وهو التهميش والتحقير لشأنهم في صورهم الشخصية

لم يكن الأمر بالإعراض رأفة بهم بل عقوبة مهينة لتلك الطبيعة المشوهة

فأعرض عنهم شعار : يجب أن يرفع قبل أن تزدحم الحشود الزاحفة على الندوات الثقافية التي يقيمها المرضى، بينما يجلس أحد العلماء في درسه العامر محاطا ببضعة أشخاص، و محبوه مشغولون بالبحث عن موضع قدم في النادي الثقافي ليعارضوا الضيف الكريه.

إن تكتيك التهميش يمارس على أعلى المستويات في العالم، حتى في المحافل الانتخابية، وإدارة الصراع الانتخابي ، إن وجود الإنسان وصوته وحواره وتفاعله ثروة و مسؤولية يجب أن لا يهدرها في المكان الخطأ
هذه وقفة واحدة مع بعض آية في القرآن العظيم، وأرجو أن يثير المقال أجوبة عن السؤال الملح: كيف نقاوم؟