بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فثمت صور مقززة في بلادي تشمئز منها قلوب أهل الغيرة والدين , وهي نذير شؤم على أهل هذه البلاد الطيبة إن لم يتم تدارك خطرها , ومنع استفحالها , وإيجاد السبل الكفيلة بعلاجها , بل واجتثاثها من جذورها .
هي والله صور مؤلمة محزنة , ولايملك من في قلبه غيرة دينية , وحمية على حرمات الله إلا أن ينكرها , ويتعوذ بالله العظيم من شرِّمن سعى فيها , أو رضيها , أو لم يرفع بشأنها رأسا و لم يتمعر وجهه غضبا لله وهو يراها أو يسمع بها .
في أشرف البقاع , وأطهر الأماكن على وجه الأرض , يستغاث بغير الله , ويدعى الرسول صلى الله عليه وسلم , والحسين والعباس وفاطمة رضي الله عنهم , من دون الله , ويختال الرافضي المشرك النجس كالطاووس , ويستعلن بعقيدته , ويسخر من أهل التوحيد , ويظهر شماتته فيهم , وسخريته منهم .
ويتباهى الصوفي الخرافي بصوفيته , وذو البدعة ببدعته .
وترى هناك من مظاهر التبرج والسفور , والمعاكسات والمراسلات , ما يجعلك تتخيل نفسك في مجمع تجاري , أو حديقة عامة , أو ملاهٍ ترفيهية والعياذ بالله .
في ساحات الحرمين يتبادل الشباب والفتيات الصور والرسائل والأرقام .
وهناك تعقد اللقاءات والمقابلات .
بل لن أحنث إن حلفت أن هذا يكون داخل الحرم ولاحول ولاقوة إلا بالله .
كل هذا وأضعافه مما يتردد الإنسان في ذكره , يقع في انشغال عن مكافحته إلى إقامة مايؤججه , ويزيد في استعار ناره , وتطاير شراره .
حين تكون مثل هذه الصور المؤلمة , فالمتبادر للذهن أن التفكير سينصبُّ لبذل الوسع في إيجاد الحلول , وسدِّ باب الفتنة والفساد .
لكنك تصاب بخيبة أمل , وتشعر بما يشبه الانتكاسة , مما يمكن تسميته أحيانا بسوء الإدارة , أوانتكاس المفاهيم , أو ضعف الشخصية , أو التنكب للمبدأ , أو ضعف الديانة , أو قلة المروءة , أو الغرور والعنجهية .
في الوقت الذي يفترض أن يكون هناك دعم قوي للهيئات المسؤولة عن منع مظاهر الخرافة والفساد , وكبح جماح الفسقة والفجار .
في هذا الوقت تحديدا , والذي يهدد فيه الخطر أمننا العقدي , وأمننا الأخلاقي , تتوالى الحملات المسعورة للمطالبة بالحد من صلاحيات الهيئات , وتجفيف منابع الدعوة ودور الإصلاح , وتتظافر همم السفلة لإقامة المهرجانات الآثمة , وتتعالى الأصوات للمطالبة بتوسيع دائرة الحرية لتشمل ألوانا من الفجور والبغي عياذا بالله .
إلى أين يذهب بنا هؤلاء ؟
هل هم واثقون إلى هذا الحد من أن الله تعالى لن يؤاخذهم على هذه الأفعال ؟ .
هل بلغ بهم الأمن من عقوبة الله هذا المبلغ !!! ؟ .
ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو هو بأبي هو وأمي يخاف عقوبة الله , ويتغير وجهه إذا رأى السحاب في السماء ؟ .
ألم يقل له ربه جل في علاه : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ؟.
هل غاب عنهم قوله سبحانه : ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ) وقوله : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) وقوله : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولايخاف عقباها ) وقوله : ( فكلا أخذنا بذنبه ) وقوله : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) .
هل استحكمت فيهم الغفلة حتى رأوا حسنا ماليس بالحسن ؟
هل ترون أحدا ممن سبقنا قد بقي وبقيت له تجارته وجاهه وخدمه وحشمه ؟
أين الملوك ذوو التيجان من إرم ***** وأين منهم أكاليل وتيجان
ألم يروا فيمن غَبَر مُعْتَبر ؟
لما فتح المسلمون قبرص وهم في غمرة النصر تنحى أبو الدرداء رضي الله عنه وجلس يبكي , فقيل له : لم تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله , وأذل الكفر وأهله ؟ .
فقال رضي الله عنه : ألا ترى إلى هؤلاء ؟ بينا هي أمة ظاهرة قاهرة صارت إلى ماترى !!
ثم قال : ما أهون الخلق على الله إن هم ضيعوا أمره .
أيها الفضلاء :
هل نحن أمام تجاوزات شخصية , وتصرفات فردية عشوائية , تمليها الرغبات والأهواء والنزعات .
أم نحن أمام مخطط تخريبي تغريبي يراد منه مسخ هذه المملكة في كل مقوماتها ؟
حملات إعلامية على الثوابت والقيم والمناشط الفاضلة !!!
تجاوزات صريحة من قبل بعض الموظفين من ذوي المسؤولية لقرارات الدولة وسياستها .
استعلان بالمخالفة , ودعوة إلى التمرد , واستطالة في القرارات التعسفية والتعاميم المخالفة للسياسات العليا .
استهانة بالعلماء ومكانتهم وفتاويهم , وتطاول عليهم , واستهانة بهم .
تحريض رخيص مكشوف على كل مسلم غيور يقف في وجه طغمة الفساد .
ماذا يريد هؤلاء من هذه الخطوات التي كانت بالأمس جريمة وإثما يعاقب عليها الشرع , فأصبحت اليوم في حكم الضروريات , مع أن الإسلام هو هو لم يتغير , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث فيهم من جديد ليأتيهم بشريعة غير التي أتاهم بها قبل موته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم !!!
كان الاختلاط محرما , والسفور منكرا , والمخالفة للتعليمات جريمة , بل ولازال هذا كله كذلك في نظام الدولة .
لكننا نشاهد الاختلاط يقع بشكل يومي ويتم إعلانه على الشاشات وفي الصحف والمجلات .
ونشاهد السفور والتبرج بشكل لم تعرفه المرأة حتى في زمن الجاهلية .
ونشاهد المخالفة للتعليمات بشكل صريح لا يحتمل التأويل .
فهل نسخت أحكام الشريعة؟
أم نسخت قوانين الدولة المبنية عليها ؟
أم أنها مسخت عقول بعض الناس فهم يتبعون الغرب حذو القذة بالقذة , والنعل بالنعل ؟
أيها الفضلاء :
أكاد أجزم , بل وأقسم على هذا , أن ما أصابنا عقوبة من الله ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) , ولهذا لما ضعف الإنكار , وخفَّت همم كثير من الناس عن القيام بواجب النصيحة والتذكير بالحسنى , وانشغل بعض أهل العلم والدعوة بالدنيا والرياسات , وانشغل آخرون منهم بتتبع السقطات , واصطياد الهفوات , سلط الله هؤلاء السفلة الذين يخرقون سفينة الأمة ليردوها , وليوردوها موارد العطب والبوار.
إن الواجب علينا جميعا أن نقوم بما أمر الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والدعوة والنصيحة والتذكير بالحسنى , وأن نسعى جهدنا لمنع مثل هذه المظاهر كلٌّ حسب قدرته وإمكاناته .
فالعالم يكتب ويتكلم مع من يبلغه صوته من الساسة وأهل القرار .
والداعية يذكر الناس بخطر مثل هذه المنكرات , وخطر الرضا بها , والسكوت عنها .
والمحب للخير من عامة الناس يكتب لذوي القرار ما يشعرهم باستهجانه ورفضه لمثل هذه الممارسات .
أما السكوت تحت أي ذريعة فهذا لايعفي صاحبه لاسيما وهو قادر على فعل كل ذلك بأمن وأمان ولله الفضل والمنة .
إن الساكت عن الحق شيطان أخرس .
والراضي بهذه المعاصي مشارك لأصحابها وإن لم يفعلها .
وعقوبة الله إن أتت عمَّت الصالح والطالح ( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )
( أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : إذا كثر الخبث )
أيها الفضلاء :
علينا أن نكتب للمسؤلين عن تجاوزات الإعلام , وتجاوزات بعض العاملين في المؤسسات الحكومية والأهلية , وأن نوقف الساسة على تلك التجاوزات .
وعلينا أن نحذر من بعض المخذلين الذي يقولون لاتفعل , بحجة أن الدولة تعلم هذا كله , وأنه لايخفى عليها شيء من هذا بدليل أنه لو أساء أحد لذات أحد المسؤولين , وتطاول على شخصه لتمت معالجته قبل أن تغيب الشمس .
أقول : إن علينا الآَّ نلتفت لمثل هذا التخذيل وأن نلتمس لهم عذرا في ذلك وهو أنه لاينقل لهم إلا مثل هذا من باب التزلف والتقرب .
كم رأينا بسبب تلك المكاتبات , والزيارات , والمهاتفات , والبرقيات , من الخير والنفع وزوال كثير من المنكرات , أو تصحيح مسار كثير من القرارات .
فمن الواجب التظافر على مواصلة هذه المسيرة الإصلاحية بالطرق الشرعية المرعية .
وعلى أهل الفكر والقلم أن ينبروا لفضح مخططات العلمانيين وأذنابهم من اللبراليين , وأن يقفوا لهم بالمرصاد , وأن يكشفوا زيفهم حتى يستبين الناس سبيل المجرمين .
كما أن على أهل الفضل والدعوة أن يزاحموا الأشرار في نواديهم , وأن يضيقوا عليهم بالمناقشة وكشف الزيف , فالقوم قد بنوا قاعدتهم على شفا جرف هار , وما أسرع ما ينهار .
وعلينا في مقابل هذا أن نكوِّن دعاية صادقة وقوية لكل منشط دعوي تربوي وإن اختلفنا معه في بعض توجهه , فهو رغم ما فيه من الخطأ , أهون بمئات المرات من ممارسات أهل الشر .
كما أن علينا أن نستفيد من تجارب من سبقنا , وأن نحذر من أخطاء وقع فيها غيرنا .
وأن نحرص على استضافة أهل الفضل والنبل من العلماء والدعاة إلى هذه المجاميع حتى تسترشد بعلمهم , وتتصحح مسيرتها بوجودهم .
إن الهجمة المضادة لكل عمل تغريبي تخريبي , تعتبر من أهم أسباب فشل تلك المشاريع الفاسدة , لأن الناس تحب الخير غالبا , وإذا وجد البديل الأمثل المأمون فالسلامة لايعدلها شيء .
بارك الله في الجهود , ونفع بالأسباب , وكفانا شر الأشرار , وكيد الفجار
وهدى الله المسؤولين للحق والصواب , وألهمهم رشدهم , وبصرهم بمكر عدوهم .
أسأل الله للجميع التوفيق والسداد , وأن يصلح الراعي والرعية , وأن يجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .