محاور الغزو الثقافي للغة العربية في مصر
2 / 5
الشيخ: سليمان بن عبدالله النتيفي
المحور الأول:
الدعوة إلى استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني
حجج الداعين إلى الكتابة بالحرف اللاتيني:
سعى المستشرقون وأذنابهم من العرب إلى إثارة زوبعة من الشبه حول الحرف العربي لعلهم يستطيعون أن يضربوا الأمة الإسلامية والعربية بسهم لا يندمل جرحه، ولا يرقأ دمه حتى الموت كما هو الحال في تركي، وكانت النتيجة مستقرة في أذهانهم قبل إثارة الشبه فلا بد من فك هذا الرباط الوثيق بين أبناء الأمة الإسلامية فوضعوا بعض الشبه التي تثير الشك في صلاحية الحرف العربي مع الحضارة المعاصرة، وذلك لكسب الأنصار من أبناء هذه الأمة نفسه، وقد أفلحوا في ذلك إذ إن غالبية من دعا إلى ذلك كانوا من أبناء العربية، وقد كنت هيأت نفسي لكتابة الحجج، وفرغت لها عددا من الصفحات فلم أجد حججا تستحق الذكر وإنما ألفيتها تدور حول ما يلي:
1- صعوبة الكتابة العربية، وذكروا لذلك بعض الأمثلة في القواعد الإملائية.
2- كثرة التكاليف في الطباعة، لأن الحرف قد يكون في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها وفي كل حالة له صورة، كما أن وجود الحركات الإعرابية يزيد التكاليف المادية بخلاف اللغات الأخرى.
فالحرف العربي معقد بخلاف اللاتيني، وقد تبنى هذه الدعوة حثالة عميلة للاستعمار، والهدف هو القضاء على العربية، وممن دعا لذلك أنيس فريحة في كتابه نحو عربية ميسرة ومن أقواله في ذلك: ( يطالب مثلا بعض الناس بتبني الحرف اللاتيني تسهيلا للقراءة وتخفيفا لنفقات الطباعة، ونحن من المؤمنين بهذه النظرية، ولا نرى حلاً للكتابة إلا بتبني الحرف اللاتيني وضبط الكلمات فيه مرة واحدة.
ويقول: ( إن وضع لهجة عربية موحدة سلسة لينة مكتوبة بالحرف اللاتيني يعجل في تحرير الفكر ونقل المصطلحات والتعابير التي لا غنى عنه. ويقول: ( إن كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني يضبط لفظ اللغة مرة واحدة لجميع الناس. ويؤكد هذه الدعوة في كتابه ( الخط العربي نشأته ومشكلته ) فيقول: ( إن الحرف اللاتيني جميل متناسب الأشكال متباعدها مطوع تكثر فيه الحروف المصوتة المستقلة، وحرف شائع معروف في العالم وطباعته ميسورة ) [1].
وما أنيس فريحة إلا بوق من هذه الأبواق، ولكنا آثرنا التمثيل به لحماسه وشهرته. وأول داعٍ معاصر لمحاولة القضاء على الحرف العربي وإبداله باللاتيني هو القاضي الإنجليزي ( سلدن ولمور ) في كتابه لغة القاهرة الذي أصدره سنة 1901- 1902 م.
وقد تبعه على ذلك عدد من الكتاب مابين جاهل ومتجاهل، ولا نستطيع أن نصم كل من دعا إلى ذلك بسوء النية وخبث الطوية فقد عرف عن بعض من دعا إلى الكتابة باللاتينية حبَّ العربية والحرص عليه، لكن التيار جرفه، والموج شمله، وهو مخطىء ولاشك.
مناقشة هذه الحجج والدعاوى:
1- إن أخطر ما تحمله هذه الدعوة هو الحيلولة بين الأجيال القادمة وبين تراث هذه الأمة العريق، وأما إن أرادوا الاستفادة من التراث مع تغيير حروف العربية فلن يتمكنوا من ذلك إلا بأمرين، وكل منهما أصعب من الآخر:
أ- يلزم كل من يريد قراءة التراث أن يتعلم العربية التي قطع عنه، وعن رسمها وإن تعلمها بعض الناس فلا شك أن الجاهلين بها سيكونون أكثر. فهذا الأمر سيؤدي بلا شك إلى قطع الأجيال عن ماضيه، وهي جريمة لا تغتفر في قلب الأمة. فتصبح حال المسلمين كحال النصارى الذين يقرؤون كتبهم المقدسة باللاتينية أو الأروام الذين يقرؤون إنجيلهم باليونانية.
ب- وإن عدلنا عن ذلك إلى نقل الكتب التراثية إلى الكتابة الجديدة فإن هذا يتطلب جهدا لا يوفيه الكلام فضلا عن العمل والتنفذ، فنحن حتى الآن لم نستطع تحقيق جميع كتب التراث مع أنها مكتوبة بالعربية فكيف ننقلها إلى نمط جديد من الكتابة ؟ المستحيلات كما يقول أحد الشعراء ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي فلعل هذا الأمر يضم إليها ويوقع منها موقع الصدارة.
وليلحظ أن الأجيال التي ستتفرغ للنقل - إن تفرغت - لابد أن تكون ملمة بالطريقتين جميع.
2- وأما دعوى صعوبة الكتابة فهي قد أعطيت أكبر من حجمه، وصعوبة بعض قواعد الإملاء لا تعني صعوبة الكتابة والتخلي عنها إلى غيره، لقد نظروا إلى الكتابة بالعين العوراء، وسقطوا على داء وتناسوا الأدواء:
*** مثل الذباب يراعي موضع العلل
وإننا عندما نحاول أن نوصل للمتعلم اللغة دون أن يبذل جهداً في تعلمها فإننا بذلك نخالف ما يقوله علماء التربية، إذ لابد من بذل الجهد في التعلم وإن اختلف حجم هذا الجهد من زمن إلى آخر.
3- وأما تكاليف الطباعة، فلا أدري أهذا حرص على ثروة الأمة أو دعم للحجج ليكون لها تأثير عند ذوي الجاه والسلطان ؟ طباعة حروف العربية وحدها هو الأمر الذي لا تحتمله نفقة، ولا يقوم به مال! في الوقت الذي تهدر فيه ثروات الأمة ليس فيما لا يفيد بل فيما يعود عليها بالمضرة.
4- ثم ما هي تلك الكتابة التي يقترحون أن تنقل لها الكتابة العربية، وما هي خصائصها التي تفوقت بها على العربية ؟ إنها لا تملك من المميزات ما تملكه الكتابة العربية التي تفوق اللاتينية وتفوق كثيراً من الكتابات الأوربية أيضاً.