قال ابن تيمية رحمه الله:

وأبلغ من ذلك أن الله تعالى أخبر في كتابه أن الإسلام دين الأنبياء كنوح وإبراهيم ويعقوب وأتباعهم إلى الحواريين وهذا تحقيق لقوله تعالى { ومن يتبغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } و { إن الدين عند الله الإسلام } في كل زمان ومكان

قال تعالى عن نوح أول رسول بعثه الى الأرض: { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }

فهذا نوح الذي غرق أهل الأرض بدعوته وجعل جميع الآدميين من ذريته يذكر أنه أمر أن يكون من المسلمين

وأما الخليل فقال تعالى: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون }

فقد أخبر تعالى أنه أمر الخليل بالإسلام وأنه قال أسلمت لرب العالمين وأن إبراهيم وصى بنيه ويعقوب وصى بنيه أن لا يموتن إلا وهم مسلمون

وقال تعالى: { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين }

وقال تعالى عن يوسف الصديق بن يعقوب أنه قال: { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين }

وقد قال تعالى عن موسى: { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }

وقال عن السحرة الذين آمنوا بموسى: { قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين }

وقال تعالى: { وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين }

قال تعالى في قصة سليمان: { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } و { قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين { وقال تعالى: { وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين }

وقال تعالى عن بلقيس التي آمنت بسليمان: { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } وقال عن أنبياء بني إسرائيل: { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } وقال تعالى عن الحواريين: { وإذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } وقال تعالى: { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين }

فهؤلاء الأنبياء كلهم وأتباعهم كلهم يذكر الله تعالى أنهم كانوا مسلمين. وهذا مما يبين أن قوله تعالى { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } وقوله { إن الدين عند الله الإسلام } لا يختص بمن بعث إليه محمد بل هو حكم عام في الأولين والآخرين ولهذا قال تعالى: { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا }

وقال تعالى: { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }

من دقائق التفسير