حياك الله يا شيخ عبدالرحمن ، وأقول لا تقلق وإن لم يصح الحديث أو لم تكن هذه اللفظة محفوظة ، فإن دلالات نصوص الشريعة أوسع مما نعلم ولله الحمد ، فكما أن للآخر عليك حقا إلا أن الحديث فيه كذلك ((ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا)). واستثمر هذه المناسبة للحديث عن ما يسمى
بمواقع الإدراك الثلاثة وهي : الذات ، الآخر ، المراقب ، فبعض الناس يعيش في الموقع الإدراكي الأول (الذات)أكثر من الثاني والثالث ، فهذا ينتظر من الآخرين أن يقدروا احتياجاته وتلبيتها والسعي في خدمته ، وهو يعد نفسه في مركز الكون ويراها بؤرة اهتمام الجميع. أما موقع "الآخر" فهو ذاك الإنسان الذي تجرد عن ذاته وربما مقتها في سبيل خدمة الآخرين وتقديم حاجتهم على حاجته و طلبهم على مطالبه ، وهذا أخي عبدالرحمن هو موقعك الآن حسب ما شخصت و ضربت من الأوصاف والأمثلة في حياتك ، أما موقع المراقب فلا حاجة إلى الحديث عنه لعدم الحاجة. المطلوب أخي الحبيب أن تعطي ذاتك بعض الاهتمام وفي النصوص ما يفيد تقديم الذات في مواضع لما لذلك من الفائدة على النفس الإنسانية في خلق الاتزان ، مثل قوله
((ابدأ بنفسك فتصدق عليها , فإن فضل شيء فلأهلك , فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك)). إن إشباع حاجات الذات (مطالبك الشخصية في حياتك) ضروري للتمكن من إشباع حاجات الآخرين على أحسن وجه ، والدليل على ذلك أنك لما أنهكت الذات بتقديم حق غيرها عليها وصلت إلى مرحلة فرطت فيها احتياجات الاخرين ومن ثم الاعتذار والحرج وتارة قد توفي بحاجاتهم ولكن تشعر في داخلك بنوع من الهضم لحق نفسك وأهلك وأحبتك القريبين منك. والموغل في الموقع الإدراكي الثاني يصير في أحوال "كالمنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى". أقول إذاً
يجب على المجمتع عندنا أن يتقبل كلمة "
لا" ، لأن الأدب يقتضي ذلك والذوق الرفيع يستلزمه [1]،
والغضب و التذمر من كلمة "
لا"
عندنا أمر مؤسف مع أن الشارع الحكيم قد بين اهمية هذه القضية في نظائر متعددة منها قوله تعالى
يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً
فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
. وبعض الناس اليوم يأتي فيريد أن تأذن له بالقوة وكأن البيت بيته ويجد في نفسه لو لم تأذن له ، وهذا يدل على بعد الناس عن آداب القرآن وتقديمهم لعوائد المجتمع ولو كانت منافية لآداب النصوص، وهذا أمر مؤسف ، والحديث عن هذا الموضوع بالنسبة لي طويل و مهم ولكن اكتفي بما ذكرت ، والله يصلح حالي وحالك وحال المسلمين جميعا.