وصلتني دعوة من شيخنا أبي حاتم بن عاشور - عفا الله عنه، ونفعنا بعلومه وعلوم إخواننا في الدارين آمين - للمشاركة في هذا الموضوع المفيد، والذي أخذتْ فيه الأنفاس، وشمر كلُّ أخ فيه للوُصُول للحق والعلم والمناقشة، بالحبِّ والتعاون، فشكر الله لأخينا أبي حاتم.
أما مشاركتي في الموضوع، فلن أطيل النفس فيها؛ لأنني أقل من ذلك بكثير، بل أقتصر على أسطر معدودة، بل كلمات محدودة؛ لعل الله أن ينفع بها.
أقول: يجوز في "البتة" القطع والوصل، والثاني على القياس؛ لأنها همزة وصل، ومشتقة من البتِّ؛ أي: القطع.
قال سيدنا سيبويه - رحمه الله تعالى وعفا عنه وأقعده فسيح جناته -:
"قعد البتة، ولا يستعمل إلا معرفة بالألف واللام..."، وعلى هذا فهي وصل.
وقال ابن بري:
"ومَذْهبُ سيبويه وأصحابِه أن البتة لا يُستعملَ إلاَّ بالأَلِفِ واللاَّم - أي معرفة - لا غَيْر، وأجازَ الفَرَّاء الكُوفي وحدَه تنكيرَه، فأجَاز:لا أفْعَلُه بَتَّةً"، فحذف الألف واللام منها دليل على صلتها لا قطعها.
وفي تصريح الشيخ خالد الأزهري:
ألبَتَّة: بقطع الهمزة سماعًا، والقياس وصلها، وعنه نقل الخضري في حاشيته على ابن عقيل، والصبان في حاشيته على الأشموني.
وفي تاج العروس:
لا أَفْعَلُه ألْبَتَّةَ بقطع الهمزة كما في نسختنا، وضُبِط في الصِّحاح بوصلها.
ومن العجيب أن الفقهاء إذا ذكروا هذه الكلمة في كُتُبهم فإنهم يقولون: "ألبتة، بقطع الهمزة، على غير القياس".
ويمكن مراجعة الهمع 3 / 124، وحاشية الأمير على المغني 1 / 73.
وأقول: همزة القطع فيها سماعًا، والأصل الوصل.
ولي نظرة - ووالله لا أقصد بها التعدِّي على العلم، ولكنها خواطر، سامحني الله - وهي:
أنها بالقطع - والوصل أفضل - لأنَّ معناها دالٌّ على القطع، فنطقُها بالوصل فيه إشْعار باللين والضعف، وكأن الأمر فيه تساهُل، أمَّا القطع ففيه إشعار بالقُوة والرَّصانة والقطْع، وكأن لفْظَها طابَقَ معناها.
وعلى كل فالسير على الأصل أفضل، ما دام أنه لا يوجد دليل راسخ يخالف الأصل. والله أعلم