تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حـد الْجملـة والكلام ، وخلاف العلماء في ترادفهما من عدمه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,511

    افتراضي حـد الْجملـة والكلام ، وخلاف العلماء في ترادفهما من عدمه

    حـد الْجملـة والكلام ، وخلاف العلماء في ترادفهما من عدمه .

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده



    اعلم ـ أيها النجيب ـ أنّ العلماء قاطبة على أن الكلام في اصطلاح النحاة : هو القول الْـمفيد فائدة يِحسن السكـوت عليها ، وعباراتهم فـي حد ذلك متقاربة يفسر بعضها بعضاً، ولا يُعتد بمن خالف ذلك ؛ لأنه حَدَّه على مذهب اللغويين لا على مذهب النحاة ([1])، وأدلة إبطال ذلك مبثوثة في كتب الخلاف .

    أما حد الجملة فللعلماء فيه مذهبان:



    المذهب الأول : أن الجملة ما وُجِد فيه التركيب الإسنادي ([2]) أفاد أم لم يُفد ، وهو مذهب جماهير العلماء من المتقدمين والمتأخرين ([3])

    فمثال التركيب الإسنادي المفيد قوله à : {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ }([4]) ، وقوله : {ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِين }([5])، ومثال التركيب الإسنادي غير المفيد ([6]) جـملة : { إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ} الشرطية في قوله Œ :{يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ([7]) .



    المذهب الثاني :أن الجملة مرادفة للكلام ، وهو ظاهر مذهب عثمان ابْن جِنِّي([8]) في اللمع حيث قال : « وأما الجملة فهي كل كلام مفيد مستقل بنفسه ـ»([9])، ومثله مَحمود بن عمرالزَّمَخْشَر ِي([10]) فـي كتابه الْمفصل فإنه قال فيه :« والكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى وذاك لا يتأتى إلا في اسمين ، كقولك : زيد أخوك وبشر صاحبك ، أو في فعل واسم نحو قولك : ضرب زيد ، وانطلق بكر ، وتسمى الجملة ـ»([11]).
    وعلى ذلك عبدالله بن الحسين أبوالبقاء العكبري([12]) ـ أيضاً ـ فقد قال في كتابه اللباب في علل الإعراب والبناء : « والجملة هي الكلام الذي تحصل منه فائدة تامة ـ»([13]).

    الراجح ـ والله أعلم ـ مـن هذين الْمذهبين مذهب الْجمهـور لعدة أوجه :

    الوجـه الأول : أن مَـن تأمــل اشتقـاق الْـجملــة والكـلام بان لـه تغايرهـما فــي اللغة ؛ لأن اشتقـاق الْجـملـــة مِـن «مـن أجـْمـلت الشيء إذا جـمـعـته ـ » ([14]) ، والشيء الْمجـمـوع لا تُشترط فيه الإفادة والتأثير ، أما الكلام فهو مشتق من « الكَلْمِ ، وهو الجرح ، والجرح مؤثر في نفس الْمجروح فليزم أن يكون الكلام مؤثرا في نفس السامع .ـ»([15])، ولا يكون مؤثراً في نفس السامع إلا إذا كان مفيداً فائدة يحسن السكوت عليها .

    الوجـه الثاني : أن العلماء يسمون صلة الْموصول ، والشرط ، والْجواب جـملة في نحو قول الله تعالى :{تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ }([16]) ، وقوله : {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ، }([17]) مع إقرارهم بعدم إفادة كلٍ منهما معنىً يصح عليه السكوت ؛ لأن صلة الموصول معناها لا يتم إلا بموصولها ، والشرط لا معنى له إلا بجوابه .

    وقل نحو هذا في الجمل الواقعة خبراً ، وحالا ، وصفة ؛ لأنّه لا مشاحّة في أن النحاة يسمونها جملاً ؛ لوجود التركيب الإسنادي فيه ؛ لا لصحة استقلالها بالمعنى في سياقها ، هذا من وجهٍ .

    ومِن وجــهٍ آخــــر هي واقعة موقع الْمفرد ، كوقوع جـملة الحال ( يَبْكُونَ) موقع ( باكين ) في نحو قول الله تعالى : {وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ }([18]) ، ولا قائلَ بدلالة المفرد على معنىً يفيد فائدة الكلام في اصطلاح النحاة .

    الـوجه الثالث : قول الزمخشري في كتابه المفصل في حديثه عن الشرط : « إن ولو يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء كقولك : إن تضربني أضربك ، ولو جئتني لأكرمتك ـ»([19])، وقوله في حديثه عن أنواع الخبر : «والجملة على أربعة أضرب : فعلية واسمية وشرطية وظرفية ، وذلك نحو : زيد ذهب أخوه ، وعمرو أبوه منطلق ، وبكر إن تعطه يشكرك وخالد في الدار ـ»([20]) .
    لو تأملته جيداً لأينقتَ أنه لا يريد به حتما مرادفـة ( الجملة ) لـ( الكلام ) التي فُهِمت من قوله ـ الآنف الذكر ـ في مقدمة كتابه ؛ لأن جملة الشرط لا تدل على معنى تام إلا بجملة الجواب ، والخبر الواقع شرطاً في قوله : « وبكر إن تعطه يشكرك وخالد في الدار ـ»وإن سماه جملة شرطية إلا أنه لا معنى له إلا بالمبتدأ .

    ثم إنه مرة عبر عن الشرط وجوابه بـ( الجملتين ) في حديثه عن الشرط، ومرة عبر عنهما بـ( الجملة ) في حديثه عن أنواع الخبر.

    ففُهِم مِن ذلك أن الجملة لا تُرادِفُ الكلامَ عنده على ما تقتضيه إطلاقاته في كتابه ، وإن سماه جملة عند حده لـ( الكلام ) في أول كتابه .

    الوجـه الرابع : ما نُسِب إلى محمد بن يوسف ناظر الجيش([21]) من أنه قال في شرح التسهيل: « وأما إطلاق الجملة على ما ذكر من الواقعة شرطا أو جوابا أو صلة فإطلاق مجازي ؛ لأن كلا منها كان جملة قبل فأطلقت الجملة عليه باعتبار ما كان كإطلاق اليتامى على البالغين نظرا إلى أنهم كانوا كذلك ـ»([22])، يرِدُ عليه أنّ إطلاق الجملة على الشرط ، وجوابه ، والصلة ما زال إطلاقاً حقيقياً ؛ لأن التركيب الإسنادي المشروط في تسمية الْمركب جـملةً لا يزول عن الْجملة أينما وقعت ، سواءً كان لَها معنى يَحسن السكوت عليه فتسمى كلاماً ، وجـملة ؛ لوجود التركيب الإسنادي ، أم لا فتسمى جـملة فقط ؛ لأن الإسناد ملازم لها.

    الوجـه الخامس : قول الزمـخشري فـي كتابه الْمفصل :« والكلام هو الْمركب من كلمتين أسندت إحداهـما إلى الأخرى ، وذاك لا يتأتى إلا فـي اسْمين ، كقولك : زيد أخوك ، وبشر صاحبك ، أو في فعـل واسم نحو قـولك : ضرب زيد ، وانطلق بكر ، وتسمى الجملة ـ»([23])، فهمت منه أمــــراً غير الْـمشهــور عنه ـ والله à أعلــــم ـ ، وهـو أنه يريد أن يُخبِرَ أن الـكـلام لا يكون إلا بإسناد كلمـة إلـى أخـرى ، وهو الْمُسَمَّى بـ( الْجُملــة ) ، أي الإسناد ، لا أنه يُرادِف بين ( الْجملة ) و( الكلام ) ، وصنيعه فـي كتابه يدل على ذلك ـ والله أعلـم ـ إذ كيف يقول الزمَخشري : « إن ولو يدخـلان عـلى جــملتين فيجعــلان الأولى شرطاً ، والثانية جــــــزاء كقــــولك : إن تضربني أضربك ، ولو جئتني لأكرمتك ـ» ([24]) مع أنه فُهـم من كلامه ِمـرادفة ( الْجملة ) لـ( الكلام ) ، وهو ـ هنا ـ صـرح بأنَّ الشرطَ جـمــــلتان : ( الأولى تسمى شرطــاً ، والثانية تسمى جـــــــزاءً ) ، ولا مــعنى لإطــــلاق مُسَمّى ( الكلام ) على أحد الجملتين دون الأخرى في اصطلاح النحاة .

    ومحصل الأمر أن ( الجملة ) و( الكلام ) يشتركان في اشتراط التركيب الإسنادي في كل منهما ، ويفترقان في اشترط الإفادة في ( الكلام ) دون ( الجملة ) ، وهذا معنى قول ابن هشام الأنصاري في المغني : « وبهذا يظهر لك أنهما ليسا مترادفين كما يتوهمه كثير من الناس … والصواب أنها أعم منه إذ شرطه الإفادة بخلافها ـ» ([25]) أي ليسا مترادفين فـي اشتراط الإفـادة ؛ لأن جـمهور النحاة اشترطـوا الإفـادة فـي ( الكلام ) دون ( الجملة ) .


    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    حرره طالب علم

    ([1]) ـ ينظر : مسائل خلافية في النحو:35 .

    ([2]) ـ وهو لا يتأتى إلا في اسم وخبر ، أو فعل وفاعل .

    ([3]) ـ ينظر : همع الهوامع:1/55 .

    ([4]) ـ سورة المسد :1/1.

    ([5]) ـ سورة الفاتحة :1/2.

    ([6]) ـ الإفادة ـ هنا ـ مقيدة بما يحسن السكوت عليه ، ودليل هذا قول خالد بن عبدالله الأزهري في موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب :31 :« ونعني ـ معشر النحاة ـ بالمفيد حيث أطلقناه في بحث الكلام ما يحسن من المتكلم السكوت عليه بحيث لا يصير السامع منتظرا لشيء آخر ـ » ، والمتأمل لجملة : { إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ} الشرطية يجد أنه لا يُحسن السكوت عليها لتوقف معناها على جواب الشرط { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} .

    ([7]) ـ سورة الأنفال :8/29.

    ([8]) ـ هو أبوالفتح عثمان بن جني الموصلي ( 327 هـ ـ 392 هـ ) ، تتلمذ على أبي علي الفارسي وغيره ، من تصانيفه : اللمع ، وسر صناعة الإعـراب . يُنظر : الفهرست :128، وتاريخ بغـداد:11/311.

    ([9]) ـ اللمع :26 .

    ([10]) ـ هو جارالله أبوالقاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي المعتزلي الحنفي ( 467 هـ ـ 538 هـ) ، من تصانيفه : الكشاف ، وأساس البلاغة . يُنظر : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :10/112، ومعجم الأدباء :5/489 .

    ([11]) ـ المفصل :23 .

    ([12]) ـ هو أبوالبقاء عبدالله بن الحسين العُكْبَرِيُّ البَغْدادِيُّ الضَّريرُ النَّحويُّ الحَنبليُّ ( 538 هـ ـ 616 هـ ) ، من شيوخه : ابن الخشاب ، من كتبه : التبيان في إعراب القرآن ، والْمُتَّبَع في شرح اللمع . ينظر : وفيات الأعيان :3/100، وسير أعلام النبلاء:22/92.

    ([13]) ـ اللباب :138.

    ([14]) ـ ينظر : لسان العرب مادة ( جمل ) :11/ 128 .

    ([15]) ـ اللباب :1/41.

    ([16]) ـ سورة التحريم :66/67 .

    ([17]) ـ سورة البقرة :2/197.

    ([18]) سورة يوسف :12/16 .

    ([19]) ـ المفصل :439.

    ([20]) ـ المفصل :44.

    ([21]) ـ هو محب الدين محمد بن يوسف التيمي الحلبي الأصل المصري الشافعي (697 ـ 779 هـ ) ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية ، من شيوخه : أبي حيان ، وتقي الدين السبكي ، من تصانيفه : شرح التسهيل ، وشرح التلخيص . ينظر : الدرر الكامنة :6/45، وبغية الوعاة :1/275 .

    ([22]) ـ همع الهوامع :1/56.

    ([23]) ـ المفصل :23.

    ([24]) ـ المفصل :439.

    ([25]) ـ مغني اللبيب :490.

  2. #2

    افتراضي رد: حـد الْجملـة والكلام ، وخلاف العلماء في ترادفهما من عدمه

    شكرا للأخ الفاضل على هذا الشرح الدقيق والواضح، وأعتقد أن كلامه صحيح من الناحية المنطقية، إذ إن المصطلحات التي نعرفها الآن في اللغة العربية هي من وضع النحاة وليس اللغويين؛ أعني مصطلحات النحو التي تبعهم غيرهم في استخدامها فعمموها في بعض الأحيان. ولذلك فإن مصطلح " الكلام " ليس هو نفسه مصطلح " الجملة "، ولا هو نفسه مصطلح " الكلم " وإن تقاربت الدلالة وتشابهت المعاني، وإلا فلمذا ينوعون من المصطلحات ويدققون فيها إن كانت تحمل نفس القصد. ولإني أرى في الفرق بين الكلام والجملة مثلما رأى الأخ حامد تماما. والله أعلم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    81

    افتراضي

    أين الموضوع؟ لماذا لا أراه؟

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •