إذا كان من سيما علماء الحديث اليقين والطمأنينة والرضا فإن من سيما كثير من علماء الكلام الشك والحيرة في المطالب الإلهية . وقد عبروا عما يعتلج في أنفسهم من ريب وحيرة في أبيات شعرية كثيرة منها قول أحدهم :-
طلبتك جاهدا خمسين عاما فلم أعثر على بــــــــرد اليقين
فهل بعد الممات بك اتصال فأعرف غامض السرالمصون
وقال آخر :-
نهاية إقدام العقــــــــول عقــــال وأكثر سعي العالمين ضـــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيـــــــانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنـا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالـوا
وقال ثالث :-
لعمري لقد طفت المعاهد كلهــــا وقلبت طرفي بين تلك المعالــم
فلم أر إلا واضــــــــعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نــــادم
وقد يصاحبهم الشك حتى في أحرج لحظة في العمر ؛ وهي لحظة الاحتضار والاقبال على الجبار ، يقول أحدهم :-
لعمرك ماأدري وقد أذن البــلى بعاجل ترحالي إلى أين ترحــالي
وأين محل الروح عند خروجه من الهيكل المنحل والجسد البالي
وماذكرته غيض من فيض من أراد المزيد منه وجده في مظانه ! ولكن الأهم اعتبار أولئك المعجبين أو الداعين للمناهج الكلامية والطرق الفلسفية ؛ فإن السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ به الناس .