بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
« تعليق شيخِنا عبدِ الرَّحمنِ البَرَّاك ـ سلَّمهُ اللَّـهُ ـ
على كلام إبراهيم الحربي حول مسجد البيعة.»النص:
قال إبراهيم الحربي رحمه الله: " الطريق إلى منى...، وقبل أن تصعد إلى منى عن يسار الطريق بأصل الجبل المسجدُ الذي بايع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة"([1]).
التعليق:
الحمد لله؛ قول إبراهيم الحربي رحمه الله: "المسجد الذي بايع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم" يوهم أن المسجد كان موجودا في وقت البيعة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بايعهم في ذلك المسجد، والصواب أنه لم يكن وقت البيعة هناك مسجد، وإنما المسجد بني على المكان الذي وقعت فيه البيعة على المشهور، والمسجد لم يبن إلا بعد البيعة بأكثر من مئة وأربعين سنة، لأن المشهور أن الذي بناه أو بني في عهده الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور، والذي عليه جمهور الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يجوز تحري الصلاة في المواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم اتفاقا، فضلا عن بناء المساجد عليها، وهكذا المواضع التي كان فيها حدث من أحداث السيرة كبيعة الرضوان تحت الشجرة، وبيعته صلى الله عليه وسلم للأنصار عند العقبة، لأن ذلك يتضمن تفضيل هذه المواضع واستحباب الصلاة فيها وارتيادها لذلك، وقد أمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أناسا يذهبون ليصلوا عندها، وقد روى عبد الرزاق وغيره عن عمر أنه رأى في بعض أسفاره بين مكة والمدينة قوما ينزلون فيصلون في مسجد، فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعا، مَن مرَّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليصل، وإلا فليمض"([2]).
وعلى هذا فتحري الصلاة في هذه المواضع بدعة في الدين، وبناء المساجد عليها من أعظم الدواعي لتحري الصلاة وغيرها من العبادات فيها لاعتقاد فضيلة هذه المساجد، وأن العبادة فيها أفضل من غيرها، ومعلوم أنها لا تثبت فضيلة زمان ولا مكان إلا بدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم([3]).
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] ) المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة (ص 503) لإبراهيم الحربي، تحقيق حمد الجاسر، نشر دار اليمامة، الرياض، الطبعة الثانية، 1401هـ.
[2]) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/118) (2734) وابن أبي شيبة في المصنف (2/376) والطحاوي في مشكل الآثار (14/397) وإسناده صحيح، وصحح الخبر ابن حجر في فتح الباري (1/678) وعزاه ابن كثير في مسند الفاروق (1/142) لإسماعيل بن محمد الصفار في مسنده وقال: "هذا إسناد صحيح".
[3] ) من كتاب المنتخب من تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك (1/153).