ما رأي الإخوة في هذا المقال , أترك الإخوة يجيبون عن خلط الكاتب و تلبيسه :
قال الكاتب :
الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله، أمّا بعد:
من الأسئلة التي يُثيرها بعض من طلاّب العلم الشرعيّ في زماننا ينتقدون بها منهج السادة العلماء من أهل السنّة سؤال حول ضابط التفريق بين إثبات بعض الصفات على حقائقها، وعدم قبول إثبات (ألفاظ) أخرى على حقائقها.
فيقولون: إنّ أهل السنّة (الأشاعرة والماتريديّة) يُثبتون لله تعالى صفة الحياة والقدرة والعلم مثلاً، ويقولون: إنّ هذه الصفات مثبتة على حقائقها، فإذا ما وردت إضافة في القرءان الكريم إلى الله سبحانه وتعالى ممّا لا يُثبته هؤلاء العلماء كاليد والوجه، قالوا: إنّه لا يُراد بها حقائقها، وإنّما المراد منها معاني أخرى سوى المعاني المتبادرة.. فما هو الضابط لتفريق علماء أهل السنّة بين ما يرد مضافًا إلى الله تعالى من ألفاظ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ الحديث في صفات الله تبارك وتعالى ممّا تكثر فيه المزالق، وتضلّ الأهواء، ولا ينبغي لمن لم يُدرك التفريق بين الألفاظ ومراميها أن يتقوّل على الله تعالى، وأن يجتهد رأيه فيما يُسأل عنه، بل ينبغي أن يكون الإنسان حريصًا على ألاّ يُجيب إلاّ إن علم وتيقّن من نفسه القدرة على الإجابة.
ومن الأسئلة التي يُثيرها بعض من طلاّب العلم الشرعيّ في زماننا ينتقدون بها منهج السادة العلماء من أهل السنّة سؤال حول ضابط التفريق بين إثبات بعض الصفات على حقائقها، وعدم قبول إثبات (ألفاظ) أخرى على حقائقها.
فيقولون: إنّ أهل السنّة (الأشاعرة والماتريديّة) يُثبتون لله تعالى صفة الحياة والقدرة والعلم مثلاً، ويقولون: إنّ هذه الصفات مثبتة على حقائقها، فإذا ما وردت إضافة في القرءان الكريم إلى الله سبحانه وتعالى ممّا لا يُثبته هؤلاء العلماء كاليد والوجه، قالوا: إنّه لا يُراد بها حقائقها، وإنّما المراد منها معاني أخرى سوى المعاني المتبادرة.. فما هو الضابط لتفريق علماء أهل السنّة بين ما يرد مضافًا إلى الله تعالى من ألفاظ؟؟
الجواب في نقاط، نُجملها هنا، وبالله التوفيق:
أولاً:
إنّ الألفاظ التي تُثبت حقائقها لله تعالى (كالقدرة والعلم والحياة) لا نعلم نحن حقيقة حقائقها، فمن يُدرك حقيقة صفة (علم نفسه) أو حقيقة (حياة نفسه /روحه) أو حقيقة (قدرة نفسه) فكثيرٌ منّا يُقدّر أنّه قادرٌ على فعل أمر ما ثمّ نجد أنّه لم يقدر عليه، أو يقول في أمرٍ ما إنّه لا يقدر عليه، ثمّ نجده قد فعله، فالإنسان لا يُدرك حقيقة قدرته ولا حقيقة حياته ولا حقيقة علمه، ونحن نرى أنّ الله سبحانه يُعلّم الإنسان في كلّ عصر ما لم يعلمه غيره، ونجد من آثار فتح الله سبحانه على كثير من الناس ما تنبهر له عقولنا... فلا ندرك حقيقة صفة العلم فينا...
فإذا لم نستطع إدراك حقيقة صفاتنا فأنّى لنا أن نُدرك حقيقة صفات خالقنا؟؟؟
وإذا كنّا لا نستطيع إدراك حقيقة الصفة جاز إثبات الحقيقة (غير المدركة من قبلنا) لله تعالى ... ولو أردنا أن نثبت حقيقة صفة نُدركها لكان معنى إدراكنا لها تصوّرها، وصفات الله تعالى لا يُمكن تصوّرها، ولا تخيّلها، فكلّ ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك.
إذن الحقيقة التي نُثبتها هنا .. حقيقةٌ لا نحيط بها علمًا....
ثانيًا:
إنّ الألفاظ التي نُثبت حقائقها تتباين حقائقُها تباينًا شاسعًا مخرجًا لها عن المماثلة أو المشابهة مع صفات البشر، فمثلاً الحياة التي نعرفها تتنوّع تنوّعًا كبيرًا من أشكال الذرّة والنواة والإلكترونات والبروتونات، إلى الخليّة الواحدة التي تنشطر بسبب حياتها، وتتكاثر لتكوّن جنينًا كاملاً... إلى الكائن الحيّ الناطق ذي المشاعر الذي يُسمّى إنسانًا، ومن هنا فإنّ أشكال الحياة تتنوّع تنوّعًا يسمح لك بأن تتصوّر أن ثمّة حياةً لا تعرفها، هي التي يتّصف بها الله سبحانه..
ولعلّ من أوضح الأمثلة على ذلك صفة الكلام التي يُثبتها أهل السنّة على حقيقتها، إلاّ أنّهم يضيفون إليها لفظًا ليُخرجها عن نطاق التصوّر، فيقولون عن كلام الباري سبحانه: (إنّه كلامٌ نفسيٌّ)، والكلام يتنوّع تنوّعًا كبيرًا، من الكلام الذي نعرفه إلى كلام الحيوانات إلى كلام النائم إلى الكلام الموجود في الأشرطة الممغنطة (المضغوطة) وأجهزة الحاسب الآليّ، إلى غير ذلك من أنواع الكلام... ومن هنا يُمكننا أن نقول إنّ ثمّةَ كلامًا لا نعرفه حقيقته صفة للمولى تبارك وتعالى، ولا يستنكر ذلك أحدٌ...
أمّا الأوصاف التي يلجأ أهل السنّة إلى تأويلها وصرفها عن حقيقتها فذلك لأنّ حقائقها التي نعرفها لا تباين كبيرًا بينها، وبالتالي لا يُمكن صرف الخاطر عن تشبيه الله تعالى بالمخلوق عند إثباتها على حقيقتها، وتُدرك حقائقها، ويُمكن تصوّرها مباشرة عند التلفّظ بها، ولذلك فإنّ إثباتها على حقيقتها مفضٍ إلى تشبيه الله تعالى، فكان لا بدّ من تأويلها.
ثالثًا:
إنّ الألفاظ التي يُثبت أهل السنّة بها صفات لله تعالى تحتمل حقائقُها -في وجه من وجوه اللغة المتبادرة- معنىً يليق بالله تعالى، وأمّا الألفاظ التي تؤوّل فجميع حقائقها -المتبادرة- لا تليق بالله تبارك وتعالى، ولكن من حقائق بعضها غير المتبادرة ما يليق بالله تعالى، فكان تأويل أهل السنّة لهذه الألفاظ أنّهم صرفوها عن معناها المتبادر إلى معنى آخر تقبله اللغة ويحتمله السياق، ولا يمنع منه العقل ولا الشرع.. فأيّ مُشكلة في ذلك؟؟ ليس الموضوع تعطيلاً كما يُصوّر، بل هو صرف للفظ عن معناه الظاهر المتبادر لكونه لا يليق بالله سبحانه إلى معنى آخر مقبول عقلاً وشرعًا، وتحتمله اللغة العربيّة، إلاّ أنّه لا يُسمّى حقيقة في اللفظ، لكونه غير موضوع له، وإن استعمل فيه استعمالاً كثيرًا أو غالبًا فيكون صريحًا فيه إلاّ أنّه من قبيل المجاز... فيسمّى الذهاب إليه واختياره تأويلاً.
رابعًا:
إنّ الأصل في صفات الله تعالى إمرارها كما جاءت، وإثباتها دون تأويل، ولكن هل كلّ ما أضيف إلى الله تعالى يُعدّ صفة له، إنّ الناظر في الإضافات يرى أنّ الألفاظ التي يُثبتها أهل السنّة على حقيقتها ثبت كونها صفات لغةً، أي: يوصف بها في أصل اللغة، بخلاف الألفاظ التي تُصرف عن ظاهرها، فإنّها في أصل اللغة لم تستعمل للوصف، كاليد، فيمكن أن يُقال: (فلانٌ عظيم) أو: (فلانٌ عليم)، أو: (فلانٌ قديرٌ) ولا يُقال: (فلانٌ يدٌ)، ولا يُقال أيضًا: (فلانٌ وجهٌ) وبالتالي: هذه الألفاظ ليست صفات في أصل اللغة، ولهذا جاز صرفها عن ظاهرها.
هذه أربعة أسباب اقتضت أن تؤوّل بعض الإضافات (التي سمّاها البعض صفات وما هي بصفات) وتُثبت صفات أخرى على حقائقها...
نسأل الله أن يُعرّفنا به، بأن نُدرك عجزنا عن إدراك كنه ذاته أو صفاته... فإنّ العجز عن الإدراك إدراك...
والله تعالى أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم