تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

  1. #1

    افتراضي اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    ما رأيكم بهذا المقال !!!!! سأنتظر أقوال الإخوة قبل التعليق عليه :

    قال الكاتب :

    أولاً لا بدّ أن نتذكّر معًا أنّ الأئمّة رحمهم الله تعالى ما كانوا يقولون آراءهم الفقهيّة بناءً على قوّة الدليل وضعفه (فقط)، بل كانت هناك قواعد أصوليّة.

    بمعنى :


    أولاً لا بدّ أن نتذكّر معًا أنّ الأئمّة رحمهم الله تعالى ما كانوا يقولون آراءهم الفقهيّة بناءً على قوّة الدليل وضعفه (فقط)، بل كانت هناك قواعد أصوليّة.

    بمعنى :

    أنّ الدليل يحتاج إلى قاعدة ومجتهدٍ حتّى يُبنى عليه الحكم... ولا يصحّ استنباط الحكم من الدليل من أيّ شخصٍ كان، كما لا يحقّ للمجتهد أن يبني حكمًا على دليل وصل إليه دون أن تكون عنده قواعد في التعامل مع الأدلّة.

    ثانيًا: لنتذكّر أيضًا أنّ الأئمّة رضي الله عنهم ورحمهم الله تعالى ليس من المتوقّع أن يفوتهم دليل نصّيّ، وذلك لأنّهم كانوا في عصر اشتهار الرواية وانتشارها، كما أنّهم كانوا محدّثين، كما وجد بين طلاّبهم محدّثون كبار، وهذا يجعل احتمال كون أحاديث فاتتهم احتمال بعيد، أو لنقل إنّه احتمال نادر (والنادر لا حكم له).

    ثالثًا: لنتذكّر أنّ مخالفة هؤلاء الأئمّة لما وصلوا إليه من أحكام لبعض النصوص لم تكن لاتّباع الهوى... فهذا نبرّئ منه عامّة المسلمين، (حسنًا منّا للظنّ بهم) فكيف بأولئك العلماء الكبار؟؟

    يُمكن أن نبني على ما سبق أمرًا في غايو الأهميّة، وهو لبّ الموضوع هنا:

    ألا وهو:

    إذا كان المجتهدون الأوّلون قد وصلهم الدليل (الذي تقول اليوم إنّه راجح) وعلموا به، ومع هذا لم يعملوا بما ورد فيه...

    فهل أنت أقدر على فهم الدليل واستنباط الحكم منهم؟؟؟ إن كان كذلك فلا بأس.... بشرط في غاية الأهميّة، وهو:

    أن تكون لديك قواعدك في التعامل مع المتعارضات، بمعنى: أن تكون عندك أصول ثابتة تستخدمها مع النصوص، فقد قدّمنا أنّ المجتهد لا يُمكنه أن يتوصّل إلى الحكم إلاّ من خلال النصّ والقاعدة، فإذا فُقدت القاعدة دلّ هذا على أنّ استنباطك من النصّ محفوف بشبهة الهوى والعياذ بالله تعالى.

    مثال هذا أن يُقال:

    إنّ الحنفيّة مثلاً أوجبوا إعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة الكاملة قهقهة...

    بينما لم يقل الجمهور بوجوب إعادة الوضوء على من ضحك في الصلاة قهقهة إلاّ أنّهم أوجبوا عليه إعادة الصلاة...

    مع أنّ كلاً منهما قد وصله قول النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: (من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعًا)...

    فما هو الأصل الذي بنى الحنفيّة عليه حكمهم؟

    وما هو الأصل الذي بنى عليه الجمهور حكمهم؟


    هل هو النصّ فقط... إنّ هذا لجدّ بعيد ولو كان الأمر كذلك لما اختلفوا ....


    أهو تقديم خبر الواحد على القياس؟؟ أم العكس؟

    أم هو تقديم ظاهر النصّ على القياس؟ أم العكس؟

    أم هو إعمال العامّ في جميع ما يستغرقه من أفراد، وعدّه قطعيًّا فيما يشمله؟ أم العكس؟

    أم هو إنكار صحّة الحديث وحسنه وضعفه، ممّا جعله ليس محلاً للاحتجاج؟؟

    أم هو تفسير الحديث، وتأويله بما يُخالف ظاهره؟؟

    أم غير ذلك من القواعد التي تحكم عمليّة الاجتهاد في الوصول إلى الحكم من خلال هذا النصّ؟

    سنرى أنّ الحنفيّة أعملوا ظاهر النصّ وقدّموه على القياس، وهذا مقرّر في أصولهم، ولكنّ النصّ إذا خالف القياس عندهم قُدّم فيما خالف فيه فحسب، ولذا فقد قصروا نقض الوضوء على الصلاة الكاملة، أمّا الصلاة غير الكاملة فلا ينتقض الوضوء بالضحك فيها قهقهة ، وذلك كصلاة الجنازة (إذ لا ركوع ولا سجود فيها) وكسجدة التلاوة (إذ لا قيام ولا ركوع فيها) ولذا فقد بنى الحنفيّة هذا الحكم على ذلك الأصل.

    أمّا الجمهور فقد نظروا إلى مخالفة هذا النصّ للقياس على القرءان الكريم، وقالوا إنّ مخالفة هذا النصّ للقياس على ظاهر القرءان تجعل القرءان مقدّمًا عليه بناء على الأصل عندهم في تقديم القياس على النصّ، والقياس أنّا لا نجد شيئًا من نواقض الصلاة (غير نواقض الوضوء التي تنقضه في الصلاة وخارجها) ينقض الوضوء، فمثلاً الأكل ناقض للصلاة، وكذا الشرب والكلام، وهي نواقض للصلاة لا تؤثّر في صحّة الوضوء.. والقياس أنّ ما لا يُبطل الوضوء خارج الصلاة لا يُبطل إلاّ الصلاة إن كان من مبطلاتها، فقُدّم القياس على ظاهر النصّ..

    إذًا: هناك قواعد تحكم عمليّة الاستنباط، والخروج على المذهب لنصّ عرض لطالب العلم يجعله يُخالف تلك القواعد في الاستنباط، فيكون فعله غير صحيح على أيّ قولٍ من الأقوال.... خاصّة عند الترابط في الأصل ووجود الجامع المشترك الأعلى في المسائل...

    فمثلاً: إذا خرج منك دم فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الجمهور (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك) ....... ثمّ لمست امرأة بشهوة، فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الحنفيّة (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك)... ثمّ صليّت ... كانت صلاتك باطلة على قول جميع العلماء... وكنت في هذا الفعل مخالفًا في الأصول، فمن قدّم القياس على خبر الواحد أخذت بقوله تارةً... وتارةً أخرى في مسألة أخرى أخذت بقول من قدّم خبر الواحد على القياس... فصرت في صلاتك مرّة مقدّمًا لهذا ومرّة مقدّمًا لهذا....

    وهذا يجعل المسألة من باب التلفيق.... وإن ظهر لك دليل أقوى..... ما لم يكن الأمر مع القواعد التي تحكم الاجتهاد.. أمّا إذا اقترن النصّ (الدليل) بالقاعدة وكنت مجتهدًا ... فلا مشاحّة حينئذٍ في انتقاء ما شئت من الأدلّة وأخذ ما شئت من الأقوال....

    والله تعالى أعلم

    وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم... اهــ
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    90

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    يبدو أنه هناك هجمة حنفية مالكية على المنتدى لترويج قواعدهم !

  3. #3

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى المصرى مشاهدة المشاركة
    يبدو أنه هناك هجمة حنفية مالكية على المنتدى لترويج قواعدهم !

    وضعت الموضوع للنقاش الجدّي يا أخي الكريم
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم بن عبد الرحمن مشاهدة المشاركة

    فمثلاً: إذا خرج منك دم فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الجمهور (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك) ....... ثمّ لمست امرأة بشهوة، فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الحنفيّة (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك)... ثمّ صليّت ... كانت صلاتك باطلة على قول جميع العلماء... وكنت في هذا الفعل مخالفًا في الأصول، فمن قدّم القياس على خبر الواحد أخذت بقوله تارةً... وتارةً أخرى في مسألة أخرى أخذت بقول من قدّم خبر الواحد على القياس... فصرت في صلاتك مرّة مقدّمًا لهذا ومرّة مقدّمًا لهذا....
    كثير مما قاله صاحب المقال صحيح، ولكن هذا الكلام غير صحيح، بل صلاتك صحيحة عند جميع العلماء؛ لأن الشافعي لا يبطل صلاة الحنفي والحنفي لا يبطل صلاة الشافعي [إلا عند من شذ من جهلة المتأخرين]، ولو أن العامي سأل عالما عن مسألة فأفتاه، ثم سأل عالما آخر عن مسألة أخرى فأفتاه فعمل بالمسألتين من غير هوى فعمله صحيح باتفاق السلف وأكثر الخلف.
    وأما أن عمله هذا مخالف للأصول فكلام غريب جدا؛ لأن العامي أصلا غير مطالب بالنظر في الأصول وغير مطالب بأن يسير على أصل واحد، يعني مثلا لو فرضنا أن العامي أخذ بقول الشافعي في مسألتين وكان الشافعي مخالفا لأصله في إحدى المسألتين فهل يقول أحد إن هذا العامي مخطئ؟ لم يقل بهذا أحد ولا سيما ممن يوجبون التقليد.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم بن عبد الرحمن مشاهدة المشاركة

    وهذا يجعل المسألة من باب التلفيق.... وإن ظهر لك دليل أقوى..... ما لم يكن الأمر مع القواعد التي تحكم الاجتهاد.. أمّا إذا اقترن النصّ (الدليل) بالقاعدة وكنت مجتهدًا ... فلا مشاحّة حينئذٍ في انتقاء ما شئت من الأدلّة وأخذ ما شئت من الأقوال....
    فرضنا أن المسألة من باب التلفيق، فكان ماذا؟ هل أجمع العلماء على منع التلفيق؟
    العلماء الذين منعوا التلفيق منعوه احتياطا من باب تعلق المسائل بعضها ببعض؛ لأن بعض الناس قد يلفق اتباعا للهوى وأخذا بالأيسر من كل مذهب، أو أخذا برخص المذاهب، فهذا هو الممنوع، أما استفتاء عالم أو أكثر والعمل بأقوالهم فلا إشكال فيه.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    13

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    نعم
    يبين لك أخي أن الأمر ليس سبهللاً ولم يترك هملاً

    فاختيار الراجح ليس كما يظنه البعض من السهولة ! بل على أدلة مدعومة بأصول مانعة من الهوى والتشهي

    بارك الله فيك أخي عبدالرحمن نعم المقالة

  6. #6

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المقر بذنبه مشاهدة المشاركة
    نعم
    يبين لك أخي أن الأمر ليس سبهللاً ولم يترك هملاً
    فاختيار الراجح ليس كما يظنه البعض من السهولة ! بل على أدلة مدعومة بأصول مانعة من الهوى والتشهي
    بارك الله فيك أخي عبدالرحمن نعم المقالة
    أخي المقرّ بذنبه غفر الله لك
    أجدتَ فيما قلتَ
    ورحم الله القائل:
    كلما زاد علم المرء قل إنكاره، وكلما قل علمه زاد إنكاره
    وبارك الله بالأخ ابن عبد الرحمن لأجل مقالاته التي يطرحها؛ مما يُري بعضاً ما لم يعتادوا أن يرَوه
    وبارك الله بالأخ المشرف أبي مالك لأجل تعقيبه النافع؛ إلا أنني أختلف معه ـ من بعذ إذنه ـ في حكمه على من وصفهم
    بمن شذّ من جهلة المتأخرين.
    فإن كلامه يُوهمُ المستعجلين أنه أرادَ التعميمَ في المتأخرين بوصفهم بـ "من شذّ"؛ وهذا رأيُ من جار وحاف، وحاشاه
    وإنه أحسبه أراد قوماً بأعيانهم؛ فحبذا لو زايل بينهم وبين غير الجهلة من الأعلام في قرونهم كيلا يظنّ القُصَّـرُ أنه يُعـرِّضُ بأمثال ابن عابدين من الحنفية، أو الدسوقي من المالكية، أو الرملي والشربيني والهيتمي من الشافعية، أو البهوتي وابن بلبان من الحنابلة... وكثيرين سواهم!
    والظنُّ فيه أنه لا يريدُ ذلك؛ وحسن الظن به وبسائر المسلمين واجبٌ لدينا
    والتمييز بين اتباع الدليل وبين التلفيق يسير!
    إذ إن الأول اجتهادٌ من أهلِه، والثاني فعلُ جاهلٍ أو شبهِه؛ سواءٌ أكان لا يفهم في الأدلة مطلقاً، أو كان لا يزال يحبو في طريق العلم؛ حصّل منه بعض تعريفاتٍ، وحفظَ شيئاً من نصوص، وصلى الله وبارك.
    وقد يتوهم البعضُ أنّ السبيلَ سبيل إغلاق باب الاجتهاد؛ لا والله!
    ولكنه إغلاقه في وجه من ليسوا له بأهل؛ الذين ليست لديهم ملكةٌ قويةٌ في العلوم الشرعية (تفسير، فقه، أصول، حديث رواية ودراية ومصطلح.....)، ولا ملكةٌ قويةٌ في علوم الآلة، وعلى رأسها علوم العربية.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الرحمن من دمشق مشاهدة المشاركة
    وبارك الله بالأخ المشرف أبي مالك لأجل تعقيبه النافع؛ إلا أنني أختلف معه ـ من بعذ إذنه ـ في حكمه على من وصفهم
    بمن شذّ من جهلة المتأخرين.
    فإن كلامه يُوهمُ المستعجلين أنه أرادَ التعميمَ في المتأخرين بوصفهم بـ "من شذّ"؛ وهذا رأيُ من جار وحاف، وحاشاه
    وإنه أحسبه أراد قوماً بأعيانهم؛ فحبذا لو زايل بينهم وبين غير الجهلة من الأعلام في قرونهم كيلا يظنّ القُصَّـرُ أنه يُعـرِّضُ بأمثال ابن عابدين من الحنفية، أو الدسوقي من المالكية، أو الرملي والشربيني والهيتمي من الشافعية، أو البهوتي وابن بلبان من الحنابلة... وكثيرين سواهم!
    بارك الله فيك
    هل ذكر أحد من هؤلاء الأعلام أن صلاة المخالف في المذهب باطلة؟
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  8. #8

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    هل ذكر أحد من هؤلاء الأعلام أن صلاة المخالف في المذهب باطلة؟
    وفيكم بارك الله أيها الفاضل
    أخوك يكتب نائياً عن مكتبته
    فإن أمهلته يوماً أو يومين أجابك؛ مع أنها ليست ـ على الأقل الآن ـ دعوى مني.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    خذ ما تشاء من وقت يا أخي الفاضل، فالموضوع ليس مناظرة، وإنما المراد الفائدة، وأسأل الله أن ينفع بك.

    ولكني أقول : لا أظن أحدا من هؤلاء قال ببطلان صلاة المخالف في المذهب، ولكن لو فرض أن أحدا قاله فهو مخطئ جزما.

    وأرجو أن لا تُدخِل هنا مسألة الصلاة خلف المخالف في المذهب، فهي مسألة أخرى، مع أن الصواب فيها أيضا صحة الصلاة، إلا أنها غير ما أتكلم عنه.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  10. #10

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    بارك الله في الإخوة على هذه الفوائد

    المقال منقول و ليس مقالي و عندي على ما قاله الكاتب إعتراضات.

    أولا عنوان المقال خطأ فإتباع الدليل ليس من التلفيق فإتباع الدليل إتباع شرع الله و نحن مأمورون به فكيف يكون تلفيقا !!!!

    قال الكاتب :
    "أولاً لا بدّ أن نتذكّر معًا أنّ الأئمّة رحمهم الله تعالى ما كانوا يقولون آراءهم الفقهيّة بناءً على قوّة الدليل وضعفه (فقط)، بل كانت هناك قواعد أصوليّة.

    بمعنى :

    أنّ الدليل يحتاج إلى قاعدة ومجتهدٍ حتّى يُبنى عليه الحكم... ولا يصحّ استنباط الحكم من الدليل من أيّ شخصٍ كان، كما لا يحقّ للمجتهد أن يبني حكمًا على دليل وصل إليه دون أن تكون عنده قواعد في التعامل مع الأدلّة."
    كلام الكاتب صحيح جملة إلا أنه يمكن اتباع المجتهد بدليله فربما لا يستنبط الفرد لكن يقلد المجتهد الذي يستنبط.

    قال الكاتب :


    ثانيًا: لنتذكّر أيضًا أنّ الأئمّة رضي الله عنهم ورحمهم الله تعالى ليس من المتوقّع أن يفوتهم دليل نصّيّ، وذلك لأنّهم كانوا في عصر اشتهار الرواية وانتشارها، كما أنّهم كانوا محدّثين، كما وجد بين طلاّبهم محدّثون كبار، وهذا يجعل احتمال كون أحاديث فاتتهم احتمال بعيد، أو لنقل إنّه احتمال نادر (والنادر لا حكم له).
    في الكلام مغالطة و خطأ أصولي أما المغالطة فقوله أنه من النادر أن تفوت أحاديث على الأئمة و الكل يدري أن هذا ليس نادرا فكم من أدلة فاتتهم و غابت عنهم و ليقرأ الاخوة كتاب رفع الملام لشيخ الإسلام فهو يبين ذلك.

    أما مقولة النادر لا حكم له فهذه مغالطة كبيرة فهل إذا خالف فرد من الفقهاء الفقهاء عددنا ذالك إجماعا و قلنا النادر لا حكم له !!!! أما الخطأ الثاني و الذي يقع فيه الكثيرون هو أن النص الشرعي لا يرد بالقاعدة الأصولية و إنما العكس فإن صح النص و عارضته القاعدة الأصولية فالخلل في القاعدة لا في النص !!! و الحق أن الأحكام الشرعية تبنى على الغالب لكن إذا وقع النادر فلا يلغى !!!! إنما يعطى حكمه ألا ترى أنه يجزم للراوي بالثقة و الضبط لكن إذا وقع منه خطأ في الرواية ردت الرواية و لم يطعن في حفظه لأنه خطأ نادر. نعم النادر لا حكم له لكن إذا وقع حكم فيه بحكمه.


    قال الكاتب :
    يُمكن أن نبني على ما سبق أمرًا في غايو الأهميّة، وهو لبّ الموضوع هنا:

    ألا وهو:

    إذا كان المجتهدون الأوّلون قد وصلهم الدليل (الذي تقول اليوم إنّه راجح) وعلموا به، ومع هذا لم يعملوا بما ورد فيه...

    فهل أنت أقدر على فهم الدليل واستنباط الحكم منهم؟؟؟ إن كان كذلك فلا بأس.... بشرط في غاية الأهميّة، وهو:

    أن تكون لديك قواعدك في التعامل مع المتعارضات، بمعنى: أن تكون عندك أصول ثابتة تستخدمها مع النصوص، فقد قدّمنا أنّ المجتهد لا يُمكنه أن يتوصّل إلى الحكم إلاّ من خلال النصّ والقاعدة، فإذا فُقدت القاعدة دلّ هذا على أنّ استنباطك من النصّ محفوف بشبهة الهوى والعياذ بالله تعالى.
    الخطأ في قول الكاتب أنه جعل الناس نصفين مقلد و مجتهد و نسي المتبع فمن يخالف بعض الأئمة يوافق بعضهم الآخر.

    قال الكاتب

    مثال هذا أن يُقال:

    إنّ الحنفيّة مثلاً أوجبوا إعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة الكاملة قهقهة...

    بينما لم يقل الجمهور بوجوب إعادة الوضوء على من ضحك في الصلاة قهقهة إلاّ أنّهم أوجبوا عليه إعادة الصلاة...

    مع أنّ كلاً منهما قد وصله قول النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: (من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعًا)...

    فما هو الأصل الذي بنى الحنفيّة عليه حكمهم؟

    وما هو الأصل الذي بنى عليه الجمهور حكمهم؟


    هل هو النصّ فقط... إنّ هذا لجدّ بعيد ولو كان الأمر كذلك لما اختلفوا ....


    أهو تقديم خبر الواحد على القياس؟؟ أم العكس؟

    أم هو تقديم ظاهر النصّ على القياس؟ أم العكس؟

    أم هو إعمال العامّ في جميع ما يستغرقه من أفراد، وعدّه قطعيًّا فيما يشمله؟ أم العكس؟

    أم هو إنكار صحّة الحديث وحسنه وضعفه، ممّا جعله ليس محلاً للاحتجاج؟؟

    أم هو تفسير الحديث، وتأويله بما يُخالف ظاهره؟؟

    أم غير ذلك من القواعد التي تحكم عمليّة الاجتهاد في الوصول إلى الحكم من خلال هذا النصّ؟

    سنرى أنّ الحنفيّة أعملوا ظاهر النصّ وقدّموه على القياس، وهذا مقرّر في أصولهم، ولكنّ النصّ إذا خالف القياس عندهم قُدّم فيما خالف فيه فحسب، ولذا فقد قصروا نقض الوضوء على الصلاة الكاملة، أمّا الصلاة غير الكاملة فلا ينتقض الوضوء بالضحك فيها قهقهة ، وذلك كصلاة الجنازة (إذ لا ركوع ولا سجود فيها) وكسجدة التلاوة (إذ لا قيام ولا ركوع فيها) ولذا فقد بنى الحنفيّة هذا الحكم على ذلك الأصل.

    أمّا الجمهور فقد نظروا إلى مخالفة هذا النصّ للقياس على القرأن الكريم، وقالوا إنّ مخالفة هذا النصّ للقياس على ظاهر القرأن تجعل القرأن مقدّمًا عليه بناء على الأصل عندهم في تقديم القياس على النصّ، والقياس أنّا لا نجد شيئًا من نواقض الصلاة (غير نواقض الوضوء التي تنقضه في الصلاة وخارجها) ينقض الوضوء، فمثلاً الأكل ناقض للصلاة، وكذا الشرب والكلام، وهي نواقض للصلاة لا تؤثّر في صحّة الوضوء.. والقياس أنّ ما لا يُبطل الوضوء خارج الصلاة لا يُبطل إلاّ الصلاة إن كان من مبطلاتها، فقُدّم القياس على ظاهر النصّ..

    إذًا: هناك قواعد تحكم عمليّة الاستنباط، والخروج على المذهب لنصّ عرض لطالب العلم يجعله يُخالف تلك القواعد في الاستنباط، فيكون فعله غير صحيح على أيّ قولٍ من الأقوال.... خاصّة عند الترابط في الأصل ووجود الجامع المشترك الأعلى في المسائل...

    فمثلاً: إذا خرج منك دم فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الجمهور (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك) ....... ثمّ لمست امرأة بشهوة، فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الحنفيّة (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك)... ثمّ صليّت ... كانت صلاتك باطلة على قول جميع العلماء... وكنت في هذا الفعل مخالفًا في الأصول، فمن قدّم القياس على خبر الواحد أخذت بقوله تارةً... وتارةً أخرى في مسألة أخرى أخذت بقول من قدّم خبر الواحد على القياس... فصرت في صلاتك مرّة مقدّمًا لهذا ومرّة مقدّمًا لهذا....

    وهذا يجعل المسألة من باب التلفيق.... وإن ظهر لك دليل أقوى..... ما لم يكن الأمر مع القواعد التي تحكم الاجتهاد.. أمّا إذا اقترن النصّ (الدليل) بالقاعدة وكنت مجتهدًا ... فلا مشاحّة حينئذٍ في انتقاء ما شئت من الأدلّة وأخذ ما شئت من الأقوال....

    إدعاء الكاتب أن الصلاة باطلة على جميع أقوال العلماء مجازفة فلا إجماع في ذلك فكيف إذا عارضه الدليل !!!! و التناقض الذي وقع فيه أنه أجاز ذلك للمجتهد و منعه على الباقي فأين هو متبع و مقلد المجتهد إن أخد بقوله أليس معارضا للجميع كما زعم ؟

    بل العلماء كلهم متفقون على جواز إستفتاء العامي للمفتي في مسألة واحدة دون غيرها فلو إستفتى العامي فقيها في حكم خروج الدم فأجابه بعدم نقض وضوئه ثم إستفتى آخر في لمس المرأة بشهوة فأجابه بعدم نقض الوضوء فعمل بما بلغه قبل منه !!!!

    جاء في حاشية العطار : " التلفيق إن كان في جزئيات المسائل جائز ، وإن كان في أجزاء الحكم الواحد فهو المقصود بالمنع ".

    قال الدكتور وهيبة الزحيلي :

    آراء الأصوليين في مسألة اختيار الأيسر (أو تتبع الرخص)، وفي التلفيق بين المذاهب.

    ( يتفرع على مابيناه من أنه لم يوجد في الشرع مايوجب على الإنسان اتباع ما التزمه من المذاهب: القول بجواز تتبع الرخص والتلفيق. أما تتبع الرخص أو اختيار الأيسر: فهو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ماهو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل.
    وقد حكى الأصوليون في هذه المسألة ثمانية أقوال أذكرها بإجمال ثم أبين أقوى النظريات المقولة فيها.

    1 - قال أكثر أصحاب الشافعي وصححه الشيرازي والخطيب البغدادي وابن الصباغ والباقلاني والآمدي: يخير الإنسان بأخذ ماشاء من الأقوال، لإجماع الصحابة على عدم إنكار العمل بقول المفضول مع وجود الأفضل.
    2 - أهل الظاهر والحنابلة: يأخذ بالأشد الأغلظ.
    4 - يبحث عن الأعم من المجتهدين، فيأخذ بقوله.
    5 - يأخذ بقول الأول، حكاه الرُّوياني.
    6 - يأخذ بقول من يعمل على الرواية دون الرأي، حكاه الرافعي.
    7 - يجب عليه أن يجتهد فيما يأخذ مما اختلفوا فيه، حكاه ابن السَّمعاني، ومشى عليه الشاطبي في الموافقات. ،وهذا القول قريب من رأي الكعبي.
    8 - إن كان الأمر في حق الله أخذ بالأخف، وإن كان في حق العباد أخذ بالأغلظ، حكاه الأستاذ أبو منصور الماتريدي.

    ويمكن القول بوجود آراء ثلاثة في الموضوع هي الأشهر وهي التي نعتمدها بحثاً.

    1 - قال الحنابلة ، والمالكية في الأصح عندهم ، والغزالي : يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، لأنه ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4]، فلا يصح رد المتنازع فيه إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.

    ونقل عن ابن عبد البر: أنه لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً. وعبارة الحنابلة في ذلك : إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة واختلفا عليه في الجواب اختار الأشد منهما، لما روى الترمذي من حديث عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماخير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما » وفي لفظ «أرشدهما» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد، والأولى أن يعتبر ـ أي المستفتي ـ القولين ساقطين، لتعارضهما، ويرجع إلى استفتاء آخر.
    وعبارة المالكية : الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ماهو الأهون فيما يقع من المسائل. وقيل: لايمتنع. وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص. والأولى الاحتياط بالخروج من الخلاف بالتزام الأشد الأقوى، فإن من عز عليه دينه تورع، ومن هان عليه دينه تبدع.
    وعبارة الغزالي : ليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده، فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك ههنا.

    2 - قال القرافي المالكي، وأكثر أصحاب الشافعي، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت : يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه لم يوجد في الشرع مايمنع من ذلك، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر، بدليل أن سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم الفعلية والقولية تقتضي جوازه، فإنه عليه الصلاة والسلام «ماخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثماً» وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب ماخفف عن أمته» .
    وقال صلّى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال أيضاً: «إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه» . وقال عليه السلام أيضاً: «إن الله قد فرض فرائض وسن سننًا وحد حدوداً وأحل حراماً وحرم حلالاً، وشرع الدين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً » .
    وقال الشعبي: «ماخير رجل بين أمرين، فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله تعالى» .
    وقال القرافي في هذه المسألة: يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلدهم، أي أن شرط جواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق أي ألا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، كما إذا قلد الإمام مالك في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة بغير شهوة، وقلد الإمام الشافعي في عدم وجوب ذلك .

    ويلاحظ أن هذا القيد الذي ذكره القرافي وهو: ( ألا يترتب على تتبع الرخص العمل بما هو باطل لدى جميع من قلدهم ) لادليل عليه من نص أو إجماع، وإنما هو قيد متأخر، كما قرر الكمال بن الهمام في ( التحرير ). فإذا جاز للشخص مخالفة بعض المجتهدين في كل ماذهب إليه، كما بينا، جازت مخالفته في بعض ماذهب إليه من باب أولى، كما قال صاحب تيسير التحرير. ثم قال: وليس هناك دليل من نص أو إجماع يدل على أن الفعل إذا كانت له شروط، فإنه يجب على المقلد أن يتبع مجتهداً واحداً في هذه الشروط التي يتوقف عليها هذا الفعل، ومن ادعى دليلاً على ذلك فعليه الإتيان به
    .

    وأما مانقل عن ابن عبد البر، من أنه «لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً، فلا نسلم صحة هذا النقل عنه، ولو سلم فلا يسلم صحة الإجماع، إذ في تفسيق متتبع الرخص عن أحمد روايتان. وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولامقلد. وقال ابن أمير الحاج في التقرير على التحرير: وذكر بعض الحنابلة: أنه إنْ قوي الدليل، أو كان عامياً، لايفسق. وفي روضة النووي حكاية عن ابن أبي هريرة: لايفسق . والخلاصة: أن مبدأ الأخذ بالرخص أمر محبوب، ودين الله يسر، وماجعل عليكم في الدين من حرج، والمفروض أن المقلد لم يقصد تتبع الرخص في كل الوقائع وإنما في بعض المسائل، وكثيراً ماقال العلماء: «من قلد عالماً فقد برئ مع الله» «اختلاف العلماء رحمة» وربما قال بعضهم: «حجَّرت واسعاً » إذا التزم العمل بالقول المشهور في جميع تصرفاته.

    3 - رأي الشاطبي :
    يرى الشاطبي رأي ابن السمعاني : وهو أنه يجب على المقلد الترجيح بين أقوال المذاهب بالأعلمية وغيرها، واتباع الدليل الأقوى، لأن أقوال المجتهدين بالنسبة للمقلدين كالأدلة المتعارضة بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف عند تعادل الأدلة، كذلك المقلد. ولأن الشريعة ترجع في الواقع إلى قول واحد، فليس للمقلد أن يتخير بين الأقوال. وإلا كان متبعاً غرضه وشهوته، والله تعالى يمنع اتباع الهوى جملة وهو قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/4].

    ثم أبان الشاطبي في كلام مسهب مايترتب على مبدأ الأخذ بالأيسر من مفاسد:
    أولها ـ الضلال في الفتوى بمحاباة القريب أو الصديق في تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة.
    ثانيها ـ الادعاء بأن الاختلاف حجة على الجواز أو الإباحة، حتى شاع بين الناس الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم.
    ثالثها ـ اتباع رخص المذاهب اعتماداً على مبدأ جواز الانتقال الكلي من مذهب إلى مذهب، وأخذاً بمبدأ اليسر الذي قامت عليه الشريعة مع ( أن الحنيفية السمحة أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها ). ثم ذكر بعض مفاسد اتباع رخص المذاهب كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير سيَّالاً لاينضبط، وكترك ماهو معلوم إلى ماليس بمعلوم، للجهل بأحكام المذاهب الأخرى، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك انضباط معيار العدالة بين الناس وشيوع الفوضى والمظالم وضياع الحقوق وتعطيل الحدود واجتراء أهل الفساد، وكإفضاء ذلك إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها.
    رابعها ـ التخلص من الأحكام الشرعية وإسقاطها جملة، عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين، لابأثقلهما، مع أن التكاليف كلها شاقة ثقيلة.
    ثم رد الشاطبي على القائل بجواز تتبع الرخص في حالات للضرورة أو الحاجة عملاً بالقاعدة الشرعية ( الضرورات تبيح المحظورات ) بأن حاصل فعله هو الأخذ بما يوافق الهوى، أو تجاوز حدود الضرورة أو الحاجة المقررة في الشرع. كما أنه رد على المتمسك بمبدأ ( مراعاة الخلاف بين الأقوال ) لتسويغ الأخذ بالأيسر بأن مراعاة الخلاف لايترتب عليه الجمع بين قولين متنافيين أو القول بهما معاً، وإنما هما لمسألتين مختلفتين. وفي تقديري أن السبب الذي حمل الشاطبي على منع تتبع الرخص والتلفيق هو غيرته على نظام الأحكام الشرعية حتى لايتخطاها أحد عملاً بمبدأ التيسير على الناس، ،ولكنه ـ كما يلاحظ من كلامه ـ متأثر بالعصبية المذهبية،ويخشى ـ رغم تحرره الفكري ـ مخالفة مذهب الإمام مالك، ويحرص على التقليد ومنع الاجتهاد.
    ونحن معه في هذه الغيرة على أحكام الشريعة، لكن التقليد أو التلفيق الجائز مجاله محصور فيما لم يتضمن الإعراض عما أنزل الله، أو الذي لم يتضح فيه رجحان الحق والدليل على صحة قول المجتهد المقلَّد ، وحينئذ ينهدم رأي الشاطبي من أساسه، لأنه يطالب بضرورة العمل بالدليل الراجح، والتزام أصول الشريعة، وهذا أمر مفترض في كل تقليد محمود أو أخذ بأيسر المذاهب. ) انتهى

    ثم قال :

    التلفيق:

    هو الإتيان بكيفية لا يقول بها المجتهد. ومعناه أن يترتب على العمل بتقليد المذاهب، والأخذ في مسألة واحدة بقولين أو أكثر: الوصول إلى حقيقة مركبة لايقرها أحد، سواء الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، فكل واحد منهم يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة. ويتحقق ذلك إذا عمل المقلد في قضية واحدة بالقولين معاً، أو بأحدهما مع بقاء أثر الثاني.
    فالتلفيق إذاً: هو الجمع بين تقليد إمامين أو أكثر في فعل له أركان أو جزئيات لها ارتباط ببعضها، لكل منها حكم خاص، كان موضع اجتهادهم وتباين آرائهم، فيقلد أحدهم في حكم، ويقلد آخر في حكم آخر، فيتم الفعل ملفقاً من مذهبين أو أكثر.

    مثل أن يقلد شخص في الوضوء مذهب الشافعي في الاكتفاء بمسح بعض الرأس، ثم يقلد أبا حنيفة أو مالكاً في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة خالياً عن قصد الشهوة ووجودها، ثم يصلي، فإن هذا الوضوء الذي صلى به لم يقل به كل واحد من هؤلاء الأئمة، فالشافعي يعتبره باطلاً لنقضه باللمس، وأبو حنيفة لايجيزه لعدم مسح ربع الرأس ، ومالك لايقره لعدم مسح جميع الرأس أو لعدم دلك أعضاء الوضوء ونحو ذلك. أو أن يقلد مالكاً في عدم نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، وأبا حنيفة في عدم النقض بمس الذكر، وصلى. فهذه صلاة مجمع منهما على فسادها.

    ومثل أن يستأجر شخص مكاناً موقوفاً تسعين سنة فأكثر، من غير أن يراه، مقلداً في المدة الطويلة للشافعي وأحمد، وفي عدم الرؤية لأبي حنيفة، فيجوز .

    ومجال التلفيق كمجال التقليد محصور في المسائل الاجتهادية الظنية. أما كل ما علم من الدين بالضرورة ـ أي بالبداهة ـ من متعلَّقات الحكم الشرعي، وهو ماأجمع عليه المسلمون ويكفر جاحده، فلا يصح فيه التقليد والتلفيق، وعلى هذا فلا يجوز التلفيق المؤدي إلى إباحة المحرمات كالنبيذ والزنا مثلاً. هذا وإن قضية التلفيق بين المذاهب اشترط عدمها لجواز تقليد مذاهب الغير أكثر المتأخرين من العلماء بعد انتهاء القرن العاشر الهجري، ولم يتكلم فيها قبل القرن السابع.

    وجواز التلفيق مبني على ما قررناه من أنه لا يجب التزام مذهب معين في جميع المسائل، فمن لم يكن ملتزماً مذهباً معيناً، جاز له التلفيق، وإلا أدى الأمر إلى بطلان عبادات العوام، لأن العامي لا مذهب له ولو تمذهب به، ومذهبه في كل قضية هو مذهب من أفتاه بها. كما أن القول بجواز التلفيق يعتبر من باب التيسير على الناس.

    وتقليد إمام في جزئية أو مسألة لايمنع من تقليد إمام آخر في مسألة أخرى، ولايقال: إن المقلد وصل إلى حقيقة لم يقل بها كلا الإمامين، وإنما يعد ذلك من قبيل تداخل أقوال المفتين (أي المجتهدين) بعضها في بعض في عمل المستفتي تداخلاً غير مقصود، كتداخل اللغات بعضها ببعض في لسان العرب. فالمقلد لم يقلد كل إمام في مجموع عمله، وإنما قلد كلا من الإمامين في مسألة معينة غير التي قلد فيها غيره، ومجموع العمل لم يوجب أحد النظر إليه لا في اجتهاد ولا في تقليد.
    وأما اشتراط بعض العلماء لجواز التلفيق ضرورة مراعاة الخلاف بين المذاهب، فهو أمر عسير، سواء في العبادات أو في المعاملات، وذلك يتنافى مع سماحة الشريعة ويسرها ومسايرتها لمصالح الناس.

    وأما ادعاء وجود الإجماع (من قِبَل ابن حجر وغيره من بعض علماء الحنفية) على عدم جواز التلفيق، فيحتاج إلى دليل، وليس أدل على عدم قيام مثل هذا الإجماع من وجود اختلاف واضح بين العلماء في مسألة التلفيق. قال الشفشاوني في تركيب مسألة من مذهبين أو أكثر: «إن الأصوليين اختلفوا في هذه المسألة، والصحيح من جهة النظر جوازه » وحكى الثقات الخلاف أيضاً كالفهامة الأمير والفاضل البيجوري. هذا وإن مثل هذا الإجماع المدعى المنقول بطريق الآحاد لايوجب العمل عند جمهور العلماء، ولعل المراد بهذا الإجماع هو اتفاق الأكثر أو أهل مذهب ما.

    وسأذكر هنا بإيجاز أقوال علماء المذاهب في إباحة التلفيق :
    1 - الحنفية: قال الكمال بن الهمام وتلميذه ابن أمير الحاج في التحرير وشرحه: إن المقلد له أن يقلد من شاء، وإن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه لا أدري ما يمنعه من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتتبع ما هو الأخف عليه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرائع ذمه عليه، وكان صلّى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته.
    وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين ما يفيد أن في منية المفتي ما يفيد جواز الحكم المركب، وأن القاضي الطرسوسي (المتوفى سنة 758 هـ) مشى على الجواز. وأفتى مفتي الروم أبو السعود العمادي (المتوفى سنة 983 هـ) في فتاويه بالجواز. وجزم ابن نجيم المصري (المتوفى سنة 970 هـ) في رسالته ( في بيع الوقف بغبن فاحش ) بأن المذهب جواز التلفيق، ونقل الجواز عن الفتاوى البزازية. وذهب أمير باد شاه (المتوفى سنة 972 هـ) إلى جواز التلفيق بكل قوته. وألف مفتي نابلس منيب أفندي الهاشمي رسالة في التقليد عام ( 1307 هـ) أيد فيها التقليد مطلقاً، وقال عنها فقيه عصره الشيخ عبد الرحمن البحراوي: «أن المؤلف قد بين الحق على الوجه الصحيح» . والخلاصة: أن الشائع المشهور أن التلفيق باطل، لكن العلماء خلاف ذلك وأنه جائز بأدلة كثيرة ناطقة على صحته.

    2 ـ المالكية: الأصح والمرجح عند المتأخرين من فقهاء المالكية هو جواز التلفيق، فقد صحح الجواز ابن عرفة المالكي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير، وأفتى العلامة العدوي بالجواز، ورجح الدسوقي الجواز، ونقل الأمير الكبير عن شيوخه أن الصحيح جواز التلفيق وهو فسحة.

    3 ـ الشافعية: منع بعضهم كل صور التلفيق، واقتصر بعضهم الآخر على حظر حالات التلفيق الممنوع الآتي بيانها، وأجاز آخرون التلفيق إذا جمعت في المسألة شروط المذاهب المقلدة.

    4 ـ الحنابلة: نقل الطرسوسي أن القضاة الحنابلة نفذوا الأحكام الصادرة بالتلفيق.

    هذا ولم أذكر أقوال المخالفين من علماء هذه المذاهب، سواء في قضية الأخذ بأيسر المذاهب أو في تتبع الرخص، ولأن أقوال المخالفين لا تلزمنا، لعدم وجود دليل شرعي راجح لها.

    التلفيق الممنوع:

    ليس القول بجواز التلفيق مطلقاً، وإنما هو مقيد في حدود معينة، فمنه ما هو باطل لذاته، كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات كالخمر والزنا ونحوهما. ومنه ما هو محظور لا لذاته، بل لما يعرض له من العوارض، وهو ثلاثة أنواع :

    أولها ـ تتبع الرخص عمداً: بأن يأخذ الإنسان من كل مذهب ما هو الأخف عليه بدون ضرورة ولاعذر. وهذا محظور سداً لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية.
    الثاني ـ التلفيق الذي يستلزم نقض حكم الحاكم، لأن حكمه يرفع الخلاف درءاً للفوضى.
    الثالث ـ التلفيق الذي يستلزم الرجوع عما عمل به تقليداً أو عن أمر مجمع عليه لازم لأمر قلده. وهذا الشرط في غير العبادات، أما فيها فيجوز التلفيق ولو استلزم الرجوع عما عمل به أو عن أمر لازم لآخر إجماعاً، مالم يفض إلى الانحلال من ربقة التكاليف الشرعية أو إلى الذهاب بالحكمة الشرعية باقتراف الحيل المغايرة للشريعة أو المضيعة لمقاصدها.

    مثال الأول أي الرجوع عن العمل: ما نقل عن الفتاوى الهندية:لو أن فقيهاً قال لامرأته: ( أنت طالق البتة ) وهو يرى أن الطلاق يقع ثلاثاً،فأمضى فيما بينه وبينها، وعزم على أنها حرمت عليه. ثم رأى بعدئذ أنها تطليقة رجعية، أمضى رأيه الأول الذي كان عزم عليه، ولايردها إلى أن تكون زوجته برأي حدث من بعد.

    وكذلك لوكان في الابتداء يراها تطليقة رجعية، فعزم على أنها امرأته، ثم رأى بعد أنها ثلاث، لم تحرم عليه . هذا ويلاحظ أن بطلان التلفيق بعد العمل مقيد بقيدين:

    أولهما ـ أن يبقى من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشيء لايقول به كل من المذهبين كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة. وكما لو أفتى مفت ببينونة زوجته بطلاقها مكرهاً، ثم نكح أختها مقلداً للحنفي بوقوع طلاق المكره. ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث، فيمتنع عليه أن يطأ الأولى، مقلداً للشافعي والثانية مقلداً للحنفي، لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض.
    ثانيهما ـ أن يكون ذلك في حادثة واحدة بعينها لا في مثلها، كما لو صلى ظهراً بمسح ربع الرأس مقلداً للحنفي، فليس له إبطال طهارته باعتقاده لزوم مسح الكل مقلداً للمالكي. وأما لوصلى يوماً على مذهب، وأراد أن يصلي يوماً آخر فلا يمنع منه .

    مثال الثاني أي الرجوع عن أمر مجمع عليه: لو قلد رجل أبا حنيفة في عقد النكاح بلا ولي، فيستلزم العقد صحة إيقاع الطلاق، لأنها أمر لازم لصحة النكاح إجماعا , فلو طلقها ثلاثا , ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق لكون النكاح بلا ولي، فليس له ذلك لكونه رجوعاً عن التقليد في أمر لازم إجماعاً. وهذا أمر معقول حتى لا تصبح العلاقة الزوجية السابقة علاقة محرمة، وأن الأولاد أولاد زنا. فيمنع ذلك كما يمنع كل ما يؤدي إلى العبث بالدين أو الإضرار بالبشر أو الفساد في الأرض.
    ومن صور التلفيق الممنوع لمخالفته الإجماع: أن يتزوج رجل امرأة بغير صداق ولا ولي ولا شهود، مقلداً كل مذهب فيما لا يقول به الآخر، فهذا من التلفيق المؤدي إلى محظور، لأنه يخالف الإجماع، فلم يقل به أحد .

    ومن صور التلفيق الممنوع أيضاً: أن يطلق شخص زوجته ثلاثاً، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل،مقلدا ً زوجها في صحة الزواج للشافعي، فأصابها، ثم طلقها مقلداً في صحة الطلاق، وعدم الحاجة إلى العدة للإمام أحمد، فيجوز لزوجها الأول العقد عليها فوراً. فهذا التلفيق ممنوع لأنه يؤدي إلى التلاعب بقضايا الزواج، لذا قال الشيخ الاجهوري من الشافعية: هذا ممنوع في زماننا ولا يجوز ولايصح العمل بهذه المسألة، لأنه يشترط عند الشافعي أن يكون المزوج للصبي أباً له، أو جداً، وأن يكون عدلاً، وأن يكون في تزويجه مصلحة للصبي، وأن يكون المزوج للمرأة وليها العدل بحضرة عدلين، فإذا اختل شرط لم يصح التحليل لفساد النكاح.

    حكم التلفيق في التكاليف الشرعية:

    تنقسم الفروع الشرعية إلى ثلاثة أنواع :
    الأول ـ ما بني في الشريعة على اليسر والتسامح مع اختلافه باختلاف أحوال المكلفين.
    الثاني ـ ما بني على الورع والاحتياط.
    الثالث ـ ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم.

    أما النوع الأول ـ فهو العبادات المحضة، وهذه يجوز فيها التلفيق، لأن مناطها امتثال أمر الله تعالى والخضوع له مع عدم الحرج، فينبغي عدم الغلو بها؛ لأن التنطع يؤدي إلى الهلاك.
    أما العبادات المالية: فإنها مما يجب التشديد بها احتياطاً خشية ضياع حقوق الفقراء، فلا يؤخذ بالقول الضعيف أو يلفق من كل مذهب ماهو أقرب لمصلحة المزكي لإضاعة حق الفقير، وإنما يجب الإفتاء بالأحوط والأنسب لمصلحة الفقراء.

    وأما النوع الثاني ـ فهو المحظورات: وهي مبنية على مراعاة الاحتياط والأخذ بالورع مهما أمكن (3) ، لأن الله تعالى لا ينهى عن شيء إلا لمضرته، فلا يجوز فيها التسامح أو التلفيق إلا عند الضرورات الشرعية، لأن ( الضرورات تبيح المحظورات).
    وعليه لايجوز التلفيق في المحظورات المتعلقة بحقوق الله (أو حقوق المجتمع) حفاظاً على النظام العام في الشريعة، واهتماماً برعاية المصالح العامة. كما لا يجوز التلفيق في المحظورات المتعلقة بحقوق العباد ( حقوق الأشخاص الخاصة) منعاً من الاحتيال على حقوق الناس وإلحاق الضرر بهم والاعتداء عليهم.

    وأما النوع الثالث ـ فهو المعاملات المدنية: والعقوبات الشرعية (الحدود والتعزيرات)، وأداء الأموال الواجبة شرعاً من عشر المزروعات، وخراج الأراضي، وخمس المعادن المكتشفة، والمناكحات (أو الأحوال الشخصية). فعقود الزواج (المناكحات) وما يتبعها من أنواع الفرقة الزوجية: مبناها سعادة الزوجين وأولادهما. ويتحقق ذلك بالحفاظ على الرابطة الزوجية، وتوفر الحياة الطيبة فيها، كما قرر القرآن الكريم: {فإمساك بمعروف ،أو تسريح بإحسان} [البقرة:229/2]. فكل ما يؤيد هذا الأصل يعمل به، ولو أدى في بعض الوقائع إلى التلفيق الجائز، أما إذا اتخذ التلفيق ذريعة لتلاعب الناس بأقضية الزواج والطلاق ، فيكون تلفيقاً قادحاً ممنوعاً، مراعاة للقاعدة الشرعية: وهي ( أن الأصل في الأبضاع التحريم ) صيانة لحقوق النساء والأنساب.
    وأما المعاملات، وأداء الأموال، والعقوبات المقررة في الشرع والقصاص لصيانة الدماء ونحوها من التكاليف المراعى فيها مصالح البشرية والمرافق الحيوية، فيجب الأخذ فيها من كل مذهب ما هو أقرب لمصلحة الناس وسعادتهم، ولو لزم منه التلفيق، لما فيه من السعي وراء تأييد المصلحة التي يقصدها الشرع،ولأن مصالح الناس تتغير بتغير الزمان والعرف وتطور الحضارة والعمران. ومعيار المصلحة أو تحديد المراد منها: هو كل ما يضمن صيانة الأصول الكلية الخمسة:
    وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وصيانة كل مصلحة مقصودة شرعاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وهي المصالح المرسلة المقبولة.
    قال الشرنبلالي الحنفي في العقد الفريد بعد أن ذكر فروعاً من أصل المذهب صريحة بجواز التلفيق: فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه، مقلداً فيه غير إمامه، مستجمعاً شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى. وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر، لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض. وقال أيضاً: إن له التقليد بعد العمل، كما إذا صلى ظاناً صحة الصلاة على مذهبه، ثم تبين بطلانها في مذهبه، وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزئ بتلك الصلاة، على ما قال في البزازية: أنه روي عن أبي يوسف: أنه صلى الجمعة مغتسلاً من الحمام، ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام، فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً .

    والخلاصة: إن ضابط جواز التلفيق وعدم جوازه: هو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياستها وحكمتها، فهو محظور، وخصوصاً الحيل الشرعية الممنوعة .وأن كل ما يؤيد دعائم الشريعة ، وما ترمي إليه حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدارين بتيسير العبادات عليهم، وصيانة مصالحهم في المعاملات، فهو جائز مطلوب.

    اختيار الأيسر في التقنين:

    لا مانع شرعاً من اختيار الحاكم ولي الأمر أيسر الأقوال في المذاهب الشرعية المختلفة، إذ إن ذلك ليس من قبيل التلفيق الممنوع، لأن الأحكام المختارة من المذاهب هي أحكام كلية لأمور متغايرة لا تجمع بينها رابطة، كما بينا. وإذا حدث فيها تلفيق أثناء التطبيق الفعلي فهو غير مقصود، فلا حرج فيه، كالقول بصحة الزواج بغير ولي وبعبارة النساء، والتفريع عليه بجواز استدامة الزوجية بعد مراجعتها إثر صدور طلاق ثلاث بلفظة واحد اكتفاء بإيقاعه طلقة واحدة رجعية. فهو تلفيق غير ممنوع لأنه لم يقصد إليه.
    والقول بجواز التلفيق في الجملة أقوى دليلاً من القول بمنعه، فضلاً عما فيه من تحقيق مصالح الأفراد والجماعات، ولا يترتب عليه أي مفسدة من مفاسد التلفيق المحظور. ولو افترضنا أن التلفيق كله غير جائز فإن تخير الحاكم لرأي وجعله قانوناً نافذاً: يقوي الحكم ولو كان قولاً ضعيفاً، كما قرر العلماء، بل ويوجب الطاعة إذا لم يكن أمراً بمعصية متيقنة شرعاً. وقد بدأ التخير من أحكام المذاهب في مجال التقنين فعلاً منذ أكثر من خمسين عاماً في مطلع هذا القرن، وذلك حينما شعرت الحكومة العثمانية بالحاجة إلى التوسع في حرية التعاقد، والشروط العقدية، وقابلية المحل المعقود عليه، بسبب ازدياد حاجة التعامل التجاري والصناعي، وتطور أساليب التجارة الداخلية والخارجية وظهور أنواع جديدة من الحقوق هي الحقوق الأدبية كحق المؤلف والمخترع، والاحتياج إلى عقود التأمين على البضائع المستوردة، واتساع مجال عقود الاستصناع مع المصانع الكبرى، وعقود التوريد لتقديم اللوازم والمواد الأولية إلى المؤسسات الحكومية والشركات والمعامل والمدارس.
    فاستبدلت السلطة العثمانية بالمادة (64 سنة 1332 هـ/1914م) من قانون أصول المحاكمات مادة أخذت مبادئها من غير المذهب الحنفي كالمذهب الحنبلي ومذهب ابن شبرمة اللذين يوسعان من دائرة حرية الشروط العقدية ويقتربان من مبدأ سلطان الإرادة القانوني أي أن (العقد شريعة المتعاقدين) ويجيزان هذه المبادئ الثلاثة التي تضمنتها المادة الجديدة وهي:

    1- توسيع قابلية المحل للتعاقد عليه ليشمل كل ما جرى به العرف، أو سيوجد بعد.
    2 - جواز كل اتفاق أو اشتراط لا يخالف النظام العام والآداب والقوانين الخاصة، وقوانين العقارات والأحوال الشخصية والأوقاف. وبذلك تقلصت نظرية الفساد عند الحنفية، وأصبح جائزاً ما يعرف بالشرط الجزائي أي التعهد بالضمان المالي جزاء النكول أو التأخر عن تنفيذ الالتزام، عملاً بمذهب القاضي شريح.
    3 - اعتبار العقد تاماً بمجرد الاتفاق على النواحي الأساسية فيه، ولو لم تذكر الأمور الفرعية. وبه أصبحت الجهالة غير ضارة في تكوين العقد، فيصح العقد بسعر السوق أو بما سيستقر عليه في يوم ما (1) . هذا وقد أصدرت الحكومة العثمانية سنة (1336 هـ) قرار حقوق العائلة المعمول به اليوم، أخذت فيه بطائفة من أحكام المذاهب الثلاثة غير الحنفية واختارت بعض أقوال ضعيفة في المذهب الحنفي، وصدرت في مصر قوانين متخيرة من أحكام المذاهب بدءاً من سنة (1920 م) إلى سنة (1929) ثم سنة (1936 م) وحتى الآن اتبعت فيها أسلوب قانون العائلة العثماني، وذلك بحضور صفوة مختارة من كبار العلماء ورجال القضاء الشرعي من مختلف المذاهب، مراعاة لتغير الزمان، وتطور الحياة الاجتماعية، وتجدد المصالح والحاجات، وتبدل الأوضاع والتنظيمات. انتهى من مقدمة كتاب ( الفقه الإسلامي و أدلته )


    و جاء في موسوعة الفتاوي : فالأصل أن يتبع المسلم الدليل من الكتاب والسنة فيما علم دليله، وأن يقلد من ترجح عنده صحة اجتهاده فيما لا دليل عليه، ولا يجب عليه اتباع مذهب معين أو تقليد شخص بعينه.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ

    ولا عذر لأحد عند الله تعالى في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، وهذا ما نص عليه أهل العلم وأوصى به الأئمة الأربعة وغيرهم.

    والتلفيق بين مذهبين من المذاهب الأربعة أو غيرهم في مسائل الاجتهاد لا مانع منه إذا لم يكن في مسألة واحدة في حادثة واحدة، أو لم يقصد منه تتبع الرخص بدون دليل شرعي، فقد نص أهل العلم على أن من تتبع رخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله. اهــ

    http://www.islamweb.net/VER2/Fatwa/S...Option=FatwaId



    مقال الكاتب فيه مجازفات كبيرة بالجملة و كلام الشيخ الأصولي الزحيلي يبين هذه المجازفات و خلط الكاتب فيها و إن كان بعض كلامه صوابا و الله أعلم
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  11. #11

    افتراضي رد: اتّباع الدليل..... من التلفيق !!!!

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي مشاهدة المشاركة
    فالموضوع ليس مناظرة، وإنما المراد الفائدة، وأسأل الله أن ينفع بك.
    ولكني أقول : لا أظن أحدا من هؤلاء قال ببطلان صلاة المخالف في المذهب، ولكن لو فرض أن أحدا قاله فهو مخطئ جزما.
    وأرجو أن لا تُدخِل هنا مسألة الصلاة خلف المخالف في المذهب، فهي مسألة أخرى، مع أن الصواب فيها أيضا صحة الصلاة، إلا أنها غير ما أتكلم عنه.
    لا فضّ الله فاك
    أحسنتَ أخي الكريم في توصيف أمثال هذه الجلساتِ
    وأما ما لا تظنه؛ فإني اظنه، وأظنُّ أيضاً أنّك أخطأتَ؛ إذ إنّ قضية صحة الصلاة خلف المخالف فرعٌ عن اعتبار صلاته غير صحيحة (في اجتهاد من خالفه)
    لا أنه يجزم ببطلان صلاته؛ الذي يراه ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ: أنها غير صحيحة؛ والأمثلة معروفة.
    ومنها: من يقول بنقض الوضوء بلمس المرأة؛ يرى أن حُكمَ من صلى وقد لمس امرأته هو عدمُ الصحة! هذا في اجتهاده أو تقليده؛ ولكن لا يستطيع الجزمَ بذلك قولاً واحداً، وكأن هذا مما عُلِمَ من الدين بالضرورة!!!
    من هذا المنظار كره كثيرٌ من الفقهاء ـ اجتهاداً منهم ـ الصلاة خلف المخالف، وإن كانت كراهتهم اجتهاداً مُخالَـفاً من بعضٍ آخر.
    والأصحّ ـ مع احترام الرأي الآخر ـ صحةُ الصلاة خلف المخالف؛ لأنّ من هم أصلٌ أصيلٌ في خلافِ الفقهاء (الصحابة رضوان الله عليهم) كانوا يصلون بعضُهم خلف بعض، ولم يُعهَد أنهم كانوا يُحجمون عن الصلاة خلف من لا يقول بمثل قولهم.
    هذا مثال سُقتُهُ للتقريب لا للحصر في هذه القضية
    بُورك في الجميع
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •