ما رأيكم بهذا المقال !!!!! سأنتظر أقوال الإخوة قبل التعليق عليه :
قال الكاتب :
أولاً لا بدّ أن نتذكّر معًا أنّ الأئمّة رحمهم الله تعالى ما كانوا يقولون آراءهم الفقهيّة بناءً على قوّة الدليل وضعفه (فقط)، بل كانت هناك قواعد أصوليّة.
بمعنى :
أولاً لا بدّ أن نتذكّر معًا أنّ الأئمّة رحمهم الله تعالى ما كانوا يقولون آراءهم الفقهيّة بناءً على قوّة الدليل وضعفه (فقط)، بل كانت هناك قواعد أصوليّة.
بمعنى :
أنّ الدليل يحتاج إلى قاعدة ومجتهدٍ حتّى يُبنى عليه الحكم... ولا يصحّ استنباط الحكم من الدليل من أيّ شخصٍ كان، كما لا يحقّ للمجتهد أن يبني حكمًا على دليل وصل إليه دون أن تكون عنده قواعد في التعامل مع الأدلّة.
ثانيًا: لنتذكّر أيضًا أنّ الأئمّة رضي الله عنهم ورحمهم الله تعالى ليس من المتوقّع أن يفوتهم دليل نصّيّ، وذلك لأنّهم كانوا في عصر اشتهار الرواية وانتشارها، كما أنّهم كانوا محدّثين، كما وجد بين طلاّبهم محدّثون كبار، وهذا يجعل احتمال كون أحاديث فاتتهم احتمال بعيد، أو لنقل إنّه احتمال نادر (والنادر لا حكم له).
ثالثًا: لنتذكّر أنّ مخالفة هؤلاء الأئمّة لما وصلوا إليه من أحكام لبعض النصوص لم تكن لاتّباع الهوى... فهذا نبرّئ منه عامّة المسلمين، (حسنًا منّا للظنّ بهم) فكيف بأولئك العلماء الكبار؟؟
يُمكن أن نبني على ما سبق أمرًا في غايو الأهميّة، وهو لبّ الموضوع هنا:
ألا وهو:
إذا كان المجتهدون الأوّلون قد وصلهم الدليل (الذي تقول اليوم إنّه راجح) وعلموا به، ومع هذا لم يعملوا بما ورد فيه...
فهل أنت أقدر على فهم الدليل واستنباط الحكم منهم؟؟؟ إن كان كذلك فلا بأس.... بشرط في غاية الأهميّة، وهو:
أن تكون لديك قواعدك في التعامل مع المتعارضات، بمعنى: أن تكون عندك أصول ثابتة تستخدمها مع النصوص، فقد قدّمنا أنّ المجتهد لا يُمكنه أن يتوصّل إلى الحكم إلاّ من خلال النصّ والقاعدة، فإذا فُقدت القاعدة دلّ هذا على أنّ استنباطك من النصّ محفوف بشبهة الهوى والعياذ بالله تعالى.
مثال هذا أن يُقال:
إنّ الحنفيّة مثلاً أوجبوا إعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة الكاملة قهقهة...
بينما لم يقل الجمهور بوجوب إعادة الوضوء على من ضحك في الصلاة قهقهة إلاّ أنّهم أوجبوا عليه إعادة الصلاة...
مع أنّ كلاً منهما قد وصله قول النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: (من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعًا)...
فما هو الأصل الذي بنى الحنفيّة عليه حكمهم؟
وما هو الأصل الذي بنى عليه الجمهور حكمهم؟
هل هو النصّ فقط... إنّ هذا لجدّ بعيد ولو كان الأمر كذلك لما اختلفوا ....
أهو تقديم خبر الواحد على القياس؟؟ أم العكس؟
أم هو تقديم ظاهر النصّ على القياس؟ أم العكس؟
أم هو إعمال العامّ في جميع ما يستغرقه من أفراد، وعدّه قطعيًّا فيما يشمله؟ أم العكس؟
أم هو إنكار صحّة الحديث وحسنه وضعفه، ممّا جعله ليس محلاً للاحتجاج؟؟
أم هو تفسير الحديث، وتأويله بما يُخالف ظاهره؟؟
أم غير ذلك من القواعد التي تحكم عمليّة الاجتهاد في الوصول إلى الحكم من خلال هذا النصّ؟
سنرى أنّ الحنفيّة أعملوا ظاهر النصّ وقدّموه على القياس، وهذا مقرّر في أصولهم، ولكنّ النصّ إذا خالف القياس عندهم قُدّم فيما خالف فيه فحسب، ولذا فقد قصروا نقض الوضوء على الصلاة الكاملة، أمّا الصلاة غير الكاملة فلا ينتقض الوضوء بالضحك فيها قهقهة ، وذلك كصلاة الجنازة (إذ لا ركوع ولا سجود فيها) وكسجدة التلاوة (إذ لا قيام ولا ركوع فيها) ولذا فقد بنى الحنفيّة هذا الحكم على ذلك الأصل.
أمّا الجمهور فقد نظروا إلى مخالفة هذا النصّ للقياس على القرءان الكريم، وقالوا إنّ مخالفة هذا النصّ للقياس على ظاهر القرءان تجعل القرءان مقدّمًا عليه بناء على الأصل عندهم في تقديم القياس على النصّ، والقياس أنّا لا نجد شيئًا من نواقض الصلاة (غير نواقض الوضوء التي تنقضه في الصلاة وخارجها) ينقض الوضوء، فمثلاً الأكل ناقض للصلاة، وكذا الشرب والكلام، وهي نواقض للصلاة لا تؤثّر في صحّة الوضوء.. والقياس أنّ ما لا يُبطل الوضوء خارج الصلاة لا يُبطل إلاّ الصلاة إن كان من مبطلاتها، فقُدّم القياس على ظاهر النصّ..
إذًا: هناك قواعد تحكم عمليّة الاستنباط، والخروج على المذهب لنصّ عرض لطالب العلم يجعله يُخالف تلك القواعد في الاستنباط، فيكون فعله غير صحيح على أيّ قولٍ من الأقوال.... خاصّة عند الترابط في الأصل ووجود الجامع المشترك الأعلى في المسائل...
فمثلاً: إذا خرج منك دم فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الجمهور (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك) ....... ثمّ لمست امرأة بشهوة، فقلت بعدم نقض الوضوء على مذهب الحنفيّة (بناء على دليل أقوى ترجّح لديك)... ثمّ صليّت ... كانت صلاتك باطلة على قول جميع العلماء... وكنت في هذا الفعل مخالفًا في الأصول، فمن قدّم القياس على خبر الواحد أخذت بقوله تارةً... وتارةً أخرى في مسألة أخرى أخذت بقول من قدّم خبر الواحد على القياس... فصرت في صلاتك مرّة مقدّمًا لهذا ومرّة مقدّمًا لهذا....
وهذا يجعل المسألة من باب التلفيق.... وإن ظهر لك دليل أقوى..... ما لم يكن الأمر مع القواعد التي تحكم الاجتهاد.. أمّا إذا اقترن النصّ (الدليل) بالقاعدة وكنت مجتهدًا ... فلا مشاحّة حينئذٍ في انتقاء ما شئت من الأدلّة وأخذ ما شئت من الأقوال....
والله تعالى أعلم
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم... اهــ