ورواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري جمعٌ ؛ منهم :
أولاً : يحيى بن سعيد القطان , عند أحمد (1/ 36) , ولم يذكر آيةالرجم , قال : "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم [وأن يقول قائل] : لا نجد حدّين في كتابالله , فقد رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد رجم , وقد رجمنا " .
ثانياً : داود بن أبي هند , أخرجه ابن أبي شبية (10/77 ـ ط . الهندية) أو ( 6/553 ـ ط . دار الفكر) , والترمذي ( 1431 ) , ومسدد ـ كما في " تهذيب التهذيب " ( 4/88 ) ـ , وأبو نعيم في "الحلية" ( 3/95 ) واختصره , فقال : " رجم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ورجم أبو بكر , ورجمت أنا " .
وعند الترمذي زيادة : "ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبه في المصحف , فإني قد خشيت أن تجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به " .
قال الترمذي : "حديث عمر حديث حسن صحيح , وروي من غير وجه عن عمر " . ولم تذكر الآية في هذا الطريق .
ثالثاً : يزيد بن هارون , عند أحمد ( 1/43 ) , وابن سعد في " الطبقات الكبرى " ( 3/334 ، 335 ) ـ ومن طريقه ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن" رقم ( 347 ) ـ ، وابن شبة في " أخبارالمدينة " (3/872) , وأبو نعيم في " الحلية " ( 1/54 ) , وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ص (338) ـ ترجمة عمر) , وبعضهم ذكر الآية , ولفظه عند أحمد مثل رواية يحيى القطان المتقدمة , ولفظه عند ابن سعد : " فو الله لولا أن يقول الناس : أحدث عمر في كتاب الله لكتبتها في المصحف , فقد قرأناها : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) " .
قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن .
رابعاً ، وخامساً : سفيان بن عيينة ، وعبد الوهاب الثقفي , عندالحاكم ( 3/91-92 ) , والفاكهي في " أخبار مكة " ( 3/79, 80 ) رقم ( 1830 , 1831 ) مختصرًا , دون ذكر الآية , ولعل المذكور لفظ الثقفي .
وفي رواية الحاكم : ابن عيينة وحده .
فهولاء جميعاً رووه عن يحيي بن سعيد الأنصاري دون ذكر الآية !
وهكذا رواه جمعٌ عن سعيد بن المسيب , وهذا ما وقفت عليه :
أخرجه عبد الرازق في " المصنف " ( 11/315 ) رقم ( 20639 ) ـ ومن طريقالخطابي في "العزلة" ( ص 200 ) ـ عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب أو غيره , وذكر قصة نزول عمر البطحاء , ولم يذكر حديث الرجم.
وكذا أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" ( 3/876 ، 877 ) من طريق إسماعيل بن أمية بن عمر بن سعيد ، في "الطبقات " ( 3/ 335 ) من طريق عثمان بن أبي العاص ، عن عمر , ولم يذكر الرجم .
وأخرجه عبد الرازق في " المصنف " ( 11/ 315 ) رقم ( 20638 ) من طريقسعيد بن أبي العاص , عن عمر مختصرًا دون ذكر الرجم , وفيه أن كلام عمر المذكور كانوهو في البقيع .
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة , ومسدد ـ ومن طريقتهما ابن أصبغ , ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار" ( 9/ 51- ط . النداء ) , و "التمهيد "(9/83) ـ من طريق حماد بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس .
وهذا كله يؤكد أن لفظة : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة )غير محفوظة من طريق سعيد بن المسيب ، عن عمر , ولم يذكرها غير سفيان بن عيينة , وقدصرح أنه لم يحفظ الخير الذي فيها , وسمعه من الزهري على صغر .
وأن اللفظ المحفوظ ما قاله في السقيفة : " فالرجم في كتاب الله ـ عز وجل ـ فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز وجل " .
فيا ترى ؛ ما معنى ( كتاب الله ) في كلام عمر هذا ؟!
بلا شك أن ( كتاب الله ) في هذا الخبر هو بمعنى (كتاب الله ) في كتابه لأبي موسى الأشعري : "ما كان من شرط ليس في كتاب الله " .
قال ابن القيم في شرحه في كتابه المستطاب "إعلامالموقعين" (3/ 113 ، 114ـ بتحقيقي ) ما نصه : " ومعلوم أنه ليس المراد به القرآن قطعًا ؛ فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن , بل عُلمت من السنة , فعلم أنالمراد بـ (كتاب الله) : حكمه , كقوله : ( كتابَ الله عليكم ) [النساء : 24 ] وقولالنبيـ صلى الله عليه وسلم ـ : "كتاب اللهِ القصاص" في كسر السن ؛ فكتابه سبحانه يطلق على كلامه وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .انتهى.
ثم رأيت نحوه في " شرح السنة " ( 10/ 279 ) للبغوي , و "التمهيد" لابن عبد البر ( 9/78 ) و"الفصول" ( 2 / 259 ) للجصاص .
وهذا يتطابق مع قول عليٍ في شراحة الهمدانية : "جلدتها بكتاب الله , ورجمتها بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وبهذا يزول الإشكال من أصله , ولكن قد يقول قائل : ما معنى قول عمر: " لولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في " المصحف " , فإني قد خشيت أن تجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به" ؟!
قلت : هذا اللفظ لا يستقيم إلا على التفسير المذكور ،ومراد عمر كتابته على حاشية مصحفه (2) لحفظه ؛ فكراهيته للزيادة في " المصحف " , هي التي جعلته بادئ بدء يمنع من تدوين الحديث.
قال النحاس في "الناسخ والمنسوخ " ص ( 9):
" وإسناد الحديث صحيح ؛ إلا أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة , ولكنه سنة ثابتة , وقد يقول الإنسان : كنت أقرأ كذا لغيرالقرآن , والدليل على هذا أنه قال : ولو لا أني أكره أن يقال : زاد عمر في القرآن لزدته " . فهو إذاً ليس من القرآن نعم ؛ هو حكم مثبت عنده , ولكنقام دليل من الخارج يمنع إثباته في " المصحف " , ولو كان قرآناً لبادر عمر ولم يعرج على مقال الناس ؛ لأن مقال الناس _ حينئٍذ _ لا يصلح مانعًا (3) .
يتبع ...