قال الأصمعي _ رحمه الله_:
تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة...
وأما جريرفله: 300 قصيدة..
ما علمته سرق شيئا إلا نصف بيت"
{مراتب النحويين صـ59}
قال الأصمعي _ رحمه الله_:
تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة...
وأما جريرفله: 300 قصيدة..
ما علمته سرق شيئا إلا نصف بيت"
{مراتب النحويين صـ59}
جزاك الله خيرا، فائدة جيدة.
فسئل الأصمعي عنه فتحرج أن يذكره
http://majles.alukah.net/showpost.ph...9&postcount=29
وهل يصح هذا عند المعتنين بذلك؟ أم في الأمر مبالغة؟
ينبغي قبل الحكم معرفة مقصود المتقدمين بالسرقة؛ إذ هي عندهم أعم مما نفهمه نحن.
فإذا كان المعنى الذي يقوله الفرزدق قد سُبِق إليه ولو بقصور، فاستعماله يعد عندهم سرقة حتى وإن لم يعرفه الفرزدق.
ثم إن السرقات عند أهل البلاغة أنواع، فمنها ما هو مذموم ومنها ما هو محمود، وما بينهما.
وينظر في هذا ما ذكره ابن وكيع في مقدمة كتابه المنصف.
قال الآمدي:
" السرقات باب مايعرى منه أحد من الشعراء إلا القليل"
[ الموازنة 1/138]
هنا نظر آخر:
قال أحمد الحربي:
كثيراً ما يُنسب إلى الأصمعي مقالةٌ لم يقلْها ولم تثبت عنه، وفي هذه المقالة يساورني الشك في صحة نسبتها إليه، فهل يعقل أن يسطو الفرزدق في شعره كله على الشعراء قبلَه! ولا ينتبه إليها جريرٌ مثلاً وهو ألدُّ أعدائه! ولا يطفن لها الأدباء المعاصرون له، أو الذين أتوا بعده بعِقدٍ أو عقدين أو ثلاثةً! الأمر محيِّرٌ ويبعث على الشك في صحة نسبة المقولة للأصمعي.
ومن نَحْلِ الأصمعي وتقويله ما لم يقلْه تلك القصيدة المشهورة (صوت صفير البلبلِ) ، فلم توجد في كتب المتقدمين، وما ذكرها إلا واحدٌ نسيت اسمه أظنه جاء في المائة الخامسة
لا أظن شاعر تميمٍ يعجز عن الابتكار
قد نسب إلى الأصمعي وغيره أشياء لا تصح، ولكن هذه العبارة بعينها صحيحة عن الأصمعي.
فقد رواها أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي في كتاب فحولة الشعراء.
كما أن أبا الطيب في مراتب النحويين لا ينقل عن هؤلاء العلماء إلا ما صح له من رواية الثقات.
الجواب عنه سهل ؛ لأنه مبني على فهم غير صحيح لمعنى السرقة عند المتقدمين .
لأن السرقة كما قلنا هي الإتيان بمعنى قد سبق الشاعر إليه، حتى وإن كان بيته أفضل من السابق، وحتى إن لم يكن يدري أنه قد سبق أصلا، والسرقات عند البلاغيين ثلاثة أنواع: النسخ والمسخ والسلخ، فالأولان مذمومان والأخير محمود، وقد فصل في ذلك ابن وكيع في مقدمة المنصف فذكر أنواع السرقات المحمودة والمذمومة، هذا أولا.
وأما ثانيا، فمَن الذي قال إن الأصمعي لم يسبق إلى ذلك؟ أنا لا يحضرني الآن نص بعينه عمن سبق الأصمعي، ولكن أحسب أن مثل هذا قد مر علي لمن هو أعلى رتبة من الفرزدق أصلا.
وأما ثالثا، فمن قال إن جرير لم يفطن لذلك؟
ألم يقل جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي ..... فلا عيا بهن ولا اجتلابا ؟
فهذا تعريض بالفرزدق أنه يأخذ شعر غيره ويجتلب معانيه.
وأما رابعا، فيمكن قلب استدلال الحربي عليه فنقول: إذا فرضنا أن الأصمعي لم يسبق إلى قوله، فقد مر على قوله مئات السنين ولم يتعقبه أحد من العلماء المعتبرين، فكان ماذا؟
وأما خامسا، فقد صرح العلماء بأن جريرا كان يتهم الفرزدق بالانتحال، كما جاء في العمدة لابن رشيق أن جريرا كان يرمي الفرزدق بانتحال شعر أخيه الأخطل بن غالب، وقال فيه:
ستعلم من يكون أبوه قيناً .......... ومن كانت قصائده اجتلاباً
ثم إن قصائد جرير مليئة بالفحش العظيم الذي لا تكاد تجد له نظيرا، فما حاجته إلى الإزراء على الفرزدق بالسرقة وهو يرميه بما هو أشنع بمراحل !
وليس المقصود تفضيل جرير على الفرزدق أو الانتصار للأصمعي، وإنما المقصود بيان الوجه الذي ينبغي حمل الكلام عليه وعدم الإسراع إلى تخطئة العلماء، ويقل في المعاصرين من يعرف أن الأصمعي كان من كبار نقاد الشعر، لا أنه فقط من كبار علماء اللغة.
والله تعالى أعلم.
وقد جاء في الوساطة للجرجاني :
(( وقد ادعى جرير على الفرزدق السرق فقال:
سيعلم من يكون أبوه قينا ..... ومن عرفت قصائده اجتلابا
وادعى الفرزدق على جرير فقال:
إن استراقك يا جرير قصائدي ..... مثل ادعاك سوى أبيك تنقل ))
وقد قال قبل ذلك:
(( والسرق -أيدك الله- داء قديم، وعيب عتيق، وما زال الشاعر يستعين بخاطر الآخر، ويستمد من قريحته ويعتمد على معناه ولفظه )).
غفر الله ذنبكم أبا مالك..
وشكر لكم سعيكم.
(من أحمد الحربي):
الشكر موصولٌ إلى الأستاذ أبي مالك العوضي، فنقاش مثله مثمرٌ إن شاء الله ، والغرض الفائدة ليس إلاّ..
أخي الحبيب أبا مالك.. ما كنتُ أقصد إلا السرقة التي تفضلتَ ببيانها، لا أن يأخذ قصيدةً بكاملها وينتحلها لنفسه! مع إنه حدث أن انتحل كلا الشاعرين أبياتاً لغيرهما، بل ربما قصائد إن لم تخُنِّي الذاكرة.
ومع أني جريريُّ النزعة! إلاّ أن قبول اتهام جريرٍ للفرزدق! لا يصح الأخذ به في عالم القضايا! لإنه خصمٌ ولا تُقبل شهادة الخصوم في بعضهم، إلا مع الإقرار.
أيضاً فلو قلبنا على جريرٍ الاتهام لكان صحيحاً ، لإنه حتى جريرٌ يسرق من غيره، فليست كل قصائده مبتكرة المعاني وليدةَ قريحته! وهذا عامٌ في الشعراء، ولو قيل إن كل الشعراء بلا استثناء يسرقون لما كان القائل بعيداً عن الصواب.
ولا يصح قول الأصمعي بأن جريراً ليس له حظٌ من السرقة إلا نصف بيت، فقد قال ابنُ رشيق القيرواني في العُمدة : " وأما الانتحال عندهم فقول جرير:
فإن الرواة مجمعون على أن البيتين للمعلوط السعدي انتحلهما جرير، وانتحل أيضاً قول طفيلٍ الغنوي:
إن الذين غدوا بلبِّك غـادرواوشْلاً بعينِك لا يـزال معينـاغيّضْن من عبراتهن وقُلْن ليما ذا لقيتَ من الهوى ولقينا
انتهى من كلام ابن رشيق
ولما التقى الحيّان ألقيتِ العصاومات الهوى لما أُصيبتْ مقاتلهْ
لو قَبِلْنا شهادة جريرٍ هنا لقبلنا شهادته بأن الفرزدق قينٌ حقّاً وواقعاً ... الخ من النعوت التي نعت بها الفرزدق، فيلزم من قبول القول هنا قبول القول هناك، وهيهات هيهات! إذن.. فما عدا جريرٌ إلاّ أن أراد أن يغيض خصمه بذلك الاتهام، ولو كان غير صحيح ولا واقع! وهذه خصوصية شعر الهجاء.
زيادةً على ذلك فإنه يلزمك إن قبلتَ شهادة جريرٍ في الفرزدق! قبول قول الفرزدق في جرير حين رماه بنفس التهمة فقال فيه:
إن تذكروا كرمي بلؤم أبيكمُوأوابدي تتنحّلوا الأشعـارا
أما قولك : " ثم إن قصائد جرير مليئة بالفحش العظيم الذي لا تكاد تجد له نظيرا، فما حاجته إلى الإزراء على الفرزدق بالسرقة وهو يرميه بما هو أشنع بمراحل !" فهذا غير دقيقٍ في نظري! بل إن الرمي بالسرقة أشنع بكثيرٍ وأفَتُّ في عضُد الخصم من الرمي بالعظائم التي في أغلبها لا حقيقة لها، فكونك تأتي إلى الخصم وتشكك في سلاحه الذي يتجاسر به، فهذا أشدُّ إيلاماً من غيره، بل ما تجمهر الناس حولك إلا بسبب سلاحك الشعري، ولو نثرْتَ دفاعك عن نفسك وبلغتَ ما بلغتَ من البيان لانصرف الناس من حولك! لتمكن خصمك من السلاح وعريِّك منه.
يا أخي الكريم ، تسعة أعشارٍ! هذه ليست بالنسبة الهيِّنة! وما أبعدها عن الصواب وأقربها من الجور، وهل تتصور من عصرٍ به الفحول من الشعراء الكبار والنُّقّاد وأهل اللغة ورُبّان سفينتها، ثم يمر عليهم الفرزدق بتسعة أعشارٍ من الشعر المسروق المعاني والأفكار! ثم لا ينتبهون له! هذه جنايةٌ على عصرٍ بكل ما فيه من كوادر!
وأيضاً ، فلا يُسلّم قبول القول هكذا اعتباطاً دون سرد قصائد الفرزدق والإشارة في كل قصيدةٍ إلى موطن السرقة، وذكر من سرَق منه!
من جهة أخرى؛ فإن في هذا إنقاصاً من قدْر جرير، حين يرضى جريرٌ أن يُجري نقائض لعقودٍ من السنين مع من لا يستطيع أن يأتي إلا سارقاً.
أخي الكريم لا يهمنا من أقسام السرقات في شيء إلا القسم المذموم، لإن القول بأن تسعة أعشار الفرزدق سرقة جاء مجيء الذم وسِيق مساق القدح، فلا داعي للتنويه عن التقسيم.
أخيراً من باب الفائدة، قال الرواة والنقاد : قلّ بيتٌ إلا وقد أُخِذ خلا بيت عنترة في الذُّباب:
فترى الذُّباب بها يُغنِّي وحدههزجاً كفعل الشارب المُترنِّمِغرِداً يسُنُّ ذراعـه بذِراعِـهفِعل المُكِبِّ على الزِّناد الأجذمِ
بورك فيك
هذا الكلام إن صحت نسبته إلى الأصمعي، فهو لا يصح في باب نقد الشعر وتذوقه، وغير مقبول، بل إن الاعتماد على مثل هذه الأقوال في مجال البحث العلمي مضلل إلى حد بعيد، وغير علمي، أيا كان مفهوم السرقة عند الأصمعي أو القدماء أو المعاصرين، والأصمعي من اللغويين لا من نقاد الشعر
وفقك الله وسدد خطاك
قولك إن الأصمعي من اللغويين وليس من نقاد الشعر من أعظم الخطأ، ومن أكبر البهتان على هذا الرجل.
بل هو من أكبر نقاد الشعر المعدودين على الأصابع في تاريخ العربية كله، وعدم المعرفة بهذا لا يخول لنا أن تطلق الكلام هكذا من غير بحث ونظر.
الأصمعي عفا الله عنه تحامل على الفرزدق لهجاء الفرزدق باهلة قبيلة الأصمعي
(نظر آخر من أخونا: السلفي):
لعل الصواب أيها الأحباب و العلم عند رب الأرباب قول المرزباني في<الموشح> بعد أن ذكر قول الأصمعي مسندا:<و هذا تحامل شديد من الأصمعي و تقول على الفرزدق لهجائه باهلة،و لسنا نشك أن الفرزدق قد أغار على بعض الشعراء في أبيات معروفة،فأما أن نطلق أن تسعة أعشار شعره سرقة فهذا محال،و على أن جريرا قد سرق كثيرا من معاني الفرزدق،و قد ذكرنا ذلك في أخبار الفرزدق>.فهذا قول أقرب إلى الإنصاف و أبعد من الإجحاف.