إن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل

كان بين القاضي أبي حامد المروذي وبين ابن نصرويه العداوة الفاشيه ,والشحناء الظاهرة, فكان إذا جرى ذكرى ابن نصرويه أنشد:
أبى ظاهر العداوه إلا **** طغيانآ وقول ما لا يقال

وكان يقول: والله إني بباطنه في عداوته أوثق مني بظاهر صداقة غيره, وذاك
لعقله الذي هوى أقوى زاجر له عن مساءتي , إلافيما يدخل في باب المنافسه؛ ولهذا استمر
أمرنا أربعين سنه، من غير فاحشه ولاشناعة, ولقد دعيت إلى الصلح فأبيت,فقلت:لانحر ك
الساكن منا, فَلِقَدِيم العداوة بالعقل, والحفاظ من الذمام والحرمه ماليس لحديث الصداقة
بالتكليف والملق.

ولقد وقفني مرة على ضربة تأتت له علي كا ن فيها البوار,كف عنها ,وأخذ بالحسنى ,فأ ريته أختها ,وكانت خافية عنده ,فقال:لولا علمي بأنك تسبق الي مثل هذه ماقبلتك بتلك ,فقلت :هو والله ذاك .ووالله لقد ضرني ناس كانوا ينتحلون مودتي ,ويتبارون في صداقتي؛لضعف نحا ئزهم
ولؤم غرائزهم , ولقد ثبت لي هو في عداو ته على عقل و تذمم ،افضيا بهم الى سلامة الدين ، والنفس ، والحال .
وورد معز الدوله هذه المِصر,فسأله عني سراً ،فأثنى خيراً ، وقا ل : ما قطن
مصرنا غر يب أعضم بر كة منه ،وإنه لجمالنا عند المباهاة ،ومفزعنا عند الخلا ف !
ولقد سألني معز الدولة عنه سراً ،فأ ثنيت خيراً ،وقلت :أيها الاْمير ،والله ما
نشأت فتنة في هذا المصير إلا وهو كان سبب زوالها ،وإطفاء ثائرتها, وإعادة الحال إلى غضارتها ونضرتها!
فقال معز الدوله لأبي مخلد سراً: كيف الحال بينهما ؟ـ يعنينا ـ فقال: بينهما نبوٌّ لاينادى
وليده , وتعاد لايلين أبدا شديده.

فقال: لئن كان كما تقول فإنهما ركنا هذا البلد, وعدتا هذا السواد, اجعلهما عيني أبصر بهما أحوال الناس في هذا المكان, وأعوِّل عليهما في مايريان ويشيران , فخلا بي أبو مخلد وبصاحبي , وتقدم إلينا عن صاحبه بما زادنا بصيره وتألفا إلى هذه الغايه.

ثم قال أبو حامد : والله إن عداوة العاقل لألذُّ وأحلى من صداقة الجاهل؛ لأن الصديق
الجاهل يتحاماك بعداوته، ويهدي إليك فضل عقله ورأيه, ومن فضل عداوة الجاهل أنك لاتستطيع مكاشفته حياءاً منه، وإيثاراً للإرعاء عليه، ومن فضل عداوة العاقل
أنك تقدر على مغالبته بكل مايكون منه إليك.