إثبات تسمية الملكين اللذين يفتنان الميت في قبره بـ"منكِر ونكير" ،
لفضيلة الشَّيخ د.خالد بن قَاسم الرَّدَّاديّ ـ حفظهُ اللَّـهُ تعالى ـ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المكرم الأخ الفاضل.......فقد سئلت وفقك الله عن صحة تسمية الملكين بـ(منكر ونكير)وهل وردفي السنة شيء صحيح في هذا الباب؟وأن بعض الناس يزعمون ضعف الأحاديث الواردة في هذا!
والجواب عن سؤالك -وفقني الله -وإيّاك لما يحب ويرضى :
اتفق علماء السنة وتواترالنقل عنهم على إثبات تسمية الملكين اللذين يفتنان الميت في قبره بـ"منكر ونكير"،ولم يخالف في هذا سوى المعتزلة ومن شاكلهم من أهل البدع والأهواء،ومصنفا ت أهل السنة في إثبات هذا شاهدة ناطقة !
وأتعجب من بعض المتسرعين الذين لبسوا لباس السنة وادعوا الذب عنها جرأتهم في طرح هذه المسائل عرضة للبحث وإثارة للتشغيب والفتنة وإظهارا لتعالمهم وتنكبهم المنهج السوي ،فإلى الله الشكوى ولاحول ولا قوة إلا به !
سأل أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام أحمد فقال : ((هذه اللفظة (منكر ونكير) تقول هذا أو تقول ملكين؟. قال: نقول منكر ونكير وهما ملكان ))["طبقات الحنابلة"(1/55)،وانظر"الروح"ل بن القيم(ص57)].
وقال أحمد بن القاسم - رحمه الله – : " قلت : يا أبا عبد الله تقر بمنكر ونكير وما يروى من عذاب القبر ؟ فقال : نعم . سبحان الله ! نقر بذلك ونقول . قلت : هذه اللفظ ( منكر ونكير ) تقول هذا أو تقول ملكين ؟ قال : نقول منكر ونكير , وهما ملكان ، وعذاب القبر "["طبقات الحنابلة"( 1/135 )]. .
وقال في "أصول السنة "(31) : (( .. وأن هذه الأمة تفتن في قبورها ، وتسأل عن الايمان والاسلام ، ومن ربه ومن نبيه ، وياتيه منكر ونكير ، كيف شاء وكيف أراد ..)).
وقال الإمام ابن أبي عاصم في "السنة" ( 1/600 ) : " وفي المساءلة أخبار ثابته،والأخبار التى في المساءلة في القبر منكر ونكير ،أخبار ثابتة توجب العلم ، فنرغب الى الله أن يثبتنا في قبورنا عند مساءلة منكر ونكير ،والقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى "(4/258) : " فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة ".
وقال الإمام ابن القيم في كتابه"الروح"(ص52) : ((فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبي ..)).
ونذكر هاهنا حديثين جاء فيهما التصريح بهذا :
1- حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال :
« إذا قُبرَ الميتُ - أو قال : أحدُكم -أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر : النكير ، فيقولان: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجل ؟ فيقول ما كان يقول : هو عبد الله ورسولُه ، أشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدا عبده ورسوله ، فيقولان : قد كُنَّا نعلم أنَّكَ تقول هذا ، ثم يُفْسحُ له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ، ثم يُنَوَّرُ له فيه ، ثم يقال له : نَمْ فيقول : أرجع إلي أهلي فأخبرهم ، فيقولان : نَمْ كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه ، حتى يبعثَه الله من مضجعه ذلك ، وإن كان منافقا قال : سمعتُ الناسَ يقولون قولا ، فقلت مثله ، لا أدري ، فيقولان : قد كُنَّا نعلم أنَّكَ تقول ذلك ، فيقال للأرض : التَئمي عليه ، فتلتئم عليه ، فتختلف أضلاعه ، فلا يزال فيها معذَّبا حتى يبعثَه الله من مضجعه ذلك ».
أخرجه الترمذي في"الجامع "(1071)، و ابن حبان (3117)، وابن أبى عاصم في"السنة"(864) ،والبيهقي في "إثبات عذاب القبر"(1/57)،وابن أبي الدنيا في"القبور "-كما في "اتحاف السادة المتقين "( 10/413 )-،والآجري في "الشريعة"(365)، والرافعى في "التدوين"(3/247) جميعهم من طريق :
عبدالرحمن بن اسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم …الحديث.
قال الترمذي :"حديثٌ حسنٌ غريبٌ".
ولم يتابع أحد :عبدالرحمن بن إسحاق على حديثه ،وإسناده حسن كما في "الصحيحة "(1391).
وعبدالرحمن بن إسحاق هو ابن عبدالله بن كنانة العامري القرشي مولاهم ويقال الثقفي المدني ويقال له عباد بن اسحاق.
قال يزيد بن زريع :ما جاءنا أحفظ منه . وقال أبو بكر بن زنجويه سمعت أحمد يقول: هو رجل صالح أو مقبول. وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه:صالح الحديث . وقال مرة:ليس به بأس . وقال أبو طالب عن أحمد :روى عن أبي الزناد أحاديث منكرة ،وكان يحيى لا يعجبه وهو صالح الحديث . وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين :كان إسماعيل يرضاه . وقال ابن الجنيد عن ابن معين:ثقة هو أحب إلي من صالح بن أبي الاخضر. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين:صالح ،وقال مرة :ثقة وكذا قال الدوري عنه ،وقال مرة :صالح الحديث. وقال ابن المديني :كان يرى القدر ولم يحمل عنه أهل المدينة . وقال يعقوب بن شيبة :صالح .وقال يعقوب بن سفيان:ليس به بأس. وقال العجلي:يكتب حديثه وليس بالقوي. وقال أبو حاتم :يكتب حديثه ولا يحتج به وهو قريب من ابن إسحاق صاحب المغازي وهو حسن الحديث وليس بثبت وهو أصلح من الواسطي . وقال البخاري :ليس ممن يعتمد على حفظه إذا خالف من ليس بدونه وإن كان ممن يحتمل في بعض. وقال إسماعيل ابن ابراهيم :سألت أهل المدينة عنه فلم يحمدوا مع أنه لا يعرف له بالمدينة تلميذ إلا موسى الزمعي روى عنه اشياءه فيها اضطراب . وقال الآجري عن أبي داود :قدري إلا أنه ثقة . وقال النسائي ليس به بأس ولم يكن ليحيى القطان فيه رأي. وقال ابن خزيمة :ليس به بأس . وذكره ابن حبان في "الثقات "،وقال ابن عدي :في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع عليه ولا أكثر منه صحاح وهو صالح الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف يرمي بالقدر.[من "تهذيب التهذيب"(6 / 137 - 139)]. وقال الحافظ في "التقريب"(3812):"صدو ق رمي بالقدر" .
وانظر ترجمته :في "تهذيب الكمال"(3755)(16/519)، و"التاريخ الكبير" (5/ت 834)، و"الجرح والتعديل"( 5 / الترجمة 1000)،و"الكاشف"(1/636-عوامة)، و"الميزان"(2/ت 4811).
قلت : وقد استوعبت الكلام في عبد الرحمن بن إسحاق في غير هذا الموطن ،ومن نظر في ترجمته -كما تقدم- يظهر له أن عبد الرحمن بن إسحاق صدوق له أخطاء خاصة عن أبي الزناد، وروايته هذه ليست منها. وأن كلام الأئمة في ضعفه مطلق، وقيّد ه الإمام أحمد بأنه روى أحاديث منكرة عن أبي الزناد، وقد ساق ابن عدي الأحاديث التي أنكرت عليه في "الكامل"، وليس هذا منها ،مما يدل على أن عبد الرحمن بن إسحاق حفظ هذا الحديث.
2- وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل قال -صلى الله عليه وسلم-:« إذا وضع الكافر في قبره أتاه منكر ونكير فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول لا أدري فيقولان له لادريت..»الحديث.
أخرجه بهذا اللفظ الحافظ أبو عبد الله بن منده في كتاب "الروح والنفس"كما في-"الروح" لابن القيم-: أخبرنا محمد بن يعقوب ابن يوسف حدثنا محمد بن اسحق الصفار أنبأنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا عيسى بن المسيب عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب به مرفوعاً.
وعيسى بن المسيب هو البجلي :ضعفه جماعة ،وقال أبوحاتم:محله الصدق،وقال الدارقطني:صالح الحديث. كما في"الميزان"(3/323)،و"لسان الميزان"(5/394)،والجرح والتعديل"(6/288)،و"السنن"للدار قطني(1 /63).
بيد أن للحديث شواهد وطرقا تقوّيه،قد استوفيتها في جزء مفرد .
قال الإمام ابن القيم في كتابه"الروح"(ص48) بعد أن ساق حديث البراء بن عازب: (( هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث طعن فيه بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه ومساءلة منكر ونكير و قبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر..)).
وتسمية الملكين بـ(منكر ونكير ) جاء عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم-ومن ذلك :
ماأخرجه ابن ابي شيبة في "المصنف "(3/53)(7/114) والبيهقي في "إثبات عذاب القبر"(1/133) من طريق غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن تميم بن غيلان بن سلمة قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء وهو مريض …إلى أن قال أبو الدرداء : (( ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان أسماؤهما منكر ونكير …)).
وهذا اسناد رجاله ثقات غير تميم بن غيلان فإني لم أجد له ترجمه .
وعند الطبراني في "الأوسط "(2/438)من طريق ابن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس قال : (( اسم الملكين اللذين ياتيان في القبر منكر ونكير ..))
قال الهيثمي في "المجمع"(3/54) : (( اسناده حسن )).
وليس كذلك ، بل اسناده ضعيف فإن عبدالله بن كيسان أحاديثه عن عكرمة غير محفوظة وهذا منها ، ذكر ذلك ابن عدي ، والذهبي في "الميزان" (2/475)،والراوي عنه عيسى بن موسى مدلس وقد عنعن .
والاستدلال بما ذكر آنفاً مع إيراد أئمة السلف رحمهم الله في مصنفاتهم في السنة والاعتقاد ونصهم على تسمية الملكين بـ(منكر ونكير)يدل على ثبوت ذلك وأنه ليس مما يقال من قبيل الرأي!
وإليك طرفا من النقول عن الأئمة والعلماء الأكابر في هذا :
-قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري"في شرح السنة"( ص72-بتحقيقي ) : " والإيمان بعذاب القبر ،ومنكر نكير " .
-وقال الإمام قوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة"( 1/249) : " وإن عذاب القبر حق وضغطه القبر حق , وأن منكرا ونكيرا هما ملكان يأتيان الناس في قبورهم يسألان عن ربهم وعن دينهم ونبيهم ".
-وقال أبوبكر الاسماعيلي في "اعتقاد أئمة الحديث"(70) : ((ويؤمنون بمسألة منكر ونكير على ماثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
-وقال شيخ الاسلام في "الأصفهانية" (2/214) : ((اذا ثبتت الرسالة ثبت ماأخبر به الرسول مماينكره بعض أهل البدع كعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وكالصراط والشفاعة ..)).
-وقال الامام الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" (50) :
((وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه .. )).
ونص على هذا كل من :
-أبو جعفر الطبري في "التبصير في معالم الدين "( ص212 ).
-و ابن شاهين "في شرح مذاهب أهل السنة"( ص320 ).
-وابن قدامة في "لمعة الاعتقاد"(26).
-وابن بطة في"الإبانة الصغرى"(240).
-وابن عساكر في "تبيين كذب المفتري فيما نسب الى الامام ابي الحسن الأشعري "(305).
-ومرعي الكرمي في "اقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات" (213).
-والكلاباذي في "التعرف لمذهب أهل التصوف"(57).
-والسفاريني في"لوامع الأنوار البهية" (2/8)
-وصديق حسن خان في "قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر"(133).
وغيرهم من الأئمة خلق كثير وقد استوعبت أقوالهم في جزء مفرد.
هذا ماتيسر ايراده في هذه المسألة على عجالة وقد فصلّت المسألة في كتاب مفرد وسمته بـ"فتح القدير في ثبوت أحاديث تسمية الملكين بمنكر ونكير والرد على من أنكر ذلك"يسر الله نشره ،والله الموفق والمعين.
وكتب:
خالد بن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
19/5/1428هـ
قال سَلمان بنُ عبد القَادر أبو زيد ـ عفا اللَّـهُ عنه ـ :
جزى اللَّـهُ فضيلة الشَّيخ د.خالد بن قَاسم الرَّدَّاديّ ،وباركَ في جهوده ،ونفع بـه .
آمين.