تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: رؤية تربوية: الإيمان هو الحل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    ليبيا الحرة
    المشاركات
    102

    افتراضي رؤية تربوية: الإيمان هو الحل

    طريق الدعوة طويل وشاق، ويحتاج ممن ارتضاه سبيلاً أن يتحلَّى بكثيرٍ من الصبر، ويتخلق بأخلاق المؤمنين الصادقين المخلصين، ومع صعوبة الطريق وشدة وعُورته إلا أنه مطالب بالثبات عليه وعدم الحيد عنه.

    ولمَّا كان تحقيق هذا الأمر من الصعوبة بمكان، فإن على مَن أراد الالتزام به والثبات عليه أن يكون وثيق الصلة بالله، دائم المراقبة له، متحليًّا بالإيمان خلقًا وسلوكًا.

    وعليه فإن "الإيمان" هو المخرج الحقيقي لكل نفس تنكبت الطريق، وبعدت عنه، وانشغلت بما خُلق لها عمَّا خُلِقت له.

    الإيمان هو الحل الحقيقي لاستقامة أي طريق قد اعوج، وهداية كل نفس قد ضلت، ودليل كل عقل مشتت تائه.

    الإيمان هو العلاج الناجع الذي تغلب به رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشاكل عصره، والأسلوب الذي اعتمد عليه في علاج كل ما قابله من عقبات، وإليك أخي القارئ بعضًا من هذا المواقف:

    أولاًُ: الخلاف على أنفال بدر

    من المشاكل الواقعية والتي حدثت في عهد الصحابة- رضوان الله عليهم-، اختلافهم على تقسيم غنائم بدر والتي شهدت وصف أخلاق الصحابة بأنها ساءت يقول عبادة بن الصامت عن الأنفال حين سُئل عن سورة الأنفال: فينا، معشر أصحاب بدر، نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله تبارك وتعالى من أيدينا، وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على بَواءَ، يقول: على السواء (1).

    ويقول عبادة بن الصامت أيضًا واصفًا هذا الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم قائلاً:
    خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبَّت طائفة على العسكر يحوونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يصيب العدو منه غرّة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق منها منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، خفنا أن يصيب العدو منه غرَّة واشتغلنا به، فنزلت ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾
    فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين(2).

    ولكي تدرك أخي القارئ حجم المشكلة يكفي أن تعلم أن فيها سورة من القرآن تحمل اسمها، وتحكي سيرتها، وتعالج أمرها، إنها سورة "الأنفال" فلقد تعرضت آيات السورة لعلاج النفس البشرية، وتربيتها على الإيمان العميق، لافتًا انتباههم إلى الأصل، فلم توجه لهم الآيات أي عتاب، وإنما ذكرت واقعًا هم لامسوه بأعينهم، فكان ذكر الواقع أبلغ من ذكر العتاب، فكان الأمر الإلهي لهم بعد أن زهدهم في الأنفال وأخرجه من حساباتهم، وأفرغ قلوبهم من هم الانشغال به فهو لله ورسوله، أمرهم بثلاثة:

    (1) تقوى الله.

    (2) وإصلاح ذات البين.

    (3) والطاعة لله ورسوله.

    ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾
    ثم استجاش في قلوبهم نداء الإيمان، مستعرضًا صفاتهم التي يحبهم الله فيهم، والتي بها يكمل إيمانهم فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)﴾ وهكذا كان إيمان الصحابة هو المرجع لاستجاشة عواطفهم، واستثارة مشاعرهم للعودة من جديد إلى جادة الطريق، والانتهاء عن الاختلاف على الغنائم وهي صورة من صور السباق على الدنيا.

    أهل الإيمان يكفيهم العتاب:

    يقول الأستاذ محمد الأمين المصري: لم تذكر الآيات شيئًا من أعمال المؤمنين في بدر، ولكن ذكرت عتابًا أليمًا موجعًا يحمل المؤمنين على الرجوع إلى أنفسهم والاستحياء من ربهم، وهناك نقاط أرست الآيات النقاط عليها وبينت نواحي الضعف فيه جليًّا قويًّا، بتصوير ما في النفوس وصفًا دقيقًا رائعًا تشاهد العين فيه الحركات والخلجات، وكل ذلك من شأنه أن ينبه المؤمن ليلمس المسافة بينه وبين درجات الإيمان، التي يهفو قلبه للوصول إليها.

    ولقد كانت الآيات من تربية الحكيم العليم، ويشعر الذوق السليم ها هنا روعة الأسلوب في عرض العتاب بغير عتاب، ولكنه تصوير ما في النفوس تصويرًا يوقن معه العادي من الناس، أنه ما كان لمؤمن صحيح الإيمان أن يتصف بها، ولذلك اقترنت الآيات بتقديم خصائص الإيمان العالية وميزاته الرفيعة التي تصور الفجوة البعيدة بين المؤمن وبين أي إسفاف: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)﴾
    ما ذكرت الآيات عتابًا ولكنها ذكرت واقعًا، وكان ذكر الواقع أبلغ من كل عتاب (3).

    الجو النفسي والتوجيه التربوي:

    إن التوجيه التربوي في إرجاء إنزال جواب السؤال عن الغنائم، يشير إلى أن الأحكام الشرعية ينبغي أن يُهيَّأ لها الجو النفسي الروحي المناسب، لتحتل مكانها اللائق في العقل والضمير، فتثبت وتتمكن، وتؤتي أطيب النتائج، إذ يتجلى فيها أكمل الحلول.

    وهكذا صرف المولى- جل شأنه- عباده المسلمين عن التعلق بالغير أولاً، وبالغنائم ثانيًّا، ليكونوا له من المخلصين الجديرين بنصره، وإتمام نعمته، فلما تفرغوا للخالق وأخلصوا في الجهاد، أكرمهم بالنصر من لدنه, أسبغ عليهم من فضله بأكثر مما كانوا يودون (4).

    ثانيًا: حادث الإفك وظاهرة نقل الكلام والدعاية المغرضة

    حادث الإفك حادث مشهور ومعروف في كتب السير، حادث خاضت فيه الألسن وتجرأت وتحدثت على أطهر بيت عرفته البشرية، وأشرف الناس مكانة ومنزلة، إنه الخوض في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحاولة النيل منه، وتساهل البعض في ترديد المقالة دون تروٍ أو تريص، ويمكنك أن ترجع إلى القصة في موضع ذكرها في كتب السير لتدرك خطورة الحدث ومدى تأثيره على الصف المسلم، وكيف كان هذا التساهل في إحداث بلبلة كبيرة وسط الفئة المسلمة.

    وأريدك أخي القارئ أن: تتخيل معي حال السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تقول "وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي" لتدرك حجم الضرر النفسي عليها.

    وتتخيل معي أخي القارئ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف على المنبر قائلاً "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي؟" لتدرك أثر الكلمة على الشرفاء والأطهار.

    وتتخيل معي أخي القارئ موقفه صلى الله عليه وسلم حين يقول لزوجة عائشة وقد غاب عنه الوحي شهرًا كاملاً "يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ"

    ولكي تدرك خطورة المشكلة وأثرها إليك تعليق أحد الأساتذة وهو يصف أطراف الحادثة: الرسول الكريم:

    "ها هو ذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله، وهو الذروة من بني هاشم.. ها هو ذا يُرمَّى في بيته وفي مَنْ؟ في عائشة التي حلت من قلبه مكان الابنة والزوجة والحبيبة، وها هو ذا يُرمَّى في طهارة فراشه، هو الطاهر الذي تفيض منه الطهارة، وها هو ذا يرمى في صيانة حرمته، وهو القائم على الحرمات في أمته..."

    الصحابي الجليل أبو بكر الصديق:

    "وها هو أبو بكر الصديق- في وقاره وحساسيته وطيب نفسه- يلذعه الألم، وهو يُرمَى في عرضه، في ابنته زوج- محمد صلى الله عليه وسلم- الذي يحبه ويطمئن إليه، ونبيه الذي يؤمن به ويصدقه تصديق القلب المتصل، لا يطلب دليلاًُ من خارجه... وإذا الألم يفيض على لسانه، وهو الصابر المحتسب القوي على الألم، فيقول: "والله ما رُمينا بهذا في جاهلية، أفنرضى به في الإسلام؟" وهي كلمة تحمل من المرارة ما تحمل.."

    الصحابي العفيف صفوان بن المعطل:

    "والرجل المسلم الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل وهو يُرمَى بخيانة نبيه، فيُرمَى بذلك في إسلامه، وفي أمانته، وفي شرفه، وفي حميته، وفي كل ما يعتز به صحابي، وهو من كل ذلك بريء،.. ويعلم أن حسان بن ثابت يروج لهذا الإفك عنه، فلا يملك نفسه إلا أن يضربه بالسيف على رأسه ضربة تكاد تودي به، ودافعه إلى رفع سيفه على امرئ مسلم، وهو منهي عنه، أن الألم قد تجاوز طاقته، فلم يملك زمام نفسه الجريح..."
    وهي مشكلة عامة من الممكن أن تصيب الجماعة المسلمة في أي وقت عندما تترخص في الكلام ولا تتحرج من إذاعة الأخبار دون تثبت أو تبين، وتترك الألسنة تلقي التهم على الآخرين بدون دليل قاطع أو بينة صادقة، فيصبح الصف المسلم حينئذ وكل فرد من أبنائه مهدد بالاتهام، أو غير آمن على نفسه وعرضه من الإشاعات.

    الإيمان هو أسلوب الحل:

    لقد كان الإيمان هو المرجع الحقيقي لحل هذه المشكلة أيضًا حين استثار في نفوس كل من خاض في حادث الإفك حقائق الإيمان المكنونة في قلوبهم، والتي ابتدأها القرآن بتوجيه اللوم والعتاب على كلِّ من خاض وتحدث في هذا الموضوع، وما كان ينبغي عليهم فعله عند سماع مثل هذا الكلام على إخوانهم ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)﴾ (النور) وبهذا التوجيه الذي يحمل عتابًا كله رقةً وحنانًا كانت البداية، فعندما تصل هذه اللمسة إلى أعماق القلب فإنه يكون مستعدًا لتلقي ما بعده وعندئذ كانت الخطوة الثانية، وهي أيضًا دافع داخلي يدفع المؤمن الحق إلى البعد عن مثل هذا، وعدم الخوض فيه مستقبلاً يقول تعالى ﴿يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)﴾

    "يعظكم".. في أسلوب التربية المؤثر، في أنسب الظروف للسمع والطاعة والاعتبار، مع تضمين اللفظ معنى التحذير من العودة إلى مثل ما كان: ﴿يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾
    ومع تعليق إيمانهم على الانتفاع بتلك العظة: ﴿إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.. فالمؤمن لا يمكن أن يكشف لهم عن بشاعة عمل كهذا الكشف، وأن يحذروا منه مثل هذا التحذير، ثم يعودون إليه وهم مؤمنون.

    ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ يعلم البواعث والنوايا والغايات والأهداف، ويعلم مداخل القلوب، ومسارب النفوس، وهو حكيم في علاجها، وتدبير أمرها، ووضع النظم والحدود التي تصلح بها.

    ثالثًا: اختلاف رجلين على ميراث بينهما

    الإسلام يبني دولته على أساس خشية الله والأخوة والحب بين الناس، ولقد كاد المجتمع المسلم أن يحيا بلا قضاء لما أقامه في نفوس أفراد المجتمع من المسلم وضميره من طهارة ونظافة، فقوّى الدافع الذاتي بداخله فجعل هناك حاجزًا كبيرًا وسدًا منيعًا لدى الفرد المسلم بين كل ما يغضب الله تعالى.

    فلقد ربَّى الإسلام الناس على الخوف من الله تعالى قبل الخوف من الناس ومن الخالق قبل المخلوق، فالله أولاً وقبل كل شيء.

    انظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجلان قد اختلفا فيما بينهما على ميراث ليس لأحدهما بيِّنة على الآخر.

    انظر كيف نظر صلى الله عليه وسلم في القضية وهو القاضي بينهما.

    عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ أَوْ قَدْ قَالَ لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَبَكَى الرَّجُلانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لأَخِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِذْ قُلْتُمَا فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ" (5)

    انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يستثير في نفسيهما حقائق الإيمان وفي قلوبهم والتي ستكون حائلاً بينهما وبين الوقوع في أخذ أموال أحدهما بالباطل، فهو يستثير كوامن الإيمان في نفوسهم "فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتي بها انتظامًا في عنقه يوم القيامة" رادًا إياهم إلى إيمانهم، ومذكرًا لهم بحقيقة هذا الإيمان، ومذكرًا لهم باليوم الآخر وهي الحقيقة التي قد يغفل عنها البعض لحظة فيظلم، أو يرتكب مخالفة.

    رابعًا: الأنصار وأنفال حنين

    ومما تعرَّض له الصف المسلم، والدولة الإسلامية تأثر حديثي العهد بالإسلام من الأنصار من الأنفال التي نفلوها بعد غزوة حنين، والتي أعطى فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- وأكثر من العطايا للطلقاء والأعراب تأليفًا لقلوبهم، ولحداثة إسلامهم، وتحبيبًا لهم في الإسلام.

    وكان لكثرة هذه العطايا فقد وجد بعض من حدثاء الأنصار شيئًا في نفوسهم، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاءً عظيمًا، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن الفزازي، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان وقيس بن عدي (6)

    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:"لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ.. قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنَا إِلاَّ امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ.. أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ أَلا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ.. أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ .. أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلامِكُمْ.. أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ.
    قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا".

    وهي طبيعة بشرية من الممكن حدوثها في أي ظرفٍ، وفي أي مناسبة، والإسلام وبما لديه من قوةٍ روحانيةٍ متمثلة في الإيمان في نفوس أتباعه يستطيع التغلب على أي مشكلة، أو سلوك مخالف يريد تغييره، فتغير نفوس بعض الصحابة للعطايا التي أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم، للمسلمين من أهل مكة، والذين انكشفوا في المعركة بفرارهم، وتوليهم منها.

    استجاشة الإيمان:

    كان التغلب على مثل هذا الحدث أيضًا عن طريق استجاشة الإيمان في نفوس الأنصار، وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار "أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ؟".

    "ووكلتكم إلى إسلامكم" إنه الرصيد الضخم الذي يرتكز عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فهو يعلم المدخل الصحيح، فالمشكلة هنا ليست مشكلة مادية أبدًا، إنهم الأنصار الذين اقتسموا مع إخوانهم المهاجرين من قبل أموالهم وديارهم وزوجاتهم.

    "فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا" وهي محاولة أخرى للتذكير بحقيقة الدنيا، وقلة شأنها، وحقارتها بجانب الأجر العظيم بصحبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للأنصار صورةً مؤثرةً: قوم يُبشرون بالجمال، وقوم يصحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابلهم قوم يصحبهم الشاة والبعير.

    لقد أيقظتهم تلك الصورة وأدركوا أنهم وقعوا في خطأ ما كان لأمثالهم أن يقعوا فيه، فانطلقت حناجرهم بالبكاء ومآقيهم بالدموع وألسنتهم بالرضا، وبذلك طابت نفوسهم واطمأنت قلوبهم بفضل وسياسة النبي- صلى الله عليه وسلم- الحكيمة في مخاطبة الأنصار"(7)

    خامسًا: عند الاقتتال الداخلي

    ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾
    "قيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَهُ فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾"(8)

    وهي مشكلة واردة الحدوث في أي زمان وأي مكان، لاختلاف الطبائع البشرية، واختلاف مستويات الإيمان بين العباد بعضهم وبعض، ولا يمكن السيطرة عليها، والقضاء على أمثالها إلا إذا كان هناك رصيدٌ كبيرٌ من الإيمان في داخل كل نفس من الفئتين، فرغم أن الفئتين قد بغيتا، أو أن أحدهما بغت على الأخرى، إلا إن استثارة كوامن الإيمان في نفوسهم، قد يكون بابًا كبيرًا ومدخلاً للصلح بينهما، فالقرآن ابتداءً يصفهم بأنهم مؤمنون.

    وبعد الصلح، وبعد انتهاء الاقتتال فإن الله أيضًا يبدأ باستثارة القلوب، بالتذكير بالأخوة بين الفئتين، والرابط القوي بينهم ألا وهو رابط الإيمان، الذي جمع قلوبهم على التقوى، يقول أحد الأساتذة "ويعقب على هذه الدعوة وهذا الحكم، باستجاشة قلوب الذين آمنوا واستحياء الرابطة الوثيقة بينهم، والتي جمعتهم بعد تفرق، وألفت بينهم بعد خصام، وتذكيرهم بتقوى الله، والتلويح لهم برحمته التي تنال بتقواه : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية 10).

    باستجاشة القلوب، ونداء القلوب في داخل كل مسلم يمكن تصحيح الخطأ، وبأقل مجهود ممكن، فلا داعي حينئذ لتشكيل اللجان، واللجان المنبثقة، ولجان المتابعة، فالتوجيه الإيماني وحده يكفي.

    ------------

    الهوامش:-

    1- مسند الإمام أحمد (5/322) ورقمه (22747) وقال محققو ط/الرسالة: حسن لغيره.

    2- مسند الإمام أحمد (5/324) واللفظ له ورقمه (22762) وقال محققو ط/الرسالة: حسن لغيره. تفسير ابن كثير (2/283)

    3- صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة ص 61

    4- المصدر السابق

    5- مسند الإمام أحمد ح(25492)

    6- معين السيرة ص 421

    7- المجتمع المدني في عهد النبوة ص 219

    8- صحيح البخاري رقم (2494)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فلسطين المحتلة
    المشاركات
    84

    افتراضي رد: رؤية تربوية: الإيمان هو الحل

    الإيمان هو الحل ولا شك

    وإن مجرد الابتعاد عنه سيورث إشكالات متكررة
    وأزمات نفسية حادة

    وتأخرات مستمرة على صعيد العلم والعمل معًا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    578

    افتراضي رد: رؤية تربوية: الإيمان هو الحل

    لكن السؤال :كيف نتحصل على الإيمان ...؟؟؟؟؟؟؟
    الصحابة رضي الله عنهم يقول : تعلمنا الإيمان ثم .......
    أين ميدان تعليم الإيمان ...؟؟؟؟؟؟وأين تعلم الصحابة الإيمان ..؟؟؟؟؟
    إذا أصلحنا أعمالنا التي يحبها الله ونستطيعها ، أصلح الله أحوالنا التي نحبها ولانستطيعها ...!!!

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    578

    افتراضي رد: رؤية تربوية: الإيمان هو الحل

    جزاك الله كل خير ...،،،،،،،،،،
    إذا أصلحنا أعمالنا التي يحبها الله ونستطيعها ، أصلح الله أحوالنا التي نحبها ولانستطيعها ...!!!

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •