سُئل وكيل وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور عبدالله اللحيدان في لقاء نشرته أحد الصحف الطاعنة في العقيدة.
*ما الفرق بين مشاركة المرأة في ميادين البحث العلمي أن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب وبين الخلوة الشرعية المنهي عنها مع الرجال؟
- الخلوة المحرمة أن يكون هناك رجل وامرأة أجنبية في مكان واحد مغلق عليهما، يأمنان الدخول عليهما، وهذه محرمة ولا شك في ذلك، والاختلاط المحرم إذا كان بين الرجال والنساء في مكان يثير الشهوات ويثير الفتنة ونحن نرى الاختلاط في الأسواق وفي الحرمين الشريفين وفي المحلات العامة وفي وسائل المواصلات كالطائرات مثلاً· فالاختلاط، في الأماكن العامة المفتوحة التي يطرقها الجميع لا محذور فيه والمحذور هو الاختلاط المحرم الذي أشرنا إليه فيجب ألا نعمم الأحكام·
أولاً: بالنسبة لتعريفه للخلوة فهو تعريف ناقص، وذلك أنها قد تشمل الخلوة الحسية وإن لم ينفرد الرجل والمرأة في مكان مغلق كما ورد في فتاوى اللجنة الدائمة :
هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما ، بعيداً عن أعين الناس ، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس ؟.
ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط ، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها ، وتدور بينهما الأحاديث ، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما ، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك ، لأن الخلوة مُنعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه ، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيداً عن أعين الناس .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/57
ثانياً: عرف الدكتور عبد الله اللحيدان الاختلاط المحرم بأنه يكون "بين الرجال والنساء في مكان يثير الشهوات ويثير الفتنة"
قلت : هل نسي الدكتور تلك الأحاديث الناهية عن الاختلاط في المسجد وعند الخروج منه وفي الطواف؟ فهل المسجد مكان يثير الشهوة ويثير الفتنة؟
يقول الإمام ابن القيم :( فَرَّقَتْ الشريعة بَيْنَ الرجال والنساء في أَلْيَقِ الْمَوَاضِعِ بِالتَّفْرِيقِ، وهو الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ ، فَخَصَّ وُجُوبَهُمَا بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ، لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ من أَهْلِ الْبُرُوزِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ ) . إعلام الموقعين (2/168)
- عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لو تركنا هذا الباب للنساء" قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. سنن أبي داود 571
- وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " . رواه مسلم رقم 664
- عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال للنساء استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار. حسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة رقم «856»
- قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف يمنعهن ، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟ قلت : أبعد الحجاب أو قبل ؟ قال : إي لعمري ، لقد أدركته بعد الحجاب . قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن ، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال ، لا تخالطهم... صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1618
- قال الحافظ ابن حجر: روى الفكهاني من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة.
ثالثاً: في هذين الدليل الأخيرين ردٌ على قوله : (ونحن نرى الاختلاط في الأسواق وفي الحرمين الشريفين وفي المحلات العامة وفي وسائل المواصلات كالطائرات مثلاً· فالاختلاط، في الأماكن العامة المفتوحة التي يطرقها الجميع لا محذور فيه)
- قال علي رضي الله عنه : ( أَمَا تَغَارُونَ أن تخرج نِسَاؤُكُمْ ؟ فإنه بلغني أن نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ في الأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ ) مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/133)
- قال الإمام ابن القيم : (وَمِنْ ذلك : أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عليه أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ في الْأَسْوَاقِ وَالْفُرَجِ وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ ، الْإِمَامُ مَسْئُولٌ عن ذلك وَالْفِتْنَةُ بِهِ عَظِيمَةٌ : قال صلى اللَّهُ عليه وسلم ما تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ . وقد مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه النِّسَاءَ من الْمَشْيِ في طَرِيقِ الرِّجَالِ وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ في الطَّرِيقِ ، فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يقتدي بِهِ في ذلك . الطرق الحكمية في السياسة (1/406)
- وقال ابن حجر : ( وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضى إلى المحذور وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت ) في فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/336)
- ودليله أيضاً ماسبق ذكره عن رسول الله: (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق) فالرسول هنا ينهى عن الاختلاط في الطريق ووكيل الشؤون الإسلامية يقول (فالاختلاط، في الأماكن العامة المفتوحة التي يطرقها الجميع لا محذور فيه) هكذا دون تفصيل أو قيد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي نهاية هذا الرد أو قل النقولات المعروفة الواضحة لم يبق لي إلا أن أبدي استغرابي عندما مدح اللحيدان جامعة الضرار في سطور عديدة بينما عجز عن التفصيل في مسألتي الاختلاط والخلوة واقتضبهما بهذا الشكل المجمل المخل المغلوط الخالي من الدليل.
رحم الله أئمتنا الكبار ابن باز وابن عثيمين لا يتحدثون إلا بالدليل ولو في أبسط الأمور.