? يُقَسَّمُ الْوَاجِبُ إِلَى أَقْسَامٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهُنَاكَ تَقْسِيمٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ أَدَائِهِ وَآخَرُ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِهِ وَثَالِثٌ بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِهِ وَرَابِعٌ بِاعْتِبَارِ الْمُطَالَبِ بِأَدَائِهِ. هَذِهِ أَهَمُّ تَقْسِيمَاتِهِ وَأَشْهَرَهُا. وَنَتَكَلَّم ُفيِماَ يَلِي عَنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِمَا تَيَسَّرَ:
أَوَّلًا: الْوَاجِبُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَقْتِ أَدَائِهِ
1) وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ: هُوَ مَا اتَّسَعَ وَقْتُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ.
مِثَالُهُ: الصَّلَاةُ، فَقَدْ أَقَّتَ الشَّارِعُ لَهَا أَوْقَاتًا تَتَّسِعُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، فَيُمْكِنُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ ثُمَّ إِتْبَاعُهَا بِصَلَاةٍ أُخْرَى فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، كَمَا يُمْكِنُ أَدَاءُ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ، أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ.
أخرجه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح
وَقَدْ صَحَّ النَّبِيُّ e أَنَّهُ كَانَ يَكْتَنِفُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ بِمِثْلِهَا نَافِلَةً فِي وَقْتِهَا كَالرَّوَاتِبِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
فَكُلُّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَأْقِيتٌ عَلَى الْفَوْرِ فَالْأَصْلُ فِيهِ السَّعَةُ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُبَادَرَةُ لِفِعْلِهِ أَوْلَى فَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً: يَقُولُ تَعَالَى
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
2) وَاجِبٌ مُضَيَّقٌ: وَهُوَ مَا اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ وَقْتِهِ فَلَا يَسَعُ غَيْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ.
مِثَالُهُ: صِيَامُ رَمَضَانَ، لَا يَتَّسِعُ وَقْتُه-شَهْرَ رَمَضَانَ-لِغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَا يُمْكِنُ صِيَامُ النَّافِلَةِ فِي هَذَا الشَّهْرِ. وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّسِعَ لِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَقُولُ تَعَالَى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
ويقول:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
فَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِـ لَا قَضَاءً وَلَا نَذْرًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ