يَا عِيدُ ..!
إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَكُلُّهُ حَتَّى الفَجْرِ لَيْلٌ؛ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ السَّاعَاتُ، وَتَبَايَنَتِ الأَسْمَاءْ. وَإِذَا ذَهَبَتِ العَافِيَةُ؛ فَكُلُّهُ حَتَّى عَوْدَتِهَا دَاءْ. وَإِنْ كَرَّتِ الأَصْبَاحُ وَالأَمْسَاءْ. وَيَسَّرَ المَوْتَ لِلْمَرِيضِ الدَّجَّالُونَ مِنَ الأَطِبَّاءْ. وَإِذَا أُقِيمَتِ الأَحْرَاسُ وَأُحْصِيَتِ الأَنْفَاسُ؛ فَكُلُّهُ سِجْنٌ، وَإِنِ اتَّسَعَ الفِنَاءْ. وَضَخُمَ البِنَاءْ. حَتَّى تُرَدَّ الأَسْلَابُ، وَتَقَرَّ فِي نِصَابِهَا الأَشْيَاءْ:
يَا عِيدُ لَيْتَكً لَمْ تَطْلُعْ عَلَى أَحَدٍ................أ َوْ لَيْتَنِي أَنَا مَا خُلِّفْتُ لِلْعِيدِ
يَا عِيدُ..!
يَا عِيدُ..! عِيدَ الأَعِزَّةِ الأَقْوِيَاءْ؟! أَوْ الأَذِلَّةِ الأَغْبِيَاءْ؟!
أَمَّا الأَوَّلُونْ؛ فَيَمْرَحُونَ وَيَبْطَرُونْ، أَوْ يَشْكُرُونَ نِعَمَ اللهِ لَدَيْهِمْ. وَأَمَّا الآخَرُونْ؛ فَيَهْذُونَ وَيَهْزِلُونَ، وَيَتَخَرَّقُون ْ، وَتَحِقُّ كَلِمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ.
وَكِلَا الفَرِيقَيْنِ فِي التَّبِعَةِ سَوَاءْ.
يَا عِيدُ..!
نَكْذِبُكَ وَنَكْذِبُ أَنْفُسَنَا وَنَكْذِبُ العِلْمَ إِذَا ادَّعَيْنَا أَنَّنَا نُحْيِيكَ إِحْيَاءَ غِبْطَةٍ وَجَذَلٍ؛ فَنَحْنُ لَا نَفْرَحُ.. بَلْ نَحْنُ لَا نَعْرِفُ الفَرَحْ؛ ذَلِكَ بِأَنَّنَا لَا نَحْزَنُ؛ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الحُزْنَ لَمْ يُحْسِنِ الفَرَحْ.
يَكْذِبُونَ..!
يَكْذِبُونَ يَا عِيدُ! إِذَا قَالُوا إِنَّهُمْ يَفْرَحُونَ؛ فَوَاللهِ! لَوْ فَرِحُوا لحَزِنُوا، وَلَوْ حَزِنُوا لَفَطِنُوا، وَلَوْ فَطِنُوا لَمَا أَمِنُوا ، وَلَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَمَا جَبُنُوا وَلَا وَهَنُوا، وَكُلُّ مَا تَرَى وَتَسْمَعُ مِنْهُمْ يَا عِيدُ! إِنَّمَا هُوَ أَصْدَاءٌ وَمُحَاكَاةٌ وَادِّعَاءْ. وَالقَوْمُ أَمْوَاتٌ كَأَحْيَاءْ، وَرِجَالٌ كَنِسَاءْ، وَإِنْ ضَخُمَ القَوْلُ وَعَرُضَ الِادِّعَاءْ.
يَا عِيدُ..!
أَعْزِزْ عَلَى الأُسُودِ بِأَنْ تَنْقَلِبَ حَمَائِمَ؛ تَغْرِيدًا وَهَدِيلَا، وَعَلَى العَوَاصِفِ وَالزَّعَازِعِ أَنْ تَسْتَحِيلَ نِسَائِمَ؛ بَرْدًا وَطِيبًا، وَهَوَاءًا بَلِيلَا، وَأَعْزِزْ عَلَى هَذَا القَلَمِ أَلَّا يُلْهِبَ حَيْثُ يَسْرِي. وَأَلَّا يَكْتَسِحَ حَيْثُ يَجْرِي. وَأَلَّا يُصِرَّ بَيْنَ يَدَيْ الحُتُوفْ. وَفِي ظِلَالِ السُّيُوفْ. وَحَيْثُ تَتَقَوَّضُ الصُّفُوفُ؛ فَتَقُومَ مِنْ وَرَائِهَا الصُّفُوفْ.
يَا عِيدُ..!
وَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي سُيُوفُهُمْ .........نَطَقْتُ، وَلَكِنَّ السُّيُوفَ أَجَرَّتِ
يَا عِيدُ..!
لَا أَدْرِي لِمَ يُسَمُّونَكَ عِيدًا؛ أَلِلْأَصْبَاغِ وَالأَلْوَانْ؟ أَمْ لِلْجَدِيدِ الزَّرِيِّ مِمَّا يَحْمِلُونَ مِنْ أَكْفَانْ؟ أَوْ يَجُرُّونَ مِنْ أَرْسَانْ؟ أَلَا شَاهَتِ النُّفُوسُ! وَشَاهَتِ الوُجُوهُ وَالأَزْيَاءْ!
يَا عِيدُ..!
كَانَ سَلَفُ هَذَا الخَلَفِ يُحْيُونَ أَيَّامَكَ فِي بِلَادِ أَعْدَائِهِمْ فَاتِحِينَ أَقْوِيَاءْ، وَلَكِنَّ خَلَفَهُمْ يُحْيِي أَعْدَاؤُهُمْ أَيَّامَكَ فِي بِلَادِهِمْ سَادَةً أُصَلَاءْ، وَيُحْيُونَكَ هُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَبِلَادِ آبَائِهُمْ غُرَبَاءَ طُرَدَاءْ؛ فَأَيُّ عِيدٍ أَنْتَ؟ إِلَّا إِذَا بُدَّلَتِ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ، وَعَادَتِ السَّمَاءُ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ، وَمَا ذَلِكَ بِعَزِيزٍ عَلَى اللهِ ثُمَّ عَلَى المُسْتَبْسِلِي نَ الأَقْوِيَاءْ!
سُلَيَمَانُ التَّاجِي الفَارُوقِي
"الحَدِيقَةُ" لِمُحِبِّ الدِّينِ الخَطِيبِ (14/56-60)
اقْتَطَفَهَا لَكُمْ: أَبُو قَتَادَةَ