افتح قلبك للنقد :
"رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب "

جملة تحوي من المعاني الكثير وتتضمن قوة في الرأي ، وتدل على فقه قائلها ، وليس ذلك فحسب ؛ بل إنها تدل على عقل راسخ وفكر واع ليس له نظير ..
نعم ؛ فقد قال الإمام أحمد : (إن فاتني إسناد بعلو أدركته بنزول ، وإن فاتني عقل هذا – يشير إلى الإمام الشافعي - فمتى أدركه )
نعم تلك سمة تنطق بها هذه المقولة التي أثرت عنه – رحمه الله تعالى – ، ولعمري إن الأمر لكذلك فها هو شيخ البلاغة في عصرنا الشيخ محمد محمد أبو موسى ، يقول :
{وغزارة عقل الشافعي تكاثر بها علمه فصار علمه في رجاحة عقله وعقله في رجاحة علمه ، ومثل هذا قليل في العلماء ، وقد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر وهو من أعلم أهل زماننا بالفقه والحديث أنه يعتقد ((غير غال ولا مسرف أن هذا الرجل – يعني الشافعي – لم يظهر مثله من علماء الإسلام في فقه الكتاب والسنة ونفوذ النظر فيهما ودقة الاستنباط ))}
نعم أخي الكريم هذا هو عقل الشافعي -يرحمه الله تعالى - صاحب كتاب الرسالة في الأصول والتي لاتزال كأنها كتبت هذا اليوم ، فكما يقول : محمد محمد أبو موسى – أيضا - :
(فهناك نصوص كلما تقادم بها الزمان ازدادت عطاء وسخاء ونفعا وازداد العقل المعافى منها اقترابا وعناية ، وتجدها أحدث حداثة وأكثر جدة واشد غضارة وأعذب ماء ورونقا من كلام كثير تقرؤه ولم يجف مداد كاتبه بعد .
والأمر كما قال أبو تمام في وصف قصيدته ((ابنة الفكر المهذب في الدجى ))
ويزيدها مر الليالي جدة
... وتقادم الأيام حسن شباب .
بل ؛ قد قال الإمام المزني – رحمه الله - وهو من هوعلما وفقها منذ خمسين سنة وأنا أقرأ كتاب الرسالة ، وكلما قرأته مرة استفدت منه مالم استفده من قبل )
ثم هاهو الشافعي يفتح قلبه وصدره للنقد ويفتح مساحة واسعة من الخلاف وهو يقول :
(رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيي غيري خطأ يحتمل الصواب )
هل رأيت تعبيرا للشافعي يقول فيه : القول الفصل
أو القول القاطع ؟!!
أبدا لن تجد !!
أتدري لماذا ؟
لأنه كان واسع العلم غزير المعرفة راسخ العقل قد أوتي علما وحكمة فهو صاحب مذهبين وواضع علم الأصول ، أما أولئك الذين يستخدمون تعبير : القول الفصل فيما هو داخل إطار الاجتهاد فهؤلاء لايزال بينهم وبين الرسوخ في العلم ورجاحة العقل مسافة كبيرة ، أو أولئك الذين ينظرون إلى رأيك نظرة متجاهل أو متغافل فإنما دفعهم إلى ذلك ضيق مساحة التفكير في عقولهم وقصر نظرتهم لأنهم لا يدركون أن نقد الرأي هو الذي يعطي الفكرة المدى الواسع تتحرك فيه بحرية ، ويزيدها قوة ورسوخا ، ويمنحها حيوية به تبقى حية تنمو وتتطور من نقد إلى آخر ؛ فينجبر ما فيها من نقص ويتضح مافيها من غموض ويفصل المجمل منها ويظهر الخيط الفاصل بين الحقيقة فيها والمجاز .
و النقد هو الذي يولد الأفكار ، فالأفكار سلسلة متصلة ببعضها ؛ حلقة الوصل بينها هو النقد ،
كما يتضح ذلك في ترجمة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم في سير أعلام النبلاء يقول الإمام الذهبي : (( قلت : له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب في الرد على الشافعي ،وكتاب (أحكام القرآن ) وكتاب (الرد على فقهاء العراق )وغير ذلك ، ومازال العلماء قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض في البحث والتواليف وبمثل ذلك يتفقه العالم وتتبرهن له المشكلات ))
انظر- يارعاك الله – إلى قوله : (وبمثل ذلك يتفقه العالم وتتبرهن له المشكلات)
كذلك كان سلفنا الصالح – يرحمهم الله – يتعاملون مع الخلاف في الرأي مما أتاح لهم صناعة نهضة علمية لم تكن في أمة من قبل ، ولم يتوقفوا عند هذا الأمر بل لقد كان كل واحد منهم يستدرك على أخيه ما يرى أنه قد فاته ، ليس في مجرد آراء فقهية ولكن فيما هو أشد من ذلك .
فانظر إلى الإمام الحاكم وهو يعلم علم اليقين منزلة الجامع الصحيح للبخاري بين علماء الأمة وكيف أن الأمة تلقته بالقبول ؛ والأمر نفسه مع صحيح الإمام مسلم -رحمهم الله جميعا- لم يمنعه ذلك أن يكتب مؤلفه الشهير (المستدرك على الصحيحين )!!!
يا ألله ..يستدرك على الصحيحين ...!!!!
نعم نعم ، يستدرك على الصحيحين ، لأنه أدرك روح هذه الشريعة وفقهها وأدرك واجبه بما أوتي من علم .
فماذا كان موقف علماء زمانه ؟؟
أحرقوا كتابه ؟!
أم أعلنوا كفره وظاهروا عليه الملأ ؟!!
لا لا على رسلك فقد تلقوا كتابه بالقبول وجعلوه جنبا إلى جنب مع الصحيحين واستدركوا عليه أيضا ...
لأنهم عرفوا كيف يتحارون وفقهوا كيف يختلفون ،،ولذلك اتفقوا .....
لأنهم أدركوا كيف يختلفون ,,,ونحن لن نتعلم كيف نتفق إلا إذا تعلمنا كيف نختلف ..

ترى لو كان الحاكم في زماننا ؛ أكان سيمتلك الجرأة على أن يستدرك على الصحيحين .؟!!!
إن الواحد منا لا يستطيع أن يستدرك على كاتب من الكتاب إلا وقيل له :
وكيف تتجرأ أن تستدرك عليه أو أن ترد عليه ؟!!
أو قيل له على أحسن الأقوال : ومن أنت حتى تستدرك
عليه ، مع أن الأمر لا يعدو ان يكون وجهة نظر في مسألة إدارية أو فنية بعيدا عن المجال الفقهي ؟؟
وانظر - يارعاك الله - إلى المحققين من علمائنا كيف كانوا يقدرون الرأي ويقبلونه بقبول حسن مع الرد عليه ونقده النقد الموصل إلى طريق الهداية والرشاد ، حتى إن مؤلفاتهم كانت تحمل عناوين تدل على مقدار تقديرهم للرأي المخالف ،وهاهو الإمام السيوطي – يرحمه الله – يؤلف رسالة في هذا المقام ، بعنوان
( جزيل المواهب في اختلاف المذاهب )
وفي مقدمتها يقول : (فصل: اعلم أن اختلاف المذاهب في هذه الملة نعمة كبيرة وفضيلة عظيمة ، وله سر لطيف أدركه العالمون ، وعمي عنه الجاهلون ...)
وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية يؤلف رسالته الماتعة :
(رفع الملام عن الأئمة الأعلام )
بل ولا تذهب بعيدا ولا تعجب إذا قلت لك :إنهم جعلوا من خصائص هذه الأمة ما نصه : (إجماعهم حجة ، واختلافهم رحمة واسعة )
وممن حكى هذه المقولة العلامة القسطلاني الشافعي في كتابه (المواهب اللدنية ) ومنهم الإمام ابن قدامة الحنبلي – رحمه الله – في مقدمة كتابه المغني قال :
(أما بعد : فإن الله برحمته وطوله ...جعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام ، مهد الله به قواعد الإسلام ، وأوضح بهم مشكلات الأحكام ، اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة ، تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ))
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه النافع المبارك ((جامع العلوم والحكم )) في شرحه لحديث (الدين النصيحة ): ( ومن انواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله – وهو مما يختص به العلماء – رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة وبيان دلالتهما على مايخالف الأهواء كلها ، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها )
ولم يقتصر النقد لدى علمائنا على ذلك بل لقد ذهبوا بعيدا فيما يتعلق بشان الحديث النبوي وقالوا : لابد هنا من قواعد وضوابط لحفظ الحديث النبوي وحمايته من الوضع والتحريف ، فكانوا أول أمة تنشئ علما جديدا للنقد :
وهو (الجرح والتعديل ) ووضعوا فيه من القواعد التي تريك كيف أنهم لم يكن هدفهم التشهير بهذا أو بذاك وإنما مرادهم حفظ الحديث النبوي دون مجاملة لأخ أو مداهنة لحاكم أو تزلف لسلطان ‘ أبدا فما أرادوا ذلك ، وأنت لو تتبعت القواعد والضوابط التي وضعوها لتبين لك ذلك بوضوح :
(فالواحد منهم كان يتحرى في المسائل الخلافية الاعتدال والإنصاف ، واتباع ما يقوم عليه الدليل من غير تشنيع على المخالف ولاتحامل )
بل لا تعجب أبدا فهناك ماهو أكبر من ذلك
لقد جعلوا الخلاف علما ، ومن لم يفقه الخلاف بينهم فليس بفقيه !!
حتى قال العلامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : ((
وهو لعمري – أي علم الخلاف - : علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال فيما يرومون الاستدلال عليه .... ))
بل لقد كانت المسائل لدى الإمام الواحد فيها أقوال متعددة ، فالإمام أحمد – رحمه الله – وهو من هو في اتباع الأثر والتزام السنة تجد أنه قد يختلف في المسألة الواحدة إلى روايتين أو ثلاث روايات أو أكثر من ذلك ، وهو أمر لم ينفرد به الإمام أحمد بل شاركه سائر العلماء في ذلك ، حتى إن أحد الباحثين قام بدراسة لنيل درجة الماجستير تحت عنوان : (المسائل الفقهية التي لم يختلف فيها قول للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه : جمعا ودراسة مقارنة )
(من أراد استعارتها فهي عندي )
يا سبحان الله ، المسائل التي لم يختلف فيها قول يمكن حصرها ، على ماذا يدل هذا مع وجود آلاف مؤلفة من المسائل ، ألا يدل على أن دائرة الخلاف كانت واسعة ...
بل لقد حرروا المصطلحات التي يستخدمونها تحريرا بليغا ، وجعلوا لكل مصطلح معنى يراد ، وربما كان للمذهب الواحد مصطلحات تختلف عن غيره من المذاهب :
فهناك – مثلا – تعبيرات من قبيل :
الصحيح والأصح .
الظاهر والأظهر ........
الراجح والمرجوح .
وهذا كله يرينا مدى اتساع دائرة الخلاف ومدى تقبلهم له بضوابطه وحدوده الشرعية دون إفراط او تفريط ، ولا يلج باب االاجتهاد – حينئذ- إلا من كان على علم بين بهذا الخلاف ليكون اجتهاده أقرب إلى الصواب .
ترى لولا أنهم اتسعت صدورهم للخلاف ، وجعلوا منه علما مستقلا أكان يصل إلينا هذا التراث العظيم من مؤلفاتهم التي وضعوها ومن أفكارهم التي ولدها ذلك الخلاف ، والواحد منهم كان يتمنى أن يكون الحق على لسان مخالفه ...
حتى قال الإمام الشافعي نفسه ماناظرت أحدا إلا تمنيت أن يكون الحق على يديه )
أرايت مثل هذا التجرد للحق والنصرة له .
إمام لا يجد أدنى حرج في أن يظهر الحق على لسان خصمه ،لأنه لم يختلف معه لمجرد ، (خالف تعرف ) أو لمجرد أهواء تأخذه ذات اليمين وذات الشمال أو كبرا قد سكن صدره ماهو ببالغه ؛ لا – والذي خلقنا مختلفين – ماكانوا يرومون إلا نصرة الحق واتباعه مراعين في ذلك العدل والإنصاف الذي تميزت به هذه الأمة كونها أمة وسطا ..
ألم يؤسس هذا الإمام لمذهب جديد ، حتى أصبح له مذهبان : القديم والجديد ، وأصبح المذهب الجديد هو المعتمد باستثناء مسائل محدودة من القديم ، فماذا كان موقف علمائنا الأوائل ؟
هل أحرقوا مذهبه القديم ليتخلصوا منه مادام انه قد رجع عنه ؟؟!
كلا ؛ بل ازدادوا له دراسة وتنقيحا ليكون هاديا لهم إلى الوصول إلى أقرب قول يرجحونه ؛ بل بلغ من عدلهم أن أبقوا الأحاديث الموضوعة كما هي ودونوها في كتب مستقلة ، ولم يخشوا تقول قائل ، أو تطفل متطفل لأنهم قد حفظوها بقواعد وضوابط محددة ، بل أخذوا في دراسة الإسناد دراسة واعية فاحصة ، ووضعوا لذلك المؤلفات الكبيرة وتتبعوا سير الرجال فكان هذا طريقا إلى تدوين السير والتراجم بشكل لم تسبق إليه أي أمة من قبل .
وخصصوا كتبا يتتبعون فيها عدالة الرجل أو جرحه بدون أن يقعوا في عرضه أو ان يقعوا في غيبته .
ولو أنك طالعت مكتبة الجرح والتعديل والسير والتراجم لرأيت العجب العجاب من العلوم والقواعد التي تفرعت عن دراستهم للأسانيد ، ويتقدمهم الإمام الذهبي بما زود مكتبة الجرح والتعديل من كتب لا نظير لها ، فمن أهم كتبه في هذا المجال : (ميزان الاعتدال ) و(المغني في الضعفاء ) وأما في التراجم فقد كان له قصب السبق في ذلك وما كتابه الجليل (سير أعلام النبلاء )إلا شاهدا له على مقدار علمه وسعة اطلاعه وإنصافه هو ينقد هذا وذام لا يجامل الموافق ولا يظلم المخالف فكلاهما عنده في الحق سواء ، ناهيك عن كتابه الموسوعي : (تاريخ الإسلام )
ولابن حجر مزية أخرى في حراسة الدين بهذا العلم حيث ألف كتابه (لسان الميزان) ليكون لسان صدق وميزان عدل يزن به درجة الرجال ,,والكلام في منهجهم يطول في هذا الصدد ، بل قد ألفت البحوث الكثيرة التي تتبعت طريقتهم العالية في نقد الرجال ، بل لا تعجب إذا قلت لك إن النقد الأدبي عند العرب جاء بعد ظهور النقد عند المحدثين بزمن ، حيث استفادوا منه أيما استفادة ، يظهر ذلك جليا في كتاب طبقات الشعراء لابن قتيبة – رحمه الله -
وإليك بعض الأمثلة للنقد عند المحدثين ونبدأ بأميرهم الإمام الذهبي في ترجمته للإمام ابن ماجه :
(قد كان ابن ماجه حافظا صدوقا واسع العلم ، وإنما غض من رتبة سننه مافي الكتاب من المناكير وقليل من الموضوعات )
وفي مقدمة ابن الصلاح كلمة له ينقد فيها الإمام الحاكم ، يقول : ( هو – أي الحاكم – واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فما حكم بصحته ولم نجد ذلك لغيره من الأئمة ، إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن ، يحتج به ويعمل به ، إلا ان تظهر فيه علة توجب ضعفه )
وكان ابن حزم – يرحمه الله – يقدم رتبة كتب السنن على الموطأ من حيث الصحة ، فنقل كلامه الذهبي وقال معقبا عليه : ( ما أنصف ابن حزم ، بل رتبة (الموطأ أن يذكر تلو الصحيحين ، مع سنن أبي داوود لكنه : تأدب وقدم المسندات النبوية الصرفة ، وما ذكر سنن ابن ماجه ولا جامع أبي عيسى ، فإنه ما رآهما ولا دخلا إلى الأندلس إلا بعد موته . )
ونقب علماؤنا عن طريقة لدفع تعارض أقوال المحدثين ، بحيث إذا وقع التعارض بين أقوالهم ، يصار إلى الترجيح لا ختيار شيئ من أقوالهم ،
والسؤال هنا : كيف يتم هذا الترجيح ،أهو ترجيح مذهبي أم ترجيح لمجرد التوافق بين العالمين في الفكر والرأي أو كون أحدهما كان شيخا للآخر ...
لا -وربي الكعبة - فلو كانت هذه هي معاييرهم في دفع التعارض لوقع الخلل في دين الله ، ولكنهم وضعوا معايير أخرى يحفظون به دين الله فيدفعون بها ما يحدث من تعارض بين أقوالهم تصحيحا أو تضعيفا ، ومن هذه القواعد :
1. أن يكون صاحب أحد القولين متساهلا في التصحيح واسع الخطو في الحكم به ، والآخر متعمقا متجنبا عن الإفراط والتفريط فيه ، فحينئذ يرجح قول غير المتساهل على المتساهل ، كالحاكم مع الذهبي فإن الأول متساهل والثاني غير متساهل ، فالحديث الذي حكم الحاكم بكون صحيح الإسناد ، وحكم الذهبي بكونه ضعيف الإسناد ؛ يرجح فيه قول الذهبي على قول الحاكم .
2. أن يكون أحدهما متساهلا في التضعيف والوضع متشددا في الجرح والآخر متوسطا في القدح فيترك هنا قول المشدد ويقبل قول غير المشدد .

قال عمار بن ياسر – رضي الله عنه – ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار )
قال الحافظ ابن حجر – يرحمه الله – في الفتح :
(قال أبو الزناد وغيره : إنما حمع الثلاث مستكملا الإيمان لأن مداره عليها ، لإن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حق واجبا إلأا أداه ، ولم يترك شيئا مما نهاه عنه إلا اجتنبه ، وهذا يجمع اركان الإيمان .
وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار ويحصل به التآلف والتحابب ....)
وكما بدأت مقالي بكلمة للإمام الشافعي – يرحمه الله تعالى – أختمه بموقف للإمام الشافعي نفسه ، حكاه الإمام الذهبي – يرحمه الله تعالى – في ترجمة تلميذه يونس بن عبد الأعلى الصدفي وهو من خاصة تلاميذه قال : (ما رأيت أعقل من الشافعي ! ناظرته يوما في مسألة ، ثم افترقا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ..) .
قال الذهبي معلقا على هذا الموقف / (هذا يدل على عقل هذا الإمام وفقه نفسه ، فمازال النظراء يختلفون )
إننا إذا بحاجة ماسة إلى أن ندرس علم السلف كما دونوه مراعين فيه طريقتهم في التعامل مع المخالف وبمنهجهم في النقد ، فلقد كان منهجهم النقدي منهجا يتعامل مع الدليل والبرهان محاطا بالقياس والمنطق ،متخذين المقاصد الشرعية وسيلة لتقريب المسائل الخلافية وتقريرها بما يتوافق مع المقاصد الشرعية ، ولعل أول من أفرد المقاصد الشرعية هو الإمام الشاطبي - رحمه الله – في كتابه : ( الموافقات )
ليلفت انتباه العلماء والباحثين إلى أهمية المقاصد الشرعية ومكانتها في التشريع الإسلامي ولتبدأ مرحلة جديدة من التفكير النقدي العلمي بشكل يمنح الخلاف وجهه العلمي الواضح حيث ملامحه التي تشكلها الأدلة الأصولية والمقاصدية .
ومن أجل ذلك كله أقول : افتح قلبك للنقد ، وابدأ ذلك من الآن بنقد موضوعي لمقالي هذا بتصحيح خطأ غير مقصود أو نقص فاتني أو زلة غلبتني أو نقل أخطأت في نسبته إلى مصدره أو لم أذكر مصدره ، أو دليل وضعته في غير موضعه