جملة من المعايب والقوادح التي عابها الإمام محمد بن إبراهيم الوزير على المنهج الحديثي عند الزيدية
أورد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير حفيد بيت النبوة-رحمه الله-جملةً من المعايب والقوادح في كتابه "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم" والتي يعاب بها على الزيدية في مسلكهم الحديثي وتعاملهم مع أهل الحديث ومنهجهم.
وكتابه "الروض الباسم" هو رد على شيخه الزيدي علي بن محمد بن أبي القاسم (837)، كما أن الكتاب عبارة عن مختصر للكتاب العظيم، والسفر الجليل" العواصم والقواصم ، الذي هو أصل هذا الكتاب، وهو مطبوع في تسع مجلدات من نشر مؤسسة الرسالة تحقيق الشيخ الأرناؤط، وقد قال الشوكاني عنه- " العواصم والقواصم" -لم يؤلف مثله في الديار اليمنية.
وكلام ابن الوزير في بيان المسلك الزيدي كلام مجرب عارف، لأن ابن الوزير خريج المدرسة الزيدية فهو خبيرٌ بمذهبهم، حاذقٌ في أصولهم وفروعهم، فكلامه كلام عارف، وحكمه حكم مطلع متتبع.
فمن المعايب والقوادح التي أبرزها ابن الوزير:
1- تشكيكهم في اتصال الرواية بكتب الجرح والتعديل ودعوى تعذر وتعسرذلك
قال شيخه المصنف علي بن أبي القاسم : (الثّالث: أنّ اتصال الرّواية بكتب الجرح والتّعديل متعسّرة, أو متعذّرة على وجه العدالة الصّحيحة).
فرد عليه ابن الوزير-رحمه الله- بقوله (أقول: المعترض -وفّقه الله- متحيّر متردّد, أهذه الأمور متعسّرة أو متعذّرة؟ فهو لا يزال يكرّر الشّكّ في ذلك, والشّاكّ في تعذّر أمر أو إمكانه, لا يصلح منه أن يعترض على من ادّعى إمكان ذلك الأمر حتّى يزول ما عنده من الشّكّ في إمكانه, ويحصل له عنده علمٌ يقين أنّه غير ممكن, فإن قطع المعترض بتعذّر ذلك سقط التّكليف به, لأنّ التّكليف لا يتعلّق بما لا يطاق.
والعجب منه أنّه خصّ كتب (الجرح والتعديل) بالتعذّر أو التعسّر!! وهذا من قبيل القياس على مجرّد الوجود, فإنّه لما عسر ذلك عليه, وخرج من يديه, لبعده عن علماء هذا العلم الشّريف, ظنّ أنّ ذلك لأمر يرجع إلى ذات الفنّ, فليحط علماً أصلحه الله: أنّ تعسّر سماع كتب الجرح والتّعديل عليه عرضيّ لا ذاتيّ, فإنّ طلبة الحديث النّبوي يحافظون على سماع كتبه, وشيوخها موجودون اليوم في جميع الأمصار الكبار من المملكة الإسلامية حرسها الله, فإن كنت محبّاً في العلم؛ فاطلبه حيث كان, وارحل في تحصيله وإن بَعُد المكان, ولا تقعد متّكئاً على أريكتك تقول: لا أعرف طريقاً إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولا إلى تفسير كتاب الله عزّ وجلّ.)
2- الزيدية ليسوا بأهل حديث فلا يرجع إليهم وإنما المرجع في الحديث هم أهل الحديث لأنهم أهل الفن والاختصاص
أقول : من يعرف الزيدية يجد أن كثيراً من قدمائهم وأكثر المعاصرين منهم لا يحُكّمون منهج أهل الحديث، ولا يأخذون بقواعدهم وأصولهم ، وإنما للأسف جعلوا لهم قواعد خاصة بهم غلبوا فيه المنطق العقلي والمنهج الفلسفي، والهوى المغلف بعرض السنة على القرآن، ولكن القرآن بفهم من؟ بفهم المعتزلة!، ولهذا ردوا كثيراً من نصوص السنة الصحيحة الثابتة بحجة معارضة القرآن أو معارضة العقل، وغالباً لا وجود للتعارض إلا في عقولهم، وما أصدق القولة المشهورة عليهم( من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) والقانون العام في الحياة يقول أن يعترف أهل كل فن لأصحابه ويعاد الكلام فيه لأهله.
يقول ابن الوزير-رحمه الله في معرض رده على نقد ابن أبي القاسم لمنهج أهل الحديث:
(لا يخلو: إمّا أن يقرّ أنّ أهل كلّ فنّ أعرف به, وأنّ المرجع في كلّ فنّ إلى أهله أو لا؛ إن لم يعترف بذلك؛ فهو معاند غير مستحق للمناظرة؛ لأنّ المعلوم من الفرق الإسلامية على اختلاف طبقاتها: الاحتجاج في كلّ فنّ بكلام أهله, ولو لم يرجعوا إلى ذلك لبطلت العلوم, لأنّ غير أهل الفنّ إمّا ألا يتكلموا فيه بشيء البتّة أو يتكلموا فيه بما لا يكفي ولا يشفي, ألا ترى أنّك لو رجعت في تفسير غريب القرآن والسّنّة إلى القرّاء, وفي القراءات إلى أهل اللّغة, وهي المعاني والبيان والنّحو إلى أهل الحديث, وفي علم الإسناد وعلل الحديث إلى المتكلمين, وأمثال ذلك لبطلت العلوم, وانطمست منها المعالم والرّسوم, وعكسنا المعقول, وخالفنا ما عليه أهل الإسلام.
وإن اعترف المعترض بالحقّ, وأقرّ أنّ كلام أهل كلّ فنّ مقدّم في فنّهم على غيرهم, معتمد فيه على تحقيقهم, فلا شكّ أنّه قد اشتهر عند كل منصف ما لأهل الحديث من العناية التّامّة في معرفته, والبحث عن علله ورجاله وطرقه...)
3- الزيدية لا يُعرف لهم تأليفٌ يكفي أهل الاجتهاد في الحديث ولا تصنيفٌ في علم العلل البته
قال (الوجه الثّاني: أنّ قولك بالرّجوع في الحديث وتصحيحه وتضعيفه وردّه وتعليله إلى أئمة الزّيديّة يحتاج إلى تمهيد قاعدة, وهي: أنّ يكون أئمة الزّيديّة قد صنّفوا في معرفة صحيح الحديث, ومعلومه, ومقبوله, ومردوده ما يكفي أهل الاجتهاد من أهل الإسلام, والمعلوم خلاف ذلك, فإنّ من أهل الاجتهاد من لا يقبل المرسل, ومنهم من لا يقبل [ما] وقفه الأكثرون ورفعه بعض الثّقات؛ أو وصله وقطعوه, أو أسنده وأرسلوه, ومعرفة هذا يحتاج إلى تأليف في العلل, والذي كتب العلل هم علماء الحديث: كالدّارقطنيّ وغيره, وليس لأئمة الزّيديّة في ذلك تصنيف البتّة, ومن لم يفرد للعلل تأليفاً من المحدّثين ذكرها في تأليفه في الحديث كما يصنع أبو داود والنّسائيّ وغيرهما, بخلاف من جمع الحديث من الزّيديّة فإنّه لا يتعرّض لذلك, وكذلك المجتهد يحتاج عند تعارض الأحاديث إلى معرفة الرّاجح بكثرة الرّواة أو زيادة معدّليهم أو كون بعضهم مجمعاً عليه وبعضهم مختلفاً فيه, وهذا يحتاج إلى معرفة فنّين عظيمين) ص (75)
4- ما يحتاجه المجتهد عند تعارض الأحاديث لا يوجد عند الزيدية
ذكر الإمام ابن الوزير-رحمه الله- أن ما يحتاجه المجتهدعند تعارض الحديث أمران وهما غير موجودان عند الزيدية، قال: (أحدهما: معرفة طرق الحديث, وهو فنّ واسع لا نعرف للزّيديّة فيه تأليفاً, وقد تعرّض لذلك جماعة من أهل المسانيد والصّحاح والسّنن من المحدّثين, وجمع الحافظ الماسرجسي في ذلك ((المسند الكبير)) الذي فرغ في قدر ثلاث مئة مجلّد كبار , واختصر الحفّاظ منهم أحاديث الأحكام وجرّدوها من هذه المؤلّفات الواسعة, وذكروا ما يجب معرفته من وجوه التّرجيح على أخصر ما يمكن تسهيلاً على الأمّة وتمهيداً لقواعد الملّة.
الفنّ الثّاني: علم الجرح والتّعديل, وما فيه من تعريف مراتب الثّقات والضّعفاء الذين لا يتم ترجيح حديث بعضهم على بعض إلا بعد معرفته, وهو علم واسع صنّف الحفّاظ فيه الكتب الواسعة الحافلة. حتّى جمع الفلكيّ فيه كتاباً فرغ في ألف جزء , ثمّ لم يزل الحفّاظ يهذّبونه ويختصرون ما لابدّ من معرفته حتّى انضبط ذلك بعد الانتشار الكثير في مقدار الخمسة المجلدات أو ما يقاربها, وليس للزّيديّة في هذا الفنّ تأليف البتّة.) انظر( ص(176،177)
5- من يقول بالرجوع إلى مصنفات أئمة الزيدية في الحديث فقوله قول مغفل! لأنه رجوع إلى أضعف مما استضعف وأنكر مما استنكر.
(فقول المعترض: إنّ الواجب هو الرّجوع إلى أئمّة الزّيديّة في علوم الحديث قول مغفّل! لا يعرف أنّ ذلك مستحيل في حقّ أكثر أهل العلم الذين يشترطون في علوم الاجتهاد ما لم تقم به الزّيديّة!! وإنّما هذا مثل قول من يقول: إنّه يجب الرّجوع في علم الطّب إلى الأحاديث النّبويّة والآثار الصّحابيّة ولا يجوز تعدّيها إلى غيرها, ومثل من يقول: إنّه يجب الرّجوع في علوم الأدب إلى أئمة الزّهادة وأقطاب أهل الرّياضة.)ص177
ويقول أيضاً: (الوجه الثّالث: أنّا لو رجعنا إلى تصانيف الزّيديّة في الحديث, لكنّا قد رجعنا إلى أضعف مما استضعفت وأنكر مما استنكرت)
انظر(ص 178)
6-الزيدية ليسو أهل رواية واسناد ومافي كتبهم لا يقبله إلا من جمع بين قبول المقاطيع والمجاهيل
قال (وعلى الجملة؛ فالزّيديّة إن لم يقبلوا كفّار التّأويل وفسّاقه؛ قبلوا مرسل من يقبلهم من أئمتهم, وإن لم يقبلوا المجهول؛ قبلوا مرسل من يقبله, ولا يعرف فيهم من يحترس من هذا البتّة. وهذا يدلّ على أنّ حديثهم في مرتبة لم يقبلها إلا من جمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع, وقبول المجاهيل, وقبول الكفّار والفسّاق من أهل التّأويل فكيف يقال مع هذا: إنّ الرّجوع إلى حديثهم أولى من الرّجوع إلى حديث أئمة الأثر ونقّاده الذين أفنوا أعمارهم في معرفة ثقاته, وجمع متفرّقاته, وبيان صحاحه من مستضعفاته, فتكثّرت بهم فوائده, وتمهّدت بهم قواعده, وتقيّدت أوابده.
وهل هذا إلا مثل إنكار الشّعوبية لفضل علماء العربيّة, بل هو أقبح منه بدرجات عديدة, ومسافات بعيدة, /لأنّ الآثار النّبويّة هي ركن الإيمان, وأخت القرآن, وهي شعار الفقه والدثار, وعليها في أمور الإسلام المدار.) ص181
http://www.mmf-4.com/vb/t4135.html#post21776