تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: صناعة البيئة العلميَّة في فلسطين ضرورة شرعيَّة للشيخ المبارك خباب الحمد

  1. #1

    افتراضي صناعة البيئة العلميَّة في فلسطين ضرورة شرعيَّة للشيخ المبارك خباب الحمد

    صناعة البيئة العلميَّة في فلسطين


    ضرورة شرعيَّة




    بقلم:خباب بن مروان الحمد










    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.[1]

    أمَّا بعد :

    تكتسب الأرض المباركة فلسطين ميزة تاريخيَّة ذات معنى ومبنى لدى أهل العلم وفقهاء الشريعة، وذلك على مرِّ العصور وكرِّ الدهور، فلقد كان أهل العلم يفخرون بما وصلت له الديار المقدسية من رخاء علمي قام على سواعد العلماء المقادسة وغيرهم ، الذين عاشوا في كنفها وتفيئوا ظلالها، حتَّى نشروا علمهم بين الناس وخصوا به طلابهم بروح تأصيليَّة وخبرة منهجيَّة مبنية على أسس علميَّة سليمة.
    لكنَّ المتتبع لأحوال فلسطين في زمننا هذا لا يدور باله أو يسنح خياله، إلاَّ بما يقع في أراضيها من صراعات بين أهلها وبين المغتصبين لأرضها من اليهود، فقد قدَّر الله سبحانه وقضى أن تكون هذه الأرض محطَّ أنظار الغزاة منذ القدم وإلى أن تقوم الساعة، ما يشعرنا بأهمية هذه الأرض المقدَّسة المباركة.
    وممَّا يؤسف له أن نجد كثيراً من أبناء المسلمين بل من أهالي فلسطين لا يعلمون عن هذه الأرض فقط إلا حسب ما يتنامى لهم عبر وسائل الإعلام، أو أحاديث المجالس التي تتحدث عن الصراع الدائر بين الإسلام والصهيونية على هذه الأرض المباركة!
    بيد أنَّ فلسطين قد عرفت قديماً بأنَّها مثوى الأنبياء، وسكنى صحابة أجلاء، ومهوى أفئدة طلبة العلم النجباء، ومنها خرج العلماء الفضلاء ، الذين كان لهم دور في إحداث نهضة تغييريَّة علمية حضارية في القرون الهجرية الماضية...
    ودارت رحى الأيام، وانقلب الحال لأسوأ ما نتصور؛ فصرنا نأسف لخفاء هذا الأثر في هذه القطعة المباركة وانتقاص العلم فيها، وقلَّة إدراك كثير من أبناء المسلمين بل نخبهم الفكرية، حين تسألهم عن علماء فلسطين وتاريخ هذه الأرض المقدسة وما تزخر به من تاريخ علمي عريق، وماض معرفي عميق، أنتجت ثماره، وأينعت أزهاره إلى وقتنا الحاضر وواقعنا المعاصر، فلا تكاد تجد جواباً، أو أن تجد جواباً مبتوراً ناقصا!
    ومع هذا كلِّه لا نجد من يجدِّد مسيرة سلفنا الصالح وعلماء فلسطين الأجلاء القدماء، إلاَّ بجهود فرديَّة ضعيفة للغاية، وقلَّما نجد جهداً جماعياً يعيد لفلسطين نهضتها العلميَّة والتأصيليَّة، إلاَّ بشيء لا يكاد يذكر إن أردنا أن يُحصر!!
    ولن ينسى القارئ لتاريخ الحركة العلميَّة في فلسطين، أولئك العلماء الفطاحل الذين ولدوا في فلسطين المباركة وكان لهم نسب طويل يمتد عبر السنين الطويلة بارتباط وجودهم بهذه الأرض المباركة الطيبة، وقد شهد لهم التاريخ بل سجَّل لهم شهادة بسعة علمهم وعمق فقههم وعلو مكانتهم ، فمنهم التابعي الجليل رجاء بن حيوة، ت:(112) والإمام الشافعي، ت:(204) والإمام الطبراني، ت:(360) والحافظ عبد الغني المقدسي، ت:(600) والإمام الفقيه ابن قدامة، ت:(620) والإمام المحدث ابن عبد الهادي، ت:(744) والإمام ابن مفلح الحنبلي، ت: (763) والإمام ابن حجر العسقلاني، ت: (852) والعالم الفقيه المرداوي، ت:(885) والفقيه الحنبلي موسى الحجاوي، ت:(895)، والإمام السَّفاريني، ت:(1188) وغيرهم كثير رحمة الله على الجميع رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جنَّاته.
    هؤلاء العلماء الذين ما فتؤوا يعلمون الناس دينهم، ويوضحون لهم أصول الشريعة، ومقاصد هذا الدين العظيم، وقد علت شهرتُهم الآفاق، ووصلت للناس مدوناتهم ومصنفاتهم ومتونهم العلمية، وكتبهم المطوَّلة، حيث برعوا في فنون العلم من عقيدة وتوحيد، وعلوم قرآن، إضافة إلى السنة وعلومها، والفقه وأصوله، والتأريخ والسِّير والتراجم والمعاجم وغيرها فرحمة الله عليهم، وأنالهم الرضوان والثواب.
    وقبالة ذلك فإنَّا نجد الحال العلميَّة لبلادنا الغالية فلسطين؛ في هذا الوقت وبالذات ضعيفة للغاية، وقد يكون للاحتلال الصهيوني تأثيره الكبير في ضعف المشروع العلمي التأصيلي، وسجنه لبعض أهل العلم، وطرده لآخرين خارج هذه الأرض، ومنعهم من الرجوع لأراضيهم لكي يقدِّموا لأهلها ما فتح الله عليهم من علوم الشريعة، وهذا كله قد أثَّر تدريجياً وبصورة مباشرة أو غير مباشرة في تقليل اهتمام الشباب المسلم بأصول العلم الشرعي طلباً له واجتهاداً في تحصيله، على الأسس العلمية والقواعد المنهجيَّة المبنية على فقه مصادر التلقي الصحيحة، وإدراك مناهج الاستدلال الرصينة.
    وعودة للحال العلميَّة في فلسطين، فإنَّا نشاهد شيئاً من الضعف في نشر العلم الشرعي في بلادنا المباركة، وقلما أرى اجتهاداً علمياً ملموساً في نشر العلم الشرعي على النمط التأصيلي الذي يبني طلاب علم في حلق علمية خاصة، سواء في المساجد أو في غيرها، وكأنَّ فلسطين ليست بحاجة لهذا النمط التعليمي!!
    بل تكاد تكون الدروس الشرعية شبيهة بمواعظ أو دروس خفيفة ملَّ السامع من كثرة سماعها، فصارت الدروس ذات نمط ممل، تجلب الخمول والنوم، ولا تبعث النهضة العلمية وصناعة التأصيل العلمي الذي يبني طلاب علم شرعيين أصحاب أصول منهجيَّة وفهم علمي رصين، والحقيقة أنَّ ذلك القحط في التأصيل للعلوم الشرعيَّة شيء مشاهد وواقع منظور له بمرأى العين، حتَّى بتنا نسمع بعض الناس، لأن يقولوا: أين هم علماء فلسطين؟ ومن هم؟ وكيف نعرفهم؟ وما مشاريعهم العلمية؟ وما مؤلفاتهم التي تدل على سمو علمهم؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تخطر في بال الكثيرين.
    لقد تذكرت حينئذٍ ـ ما رأيته بكل وضوح من القصور العلمي في فلسطين، وقلَّة الفقهاء المتمكِّنين من أصول الشريعة ومحكماتها ومقرراتها وقواعدها ومقاصدها ـ الموقف الذي جرى للإمام الغزالي رحمه الله عندما نظر لأحوال علماء عصره فوجدهم فئاتٍ شتى ما بين محصل للعلم، وتارك له، أو جامع للاثنين مع السعي نحو الشهرة والجاه، والذكر والانتباه، والتوسع في ملذات الدنيا وشهواتها، وربط ذلك بظهور عزة الإسلام وشرف العلم ، ومنهم من أوغل في جزئيات العلوم وفروع الفنون، تاركاً وراء ظهره بقية العلوم ومكملات الفهوم بل منهم من عزف عن الحياة زهداً فيها ورغبة عنها، فتركوا ديار الإسلام لكل ناهب وسالب، فما كان منه رحمه الله إلاَّ أن يردد هذين البيتين في تحسر :

    فقهاؤنا كذبالة النبراس ** هي في الحريق وضوءها للناس


    خبر ذميم تحت رائق منظر ** كالفضة البيضاء فوق نحاس

    ونجد بالفعل بعضاً ـ ولا أقول الكل فإنَّ هناك من يبذل نفسه لنشر العلم على قلَّتهم ـ أساتذة كليات الشريعة في جامعاتنا مشتغلين بحالهم وأنفسهم، وصومعتهم الفكرية، أو برجهم العاجي، وقلَّما ينزل أحدهم لواقع المجتمع لنشر العلم والحث على طلبه واستنهاض الهمم في ذلك، والتفرس في وجوه الشباب لعلَّه يعثر من بينهم على من يكون فتىً هصوراً جسوراً على تحمل مشاقِّ العلم الشرعي؛ لكي يقوم هؤلاء الأستاذة والعلماء تجاه طلبة العلم، بدورهم الأصيل؛ وذلك بتأصيلهم علمياً وشرعياً على أسس متينة، وقواعد منهجيَّة قويمة.
    أقول هذا لسماعي لكثير من المحبين للعلم، وممَّن عرضوا على بعض الأساتذة والمشايخ أن يدرِّسوهم كتاباً، أو يشرحوا لهم متناً، أو يلقِّنوهم درساً، ولكنَّهم لا يرون إلاَّ البرود في التعاطي معهم، وقلَّة الاهتمام بذلك، بل انعدام التوجيه لهم في المسيرة العلمية، ودعوتهم لاستكمال همَّتهم لطلب العلم والاجتهاد في تحصيله، ولعلَّ هذا يكون أقلَّ واجب على هؤلاء الأساتذة في تلك الكليَّات الشرعيَّة نحو طلاَّبهم، والشعور بالمسؤوليَّة، ونشر العلم الشرعي، كيف وهو سبحانه وتعالى يحثنا على البدار لطلب العلم ، فيقول سبحانه:"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلَّهم يحذرون" (التوبة:122).
    إنَّ المشاهد للواقع العلمي في فلسطين والمريد لهذه البلاد نهضة علميَّة حقيقيَّة تذكرنا بأمجاد السابقين من علماء فلسطين، فإنَّه ولا شك حينما يشاهد الواقع فسيرجع طرفه خائباً وهو حسير على الضعف الشديد للحركة العلميَّة ، وهي حالة تمقت الصالح وترضي الطالح، وإلا فعلامَ هذا الفتور في الخروج إلى الناس ونشر العلم أمامهم بشكل مدروس ومنهجي؟!
    نعم لدينا وعَّاظ وخطباء ودعاة، ولكن قلَّما نجد علماء أصحاب تقعيد علمي، وتمكن منهجي، وخبرة تأصيليَّة، والأمَّة إن كثر بها الخطباء والوعاظ وقلَّ فيها العلماء فإنَّه نذير شؤم عليها، وعلامة إخفاق في مواجهة التحديات التي تنوبها، وقد صحَّ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قوله: ( إنَّكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وإنَّ بعدكم زماناً كثير خطباؤه والعلماء فيه قليل)[2].
    ألا يجب علينا حيال ذلك أن نتنبه لهذا الأمر الذي حذرنا إياه الصحابي الجليل ابن مسعود، وخصوصاً أنَّنا نلحظ موت عدد من أهل العلم في أصقاع الأرض وكذلك في أرض فلسطين واستشهاد بعض أهل العلم كذلك، ألا يكون ذلك داعياً ومحفِّزاً لبقيَّة من العلماء في فلسطين ـ على قلَّتهم ـ أن يستنهضوا همَّتهم، ويرفعوا ألويتهم لنشر العلم، خصوصاً أنَّنا نعلم أنَّ رسول الهدى r قال:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا)[3] وحقاً فإنَّ موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما تعاقب الليل والنهار.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    [1] ) من مقدِّمة الإمام أحمد بن حنبل لكتابه :(الرد على الجهميَّة والزنادقة).

    [2] ) أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم، وصحَّحه الألباني فقال: موقوف صحيح الإسناد ورجاله رجال الصحيحين غير عبد الله بن يزيد الصهباني وهو ثقة، وانظر الصحيحة:(7/576)

    [3] ) أخرجه البخاري برقم:(100) ومسلم برقم:(2673) كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •