جاء في مطبوع "المعجم الأوسط" (886/ بتحقيق الشيخ أبي معاذ طارق عوض الله والشيخ عبد المحسن الحسيني):
حدثنا أحمد قال حدثنا سعيد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن محمد بن حمزة [بن يوسف عن أبيه عن جده] عن عبد الله بن سلام قال : كان النبي إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } الآية.
لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر.
ثم كُتب في الحاشية تعليق لبيان ما بين الحاصرتين:
"سقطت من الأصل، واستدركتها من "المجمع"، و"الحلية" (8/ 176)، فقد أخرجه من طريق الطبراني بإسناده، وقد أخرج الطبراني في "الكبير" عدة أحاديث بهذا السند كما في (القطعة المطبوعة من مسانيد من اسمه عبد الله) بتحقيق أبي معاذ". انتهى
ويعني بالمَجْمع= مَجْمع البحرين في زوائد المعجمين [الأوسط والصغير] للهيثمي (ت: 807هـ).
وأما "الحلية" فمشهورة، وهي "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني (ت: 430هـ).
واستدراك ما بين الحاصرتين في هذا الموضع خطأ توضحه الملابسات التالية:
- بالرجوع إلى مطبوع "حلية الأولياء" (8/ 176) نجد هذا النص:
"حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا سعيد بن سليمان عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيف أمرهم بالصلاة ثم قرأ {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا} الآية.
غريب من حديث معمر وابن المبارك لم نكتبه الا من هذا الوجه".
فأين ما استُدرك من "الحلية"؟!
-وبمراجعة المطبوع من "مجمع البحرين" (3366) [6/ 54-55]:
حدثنا أحمد – يعني ابن يحيى الحلواني-، ثنا سعيد – يعني ابن سليمان- عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن محمد بن حمزة [بن يوسف عن أبيه عن جده] عن عبد الله بن سلام قال : كان النبي إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } الآية.
لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر.
هكذا؛ وكتب الشيخ عبد القدوس نذير في الحاشية: ما بين المعكوفين ساقط من (طس). انتهى.
و(طس) رمز مختصر لـ"المعجم الأوسط"، كما هو معروف، وقد نص المحقق على استخدامه تلك الرموز في مقدمة تحقيقه.
وتظهر في النص السابق تدخلات الهيثمي رحمه الله لتوضيح السند، سيما ومنهج الطبراني معروف في كتابه "الأوسط" أنه يذكر اسم شيخه كاملا في أول موضع له، ثم يذكر اسمه الأول فقط، وقد يحدث هذا الاختصار في درَج السند إن تكرر، وتوضيح الهيثمي رحمه الله في محله إذ الغرض من جمع زوائد الكتابين على أبواب الأحكام.
وقد تثار هنا نقطة؛ وهي هل العبارة التي بين المعقوفتين في أصل "المجمع" من تصرُّف الهيثمي؟ أم وقوع نسخة له من كتاب "الأوسط" فيها هذا الإقحام؟!
يحتاج إلى تأمُّل....
***
ولإثبات أنه إقحام لا بد من جمع طرق الحديث وبيانها لاتضاح الصورة:
أخرج البيهقي في شعب الإيمان (2911)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله شدة أو قال: ضيق أمرهم بالصلاة وتلا { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } [طه: 132] الآية.
وأخرجه الواحدي في الوسيط (3/228) من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي المعروف بعارِم عن ابن المبارك، به.
ووقع في مطبوع الوسيط: (بأهله خير)، ولعل صوابه: (بأهله ضير) أو (بأهله ضيق).
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" كما سلف، ومن طريق أبي نعيم أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة" (9/459 رقم 434)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/411)، بنفس ما في مطبوع الحلية تمامًا بتمام.
ثم علَّق الذهبي مثبتًا الانقطاع في هذا السند؛ فقال: "هذا مرسلٌ، قد انقطع فيه ما بين محمد وجد أبيه عبدالله". انتهى
وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (4069): ومحمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام إنما ذكروا له روايته عن أبيه عن جده فيبعد سماعه من أبي جده.
يمكننا أن نرجِع السبب في هذا الإقحام في نص "الأوسط" إلى متابعة محقق "المجمع" على ما وقع عنده في الأصول، وغلطُ المحقق في ترك الرجوع إلى مصادر الحديث لتقويم النص المقحم، فلا يحكم على نص أنه "سقط" أو "أقحم" إلا بعد النظر في طرق الحديث، هذا مع العلم أن هذا الحديث تفرد به معمر، وهو غريب.
وغالب الظن أن السيوطي رحمه الله وقع له هذا الإقحام فصحح سند الحديث؛ كما جاء في الدر المنثور (10/ 267)، حيث قال: وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا {وأمر أهلك بالصلاة} الآية. انتهى.
فكيف يكون صحيحًا إلا إذا كان: محمد بن حمزة عن أبيه عن جده عن أبي جده عبد الله بن سلام؛ وقد أشار إلى هذه اللفتة محقق "شعب الإيمان".
ويتضح هنا عدة أمور:
أحدها: أن أصول المعجم الأوسط جاءت بالسند بلا تلك الزيادة؛ فالأصل مقدم على فرعه وأعني "مجمع البحرين".
ثانيها: أن من أخرج من المصنفين هذا السند ساقه ابتداء كما جاء في أصول "المعجم الأوسط"، ثم عنه أبو نعيم في "حلية الأولياء"، ثم من طريق أبي نعيم أخرجه كل من: الضياء في "المختارة" والذهبي في "سير أعلام النبلاء"؛ كلهم ساقوه بنفس سياق الأصل، فكان الأولى الإبقاء على الأصل دون تغيير فيه.
ثالثها: قد تقدم أن الذهبي عقَّب بعد تخريجه له بقوله: (قد انقطع فيه ما بين محمد وجد أبيه عبدالله). ومن بعده العراقي لما خرجه في المغني عن حمل الأسفار قال: حديث محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام... فذكره ثم عقَّب قائلا: ومحمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام إنما ذكروا له روايته عن أبيه عن جده فيبعد سماعه من أبي جده. انتهى.
فهذا يدل دلالة قاطعة على أن الذي رآه الذهبي والعراقي إنما هو (محمد بن حمزة، عن عبدالله) دون ما أقحم.
رابعها: أما ما جاء في حاشية الأوسط: (وقد أخرج الطبراني في "الكبير" عدة أحاديث بهذا السند كما في (القطعة المطبوعة من مسانيد من اسمه عبد الله) بتحقيق أبي معاذ)، فبمراجعة ذلك وجد أنه يصدق على ثلاثة أحاديث مما ذكروه (136-137-138/بتحقيق الشيخ أبي معاذ طارق عوض الله)،
وجهه هنا أنهم أثبتوا جادة الرواية: (محمد بن حمزة بن يوسف، عن أبيه، عن جده)؛ ومن المعلوم أنه إن جاءت رواية على خلاف الجادة أن تقدم على ما جاء على الجادة؛ وعليه فما ذكر في الحاشية ليس دليلا البتة على تصويب إسناد بأُخَرَ مِثْلِهِ، طالما أن الرواية جاءت بذلك والأصول المكتوبة المروية شاهدة على ذلك.