تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 24 من 24

الموضوع: انتبه فان الجزاء من جنس العمل ؟؟؟

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: انتبه فان الجزاء من جنس العمل ؟؟؟

    ومن ذلك: ماذا لو استدلّ المعترض بالثواب على ترك المعاصي بقصد الطاعة؟
    يقال له: الترك فعل.

    قال تعالى يذم أحبار اليهود ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) (المائدة 79)
    فوصف عدم التناهي عن المنكر بأنه فعلٌ خبيث يفعلونه.
    وقال تعالى في وصف المنافقين: ((نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) [التوبة : 67]
    فعدَّ النسيان - وهو ترك - عملا، ورتب عليه جزاءا من جنسه ..
    وكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه"
    فهذا الترك كان جزاؤه خيرا من جنس المتروك.. ولكن يظهر شيء من مشابهة الجنس في مجرد المفاضلة بين هذا المتروك وما يجازي الله به التارك.. فلو شاء لقال: "أبدله الله الجنة" أو "أبدله الله ما لم يخطر على قلب بشر"، وهذا ولا شك أفضل من ذلك المتروك أيا ما كان! ولكن اقتضت الحكمة أن يكون اللفظ على وجه المفاضلة الخاصة على هذا النحو حتى يتحرك ذهن العبد كلما ترك شيئا تعلق به لله، إلى أن له عند الله ما هو خير منه في علة التعلق نفسها، أي في الشهوة التي يجدها منه، وهذا من الموافقة في الجنس.
    ونظائر ذلك كثير.

    ويمكن أن يضاف إلى ما تفضلتَ به من جواب على المعترض أن كون الجزاء من جنس العمل هذا أظهر - في نظرنا معاشر البصر القاصرين - على معنى العدالة في الجزاء نفسه من خلاف ذلك. وليس لازم ذلك أن العمل الذي يجازى عليه العبد من الله بخلاف ذلك لا يكون جزاؤه عادلا، فتقدير الفعل - سواءا بالمقارنة بغيره من الأفعال أو تقديره في ذاته استقلالا - ومن ثم تقدير ما يكافئة من الجزاء مكافأة عادلة، هذا لا نملك نحن معاشر بني آدم إليه إلا طريق الظن البشري القاصر! وإنما نستشعر المناسبة عندما نرى جنس الجزاء مشابها لجنس العمل، ولكنه لا يلزم أن يكون كذلك، وقد لا يكون العدل مع رجل بعينه في جزائه أن يكون الأمر كذلك أصلا، فهذا علمه عند الله وحده، الذي يعلم الغيب وأخفى، سبحانه وتعالى.
    ولكن القصد أن موافقة جنس الجزاء لجنس العمل تظهر فيها معاني العدالة ظهورا مباشرا يسهل على كل أحد أن يراه.
    ولهذا لما اجتهد العلماء في بيان الحكمة من كونه تعالى قد كتب على من مات كافرا الخلود في النار، فجعل لخطيئة قصيرة الأجل جزاءا أبديا، ذكروا أن سبب ذلك كون الكافر عند موته على ما مات عليه ما كان ينوي أن يقبل الحق الذي تبين له مهما مد الله له من العمر في هذه الدنيا، ولو عُمِّر آلاف السنين! فكان هذا الفعل منه (فعل ترك الحق بعدما تبين له والبقاء على ما هو عليه من الكفر، مع إضمار نية البقاء على ذلك الترك والجحود أبدا بلا انتهاء) مستحقا لعقوبة من جنسه، وهي أن يعذب على ذلك أبدا بلا انتهاء! فكان الجزاء من جنس ذلك، والله أعلم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: انتبه فان الجزاء من جنس العمل ؟؟؟

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    جزاك الله خيرًا، أخي أبا الفداء. وفّيت فكفيت...
    وممّا يضاف إلى الجواب عن الاعتراض الأخير، توضيحًا لا تفريعًا:
    يؤيّده في الشاهد قول الناس عن أحدهم: "فلان لا يظلم أحدًا" أو "لا يَذكر أحدًا بسوء" في معرض المدح والإشادة.
    ويؤيِّده أيضًا أنّه لو كان لأحدهم ثأر وتمكّن من غريمه، فعفا عنه، لاعتُبر ذلك منه تصرُّفًا محمودًا. فدلّ ذلك أنّ الامتناع عن بعض الأفعال بالتزام ضدّها: فعلٌ، يقتضي الثواب أو العقاب. بل إنّ الترك في بعض الحالات يعتبَر أشدّ من الفعل، لاقتضائه إرادةً أقوى وعزمًا أشدّ...
    ومن هذا كون الشاب الذي تدعوه المرأة ذات الجاه والجمال فيُعرِض عنها قائلا: "إنني أخاف الله" يُحشر مع السبعة الذين يظلّهم الله بظلّه يوم القيامة، تمامًا مثل الإمام العادل، وكثير الصدقة، كما جاء في الحديث.

    ويعكّر كذلك على الاعتراض على قاعدة "الجزاء من جنس العمل"، استنادًا إلى الثواب على ترك المناهي: أنّ ذلك لا يتم إلاّ بشرط استحضار النيّة، واستحضار النيّة من أعمال القلوب.

    وقد أشرتَ إلى مقامَي العدل والفضل في باب الجزاء. ويضاف إلى ذلك أنّ العدل هو أدنى الجزاء المعتبَر حقًّا للعباد، وقد ذكره الشارع بصيغ مقاربة لما هو معهود لنا في الشاهد. أمّا فضل الله، فلا حدَّ له؛ بل إنّ عدله إزاءنا من فضله. وبعض المسائل تبدو لنا من باب الفضل، بينما من باب العدل على التحقيق...

    وفي الباب مسألة لها بعض تعلُّق بما ذُكِر. وهي أنّ البعض قد يستغرب كون الجزاء أبديًّا، مع أنّ العمل محدود في الزمان. كما قد يُستغرَب كون الجزاء غير مكافئ لمقدار العمل. وممّا أستحضره من الأجوبة عن ذلك:

    لا تقاس الأعمال أو الأفعال بمدة إنجازها، أو بالجهد المبذول لتحقيقها، بل بحال فاعلها وبمآلاتها. ويمثّل لهذا بمثالين:
    * رجلٌ أراد الانتقام من آخر، فرماه من قمة جبل، فسقط الثاني على رأسه وأصيب بشلل مزمِن مدى الحياة. فالفعل لا يستغرق إلا بضعة ثواني، ولا يتطلّب جهدًا كبيرًا؛ لكن مآله كان الشلل الدائم للضحية. والشلل مرادف –في هذه الحالة- للموت، لأنّ نية المجرم كانت القتل. فالفعل في هذه الحالة محدود محصور زمنًا وجهدًا، مع أنّ مآلاته ونية صاحبه ممتدّة مستمرّة. والعدل يقتضي الالتفات إلى النية والمآلات، لا إلى الفعل وحده. والنية والمآل هما اللذان يحدّدان فُحش الجرم أو صغرَه...
    * لو افترضنا أنّ حياة الإنسان المكلَّف غير المعصوم لا نهاية لها، لكانت حال أعماله لا تخلو من ثلاثة أمور: إمّا أن يغلب خيرها على شرِّها، أو يغلب شرُّها على خيرها، أو يتساوى فيها الخير والشرّ. فإذا افترضنا أنّ هذه الحياة اللامتناهية تستمر، لكن تتحوّل من طور التكليف إلى طور الجزاء، لكان الجزاء من جنس ذلك العمل الغالب على حياة كل إنسان في الطور السابق. لكن بما أنَّ حياة الانسان في الدنيا محدودة بقدر من الله، وحياته في الآخرة أبدية بقدر من الله أيضًا، كان مِن عدل الله أن يجازيه من جنس عمله، لا من مقداره، وأن تكون العلاقة بين العمل والجزاء نسبيّةً لا تكافئية. إذ لو جاء الجزاء بمقدار العمل، لكان الجزاء محدودًا. ولو كان محدودًا، لكان بقاء الانسان في إحدى الدارين (الجنّة أو النار) محدودًا أيضًا. ولو كان كذلك، لكان للإنسان أحد المآلين: إمّا الفناء الأبدي، وإمّا الإعادة إلى الحياة الدنيا. والأوّل منافٍ لعلّة الخلق والتكليف والامتحان. والثاني يقتضي بقاء العالَم؛ والقول ببقاء المحدَث مؤدّاه القول بقدمه، عدا الجنّة والنار. والقول بقِدم العالَم ظاهر البطلان، فكان القول ببقائه أيضًا باطلاً.
    والله أعلم.

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: انتبه فان الجزاء من جنس العمل ؟؟؟

    ويضاف إلى ما يستدَلّ به على أن التركَ فِعلٌ:

    قوله تعالى: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا". لأنّ الاتخاذ: افتعال. واتخاذ القرآن مهجورًا: ترْكُه. فكان الترك فعلاً.

    وقوله تعالى: "يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين. فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله ورَسُولِه..." فسمّى ترْك الرِّبا فعلاً.

    وقوله تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الْحَجِّ. وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّه".

    وما رواه البيهقي مِن أنّ النّبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم قال:"أيُّ الأعمال أَحبُّ إلى الله؟" فلمْ يُجِبْه أَحد. فقال: "حِفظُ اللسان".

    ومن ذلك قول الراجز من الصحابة، عند بناء المسجد بالمدينة:
    لئن قعدنا والنَّبيُّ يعملُ
    لذاك منّا العمل المضلّلُ
    فسمّى القعود، وهو هنا بمعنى الترك، عملاً.

    الترك لا يرادف العدم، بل هو فعل وجوديٌّ على التحقيق، إذ قُصِد.

    وممّا يدلّ على أنّ الترك فعل إذا قُصِد، ترتُّب الجزاء عليه. ولو كان عدَمًا، لما اقتضى ترتُّب الجزاء. ومثاله: ترك الصلاة، وترتُّب العقاب عليه؛ وترك المناهي، وترتُّب الثواب عليه.
    والله أعلم.

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    Question رد: انتبه فان الجزاء من جنس العمل ؟؟؟

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    أظنّنا لم نفرغ بعد من المسألة، أخي أبا الفداء...
    إشكال:
    ماذا لو وجّه إلينا المعترض على القاعدة هذا الإشكال المزدوج:
    إنّ قاعدة "الجزاء من جنس العمل" غير مطّردة، بدليل أنّ بعض الحدود ليست من جنس الجنايات، وقد تكون أنكى منها أو أخفّ.
    بارك الله فيك.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •