شرح حديث معاذ رضي الله عنه (بم تحكم)
السلام عليكم ورحمة الله
اسمحوا لي أن أدلي بدلوي في هذه المسألة
فحديث معاذ رضي الله عنه وإن اختلف الناس في صحته وضعفه منذ القدم، إلا أن المشكلة الأساسية -في رأيي- تنبع من فهم الحديث، فقد فهم منه قوم إن المجتهد لا يرجع إلى السنة إلا إذا لم يجد في المسألة آية، وبالتالي قالوا بتأخر رتبة السنة عن القرآن في الاستدلال بهما على الأحكام، وقد وصل الأمر ببعض المشايخ المعاصرين أن قال لي ما نصه: (يقبح الاستدلال على مسألة بقول صحابي وفيها حديث، أ بحديث وفيها آية) !
ومن قال بتضعيف الحديث من جهة الإسناد أضاف إليه نكارة المتن بناء على هذا الفهم للحديث.
لكني بعد التأمل في معنى الحديث -مع اعتقادي بضعفه وعدم صحته- وبعد التأمل في الأثرين المرويين عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما؛ وجدت أن الحديث لا يدل على ترتيب الأخذ من الأدلة، وإنما يدل على أن الأحكام من حيث الأدلة عليها على ثلاثة أقسام:
قسم دل عليه القرآن، وهذا لا يعني أن السنة لا تدل عليه؛ فغالب أحكام القرآن قد جاءت في السنة، وإنما يذكر القرآن وحده في هذا المقام لأمرين:
1- لأنه أساس الأدلة، وكله مقطوع بصحته، وقد يسر الله حفظه وذكره.
2- لأن الاستدلال به على الحكم لا ينفك عن الاستدلال بالسنة؛ فالسنة توضح المشكل، وتبين المجمل، وتخصص العام، وتقيد المطلق.
وقسم ليس عليه دليل في القرآن، وإنما دليله في السنة وحدها؛ لأنها استقلت به، فنطلب دليله في السنة حينئذ، وهذا معنى (فإن لم يكن في كتاب الله).
أو أن الدليل عليه في القرآن غير جلي فيحتاج للرجوع إلى السنة لتبيينه، ويؤيد ذلك ما جاء عن عمر رضي الله عنه في كتابه لشريح: (وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقسم من الأحكام ليس مذكوراً في القرآن ولا في السنة، فهذه الأحكام يجتهد الفقيه في حكمها في ضوء القواعد الشرعية المبنية على القرآن والسنة.
وبالتالي فإن معنى الحديث صحيح، ومعنى الأثرين صحيح، ولا دليل فيها جميعاً لمن قال بتأخر رتبة السنة عن الكتاب من حيث الاستدلال بها على الأحكام.
والله تعالى أعلم بالصواب