الإخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر جميع الإخوة الذين شاركوا في هذه المسابقة التي طُرِحت تحت هذا الرابط:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3910
وإن كان السؤال – كما ذكرت سابقًا – لم يتمكَّن واحد بعينه من الجواب عليه بتمامه، ولكن حصل من مجموع المشاركات خيرٌ كثير، وقبل أن أذكر لمن الجائزة، أودُّ توضيحَ سبب السؤال، ومثار الإشكال، ومرادي من السؤال، فأقول:
قال مسلم في "صحيحه" (908): حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ عن سُفْيَانَ عن حَبِيبٍ عن طَاوُس عن ابن عَبَّاسٍ قال: صلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حين كَسَفَتِ الشَّمْسُ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ في أَرْبَعِ سَجَداتٍ. وعن عَلِيٍّ مِثْلُ ذلك. اهـ.
فحين وقفت على هذه العبارة، أثارت انتباهي، فتساءلت:
هل قوله: ( وعن علي مثل ذلك ) هو بالإسناد السابق، فيكون القائل ابن عباس أو طاوس ؟ أو هو معلَّق من معلَّقات مسلم ؟ أو هناك أمر آخر ؟
أما الاحتمال الأول: فبعد البحث وجدت المزِّيَّ لم يذكر هذا الحديث فيما رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنهم.
ولم يذكر هذا الحديث في مسند علي أصلاً، حتى في المعلَّقات.
ومن المعلوم أنه سبقه إلى هذا كلٌّ من خلف الواسطي وأبي مسعود الدمشقي في كتابيهما "أطراف الصحيحين"، فهؤلاء ثلاثة من العلماء تواطؤوا على استبعاد هذا الحديث من مسند علي رضي الله عنه في الأطراف، ووافقهم مغلطاي، وولي الدين أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، فلم يذكروه فيما يُستدرك على المزِّيِّ في هذا!!
غيرَ أني وجدت الشيخ عبد الصمد شرف الدين رحمه الله في زياداته على "تحفة الأشراف" (7/414 رقم 10197) ذكر هذا الحديثَ في مسند ابن عباس عن علي رضي الله عنهم.
وهذا بعيدٌ فيما يظهر؛ لأمور ثلاثة:
1) إن هذا الحديثَ لم يُروَ – حسب علمي – من هذا الطريق فيما وقفتُ عليه من دواوين السنة، فإن ظفر به أحدٌ من الإخوة الأفاضل، فهذا من مقاصد هذه المسابقة.
2) ليس هناك ما يدعو ابنَ عباس للنـزول في هذا الحديث (بروايته عن عليٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهو عنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، إلا أن يكونَ مراده: أنه موقوفٌ على علي، لكن لم أجده أيضًا من طريق ابن عباس موقوفًا.
3) لو كان هذا الحديث من رواية ابن عباس عن عليٍّ لذكره خلف الواسطي، وأبو مسعود الدمشقي في "أطراف الصحيحين"، أو استدركه عليهما المزي في "تحفة الأشراف" إن كان فاتهما، أو استدركه علاء الدين مغلطاي على المزي (في جملة ما استدركه عليه) إن كان فاته، أو استدركه وليُّ الدين أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، أو الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" إن كان فات هؤلاء كلهم!!
وأما الاحتمال الآخر: فهو أن يكون من رواية طاوس عن علي، وهو وإن لم يسمع منه، فلعلَّه احتمل ذلك في الشواهد.
وقد وجدت شيخنا الألباني رحمه الله في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف" (ص 29 و56) قد ذهب إلى هذا؛ حيث ذكر عبارةَ مسلم السابقة، ثم فسَّرها بقوله: (( أي وروى طاوس عن عليٍّ مثل حديثه عن ابن عباس ... ))، ثم أعلَّه الشيخ بالإرسال؛ لأن رواية طاوس عن علي منقطعة.
وهذا بعيد – فيما أرى أيضًا – للسببين (1 و3) السابقين، بل لم يَذكر المزِّيُّ لطاوس روايةً عن علي أصلاً، وهناك سببٌ آخر، وهو أن المزي (تبعًا لعبد الغني المقدسي) لم يذكر في "تهذيب الكمال" (13/358) لطاوس رواية عن علي في شيء من الكتب الستة.
الاحتمال الثالث: أن يكونَ مسلم بن الحجاج علَّق هذا الحديث، ولم يخرجه مسندًا، وكان هذا هو الأقربَ في ظني آنذاك، وقد صنع ابن خزيمة في "صحيحه" (1388) نحوَ صنيع مسلم؛ حيث روى حديثَ عليٍّ هذا من طريق الحكم بن عتيبة، عن رجل يدعى حنشًا، ثم قال: (( في هذا الخبر: أنه ركع أربع ركعات؛ في كل ركعة، مثل خبر طاوس عن ابن عباس )).
إلى أن وقفتُ على الحديث في "سنن البيهقي"، وكلام الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (وكل هذا تفضَّل الإخوة بنقله كما سبق فلا داعي لإعادته)، فتبيَّن لي أن مسلمًا رحمه الله أورد الحديثَ كما تلقَّاه عن شيخه ابن أبي شيبة من غير تغيير، ومقصوده منه حديثُ ابن عباس، ولم يقصد حديثَ علي، ولكنه جاء بالتَّبع في الرواية، وهذا ما أكَّده الحافظ رشيد الدين العطَّار في "غرر الفوائد المجموعة" في مواضعَ متعددة؛ لينفيَ عن مسلم إخراجه لتلك الأحاديث المنقطعة والمرسلَة، وأوضح أنه ليس من عادته تقطيعُ الحديث والتصرف فيه، وهذا ما أشار إليه الأخ ابن عقيل وفقه الله.
وأما: لماذا أعرض أصحاب كتب الأطراف عن ذكر حديث عليٍّ هذا؟
فالذي يظهر لي: أنهم يوردون ما كان مذكورًا أصلاً، وليس بالتبع، وأمثلتُه كثيرة في الأحاديث، وإن كان عند أحدٍ من الإخوة نقلٌ في هذا، فليفدنا به مشكورًا، والله أعلم.
ويبقى السؤالُ الذي ما زلت أبحث عن جوابٍ شاف له، وهو: مَن القائل: ( وعن علي مثل ذلك ):
هل هو ابنُ أبي شيبة كما يغلب على ظني، وربما على ظنِّ كثير من الإخوة؟
أو شيخه إسماعيل ابن عُلية؟
أو أحد ممن فوقه؟
إن وقف أحدٌ منكم على شيء ولو بعد أمد، فبابُ الفائدة مفتوح، نفعَنا الله بما علَّمَنا!
وأما عبارةُ صاحب "فتح الملهم" فقد فاز بها أخونا رشيد الحضرمي، فيستحقُّ الجائزةَ المعلن عنها، وإن كان ترك بعض الجواب.
وإذ قد شارك بعضُ الإخوة في تكملة الجواب، فلن نحرمَهم الجائزة، فيُقدَّم لكلِّ واحد منهم الجائزةُ نفسها، إلا أن نسخة "العلل" ستكون المضغوطة في مجلد واحد، وهي كاملة، ولا تختلف عن ذات المجلدات السبعة إلا في الإخراج، وأما الباقي بما فيه "سنن سعيد بن منصور" فهي كاملةٌ كما هو معلن عنه، وهؤلاء الإخوة هم:
1) ابن عقيل.
2) محب التوحيد.
3) جابر _ عبد الرحمن _العتيق.
4) ابن المنير.
5) أحمد بن سالم.
بارك الله في الجميع ونفعهم بما فازوا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رابط صفحتي الشخصية في موقع جامعة الملك سعود: http://faculty.ksu.edu.sa/homayed/default.aspx