فمثلا:
قال أحمد بن حنبل ما زلنا نلعن أهل الرأي ويعلنوننا حتى جاء الشافعي فمزج بيننا
قال القاضي عياض: يريد أنه تمسك بصحيح الآثار واستعملها، ثم أراهم أن من الرأي ما يحتاج إليه وتنبني أحكام الشرع عليه، وأنه قياس على أصولها ومنتزع منها.
وأراهم كيفية انتزاعها، والتعلق بعللها وتنبيهاتها.
فعلم أصحاب الحديث أن صحيح الرأي فرع الأصل، وعلم أصحاب الرأي أنه لا فرع إلا بعد الأصل، وأنه لا غنى عن تقديم السنن وصحيح الآثار أولاً.
ونحو هذا في هذا الفصل قول ابن وهب: الحديث مضلة إلا للعلماء.
ولولا مالك والليث لضللنا....
وقال الإمام أحمد: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معانى أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينها لهم يعني الشافعي.
وقد تقدم أن فهم الحديث مغاير لفقه الحديث
ومحال أن يكون مراد أحمد الأول
وقال محمد بن عبد الحكم : ما رأينا مثل الشافعي؛ كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه، فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيء أصحاب الأدب....
ومن النقول المثرية للموضوع:
قال ابن وهب: لولا أن الله أنقذني بمالك والليث لضللت، فقيل له: كيف ذلك؟ قال: أكثرت من الحديث فحيّرني؛ فكنت أعرض ذلك على مالك والليث فيقولان لي: خذ هذا، ودع هذا.
قال الإمام الخطابي في معالم السنن:"أيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين، وانقسموا إلى فرقتين:
أصحاب حديث وأثر
وأهل فقه ونظر؛ كل واحدة منهما لا تتميّز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه في البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب".
قال الذهبي في تاريخ الاسلام:
سعيد بن عثمان التجيبي الأعناقي....كان ورعا زاهدا حافظا بصيرا بعلل الحديث ورجاله، ولا علم له بالفقه...".
والله أعلم