أجبارا في الجاهلية خوارا في الإسلامما أجمل ما قال حسان رضي الله عنه حينما سئل : هل قلت في أبي بكر شيئا ؟ فقال : نعم فقال : قل وأنا أسمع : فقال :
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد *****طاف العدو به إذ صعّد الجبلافضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : صدقت يا حسان هو كما قلت
وكان حب رسول الله قد علموا ***** من البرية لم يعدل به رجلا
حينما تسمع اسم العتيق ، أبي بكر الصديق ، تتجلى لك المكارم والطهر بأسمى معانيها ، فله في كل كنانة سهم ، ويده بالجود لها شغل ، إلا أنه ينطبع على عقلك مباشرة صورة الأسيف ، قلب رقيق ، وكنف كريم ، تبتعد عند ذكره = معاني الغلظة والشدة ، هكذا يلوح لك دون مواطأة ولا ترتيب ، من منا لا يعرف أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلا بما ذكرت ؟ !
إن أبا بكر -يا إخوة – على علو هذه المعاني على رسمه واسمه = وانصباغها بشخصيته ، إلا أن له وقفات وعزمات سبق بها صلب الرجال ، ومحنكي الأحلام ، كيف استطاع هذا القلب الذي يتدفق حناناً بأن يقف وبكل قوة في حرب مع مانعي الزكاة ؟ مع مراجعة عمر بن الخطاب وغيره رضي الله عن الجميع ، كيف امتلك هذه العزمة والجزمة وهو بهذه الصفات؟ !! وعمر يراجعه ويقول له " أتقتل من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " فلا يزيده ذلك إلا صلابةً وثباتاً
أهو من ثبت بعد موت أحب الناس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم !، والأشداء عجزوا أن يتماسكوا ! واختلف الناس في المدينة حتى جاء وقال بقلب ثابت ، وعلم راسخ ، وعزم شديد : [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ] {آل عمران:144} من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، هذا هو أبو بكر الصديق -يا إخوة- هل تنافرت القوة في الحق والرحمة على الخلق ؟ كلا ، هل تضارب إعلان السنة والثبات عليه مع اللين والتسامح ولين الكنف ؟ كلا
هناك خلط عائمٌ وعارمٌ بين حب ونصرة الحق = وبين دعوة الخلق
كم تسمع أذني ممن هم في حقل الدعوة ولهم جهودٌ عظيمةٌ -علّ الله يربيها لهم -كم أسمعهم يتماوتون في نصرة الحق بسبب داعي الرحمة ونقل الصورة المشرقة عن الخير وأهله
ذكّرني أبو بكر الصديق هذه الظاهرة حينما نظرته يقول لعمر -ومَن عمر هو الفاروق - عندما جاءه عمر في قضية حدثت : وقال له عمر : يا خليفة رسول الله تألّف الناس ، فأخذ أبو بكر الصديق بلحية عمر وقال : يا بن الخطاب أجباراً في الجاهلية خواراً في الاسلام؟! علام أتألفهم أعلى حديث مفترى أم على شعر مفتعل؟!
ما أشد وقعها على النفس ، وما أحوجنا في زمننا في ظروفنا إلى موعظة أبي بكر
أين بني قومي من هذا ، تريدون أن نتحدث عن المجاملات في دين الله ، فلقد خيّم علينا دخان التأويل وحرث المعاذير لأنفسنا وغيرنا
قالوا لي موسى عليه السلام قال له ربه بأن يذهب لمدعي الربوبية ويقول له ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) فقلت مابالك لم تتفطن للسورة التي قبلها حين قال له لما عاند ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) ألست تتكلم عن موسى نبي الله ؟ إذا أين أنت من فعله لما جذب أخاه برأسه يجره إليه لما فعل قومه ما فعلوا من عبادة العجل
أعلم أن ( ممن )سيقرأ : طائفتان :
طائفة تقرأ وقد قفزت على فلان وفلان وأنزلته في ثنايا الحروف وكأنها سياط ورصاص قصد كاتبها أن ينزلها على ذلك الرجل
وآخر يقرأ المقال وهو يقول : ماذا كتبت وأين الحكمة في اختيار المكان والزمان ؟
وقبل أن أدع القارئ يخرج من مقالي بدون أن أرشده بنفسي إلى قصدي ، وأدلّه دون غيري على تأويل كلامي أقول :
رسالتي إلى من جعل الحق أعظم من كل شيء
فالحق يمنع الظلم والبغي فلا تظلم ولا تبغ ، الحق يدعو أن لا تُخلي المخالف من رحمة ونصيحة صادقة ، الحق يدعو أن تفرق بين نصرة نفسك وشهوتك وهواك وبين نصرة الدين ، الحق أن توازن فلا تجاوز القصد ولا تنزل عنه على قاعدة ربانية ( فلا يسرف في القتل ) ، الحق أن تعتدل في التعامل مع الباطل والمخطئين على قدره عند الله لا على ميل نفسك وهواك وسياسة الأتباع ،
إذاً الحق : حَقل جميلٌ مزهرٌ مورقٌ بين تصحّر الغلاة = وذوبان الجفاة فأين أنت ؟
قد يكون التوقف هنا مناسبا ولا يحتمل الزيادة
وأعتذر عن الطول