قال نصر بن علي الجهضمي :
كان لي جار طفيلي ، وكان من أحسن الناس منظراً وأعذبهم منطقاً وأطيبهم رائحة وأجملهم ملبوساً ، وكان من شأنه أني إذا دعيت أني إذا دعيت لى دعوة تبعني ، فيكرمه الناس من أجلي ، ويظنون أنه صاحب لي .
فاتفق يوماً أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده ، فقلت في نفسي : كأني برسوله وقد جاء ، وكأني بهذا الرجل قد تبعني ، والله لئن تبعني لأفضحنه ، فأنا على ذلك إذ جاء الرسول يدعوني ، فما زدت أن لبست ثيابي وخرجت ، فإذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره قد سبقني بالتأهب ، فتقدمت وتبعني ، فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة ، ودعي بالطعام ، وحضرت الموائد ، وكان كل جماعة على مائدة والطفيلي معي ، فلما مد يده ليتناول الطعام ؛ قلت :
حدثنا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل دار قوم بغير إذنهم فأكل طعامهم دخل سارقاً وخرج مغيراً . فلما سمع ذلك قال : أثبت لك عثراً والله من هذا الكلام فإنه ما من أحد من الجماعة إلا وهو يظن أنك تعرض به دون صاحبه ، أولا تستحي أن تحدّث بهذا الكلام على مائدة سيد من أطعم الطعام ، وتبخل بطعام غيرك على من سواك ، ثم لا تستحي أن تحدث عن درست بن زياد وهو ضعيف ، عن إبان بن طارق وهو متروك الحديث ؛ يحكم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛؛ والمسلمون على خلافه ؛؛ لأن حكم السارق القطع ، وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الإمام ، وأين أنت عن حديث حدثناه أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية )) وهو إسناد صحيح .
قال نصر بن علي فأفحمني ، فلم يحضرني له جواب ، فلما خرجنا من الموضع للانصراف ؛ فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي ورائي ، وسمعته يقول :
ومن ظن ممن يلاقي الحروب *** بأن لا يصاب فقد ظن عجزاً .
( من كتاب الأذكياء لابن الجوزي )