من المعلوم للمقارئ الكريم في كتب الأئمة في قضية الاتباع والابتداع من الأمور التى أخذت نصيبا وافراً في محنة الأمم . والقارئ لكتب التاريخ وكتب الأئمة والتراجم يظهر له وضوحا بيّناً كيفية تعاملهم مع المبتدعة فأقول : يظهر تماما على حرص السلف على هجرهم بل منابذتهم من جميع النواحي ومن أراد تأكيد الكلام هذا فليقرأ كتاب صلاح الأمة في علو الهمة المجلد الثاني ( فصل في الاتباع والابتداع ) وقد دونت بعضا من كلام الأئمة وصورا عجيبة لعلي أقتطف بعضا منها للفائدة . فقد كانوا يخافون على أنفسهم خشية أن يقذفوا في قلوبهم شبها ( فالقلوب ضعيفة والشبه خطّافة ) كما قال الامام الذهبي في السير .
وكان لبعضهم مواقف إذ كانوا يمنعون المبتدع من سؤاله ولا قراءة القرآن عليه ولا نصف آية , وحذّروا طلبتهم من مجالستهم والسؤال عندهم كما يظهر من قول العوام بن حوشب - وحوشب معناه في اللغة الطويل - : يا عيسى -ابنه- أصلح قلبك ولأن أراك في جالي أصحاب المزاهر والعود والباطل أحب إليّ من أن تحالس أهل الخصومات .اهـ . وابن عمر السرخسي أكل عند صاحب بدعة فبلغ ابن المبارك فقال لا كلمته 30 يوما .
وكما قال الامام البربهاري في سفره الجليل ( شرح السنة ) قال : واعلم أن الخروج من الطريق على ةجهين , أما أحدهما : فرجلٌ قد زل عن الطريق وهو لا يريد إلاّ الخير , فلا يُقتدى بزلّته , فإنه هالك . وأمّا الآخر : فرجل عاند الحقّ , وخالف من كان قبله من المتقين , فهو ضالٌّ مضلّ . اهـ .
ولكن
لا يضحك في وجه الفاسقِ إلا العارف ! وكذا لا يضحك في وجه المبتدع إلا العارف المتيقظ الفطن الفهم , وهذه تنطلق من مصلحة شرعية دينية فلا بأس بذلك . فاعلم أنّه لم تجئ بدعة قطّ إلا من الهمج الرعاع , أتباع كل ناعق , يميلون مع كل ريح , وهؤلاء لادين لهم . والمتبصر بالقرآن وآياته يعلم حق العلم ( المقاصد الشرعية ) و ( الوسائل الدعوية ) قال سبحانه - تعالى ذكره وجلت عظمته - { ولَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 46 ) . فهذا خطاب لأهل الكتاب عامّة فكيف لمن عرف الاسلام وقد انتسب إليه .
{ يقول الفضيل بن عياض - وكان شديدا جدّاً على المبتدعة - }
من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام . ومن تبسّم في وجه مبتدعٍ فقد استخف بما أنزل الله عزوجل على محمد . ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها . ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع . اه . فتأمل !! .
وقال : إذا علم الله عز و جل من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له وإن قل عمله , ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا, ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا . ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة فلا تكن صاحب بدعة في الله أبدا . انتهى .
ومقال الأخ الفاضل المشرف عدنان جيّد ومفيد فليس كل أمرٍ على إطلاقه . والله الهادي إلى سواء السبيل .