بين تيار الحداثة (الفكريه ), وتيار المحافظين يقبع حراك المجتمعات المسلمة في حيرة من أمره – فالأطروحات الفكرية التي ينادي بها التيار الحداثي موغلة في الاستغراق بالمنتج القادم عبر أجندة فكرية لا تتناسب في كثير من الأحيان مع حالة القيم والموروث الاجتماعي المحافظ لدى المجتمع المسلم ,.وفي المقابل نرى تيار المحافظين يصر على أن كل فكرة قادمة من عقلية حداثية هي بالضرورة تصب ضد قيم المجتمع وتقاليده .
هكذا تبدو الصورة عند متابعة السجال الفكري بين الأطروحتين – وسأتحدث هنا عن اصحاب التيار الحداثي وذلك بسبب اطروحاتهم التي تثير الجدل ليس فقط على الساحة الفكرية والادبية المعاصرة بل امتدت لتشمل المختصين بالشأن العقدي للقضايا المعاصرة , والسؤال هنا كيف يمكن لنا ان نستشف المغزى الحقيقي من أصحاب لطرح الحداثي ؟هذا السؤال ربما نستطيع ان نجيب عليه عندما نقرأ البروتوكول المقدس في ادبيات الحداثة وهو اختزال مفهوم المجتمع المتحضر بضرورة (تحرير المرأة من القيود الاجتماعية الرجعية )وذلك بأسقاط النموذج الغربي الصرف على واقع المرأة المسلمة , والاخذ بمعطيات الانحطاط الاخلاقي للمرأة الاوروبية وأسقاطه على واقع المرأة المسلمة بدعاوى التطور والرقي, و هنا يقع مكمن الخلل والذي يعاني منه هؤلاء في محاولة تغير الصورة النمطية للمرأة المسلمة المحافظة بطبيعتها .
مامن شك في أن تركيز الطرح الحداثي على التطور الشكلي للمرأة والذي يراه في اقصاء التشريعات الدينية عن الممارسات الاجتماعية و التغيب المتعمد للمضمون الانساني القابع في جسد المرأة , من شأنه ان يحدث خلل في مفهوم الحاجة الفعلية للمرأة في المجتمع ,وهذا مايسعى اليه البروتوكول الاول في (سفر التغير) في( انجيل التنوير )-من هنا ندرك بأن القضية تسعى الى هدم نصف المجتمع المتمثل بالمرأة المسلمة الناضجة والتي تعي تماما دورها الحقيقي في تنمية ا لمجتمع نحو تعزيز دور الفضيلة , وكذلك دورها في تربية الجيل القادم على اسس اسلامية محافظة , فالمجتمع الواعي والمدرك جيدا لمتطلبات مرحلة الحضارة الحقيقية, والتقدم الناضج في النظم الاجتماعية , ليس بحاجة للمرأة التي تعاني من صحوة شكلية قد تؤدي بها الى اجتناب الدور الفعلي والحقيقي لها في حركة التنمية للمجتمع – وكذلك المجتمع الذي يبحث عن يقظة تنموية على اسس من القيم الاخلاقية الفاضلة لايقبل قطعا بالمرأة التي تتخبط في غياهب المعطيات الشكلية للحضارة المعاصرة ,أو ان تتحول المرأة الى حقل تجارب لا اخلاقي للسلع التجارية في أيدي أصحاب رؤوس الأموال .
ان إشكالية التبعية في العقلية الجدلية , أنها تزعم بأن المرأة عندما (تتحرر ) يبدأ الرجل بالإبداع – ويستلهم ملكات الاستشراف والتميز من خلال التأمل في( وجنتي حسناء ممشوقة القوام), وبما أن القضية هي تقليد صرف, فأن العقلية الانقيادية ترى بأن النموذج الأوروبي خير برهان على نجاح تجربة التحرير في خلاص المجتمع من التخلف الفكري والصناعي , فيتحدثون عن أن ثورة المجتمع الأوروبي على الكنيسة ,قد أدت الى انحلال في قيود التشريع الذاتي و التي كان يفرضها القساوسة على النساء, -ويجبرن بذلك على التقيد بأوامر الكنيسة – كما أن العقل الصناعي لم يرى النور حتى رأت المرأة الأوروبية النور من خلال خروجها عن سيطرة الكنيسة الى رحاب الحرية المزعومة .
ولكن ما لايعرفه البعض هو أن النهضة الصناعية في أوروبا لم تقم على( ضفائر) الحسناوات عندما حاز الانسان الأوروبي على امتياز الإبداع والابتكار – بل أن (الحجر المعرفي) والذي كانت تمارسه الكنيسة في ذلك الوقت لم يعد نافذا بعد الثورة على الكنيسة وطفق العقل الصناعي مستغرقا في معامل الأبحاث والدراسات .
لاشك بأن التبعية الفكرية المطلقة ,والقراءة الخاطئة للتاريخ أخرجت لنا نماذج غير مستقلة من مثقفي (الانبهار ),والذين يسعون الى محاكاة النموذج الخاطئ ضانين بذلك أنهم ربما يستطيعون أن يزرعوا( شجيرات التنوير) في مجتمع يعاني من (التصحر الحضاري)على حد زعمهم.
ان المجتمع المسلم ليس عاجزا عن صنع حضارة ورقي تناسب مرحلة التطور, وتناسب أيضا الخصوصية الدينية والاجتماعية التي يتمتع بها, هذا إذا أدركنا فعلا ماهية الحضارة الحقيقية بعيدا عن التبعية الأخلاقية للمجتمعات التي لا تتفق معنا في نظرتنا لقداسة الأخلاق الحميدة , عندئذ سنحقق حضارتنا على ارض الانتماء الحقيقي ,بعيدا عن تقلبات الانتماء التي يحملها (المبشر الحداثي) في اجندته الفكرية....