عقيدة الإمام مالك بن أنس رحمه الله

من كتاب : اعتقاد الأئمة الأربعة للدكتور محمد الخميس
أ – قوله رحمه الله في التوحيد

(1) اخرج الهروي عن الشافعي قال: سئل مالك عن الكلام والتوحيد , فقال مـالك ( محال أن يظن النبي صلى الله عليه وسلم , انه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد , والتوحيد ما قاله النبي صله الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا الـه إلا الله )([1]) فما عصـم به المال والدم حقيقة التوحيد )([2])

(2) وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال ( سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا أمروها فجاءت )([3])

(3) وقال ابن عبدالبر ( سئُل أيُرى الله يوم القيامة ؟ فقال : نعم يقول الله عزوجل ( وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة )([4]) . وقال لقوم آخرين ( كلاّ إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون )([5]) )([6])
وأورد القاضي عياض في ترتيـب المدارك([7]) عن ابن نافع([8]) وأشهـب([9]) قالا : وأحدهم يزيد على الآخر يا أبا عبدالله ( وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ينظرون إلى الله ؟ قال : نعم يأعينهم هاتين , فقلت له : فإن قوماً يقولون لا ينظر إلى الله , إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب قال : كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى عليه السلام ( رب أرني أنظر إليك )([10]) أفترى موسى سأل ربه محالاً ؟ فقال ( لن تراني )([11]) أي في الدنيا لأنها دار فناء , ولا ينظر ما يبقى بما يفنى , فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى وقال الله ( كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون )([12])

(4) وأخرج أبونعيم عن جعفر بن عبدالله قال ( كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : يا أبا عبدالله , الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟
فما وجد([13]) مال من شيء ما وجد من مسألته , فنظر إلى الأرض وجعل ينكت في يده حتى علاه الرحضاء – يعني العرق – ثم رأسه ورمى العود وقال( الكيف منه غير معقول , والاستواء منه غير مجهول , والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج )([14])

(5) وأخرج أبونعيم عن يحيي بن الربيع قال ( كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال يا أبا عبدالله , ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق ؟ فقال مالك : زنديق([15]) فاقتلوه , فقال : يا أبا عبدالله إنما أحكي كلاماً سمعته , فقال : لم أسمعه من أحد إنما سمعته منك , وعظم هذا القول )([16])

(6) وأخرج ابن عبدالبر عن عبدالله بن نافع قال ( كان مالك بن أنس يقول من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يتوب )([17])

(7) وأخرج أبو داوود عن عبدالله بن نافع قال ( قال مالك : الله في السماء وعلمه في كل مكان )([18])

ب – قوله رحمه الله في القدر :

(1) أخرج أبونعيم عن ابن وهب([19]) قال ( سمعت مالكاً يقول لرجل : سألتني أمس عن القدر ؟ قال : نعم , قال : إن الله تعالى يقول ( ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هُداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين )([20]) فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى )([21])

(2) وقال القاضي عياض ( سئُل الإمام مالك عن القدرية : مَن هم ؟ قال : ما خلق المعاصي , وسئُل كذلك عن القدرية ؟ قال : هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا )([22])

(3) واخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبدالجبار قال ( سمعت مالك بن أنس يقول : رأيي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا – يعني القدرية - )([23])

(4) وقال ابن عبدالبر ( قال مالك : ما رأيت أحداً من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة )([24])

(5) وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري , قال ( سمعت مالك بن أنس يسـأل عن تزويـج القـدري ؟ فقرأ ( ولعبـد مؤمن خيرٌ مـن مُشرك )([25]) ... )([26])

(6) وقال القاضي عياض ( قال مالك : لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو ([27]) ولا الخارجي ولا الرافضي )([28])

(7) وقال القاضي عياض ( سُئل مالك عن أهل القدر أنكف عن كلامهم ؟ قال : نعم إذا كان بما هو عليه , وفي رواية أخرى قال : لا يصلي خلفهم ولا يقبل عنهم الحديث وإن وافيتموهم في ثغر فأخرجوهم منه )([29])

ج – قوله رحمه الله في الإيمان :

(1) أخرج ابن عبدالبر عن عبدالرزاق بن همام قال ( سمعت ابن جريج([30]) وسفيان والثوري ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينه ومالك بن أنس يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )([31])

(2) وأخرج أبونعيم عن عبدالله بن نافع قال ( كان مالك بن أنس يقول : الإيمان قول وعمل )([32])

(3) وأخرج ابن عبدالبر عن أشهب بن عبدالعزيز قال ( قال مالك : فقام الناس يصلون نـحو بيت المقدس ستة عشر شهراً , ثم أُمروا بالبيت الحرام فقـال اللهتعالى ( وما كانَ الله لِيُضيع إيمانكم )([33]) أي صلاتكم إلى بيت المقدس , قال مالك : وإني لأذكر بهذه قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان )([34])

د – قوله رحمه الله في الصحابة :

(1) أخرج أبونعيم عن عبدالله العنبري([35]) قال ( قال مالك بن أنس : من تَنَقَّصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , أو كان في قلبه عليهم غِل , فليس له حق في فيء المسلمين , ثم تلا قوله تعالى ( والذينَ جاءوُا من بعدِهِم يَقولون رَبَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قُلوبنا غِلاً )([36]) . فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غِل , فليس له في الفيء حق )([37])

(2) وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير([38]) قال ( كنا عند مالك فذكروا رجلاً يَتَنقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقرأ مالك هذه الآية ( مُحمدٌ رسوُل الله والذين معهُ أشداء – حتى بلغ – يُعجب الزُّراع ليغيظ بهم الكفار )([39]) . فقال مالك ( من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية )([40])

(3) وأورد القاضي عياض عن أشهب بن عبدالعزيز قال ( كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه : يا أبا عبدالله فأشرف له مالك , ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه , فقال لـه الطالبي : إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله , إذا قدمت عليه فسألني , قلـت له : مالك قال لي .
فقال له : قُل .
فقال : من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
قال : أبوبكر , قال العلوي : ثم مَن ؟ قال مالك : ثم عمر . قال العلوي : ثم مَن ؟ قال : الخليفة المقتول ظلماً , عثمان . قال العلوي : والله لا أجالسك أبداً . قال له مالك : فالخيار لك )([41])

هـ - نهيه رحمه الله عن الكلام والخصومات في الدين :

(1) أخرج ابن عبدالبر عن مصعب بن عبدالله الزبيري([42]) قال ( كان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه , نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك , ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل , فأما الكلام في دين الله وفي الله عزوجل فالسكوت أَحَبُّ إليَّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل )([43])

(2) وأخرج أبو نعيم عن عبدالله بن نافع قال ( سمعت مالكاً يقول : لو أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعدَ ألا يشرك بالله ثم تخلّى من هذه الأهواء والبدع – وذكر كلاماً – دخل الجنة )([44])

(3) وأخرج الهروي عن إسحاق بن عيسى([45]) قال ( قال مالك : من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طـلب غريب الحديث كذب )([46])

(4) وأخرج الخطيب أن إسحاق بن عيسى قال ( سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول : كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم )([47])

(5) وأخرج الهروي عن عبدالرحمن بن مهدي قال ( دخلت على مالك وعنده رجل يسأله فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد و لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام , ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تلكموا في الأحكام والشرائع )([48])

(6) وأخرج الهروي عن أشهب بن عبدالعزيز قال ( سمعت مالكاً يقول : إيّاكم والبدع , قيل يا أبا عبدالله , وما البدع ؟ قال : أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعِلْمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان )([49])

(7) وأخرج أبو نعيم عن الشافعي قال ( كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال : أما إني على بيّنة من ربي وديني وأما أنت فشاكٌ فاذهب إلى شاكِّ فخاصمه )([50])

(8) روى ابن عبدالبر عن محمد بن أحمد بن خويز منداد الخلاف : قال مالك لا تجوز الإجارات من كتابه الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتباً ثم قال : وكتب أهلالأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ إجازة في ذلك )([51])

فهذه لمحات من موقف الإمام مالك وأقواله في التوحيد والصحابة والإيمان وعِلم الكلام وغيره .


[1]) أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة (3/263) ح (1399), ومسلم كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله (1/51) ح (324) , والنسائي كتاب الزكاة باب مانع الزكاة (5/14) ح (2443), جميعهم من طريق عبيدا لله بن عبيد اللجن عتبة بن مسعود عن أبى هريرة أخرجه أبو داود كتاب الجهاد باب على ما يقاتل المشركون (3/101) ح (2640)من طريق أبى صالح عن أبي هريرة

[2] ) ذم الكلام ( ق-210 )

[3] ) أخرج هذا الأثر الدارقطني في الصفات ص75 , والآجري في الشريعة ص314 والبيهقي في الاعتقاد ص118 , وابن عبدالبر في التمهيد 7/149

[4] ) سورة القيامة 22

[5] ) سورة المطففين 15

[6] ) الانتقاء ص36

[7] ) 2/42

[8] ) الذي يروي عن الإمام مالك باسم ابن نافع رجلان , أما الأول فهو عبدالله بن نافع بن ثابت الزبيري أبوبكر المدني قال عنه ابن حجر ( صدوق مات سنة 216هـ ) وأما الثاني فهو عبدالله بن نافع بن أبي نافع المخزومي مولاهم أبو محمد المدني قال عنه ابن حجر ( ثقة صحيح الكتاب في حفظه لينّ مات سنة 206هـ وقيل بعدها )

[9] ) هو أشهب بن عبدالعزيز بن داوود القيسي أبو عمر المصري قال عنه ابن حجر ( ثقة فقيه مات سنة 204هـ ) تقريب التهذيب 1/80 , وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 1/35

[10] ) سورة الأعراف 143

[11] ) سورة الأعراف 143

[12] ) سورة المطففين 15

[13] ) جاء في لسان العرب 3/446 ( وجد عليه في الغضب يجد ويجدّ وجداً مَوْجِدَة ووجداناً وفي حديث الإيمان أني سائلك فلا تجد عليّ , أي لا تغضب من سؤالي )

[14] ) الحلية 6/325 , 326 - وأخرجه أيضاً الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص17-18 , من طريق جعفر بن عبدالله عن مالك وابن عبدالبر في التمهيد 7/151 من طريق عبدالله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص408 من طريق عبدالله بن وهب عن مالك قال الحافظ بن حجر في الفتح 13/406 – 407 إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو ص103 .

[15] ) الزنديق : كلمة معربة عن الفارسية استعملها المسلمون أولا في الدلالة على القائلين بالأصلين النور والظلمة على مذهب المانوية وغيرهم ثم اتسع معناها عندهم فشمل الدهريين والملحدين وسائر أصحاب المعتقدات الضالة بل أطلق على المتشككين وكل متحرر عن أحكام الدين فكراً وعملا . انظر الموسوعة المُيسرة1/929 , وتاريخ الإلحاد لعبدالرحمن بدوي ص14-32

[16] ) الحلية 6/325 واخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/249 , من طريق أبي محمد يحيى بن خلف عن مالك , وأورده القاضي عياض في ترتيب المدارك 2/44

[17] ) الانتقاء ص35

[18] ) رواه أبو داوود في مسائل الإمام أحمد ص263 , وأخرجه عبدالله بن أحمد في السنة ص11 الطبعة القديمة , وابن عبدالبر في التمهيد 7/138

[19] ) هو عبدالله بن وهب القرشي مولاهم المصري قال عنه ابن حجر ( الفقيه ثقة حافظ عابد مات سنة197 هـ ) تقريب التهذيب 1/460

[20] ) سورة السجدة 13

[21] ) الحلية 6/326

[22] ) ترتيب المدارك 2/48 , وانظر أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/701

[23] ) السنة لابن أبي عاصم 1/87-88 , وأخرجه أيضاً أبونعيم في الحلية 6/326

[24] ) الانتقاء ص34

[25] ) سورة البقرة 221

[26] ) السنة لابن أبي عاصم 1/88 , الحلية 6/326

[27] ) يدعو إلى بدعته

[28] ) ترتيب المدارك 2/47

[29]) ترتيب المدارك 2/47

[30] ) هو عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي . قال عنه الذهبي ( الإمام الحافظ فقيه الحرم أبو الوليد ) مات سنة 150هـ تذكرة الحفاظ 1/169 , وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 10/400

[31] ) الانتقاء ص34

[32] ) الحلية 6/327

[33] ) سورة البقرة 143

[34] ) الانتقاء ص34

[35] ) هو عبدالله بن سوار بن عبدالله العنبري البصري القاضي , قال عنه ابن حجر ( ثقة مات سنة228هـ ) وقيل غير ذلك . تقريب التهذيب 1/421 , وتهذيب التهذيب 5/248

[36] ) سورة الحشر 10

[37] ) الحلية 6/327

[38] ) الذي تتلمذ على مالك وسمع منه من ولد الزبير بن العوام هو عبدالله بن نافع بن ثابت بت عبدالله بن الزبير بن العوام , وقد تقدم التعريف به , ومصعب بن عبدالله بن مصعب , وسيأتي التعريف به .

[39] ) سورة الفتح 29

[40] ) الحلية 6/327

[41] ) ترتيب المدارك 2/44-45

[42] ) هو مصعب بن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبيـر ابن العوام الأسدي المدني نزيل بغـداد قال عنه ابن حجر ( صدوق عالم بالنسب مات سنة 236هـ ) تقريب التهذيب 2/252 , وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب 10/162

[43] ) جامع بيان العلم وفضله ص415 , ط/ دار الكتب الإسلامية

[44] ) الحلية 6/325

[45] ) هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي قال عنه ابن حجر ( صدوق مات سنة 214هـ ) تقريب التهذيب 1/60 , انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 1/245

[46] ) ذم الكلام ( ق –173 – أ )

[47] ) شرف أصحاب الحديث ص5

[48] ) ذم الكلام ( ق173 –ب )

[49] ) ذم الكلام ( ق173 – أ )

[50] ) الحلية 6/324

[51] ) جامع بيان العلم وفضله ص416 , 417 ط / دار الكتب الإسلامية