تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تعلمت من قوائم الكتب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي تعلمت من قوائم الكتب

    في معرض ذكرياته عن المراحل الأولى في تاريخ حياته ذكر الأستاذ أنور الجندي العوامل التي ساعدته في التعرف على الحياة الأدبية الفكرية في العصر الحديث وعملت على تكوين ثقافته الموسوعية التي عرف بها ، من تلك العوامل التي ذكرها قوائم الكتب وهي عباره عن عرض موجز أو ما يشبه المستخلص للكتاب وتقوم دور النشر بتوزيعها مجانا للإعلان عن الكتب الجديدة المعروضة للبيع ليسهل على القراء التعرف على محتوى الكتب قبل شرائها.
    وقد نقلت لكم الموضوع كاملا من أحد مؤلفاته* تحت هذا العنوان:
    تعلمت من قوائم الكتب

    "من ألطف ما كان يلفت النظر في سن السابعة عشرة لجيلنا سطر صغير في الصحف ، يكمن في اسم مكتبة من المكتبات وقد كتب تحته "ترسل قائمة المكتبة مجاناً لمن يطلبها" إذن فليس هناك بيني وبين الحصول على كتاب ضخم في أربعمائة صفحة من أن أرسل خطاباً في البريد يحقق لي هذا الأمل . وما دام الريف لا يقدم لنا إلا تلك الخزائن التي تحوي الكتب الصفراء ولم نكن نعرف قيمتها وما فيها من جواهر وذخائر هي سر عظمة أمتنا وخلاصة
    فكرها ، وبعد أيام قليلة يرد البريد إلى قريتنا وفيه هذا الكتاب الضخم "قائمة مكتبة" . وقد أصبحت عادة ، ما أن تعلن مكتبة عن نفسها حتى نسارع بالإرسال طالبين القائمة .ومن حق ، لقد كانت مطالعة هذه القائمة في هذه السن في الثلاثينيات من هذا القرن متعة لا حد لها . وهي عوض مسعد عن مطالعة هذه الكتب أو رؤيتها في رفوفها الزجاجية بألوانها الخلابة وأغلفتها المنوعة .
    كانت هذه القوائم تبدأ دائماً بالتعريف بالمكتبة وحسن معاملتها واستعدادها لتلبية رغبات عملائها ، محددة أسعار العملة وطريقة التحويل وخصم الجملة للمكتبات والدارس وطلبات الجملة . وهناك نص أساسي هو أن جميع الطلبات يجب أن تكون مصحوبة بعربون لا يقل عن ثلث الثمن .
    وكانت هذه القوائم مقسمة إلى أبواب تبدأ بالقرآن الكريم وبعات المصاحف المختلفة على الورق الأبيض والورق الأصفر ، والمجلدة تجليداً مذهباً وتجليداً عادياً ، والأحجام الكبيرة والأحجام المتوسطة والصغيرة ، ثم يليها كتب التفسير والحديث النبوي والفقه ثم التصوف والزهد والعقائد والمواعظ ، ثم يلي ذلك التاريخ والسير والتراجم ودواوين الشعر واللغة بقواميسها العربية ومعاجمها ثم دوائر المعارف والموسوعات والقصص ، والفلك والرياضيات ، والهندسة ، والزراعة ، والمنطق ، والاجتماع ، والأخلاق ، والعلوم ، ثم التربية ، وعلم النفس، والمحاسبة ، والاقتصاد .
    وكان يلفت نظري بوجه خاص كتب التراجم والسير والتاريخ ثم كتب الأدب ، وأتمزز ببطء تلك السطور القليلة المكتوبة تحت اسم كل كتاب ، تصف مضمونه وما يحويه من أبواب وفنون ، وكنت أعاود قراءة هذه الكلمات بين حين وحين ، رغبة في الحصول علي أكبر قدر من المعلومات التي عجزت عن الحصول عليها بقراءة الكتاب نفسه .
    ومن الحق أن هذه القوائم وأنا لازلت طالباً في أول الشوط ، قد أمدتني بكثير من المعلومات العامة إن لم تكن عميقة فإنها على الأقل متسعة تتصل بفنون مختلفة من الثقافة العربية والفكر الإسلامي العريق . وإذا كان لي أن أحدد اليوم - وبعد حوالي أربعين عاماً – الانطباع الأساسي الذي انعكس من بعد علي كتاباتي وإنتاجي ، فإنني أقول بحق أن الإدمان علي قراءة قوائم الكتب في مطالع الصبا قد أعطاني طابع التكامل والشمول في مجال الثقافة والفكر ، فلم يعد تقديري قائماً علي لون واحد هو"الأدب" ولكني أصبحت أحس بأن الأدب ليس إلا قطاعاً من الفكر العربي الإسلامي الواسع الآفاق الذي يضم الاجتماع والاقتصاد ، والسياسة ، والدين ، والأدب ، والعلم ، والتربية ، والفن ، والأخلاق ، وأن هذه القطاعات كلها لا يمكن أن تدرس في الفكر الإسلامي والثقافة العربية منفصلة أو مجزأة ، ولكنها تتكامل وتتداخل ولا يأتي التخصص فيها إلا في المراحل العليا ، أما القيم الأساسية فيها فإنها تمثل كياناً متكاملاً يدور حول الإنسان والكون والمجتمع ويحاول أن يحقق له العدل والحرية، وتلك عظمة الفكر الإسلامي العربي في تكامله حيث يشمل قطاعي الثقافة الإنساني: الروح والمادة .
    وإني لأذكر كيف كانت مطالعة قوائم الكتب تجعلني قفي مقدمة زملائي الطلاب في الصفوف المختلفة ، وكيف كانت موضوعات الإنشاء تتسم بطابع يلفت النظر .
    وقد هداني ذلك إلى أن ألقي محاضرة عام 1932 في المدرسة الابتدائية عن "الأدب العربي الحديث" أعرض فيه للعقاد ، والمازني ، والزيّات ، وطه حسين ، وهيكل ، وشوقي ، وحافظ ، وأحمد محرم ، وأتحدث عن مؤلفاتهم وموضوعاتهم وخاصة كتاب "ساعات بين الكتب" للعقاد ، و"قبض الريح" للمازني ، و"روفائيل وآلام فرتر" للزيّات ، و"الأيام" لطه حسين ، و"في أوقات الفراغ" لهيكل ، ويومها عدت إلى درجي في الفصل فوجدته مقلوباً مضطرباً ، فقد عنّ لبعض الأستاذة أن يبحث عن كراسة الإنشاء ليقارن بين ما ذكرته في المحاضرة وما أكتبه في هذه الكراسة ظناً منه أنني "سرقت" هذه المحاضرة من بعض المجلات .
    ومازلت أذكر كيف أنني دعيت لمرافقة بعض الفلاحين يوم قطع الفيضان جسر بلدتنا حيث أقيم لي عريش صغير في أحد الحقول لنقل الحطب إلى الجسر لحمايته ، وكيف أن هؤلاء الفلاحين قد ذهبوا يجنون بقايا الأقطان من الحطب ويضمونها إلى عبوبهم ، ثم رأوا في آخر اليوم أن يشركوني في حصيلة ما جمعوه فقدموا لي مبلغاً من المال ، وقد رفضته على الفور ، غير أن بعضهم كان يعرف هوايتي في قراءة قوائم الكتب ، فأسرع وقد عرف عنوان هذه المكتبة ، فاشترى حوالة بريد باسمي بالمبلغ الذي رفضته ، قائلاً : "إنك تحب الكتب ولذلك فإن هديتنا إليك ستكون بعض هذه المؤلفات" وما زلت أذكر كيف تلقيت بعد أيام "ربطة" ضخمة كانت هي نواة مكتبتي ، ولا تزال بها حتى اليوم .
    ومازلت أذكر إلى اليوم عن ذلك الكاتب الأديب المجهول الذي كان يكتب في قوائم المكتبات تلك السطور القليلة تحت كل كتاب في التعريف به ، ويبدو أنه كان أحد رجال الأزهر الذين يعملون في هذه المكتبة أو تلك ، غير أن هذا الفن ، فن التعريف بالكتب ، قد تقدم في السنوات الأخيرة تقدماً باهراً ، وأصبح يقوم به رجال متخصصون ، أذكر منهم اليوم الأستاذ محمد عبد الغني حسن الذي أشرف على قوائم عدد من دور الكتب الكبرى ، ولقد أعد نوعاً من القوائم السريعة الشبيهة بالمجلات تحت اسم "بريد الكتاب" .
    ولقد كانت تجارة الكتب في العقود الأولى من هذا القرن عملاً مربحاً للناشرين وأصحاب المكتبات بينما كان إيرادها ضئيلاً جداً بالنسبة للمؤلفين ، ولقد كان أمثال العقاد والمازني يبيعون مؤلفاتهم للناشرين لقاء جنيهات قليلة لا تتجاوز أحياناً أصابع اليد الواحدة ويحصلون عليها قروشاً وأنصاف ريالات . ويشترط الناشر أن يكون له حق طبع هذه الكتب وإعادة طبعها مدى الحياة .
    فضلاً عن ذلك ، فقد تنبه أصحاب المكتبات إلى طبع الكتب التي ليس لأحد حق فيها ، فطبعوا عشرات الكتب القديمة في وقت كانت أسعار الورق زهيدة جداً ، وإنني لأذكر كيف سافرت من بلدتي في الريف إلى القاهرة ، وقد تجمع لي بعض الجنيهات ، في سبيل الحصول على مجموعة من الكتب ، فلما ذهبت إلى المكتبة المرموقة في مكانها المعروف في قلب القاهرة ، قال لي البائع إن هذه الكتب ليست عنده ولكنها في الخازن الموجود قريباً من الأزهر ، فلما ذهبت إلى هناك إذ بي أجد قبواً مهيباً مظلماً تحت الأرض وقد علا عليه نظام الشوارع الجديد فاختفى وأصبح يضاء بالفوانيس والكهرباء ، وإذا بي أمام مدينة كاملة تحت الأرض تتكدس فيها الكتب على اختلافها بأعداد ضخمة وفي غرف واسعة ، وحواصل عديدة. وذكرت كيف تنبه هؤلاء الناشرون إلى أن مثل هذه الكتب ستصبح فيما بعد ثروة ضخمة لهم ولأبنائهم وقد كان .
    وهكذا كان شغفي بقوائم الكتب مقدمة لخط واضح ما زلت أسير فيه إلى اليوم ، هو خط الكتب والتأليف والطبع والنشر ، وما زلت كلما وقعت في يدي قائمة من قوائم المكتبات أذكر مطالع حياتي الأدبية منذ أربعين عاماً وأن قابع في الريف ، أحلم برفوف الكتب وواجهات المكتبات التي لم تكن زجاجية في ذلك الوقت ، وكان يمر بخاطري يوماً أن يكون لي كتاب معروض ، فلما قدمت القاهرة وأقمت بها ، قرأت عشرات من هذه الكتب ، وأصبح لي منذ بضع وعشرين سنة موقعاً في دار الكتب لا أغيب عنه إلا لماماً ، وقد قرأت به مئات من الكتب ، بل لقد اضطررت ، وأنا اعد "الموسوعة الإسلامية العربية" الجامعة ، أن تكون لي قائمة تضم أسماء الكتب التي تلزمني وأرقامها ، حتى لا يضيع الوقت كل يوم في البحث عن هذه الأرقام . ومن ثم عكفت على دراسة ما يزيد على نصف مليون بطاقة أخذت من الوقت أكثر من خمسة أشهر راجعت فيها بطاقات يحويها أكثر من 180 صندوقاً ، وأعددت من خلال ذلك مجلداً ضخماً يحوي أكثر من خمسة آلاف كتاب ، هذا بالإضافة إلى فهارس ضخمة لأعداد صحيفة الأهرام التي صدرت في الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين ، يحوي مواد الأهرام الأدبية والفكرية والاجتماعية والأحداث التاريخية .
    وقد علمتني قوائم الكتب كثيراً ، علمتني حاجة الباحث الملحة إلى متابعة كل ما صدر من مؤلفات ، فكل يوم يصدر كتاب جديد ، ولعل كتاباً يصدر في موضوع ، أو عن شخصية ما ، يغنينا عن ساعات طويلة من البحث قد تكفل لها هذا الباحث .
    ولقد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض المؤلفات الجامعة التي تعين الباحث على الوصول إلى المراجع التي تتاح إليها وفي مقدمتها "قوائم المكتبات العامة" ، وقوائم الدوريات الصحفية ، وهناك "معجم المؤلفين" للباحث العلامة عمر رضا كحالة ، و"المصادر الأدبية" للباحث المكتبي يوسف أسعد داغر ، بالإضافة إلى الأعلام للزركلي .
    ومن حق ، أن قوائم الكتب ، كانت ولا تزال ، نافذة ثرة تطل على عالم الفكر العربي الإسلامي وتعطينا أول ما تعطينا انطباع التكامل والشمول الذي يتمثل به هذا الفكر جامعاً بين العلوم والفنون والآداب في سمت واحد متصل لا ينفصل ."

    *كتاب "آفاق جديدة في الأدب" ط مكتبة الأنجلو ص245 : 249
    للأستاذ أنور الجندي

  2. #2

    افتراضي رد: تعلمت من قوائم الكتب

    بارك الله فيك على هذه اللفتة الحية , وكم هي مفيدة .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    ذُمّ المنازلَ بعد منزلةِ اللّوى ..والعيشَ بعدَ أولئِك الأيّام
    المشاركات
    563

    افتراضي رد: تعلمت من قوائم الكتب

    جزاك الله خيرا وبارك فيك
    صفحتي على ( الفيس بوك )
    https://www.facebook.com/rabia.yamani




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •