روى المسعودي ، عن عمرو بن مرَّةَ ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن مُعاذ بن جبلٍ ، قال : إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قدمَ المدينةَ ، فصامَ يومَ عاشوراءَ وثلاثةَ أيامٍ منْ كلِّ شهرٍ ، ثُمَّ إنَّ الله جل وعز فرضَ شهرَ رمضانَ ، فأنزلَ اللهُ تعالى ذكره : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام )) حتى بلغَ : (( وعلى الذين يطيقونهُ فدية طعام مِسْكين )) فكانَ مَنْ شاءَ صامَ ، ومَنْ شاءَ أفطرَ وأطعمَ مسكيناً ، ثُمَّ إنَّ الله عز وجلأوجبَ الصيامَ على الصحيحِ المقيمِ ، وثبتَ الإطعامُ للكبير الذي لا يستطيعُ الصومَ ، فأنزلَ الله عز وجل : (( فمن شهد منكم الشَّهرَ فَلْيصمهُ ومَنْ كان مَريضاً أوْ على سفرٍ )) (1)إلى آخر الآية(2).
أخرجه : أبو داود (507) من طريق يزيد بن هارون .
وأخرجه : الطبريُّ في " تفسيره " (2243) و (2246) ط. الفكر
و3/161 ط. عالم الكتب من طريق يونس بن بكير .

وأخرجه : الحاكم 2/274 من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم .
وأخرجه : البيهقيُّ 4/200 من طريق عاصم بن علي .
أربعتهم : ( يزيد ، ويونس ، وأبو النضر ، وعاصم ) عن عبد الرحمان بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، بهذا الإسناد .
هذا إسناد معلول بعلتين :
الأولى : المسعودي اختلط في آخر عمره ، قال الحافظ ابن حجر في
" التقريب " (3919) : (( صدوق اختلط قبل موته ، وضابطه أنَّ مَنْ سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط )) ، وجميع الذين رووا هذا الحديث عن المسعودي هم ممن روى عنه بعد الاختلاط ، نقل ابن الصلاح في " معرفة أنواع علوم الحديث " : 496 بتحقيقي عن يحيى بن معين أنَّه قال : (( من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع ، ومن سمع منه أيام المهدي فليس سماعه بشيء )) ، ونقل عن الإمام أحمد أنَّه قال : (( سماع عاصم – وهو ابن علي – وأبي النضر وهؤلاء من المسعودي بعد ما اختلط )) فتعقبه الأبناسي فقال في
" الشذا الفياح " 2/757 : (( اعترض عليه(
3) أمور منها : أنَّه اقتصر على ذكر اثنين ممن سمع منه بعد الاختلاط وهما : عاصم بن علي وأبو النضر هاشم بن القاسم وقد سمع منه بعد الاختلاط أيضاً : عبد الرحمان بن مهدي ، ويزيد بن هارون ، وحجاج بن محمد الأعور ، وأبو داود الطيالسي ، وعلي بن الجعد )) .
وقال ابن الكيال في " الكواكب النيرات " : 287 : (( ذكر حَنْبل بن إسحاق ، عن أحمد بن حنبل أنَّه قال : سماعُ عاصم بن علي ، وأبي النضر
هاشم بن القاسم من المسعودي بعد ما اختلط )) .

سوى يونس بن بكير ، فلم نجد من نص على أنَّه روى عنه قبل الاختلاط أو بعده(4) ، والناظر في طبقات الرواة سيجدهم من الطبقة التاسعة ، وإذا كان يونس بن بكير أقدمهم وفاة ، فإنَّ يزيد وهاشماً أعرف بالطلب وأشهر من
يونس ، فإذا كان يزيد سمع منه بعد الاختلاط فيكون يونس بنفس الحال ،
والله أعلم .

ولكن مع هذا فإنَّ خطأ المسعودي في هذا الحديث واختلاطه واضح ؛ لأنَّ المسعودي قد خولف ، خالفه من هو أوثق منه ، فرواه الأعمش بوجه آخر كما سيأتي .
أما العلة الثانية : فإنَّ عبد الرحمان بن أبي ليلى ، لم يسمع من معاذ بن جبل ، فقد قال الترمذيُّ في " جامعه " عقب حديث (3113)
: (( عبد الرحمان بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ )) ، وقال البزار في " مسنده " عقب حديث (2667) : (( عبد الرحمان بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ، وقد أدرك عمر )) ، وقال الدارقطنيُّ في " العلل " 6/61 (976) حول سماعه من معاذ : (( فيه نظر ؛ لأنَّ معاذاً قديم الوفاة مات في طاعون عمواس )) ، وقال البيهقي عقب الحديث : (( هذا مرسل ، عبد الرحمان لم يدرك معاذ بن جبل )) .

زيادة على ما تقدم من علل هذا الحديث ، فإنَّه قد اختلف فيه على
عمرو بن مرة فروي عنه ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل كما تقدم ، وروي عنه من وجوه أخرى .

إذ أخرجه : البخاريُّ 3/45 عقب (1948) تعليقاً ، وابن أبي حاتم في
" تفسيره " 1/309 (1646) ، والبيهقي 4/200 من طريق عبد الله بن نمير .

وأخرجه : ابن أبي حاتم في " تفسيره " 1/306 (1632) من طريق عيسى بن يونس .
كلاهما : ( ابن نمير ، وعيسى ) عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، قال : حدثنا أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فذكره .
فإن قيل : إنَّ المبهم هنا بينته رواية معاذ السابقة . فنقول : هذا القول ليس بجيد ؛ لأنَّ أهل العلم نصوا على أنَّ ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ، وهو هنا أتى بسماع صريح .
وهذا الطريق أرجح من طريق المسعودي ؛ لأنَّ الأعمش أحفظ وأتقن للحديث من المسعودي . قال ابن حجر في " فتح الباري " 4/240 عقب (1949) : (( واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً ، وطريق ابن نمير هذه أرجحها )) .
وروي الحديث عن شعبة ، واختلف عليه .
إذ أخرجه : سعيد بن منصور (268) ( التفسير ) من طريق عبد الرحمان ابن زياد ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرَّة ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، قال : هي منسوخةٌ .
هذا متن منكر ، فإنَّ عبد الرحمان بن زياد الرصاصي(5) قد أخطأ فيه ،
فرواه عن شعبة بهذا الإسناد ، واختصرَ متنَ الحديث ، ولم يوافقه أحد من الرواة

على ذلك ، والصواب فيه ما رواه محمد بن جعفر غندر ، ومن تابعه .

فقد أخرجه : أبو داود (506) من طريق عمرو بن مرزوق .
وأخرجه : أبو داود (506) ، والطبريُّ في " تفسيره " (2247) ط. الفكر و 3/162 ط. عالم الكتب من طريق محمد بن جعفر .
وأخرجه : الطبريُّ في " تفسيره " (2247) ط. الفكر و 3/162 ط. عالم الكتب من طريق أبي داود الطيالسي .
ثلاثتهم : ( عمرو بن مرزوق ، ومحمد بن جعفر ، والطيالسيُّ ) عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : حدثنا أصحابنا : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدمَ عليهم أمرهم بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ منْ كلِّ شهرٍ تطوعاً غير فريضةٍ ، قال : ثُمَّ نزل صيامُ رمضانَ ، قال : وكانوا قوماً لم يتعوّدوا الصيامَ ، قال : وكانَ يشتدُّ عليهم الصوم ، قال : فكانَ منْ لم يصمْ أطعمَ مِسْكيناً ، ثُمَّ نزلتْ هذه الآيةُ : (( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر )) فكانت الرخصةُ للمريضِ والمسافر ، وأمرنا بالصيام(6) .
قلتُ : وقد ساقَ الطبريُّ سنده إلى عمرو بن مرَّة ، قال : حدثنا
أصحابنا ، وهذا السياق قد يتوهم منه أنَّ عمرو بن مرَّةَ هو القائل : ( حدثنا أصحابنا ) ، ولكنَّ الطبريَّ ساقَ بعدهُ ما يفيد أنَّ قائل ذلك هو ابن أبي ليلى ، فقال : (( قال محمد بن المثنى : قوله قال عمرو : حدثنا أصحابنا : يريد ابن أبي ليلى ، كأن ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا )) .
ورواية محمد بن جعفر كافية لأنْ ترجح على باقي الروايات ؛ لأنَّ
محمد بن جعفر من أوثق الناس في شعبة ، فإنَّه روى عنه فأكثر ، وجالسه نحواً من عشرين سنة ، وكان ربيبه فقد قال ابن المبارك فيما رواه ابن أبي حاتم في
" مقدمة الجرح والتعديل " 1/231 : (( إذا اختلف الناس في حديث شعبة ، فكتاب غُنْدَر حكم فيما بينهم )) ، وقال العجلي في " الثقات " (1582) : (( وكان من أثبت الناس في حديث شعبة )) ، وقال أبو حاتم فيما نقله ابنه في
" الجرح والتعديل " 7/298 (1223) : (( كان صدوقاً ، وكان مؤدياً(
7) ، وفي حديث شعبة ثقة )) ، وقال الذهبيُّ في " ميزان الاعتدال " 3/502 (7324) : (( أحد الأثبات المتقنين ، ولا سيما في شعبة )) .
وانظر : " تحفة الأشراف " 8/97 (11344) ، و " إتحاف المهرة " 13/267 (16697) .
وللحديث شواهد منها حديث ابن عمر .
إذ أخرجه : ابن أبي شيبة (9094) ، والبخاريُّ 3/45 (1949)
و6/30 (2406) ، والطبريُّ في "تفسيره" (2251) ط. الفكر و3/163 ط. عالم الكتب ، والبيهقيُّ 4/200 من طرق عن عبيد الله(
8) بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : نسختْ هذه الآية – يعني : (( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) التي بعدها : (( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر )) (9).

.............................. ..................
(1) سورة البقرة : 184و 185 و 186 .
(2) لفظ رواية الطبري .
(3) أي : على ابن الصلاح ، رحم الله الجميع .
(4) القاعدة تقول : (( من لم يعلم أنَّه سمع من الراوي قبل الاختلاط أو بعده فيحمل على أنَّه بعد الاختلاط احتياطاً )) .
(5) ذكره ابن حبان في " الثقات " 8/374 وقال : (( ربما أخطا )) ، وقال ابن حجر في " لسان الميزان " (4631) : (( وله ترجمة في كتاب " الكمال " لعبد الغني ، لكنه لم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة )) .
(6) لفظ رواية الطبري ، والآية من سورة البقرة : 185 .
(7) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1/103 المقدمة : (( يعني : أنَّه لم يكن بحافظ )) .
(8) ورد في المطبوع من " تفسير الطبري " : (( عبد الله )) ط. دار الفكر ، وهو تحريف ، والصواب ما أثبتناه . انظر : " تهذيب الكمال " 5/18 (4192) .
(9) لفظ الطبري ورواية البخاري مختصرة .