تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حركة العلم والأدب في الجزائر

  1. #1

    Lightbulb حركة العلم والأدب في الجزائر

    تقديم :

    صور لنا الشيخ العلامة مبارك الميلي في مقاله هذا سير الحياة الفكرية والأدبية في الجزائر على مر عصورها وتتجلى أهمية الموضوع من خلال الشعور بأهمية تصور حقيقة السياق التاريخي للنهضة التي لم تزل آثارها وارفة الضلال الى اليوم تلك الدفعة القوية التي أحدثت النقلت الأهم في حياة الجزائريين ورسمت بعمقها الاطار العام لمستقبل ذلك الجيل
    كما يستمد الموضوع أهميته من كاتبه فهو صاحب تاريخ الجزائر في القديم والحديث مما يجعله من أوسع الناس اطلاعا وأقدرهم اضطلاعا بهذه المهمة الجليلة وهذا الدور الخطير ونظرا لما تحتله عملية البحث التاريخي من مكانة بارزت تسمح بكشف شيء من الحقائق التي يحاول البعض عن جهل أو سوء قصد تجاهلها وطمسها محاولا اعطاء تفسيرات غير موضوعية وبعيدة كل البعد عن ذهن جيل النهضة ووعي روادها .. آسف على الاطالة ومع المقال :

    حركة العلم والأدب في الجزائر

    لم أر مثل الأستاذ عبد القدوس الانصاري دكتاتورا محبوبا يجلس على كرسيه بادارة المنهل العذب ويخلو بخياله المنير للحقائق يستثير به المواضيع المجدية على النهضة العربية ثم يتقدم بها على قراء منهله ليحرروها فلا يسعهم سكوت عنه ولا اعتذار له
    وقد أملى علي ذلك الأخ العنوان أعلاه لأكتب تحته مقالا غير مقدر الصفحات في استعجال غير مبرر للاعتذار
    اني اقدر في الأخ الكريم العبقرية العربية والطاقة الحجازية والنبعة الأنصاريو فلا يسعني التقصير معه وان كنت أود لو كلف بهذا الأمر من يجلوه أحسن مني أو عهد الي بارشاده الى الاقلام المبرزة في هذا الميدان ةان تقديري للأخ مع علمي بنفسي ةاخلاصي لوطني والحقيقة يجعلني أوثر الاعتذار للوطن المحبةب أن ابخسه حقه وللواقع المحترم ان اقصر في تصويره
    الجزائر قطعة كريمة من المغرب وطننا الكبير الةاقع على البحر الأبيض المتوسط مركب الحضارة الشرقية قديما
    واذن العلم والأدب في الجزائر قديمان بقدم حضارة ذلك البحر لكنهما معرضان لما يعرض لوسائل الحياة ودلائل النظام ونتاج الاجتماع من قوك وضعف واحكام وانحلال وازدهار وذبول
    و الجزائر العربية الاسلامية هي همزة الوصل بين دمشق وبغداد والقاهرة شرقا وقرطبة واشبيلية وغرناطة غربا وهي بالمغرب بين كليتيه : جامع الزيتونة شرقا وجامع القرويين غربا وهما أقدم كليات العالم الاسلامي واذا شرف شرقي المغرب بالقيروان وتونس وغربيه بفاس ومراكش ففي وسطه الجزائر بجاية وتلمسان فما دونهما مثل تيهرت الرستمية والقلعة الحمادية وقسنطينة الحفصية والجزائر التركية
    ولتنزل الجزائر من جاراتها برا وبحرا قربا وبعدا منزلة همزة الوصل سهل عليها تحمل أمانة العلم واداء رسالة الأدب ثم عوملت معاملتها فيعتد بها بسبة علمائها وأدبائها اليها تارة فتجد منه البجائي والزةاةي والتاهرتي والتلمساني وغيرهم وتسقط تارة أخري فلا ينسب اليها بعض أبنائها أة من أطال الاستيطانها
    هذا عبد الحق الاشبيلي لا يزال مسجده من القرن السادس حتى اليوم معروفا كان سلفيا في الاعتقادات مالكيا في العبادات وكذلك كانت دولة المرابطين التي سقطت لعهده وحاةل احياءها بما أغضب عليه الموحدين الذين أسسوا دولتهم على أنقاضها وفي العبادات بين الشافعية والظاهرية وكاد غضبهم ينتهي الى سفك دمه ولكن الله سلم
    وهذا أبو بكر بن سيد الناس عالم بجاية ومحدثها في القرن التاسع انتهى ذكره الى الملك الحفصي بتونس فاستدعاه لحصرته ولأول مقابلة تلى عليه : ((
    فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين
    )) الآية 159 سورة آل عمران وفي ذلك الأمر شهادة بشجاعة قلبه وعزة نفسه اذ لفت نظر الملك الى تلك الأخلاق العالية التي لا تطيب نفسه لمعاشرته دونها
    وهذا ابن رشيق القيرواني الأديب الشهير وهو من أبناء المسيلة احدى مدن الجزائر التي وسعت ابن هاني لما ضاقت به الأندلس
    ثم هذا ابن خلدون التونسي المولد والطلب يضرب بالمغرب ويعمل بالجزائر وينزل صغار قراها فيضع مقدمته التي اربت شهرتها على شهرة تاريخه القيم
    هذه لفتة الى الماضي المعلوم تشهد للجزائر بأنها منبت رجال ومعدن نبوغ ومطلع بدور وتلك معجزة المغرب المتقدم ومقرعة المغرب المتأخر
    لم يقف تاريخ الجزائر حيث وقف ابن خلدون وان وقفت الاقلام بعده عن وصل عمله بحلقات من نوع سلسلته وذلك مظهر من مظاهر تدليه
    حقا ان حركة العلم والأدب لم تنقطع من الجزائر بعد عصر ابن خلدون ولكن اعتراها الجمود والشلل وأصابتها طبيعة الانحطاط المطرد من تغن بفضل السابق على اللاحق تغنيا مشعرا بأن ذلك الفضل وهبي لا كسبي واعجاب من المتأخر بالمتقدم ميئسا من بلوغ درجته واكبار الخلف للسلف اكبار تقديس في غير اقتداء
    لعل الاخ الكريم يريد بحركة العلم والأدب الحركة الحاضرة ولكن الحاضر انما يبنى على الماضي والذي تريد مدحه ان لم تجد فيه نعوتا حقيقية نعته بنعوت سببية على أن للنعت السببي فائدة التذكير الموقظ للشعور الباعث للعزائم المؤيدة للنصيحة
    ان حركة العلم والادب في العصر الحاضر تمتد في ماضيها نحو سبعين سنة يمثلها في نظرنا دوران :
    الدور المجاوي والدور الباديسي
    الزيتوني ولزهادة كتابنا في هذه المباحث كان هذا التحديد والتسمية من وضعنا في هذا المقال
    المجاوي هو الشيخ عبد القادر المجاوي ومجاوة من قرى تلمسان تعلم بمسقط رأسه ورحل الى فاس وجلس للاستفادة والاستزادة أمام شيوخ جامع القرويين ثم عاد وزار قسنطينة فاستقر به للتدريس والتصنيف واشتهر ذكره فأمه الطلبة من البوادي وكان يحمل العلوم المقروءة بالقرويين يدرسها باسلوب يقربها من فهم البليد فكثر تلاميذه لذلك ثم توظف عند الحكومة في التعليم الرسمي بقسنطينة ثم بالجزائر : واتفق أن زار بعد ذلك قسنطينة فتوفي بها ودفن في مقبرتها العامة –رحمه الله-
    ومصادر التعليم في الدور المجاوي ثلاثة نرتبها حسب ترتيب أهميتها في نظرنا
    المصدر الأول :التعليم الرسمي :
    مقسم الى ثلاث درجات :
    الدرجة الابتدائية :
    لها شيوخ في مساجد مخصوصة بمدن الوطن وبعض قراه وليست له مدة مضبوطة وانما يحد بالامتحان
    والدرجة الثانية :
    لها ثلاث مدارس بقسنطينة وتلمسان والجزائر تقبل عددا معينا تتفق عليه الحكومة وسنواتها أربع ينتقل فيها من سنة الى أخرى بالامتحان
    والدرجة العالية :
    لها قسم واحد في الوطن بمدرسة الجزائر ومدتها سنتان والتع_ليم الرسمي مع كونه نظاميا ليس فيه تجديد من ناحية العربية
    فكتبه ثديمة وطريقته قديمة نعم تعلم الفرنسية في المدارس الثلاث الى جانب العربية فاستفاد التلاميذ من ناحيتها شيئا من حرية الفكرة ومقدارا من الشعور ونصيبا من تقدير الحياة وثمرة هذا المصدر هي التوصل الى الوظيفة : اما العلمية بالتدريس في المساجد ثم المدارس واما الشرعية بالانتظام في سلك القضاء الاسلامي وأما القانونية فبالوكالة في المحاكم الابتدائية اسلامية ومدنية
    وفائدة العلم والادب من هذا المصدر هي فائدة الحكومات نعم لكل قاعدة شواذ ولكل عموم خصوص فهناك من خريجي هذا المصدر من نفع بعلمه ومن زان القضاء بسيرته ومن حرك الشعور بأدبه تحريكا ما
    المصدر الثاني :الزوايا

    وهي في القسم القبائلي ولا سيما زواوة مؤسسات علمية وفي غيره مؤسسات طرقية غالبا
    تدرس بهذا المصدر كتب خاصة في الكلام والفقه والعربية وهو يؤوي من التلاميذ الكثير جدا ويزيد على التعليم الرسمي بتحفيظ القرآن وتعليم الرسم المصحفي وينقص عنه في حرية التفكير وتربية الملكة ويتفق معه في قلة الأكفاء من الشيوخ وضعف مادة التعليم وجمود الاسلوب ويخالفه في توجيه خريجيه فخريج المصدر الرسمي يتجه غالبا نحو المادة والعمل لها
    وخريج المصدر الثاني يتجه غالبا نحو الزهادة في الكسب وفائدة العلم في هذا المصدر تقديس أهله وفائدة الادب تحميس المريدين
    المصدر الثالث :التعليم الشعبي

    ويكاد ينحصر في تحفيظ القرآن وتعليم رسمه وهو في هذا أكثر تلاميذ وأعم مراكز تجده بالمدن والقرى والبوادي
    أما تعليم العلوم فلا تبلغ مراكزه بالوطن كله العشرة فيما أرى
    والتعليم الشعبي يتقاضى معلمه أجرته من جماعة لا يد للزاوية في تكوينها ولا نظام لها في جلساتها وماليتها بل يجتمعون عندما تكون للمعلم حاجة الى جمعهم ويقبض المال من كل واحد منهم المعلم نفسه
    وليس لتعليم الزاوية والجماعة مستقبل ينتظر خريجه ولا امتحان يكشف عن حال المتعلم وانما يتخرج متخرجه باجتهاد الشيخ واذنه فيأخذ في البحث عن عمل فلا يجد عند الشعب والزاوية لمهمته محلا الا قليلا ثم لا يجد الا الحزابة تلاوة حزب مقدر في وقت معين بمسجد خاص
    ان دراسة هذا الدور المجاوي تنتج انه لا يختلف عن ادوار الانحطاط قبله الا في التعليم الرسمي وانما أضفناه الى هذا الشيخ
    لكثرة تلاميذه فيه لا سيما بعمالة قسنطينة وقد كان لعهده شيوخ علم وتعليم ولكنهم لم ينتجوا انتاجه ولا شهروا شهرته
    وقطعنا هذا الدور عما قبله لأن نبغاء الادوار السابقة عليه لم تتصل معهم نهضة يعدون نواة لها أما الدور المجاوي فقد اتصل بالدور الباديسي دور اليقضة والنهوض
    وأشهر علماء هذا الدور الشيخ حمدان الونيسي القسنطيني الذي هاجر الى المدينة المنورة وتوفى فيها- رحمه الله- وهو من تلاميذ الشيخ المجاوي
    وأشهر أدبائه ولكن من غير تلاميذ المجاوي الشيخ عاشور الخنقي من (خنقة سيدي ناجي) على أبواب صحراء قسنطينة كان هجاء بليغا قلما يجيد في الثناء قويا في القؤيض ضعيفا نثيره ولم يدون من شعره الكثير القصائد القليل الاغراض الأدبية الا ما دونه هو نفسه في سفر لطيف وهو خاص بقضية (الشيخ صالح بن مهنا) الذي خمل حملة علمية أثرية على الطرقية ومدعي الشرف وقد سمى سفره ذلك (منار الأشراف على فضل عضاة الاشراف ومواليهم من الأطراف )
    نهض لنقضه منافسه على زاوية الهامل الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي من جنوب عمل الجزائر وسمى نقضه (هدم المنار وكشف العوار)
    ويغلب على هذا الدور التقرب من الزوايا أو التسليم لشيوخها أحياء أوموتى وكان الشيخ صالح بن مهنى –رحمه الله- ممن ارتحل الى المشرق وقرأ بالأزهر فلما عاد الى قسنطينة وولي امامة جامعها الكبير أعلن نكيره على العجزة من أبناء الأشراف والزوايا وعلى القضاة في حكمهم بما في الأعمال السياسية وان خالف الثابت في الصحيحين فلقي في ذلك عن الشيخ المجاوي وتلاميذه والشيخ عاشور ومغريه ما لا قبل لأحد به ولم يجد معه غير فؤاده المشيع وقلمه المصمى فلقد كان كاتبا بليغا ومحدثا فقيها
    ولم يترك لنا هذا الدور من الآثار القلمية المعبرة عن روح عصره غير ما كتب في هذه القصة وما عداه من التأليف والقصائد تقول فيها الأدوار السابقة (هذه بضاعتنا ردت الينا)
    ومادة التدريس في هذا الدور هي مادة المتن والشرح والحاشية فان كان للحاشية تقارير فتلك سدرة المنتهى ومادة التذكير والوعظ في كتب المناقب والرقائق
    أما التفسير والحجيث فهما محترمان احترام الخليفة العباسي القائل :

    أليس من العجائب ان مثلي .. يرى ما قل ممتنعا عليه
    وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ... وما من ذلك شيء في يديه
    اليه تحمل الأموال طرا ... ويمنع بعض ما يجبى اليه


    تراهم حتى القادرين منهم على فهم التفسير والحديث وتفهيمهما يكبرون تدريسهما وتحكيمهما اكبارا منفرا لمتبعيهم عنهما وقادحا في ديانة من لا يقلدهم في الاعراض عنهما
    والشيخ المهدي الوزاني –رحمه الله- من علماء فاس وممن شاركفي الحملة على ابن مهنا كتب رسالة في (السدل) ينقض بها رسالة الشيخ مكي بن عزوز –رحمه الله في (القبض) وجاء فيها بحديث زعمه دليلا للسدل ومعارضا راجحا لدليل القبض ثم اعتذر بأنه انما استدل بالحديث مجاراة للخصم
    ولا ندع هذا الدور حتى نسجل أن حركة التعليم به دون حاجة الشعب فنسبة متعلمي الكتابة الى الأميين نسبة ضئيلة مخجلة وهنا ندع الدور المجاوي معتقدين اننا عرضناه عرضا يصور لنا مبلغ حركته في العلوم والأدب ويقف بنا على ما استعادته الجزائر من جامع القرويين اجمالا

    قأما الدور الذي يليه فامامه هو الاستاذ الجليل عبد الحميد ابن باديس قسنطيني عريق في المجد مجد العلم والرياسة أخذ بها عن الشيخ حمدان الونيسي وأتم معلوماته بجامع الزيتونة وحصل على شهادته بنوعيها نوع العلوم ونوع التجويد وعلم بها طريقته ونظامه فجمع به بين التحصيل والتمثيل
    ثم رجع الى قسنطينة فعكف على التعليم مع دؤوب على المطالعة وعناية بصناعة التدريس فاكتسب فقها في معارفه الدينية واللسانية وسعة بذكائه وعلمه واختص بطريقة في التدريس تجمع بين فصاحة التعبير ومنطقية الترتيب الى حذق في شرح غوامض العبارات وتجلية دقائق المعاني ولا أجد من أشبهه به في فقه اللغة واسرار الدين وفي صناعة التدريس الا أعلام العهد الأندلسي
    انتصب في قسنطينة مدرسا متبرعا بعلمه واشتهر علمه فهرع اليه الطلبة من الىفاق البعيدة وعادت قسنطينة تزخر بملتمسي العلم أكثر مما بلغته في العهد المجاوي اذ حصلت فيها فترة بعد انتقال المجاوي الى الجزائر وثبل عودة ابن باديس وكانت فترة بين حركتين أدركهما الناس جميعا فقارنوا بينهما وسمعنا من عامتهم تفضيل هذا الدور لأول عهدهم به ومن هنا جعلنا نحن هذين الرجلين علمين لهذين الدورين
    انقطع ابن باديس للتعليم عشر سنوات هزت الوطن هزة مبشرة ثم نفع تعلمه المسجدي تهذيب الشعب عن طريق الصحافة فكان عمله الصحافي أوسع صدى وأعمق أثرا وقد كانت الصحافة قبله مثل الخطابة الجمعية من جمع فيها بين فصاحة اللسان وغناء السجع فقد أدى واجبه أما التاثر والتأثير المقصودان من كل كلام فلا ظل لهما يومئذ عند كتابنا وخطبائنا ولما تأسست نهضت ثبتتها على خطتها وسيرتها نحو غايتها سيرا حثيثا والمطلع على الزوابع التي ثارت على هاته (الجمعية) نفسها يعجب لمحافظة رئيسها على بقائها فضلا عن تقوية حيويتها
    هذه ميادين ثلاثة ميدان الدرس العلمي ميدان القلم الصحفي وميدان الجمعة النظامي قد قام ابن باديس في كل منها بواجبه كأن لا مزاحمة بينها على شخصه الضعيف فقدم عن طريقها لشعب الجزائر خدمات جليلة نهضت به نهوضا لا انتكاس بعده ان شاء الله فكناه اخوانه لذلك (ابا النهضة الجزائرية) وهي تكنية تدل على شكر الشعب لمنقذه وما الشكر الا معرفة النعمة والقيام بحقها اعترافا و امتثالا وفي ذلك حجة المتفائلين بحياة الجزائر
    وبعد فلسفتنا نقصد الى ترجمة الأستاذ وانما أجملنا من حياته ما لا بد منه لعرض الموضوع
    مصادر التعليم في هذا الدور هي مصادره فيما قبله لكنما تغيرت أهميتها فالتعليم الرسمي فقد أغلب شيوخه الكبار ممن يراهم الناس أهل صلاح ووقار فضعفت منزلته في المجتمع فلما كشفت النهضة الحديثة عن اهتمام الشعب بالتعليم الحر زاحمها التعليم الرسمي بزيادة مراكزه لكنها زيادة مادية لم تمنح لذلك التعليم منزلته الأدبية
    واصيب تعليم الزوايا في كميته وكيفيته بانصراف رؤسائها الى التسابق في تضخيم الثروة والتنافس في التقرب من الحكام واعداد العدة لاضافتهم اكتسابا لقوة مادية تسد الفراغ الذي حصل لهم عند العامة من تقصيرهم عن سلفهم في التدين وفعل الخير
    وعادت الأهمية للتعليم الشعبي ونفصله في ثلاثة أنواع :
    الأول :تعليم الكتاتيب القرآنية

    وهو طراز قديم وبقية مما تركت الأجيال الغابرة ويوجد في البوادي والحواضر وقد زاحمته المكاتب الفرنسية ذات الأنظمة الحديثة المريحة للتلميذ في جلسته والذاهبة بهندستها لرغبته والمزيلة بتربية معلميها لدهشته ثم الآخذة بقانونها الاجباري لأهم وقته فضعفت منزلة الكتاتيب في هذا الدور لذلك وكادت تعدم فائدتها
    الثاني :التعليم المسجدي

    وهو للطلبة وللعامة فأما العامة فكانوا يحضرون للمسجد اما لطلب الاعتقادات من كتب الكلام أمثال (صغرى السنوسي) واما لمعرفة العبادات من كتب الفقه ك(ابن عاشر) وفي هذا الدور أصبحوا يحضرونه لمعرفة الاعتقادات من آيات الله ولمعرفة العبادات من كتب السنة كالموطأ ولمعرفة الشمائل من شمائل الترمذي أو الشفاء ولسماع العظات من القرآن والحديث فالتعليم المسجدي اليوم يقوم على الكتاب والسنة من غير أن يحارب كتب الكلام والفقه وانما يحارب كتب المناقب والرقائق المحشوة بالموضوعات والأساطير والتعليم المسجدي ليس بجديد وانما الجديد فيه دراسة الكتاب والسنة وتوجيه العامة اليهما في اعتقاداتها وعباداتها وسلوكها
    وأما الطلبة المسجديون فقد نظموا في هذا الدور تنظيما يميزكل طبقة من أخرى ويعطيها من المعلومات ما يناسبها ولا تزال مادة تعليمه المتن والشرح غالبا ولكن اسلوبه لم يبق على ما كان عليه فقد صار المعلم يشرح المسألة العلمية مستقلة
    ثم يعود الى عبارة المؤلف لينزلها عليها ويبين وفاءها أو قصورها
    الثالث : التعليم المدرسي

    وهو خاص بالصغار ومنظم تنظيما حديثا في مكانه ومادته وطبقاته وأسلوبه فاذا دخل التلميذ المدرسة وهو من تلاميذ الفرنسية أيضا لم يجد فارقا ينقص من قيمة المدرسة في نفسه بل قد يؤثرها على المكتب الفرنسي فقد لاحظت وأنا مدير مدرسة (الأغواط ) من التلاميذ من يكثرون التخلف عن المكتب الفرنسي ولا يتأخرون عن المدرسة
    وقد انتشر التعليم المدرسي في هذا الدور بالحواضر والقرى وأخذ يدخل البوادي ولولا العرقلة لعم الوطن كله ولأصبحنا في أزمة تعليمية من قلة المعلمين لا من زهادة المتعلمين
    وهذا الاندفاع للتعليم المدرسي الحر سببه تمسك الشعب باسلامه وعروبته ومشاهدته لقرب النتائج ويسر الثمرات أما مستقبل المتعلم فموكول الى الاقدار
    على أن التعليم المدرسي لا يزال ابتدائيا وغير مؤثر في الأمة تأثيرا بينا والتلميذ المستغني عن المدرسة الحرة اذا أراد مواصلة سيره نحو الوظيفة التحق بالمدارس الرسمية واذا أراد تكميل معلوماته الاسلامية التحق بجامع الزيتونة
    وقد يكون في الطرف الغربي فيذهب الى جامع القرويين
    ولا يزال التعليم مسجديا أو مدرسيا في حاجة الى التنظيم و التحسين والتوسيع ومنذ تأسست (جمعية العلماء) اهتمت بالأمر فشكلت في عامها الأول لجانا علمية وأدبية ووعظية مزجت فيها بين العالم المصلح والطرقي ثقة منها بان الفكر هو الذي يؤثر في الجامد ولم تخش داء الجمود ان يصيب المصلح على خلاف قول الأول :

    ولا ينفع الجرباء قرب سليمة ... اليها ولكن السليمة تجرب

    غير أن هذا المزج قعد بالمشروع في مكانه وجاءت فتن الطرقية للاستحواذ على الجمعية فنفتهم عنها وتوجهوا للحكومة يكيدون عندها للجمعية وحاولت الجمعية مرارا تنفيذ المشروع فأعادت النظر فيه وعقدت المؤتمرات وشكلت اللجان ولكن فلة المال وكثرة المشاغبات وحدوث الحركة كل ذلك عسر التنفيذ وزهد شباب العلماء في المغامرة ولولا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لارتكست الحركة وكان رد فعل ولكنها –ولله الحمد- ثبتت ولم تقف في مكانها غير أن سيرها الىن بطيء ولعل في هذا البطيء تمكينا لها
    وان من مميزات هذا الدور أن أصبح العلم مبنيا على الدليل والأدب مشاركا في الحياة معبرا عن روح العصر في عرض رغائبها وتسجيل حوادثها وأن أصبح المتعلم و المتأدب متجهين الى خدمة المجتمع بالوعظ والتذكير والتربية والتعليم وتناول الحسن والقبيح بالتصوير وأن اتجه الشعب نحو كتابه وحديث رسوله يرجع اليهما في وزن عقائده ويأخذ بهما في صور عبادته وأن تضاءلت الطرقية أمام حركة الاصلاح من ناحيتها العلمية والأدبية والسلب عمل الضعيف
    وكشف هذا الدور عن موهبة الجزائري في ميادين الخطابة والصحافة والتأليف فظهر خطباء ارتجاليون مقتدرون على اقناع السامعين بنظراتهم وآرائهم ورأينا كتابا موفقين في تفكيرهم محسنين في تعبيرهم وقرأنا ـآليف مهذبة في التاريخ والأدب وغيرهما
    على أن فشو الأمية وعوارض كل حركة حديثة مما يحمل موهبة الجزائري فوق ما حصل خنها الآن فالخطابة تعوزها حرية الاجتماع والتفكير والصحافة تنقصها حرية النشر ووجود الشركات والتأليف يقعد به قلة المطابع وكثرة النفقات وضعف الرغبات
    ان هذا الدور خير مما قبله بدرجات تفوق درجات الجماعة على الفذ ولكنه لم يفقد كل العيوب فيما قبله
    وقد كان لهذا التطور عوامل وأسباب عامة وخاصة وأخصها وأهمها بالموضوع هو أن قيادته بيد خريجي جامع الزيتونة الذي أقبل الجزائريون عليه اقبالا لا يقارنه الا اقبالهم على الجامع الأخضر بقسنطينة حيث يعلم امام هذا الدور الأستاذ عبد الحميد ابن باديس على أن الجامع الأخضر ينتسب في عهده هذا الى الجامع زيتونة
    رجحت في هذا الدور كفة جامع الزيتونة على كفة جامع القرويين فقسنطينة المتصلة بتونس هي رأس الحركة الحاضرة والجهات الغربية من عنل الجزائر ووهران قد تعرفت أيضا الى جامع الزيتونة ولم يبق للقرويين الا بعض الطلبة على حدود فاس قعد بهم عن جامع الزيتونة ما قعد بسحنون عن ادراك مالك
    ومما بقي من آثار هذا الدور القديم فقد الأدب لاستقلاله عن العلم الديني فما زال الأدب مراعى فيه وقار العلماء وعفافهم ولو أن هذه المراعي تخرج لنا أدباء متدينين لكانت الخسارة على الأدب وحده ولكنها تجعل مبالغات الأديب حقائق وتصوراته فتاوى ومدائحه عقائد فكانت الخسارة علمية أدبية
    نعم لنا أدباء صدقوا في تدينهم وأخلصوا في تصوير شعورهم ولم يزالوا في عنفوان شبابهم فمثلهم من يرجى لخدمة مجتمع لا يفرق جمهوره بين العربية والاسلام ولا بين الشعور والاعتقاد ولا بين الخيال والواقع
    واذا كانت حركتنا حديثة فلا يضيرها أن توحد بين العلم والأدب فان الاستقلال انما يكون بالتخصص والتخصص آية اكتمال الحركة ونضوجها

    ميلة الجزائر (المنهل)1938 عن كتاب الشيخ مبارك الميلي حياته العلمية ونضاله الوطني تأليف ابنه الأستاذ محمد الميلي نشر دار الغرب الاسلامي
    قال الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجرى - رحمه الله - :" الألبانى علم على السنة والطعن فيه طعن فى السنة "

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    340

    افتراضي رد: حركة العلم والأدب في الجزائر

    شكرا لكم و بارك الله فيكم ...

  3. #3

    افتراضي رد: حركة العلم والأدب في الجزائر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأخ ابراهيم مشاهدة المشاركة
    شكرا لكم و بارك الله فيكم ...
    أحسن الله اليك أخي ابراهيم
    قال الشيخ العلامة حمود بن عبدالله التويجرى - رحمه الله - :" الألبانى علم على السنة والطعن فيه طعن فى السنة "

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •