تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 51

الموضوع: هل يصح حديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا

  1. افتراضي هل يصح حديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته؛
    أسعد بأن أتحف إخواني بهذا البحث القيّم لشيخنا الفاضل خير الدين مبارك عوير -حفظه المولى-؛ درس من خلاله حديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))، دراسة حديثية متميزة لدرجة الخبر و أقوال أئمة الفن فيه، و كذلك جاء فيه بروايات الحديث لينتهي بعد ذلك إلى ذكر القول الراجح في الموضوع...
    و من حقّ الإخوان عليّ أن أعرّف بالشيخ تعريفا مختصرا فأقول: أن الشيخ خير الدين مبارك عوير الجزائري الأصل؛ هو من المشايخ الذين تلقوا العلوم المختلفة عن العلامة الشيخ محمّد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، فقد أخذ عنه و استمع منه سنوات طويلة، كما التحق بقسم الدراسات العليا بكلية الشريعة -جامعة الإمام بالسعودية-؛ أين جلس عند ثلة من المشايخ و العلماء يفيد منهم و يستفيد.

    و الآن ها هو البحث بين أيديكم، أسأل الله أن يبارك في كاتبه و يتقبل منه، و أن ينفع به كل قارئ و مطلع على ما رقمه...
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ



    حديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))


    إن الحمد لله، نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
    فهذه دراسة مختصرة لحديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) أحببت تقييدها لإفادة نفسي، و من عسى أن يطلع عليها من إخواني، وقد نظمتها في تمهيد و أربعة مطالب على النحو الآتي:
    التمهيد: في فضل الصيام في شعبان.
    المطلب الأوّل: في تخريج حديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )).
    المطلب الثّاني: في ذكر من صححه و ضعفه من العلماء.
    المطلب الثّالث: في ذكر ما أعل به الحديث.
    المطلب الرّابع: تنبيهات و فوائد.
    و هذا أوان الشروع في المقصود، فأقول مستعينا بالله تعالى:


    التمهيد: في فضل الصيام في شعبان


    مما ورد في فضل الصوم في شعبان، ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يصوم حتى نقول: لا يفطر، و يفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم استكمل صيام شهر إلا رمضان، و ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان )) [أخرجه مالك في الموطأ (309/1)، و البخاري في الصوم/ باب صوم شعبان (1969)، و مسلم في الصيام/ باب صيام النبي صلّى الله عليه و سلّم في غير رمضان...(1156)(175)].
    و عنها رضي الله عنها قالت: (( لم يكن النبي صلّى الله عليه و سلّم يصوم شهرا أكثر من شعبان؛ فإنه كان يصوم شعبان كلـه )) [أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم شعبان (1970)، و مسلم في الصيام/ باب صيام النبي صلّى الله عليه و سلّم في غير رمضان...(1156)(177)]، و في رواية لمسلم (( كان يصوم شعبان إلا قليلا ))[(1156)(176)].
    ففي هذين الحديثين دليل على استحباب الإكثار من الصوم في هذا الشهر؛ لفعل النبي صلّى الله عليه و سلّم. وكون صيامه في هذا الشهر أكثر من غيره يدل على زيادة العناية بصيام التطوع في هذا الشهر، و قد ورد في سبب ذلك ما رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟! قال: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب و رمضان، و هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي و أنا صائم ))[أخرجه أحمد (201/5)، و النسائي (2357)، وهو حديث حسن. انظر: الإرواء (103/4)].
    قال ابن عبد البر: "صيام غير شهر رمضان نافلة و تطوع، و الصيام سنة و فعل خير و عمل بر، فمن شاء استقلَّ، و من شاء استكثر"[التمهيد (164/21)].
    فلا ينبغي للمسلم أن يفوته صيام شيء من أيام هذا الشهر؛ ليدرك هذا الفضل، وينال أجر الصوم، و تصيبه بركة الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه و سلّم.
    و لكن عليه أن يمسك عن الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين، إلا إن صادف ذلك صوما كان يصومه فلا حرج عليه، كمن عادته صيام الاثنين و الخميس فصادف آخر شعبان فلا حرج عليه في الصوم، و يدل لهذا قول النبي صلّى الله عليه و سلّم: (( لا تقدموا رمضان بصوم يوم و لا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه ))[أخرجه البخاري في الصوم/ باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم و لا يومين (1914)، و مسلم في الصيام/ باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (1082) عن أبي هريرة رضي الله عنه. و اللفظ لمسلم].
    كما أن من صح عنده حديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) حمل النهي على من لم يكن له عادة بالصوم، فإن كان له عادة فلا حرج أن يصوم في النصف الثاني من شعبان[انظر: فتح الباري لابن حجر (215/4)].
    قال ابن عبد البر: "و استحب ابن عباس و جماعة من السلف -رحمهم الله- أن يفصلوا بين شعبان و رمضان بفطر يوم أو أيام، كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة و النافلة بكلام، أو قيام أو مشي، أو تقدم أو تأخر من المكان"[الاستذكار (371/3)].


    المطلب الأوّل: في تخريج حديث (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))


    هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (442/2)، و أبو داود (2337)، و النسائي في السن الكبرى (2923)، و الترمذي (738)، و ابن ماجة (1651)، و الدارمي (1691)، و عبد الرزاق (7325)، و ابن أبي شيبة (21/3)، و ابن حبان (3589) و (3591)، و الطحاوي في شرح معاني الآثار (82/2)، و البيهقي (209/4) كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه و سلّم.
    قال النسائي: "لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن"، و قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، فهو مثال للحديث الغريب.


    المطلب الثّاني: في ذكر من صححه و ضعفه من العلماء


    اختلف العلماء في هذا الحديث بين مصحح له و مضعف، فممن صححه الترمذي، إذ قال فيه: حديث حسن صحيح، وابن حبان؛ حيث أخرجه في صحيحه، و أبو عوانة[انظر: المقاصد الحسنة للسخاوي رقم (55)]، و الطحاوي، و ابن عبد البر[الاستذكار (239/10)]، و الموفق بن قدامة[نقله عنه ابن مفلح في الفروع (118/3)]، و من المعاصرين: الشيخ أحمد شاكر[في تعليقه على تهذيب السنن (225/3)]، و الشيخ ابن باز، و الشيخ الألباني[صحيح الجامع (397)]، قالوا: "إسناده على شرط مسلم".
    و ممن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي، و الإمام أحمد، و أبو زرعة الرازي، و الأثرم[لطائف المعارف (ص142)]، و الخليلي[الإرشاد (219/1)]، و الذهبي[سير أعلام النبلاء (187/6)]، و ابن رجب[لطائف المعارف (ص142)].
    قال الإمام أحمد: "هذا الحديث غير محفوظ، و سألت عنه ابن مهدي فلم يصححه، و لم يحدثني به، وكان يتوقاه، وقال: العلاء ثقة، لا ينكر من حديثه إلا هذا"[سؤالات أبي داود (2002)، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح كتاب الصيام من العمدة عن حرب عن الإمام أحمد (649/2)].
    و قال البرذعي: "شهدت أبا زرعة الرازي ينكر حديث العلاء بن عبد الرحمن (( إذا انتصف شعبان )) و زعم أنه منكر"[سؤالات البرذعي لأبي زرعة ضمن كتاب جهود أبي زرعة في الحديث (388/2)].
    و قال أبو داود: "أنكروا على العلاء صيام شعبان"[تهذيب التهذيب (346/3) ط/ الرسالة].


    المطلب الثّالث: في ذكر ما أعل به الحديث


    هذا الحديث أُعِلَّ بثلاث علل:
    العلة الأولى: تفرد العلاء به.
    و قد سبق كلام النسائي و الترمذي في ذلك، و قال ابن القيم: "لم يتابع العلاء عليه أحد، بل انفرد به عن الناس، و كيف لا يكون معروفا عند أصحاب أبي هريرة، مع أنه أمر تعم به البلوى، و يتصل به العلم ؟!"[تهذيب السنن (223/3)].
    و أجيب عن هذا من وجهين:
    الوجه الأول: أن هذا التفرد لا يضر؛ لأنه من ثقة، قال ابن القيم: "وأما المصححون له، فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته، و هو حديث على شرط مسلم، و قد أخرج مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، و تفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل، و له عدة نظائر في الصحيح.
    قالوا: و التفرد الذي يعلل به هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه، أو رفع ما وقفوه، أو زيادة لفظة لم يذكروها، و أما الثقة العدل إذا روى حديثا وتفرد به لم يكن تفرده علة، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي صلّى الله عليه و سلّم عملت بها الأمة !"[تهذيب السنن (223/3_224)].
    الوجه الثاني: أن العلاء لم يتفرد به، بل تابعه محمد بن المنكدر، كما عند الطبراني في الأوسط (1936)، وابن عدي في الكامل (226/1).
    و لكن هذا الجواب غير مسلم، بل عليه أجوبة:
    أولا: قول ابن القيم: إنه على شرط مسلم، فهو كذلك، و لكن من شرط الحديث الصحيح -زيادة على اتصال إسناده وثقة رواته- سلامته من الشذوذ و العلة، و هذا الحديث لم يسلم من الشذوذ، كما سبق عن عبد الرحمن بن مهدي و الإمام أحمد.
    و أما رواية مسلم عنه في صحيحه، فالجواب عنه قول الخليلي: "قد أخرج له مسلم في الصحيح في المشاهير من حديثه، دون هذا و الشواذ"[الإرشاد (219/1)].
    ثانيا: أن العلاء ليس في الدرجة العليا من الثقة، قال فيه أبو زرعة: "ليس هو بأقوى ما يكون" و قال أبو حاتم: "صالح روى عنه الثقات، و لكن أنكر من حديثه أشياء"[انظر: تهذيب التهذيب (346/3)].
    و لذلك قال فيه الذهبي: "صدوق مشهور"[ميزان الاعتدال (102/3)]، و قال فيه ابن حجر: "صدوق ربما وهم"[تقريب التهذيب رقم (5247)]. فحديثه من درجة الحسن، و لذلك قال الذهبي فيه: "لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، لكن يتجنب ما أنكر عليه"[سير أعلام النبلاء (187/6)]، و هذا الحديث مما أنكر عليه الأئمة.
    ثالثا: متابعة ابن المنكدر لا يفرح بها؛ فالطبراني رواه من طريق عبيد الله بن عبد الله المنكدري قال حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن يعقوب الحرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه، و هذا الإسناد فيه علتان:
    الأولى: عبد الله بن المنكدر، فهو مجهـول، يروي عن أبيه ما لا يتابع عليه[انظر: الضعفاء للعقيلي (303/2)، ميزان الاعتدال (508/2)].
    الثانية: أن أباه المنكدر بن محمد لين الحديث[انظر: الكاشف (5745)، و التقريب (6916)]، قال أبو حاتم: "كان رجلا صالحا لا يفهم الحديث، وكان كثير الخطأ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه"[تهذيب الكمال (564/28)].
    و روايته هنا عن أبيه، و إلى هذا أشار الطبراني بقوله بعد الحديث: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد به ابنه عبد الله".
    و أما إسناد ابن عدي فهو أشد ضعفا من إسناد الطبراني؛ لأن فيه محمد بن إبراهيم، رماه بالكذب الإمام مالك ويحي بن سعيد، و قال فيه أحمد: "قد ترك الناس حديثه، كان قدريا معتزليا، وكان يروي أحاديث منكرة، ليس لها أصل"[الكامل (226/1)].
    العلة الثانية: مخالفة هذا الحديث لما هو أصح منه، كحديث: (( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه ))، و هو في الصحيحين.
    و بهذا أعله عبد الرحمن بن مهدي و أحمد، قال أبو داود: "وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد: لِمَ ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلّى الله عليه و سلّم كان يصل شعبان برمضان، و قال عن النبي صلّى الله عليه و سلّم خلافه"[سنن أبي داود (2337)، ومسائل أبي داود (2002)]، و قال الأثرم: "الأحاديث كلها تخالفه"[لطائف المعارف (ص142)].
    و أجاب المصححون للحديث عن هذه العلة بأن المخالفة ليست من كل وجه، بل يمكن الجمع بين هذا الحديث و غيره مما يعارضه، و الجمع بين النصوص و إعمالها جميعا أولى من إسقاط بعضها؛ بترجيح بعضها على بعض، و أوجه الجمع كثيرة، منها:
    الوجه الأول: قول الترمذي: "و معنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم، أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم؛ لحال شهر رمضان، و قد روي عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه و سلّم ما يشبه قولهم؛ حيث قال صلّى الله عليه و سلّم: (( لا تقدموا شهر رمضان بصيام، إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم )) و قد دل في هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان" انتهى من السن.
    الوجه الثاني: أن النهي في حديث العلاء محمول على نفي الفضيلة، وغيره محمول على بيان الجواز[نقله ابن مفلح في الفروع (118/3) عن ابن قدامة].
    الوجه الثالث: أن حديث العلاء يدل على منع الصيام على من تعمد الصوم بعد النصف لا لعادة، و لا مضافا لما قبله، و ما يخالفه يدل على مشروعية صيام نصفه مع ما قبله، و على الصوم المعتاد في النصف الثاني، و يشهد له حديث (( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين... ))[انظر: تهذيب السنن (224/3)، فتح الباري (253/4)].
    و أجاب المضعفون للحديث عن هذا بأن الجمع بين النصوص من شرطه ثبوتها جميعا، و حديث العلاء قد ضعفه أئمة كبار، فلا حاجة للجمع بينه و بين ما اتفق على صحته.
    العلة الثالثة: أن العلاء متكلم فيه، قال فيه ابن معين: "ليس حديثه بحجة"، و قال: "ليس بذاك، لم يزل الناس يتوقون حديثه"[التهذيب (346/3)].
    قال المنذري: "و يحتمل أن يكون الإمام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن؛ فإن فيه مقالا لأئمة هذا الشأن، وقد تفرد بهذا الحديث"[مختصر سنن أبي داود (224/3) مطبوع مع تهذيب السنن].
    و أجيب عن هذا بأن العلاء و إن تكلم فيه ابن معين، فقد وثقه أحمد و ابن عدي و ابن حبان[انظر: تهذيب التهذيب (346/3)]، ثم إن ابن معين من المتشددين في تقويم الرجال، و قد أخرج له مسلم في صحيحه، و روى عنه مالك مع شدة تحريه و انتقاده للرواة، وكذا روى عنه شعبة، و هو من هو في هذا الشأن[انظر: تهذيب السنن (224/3)].
    و الجواب عن هذا ما سبق من كلام أهل العلم في العلاء بن عبد الرحمن، و خلاصة ذلك أن حديثه من مرتبة الحسن، و أنه إذا خالف من هو أوثق منه فخبره مردود.
    الخلاصة:
    الذي يظهر أن هذا الحديث لا يثبت، و لو صححه من صححه من أهل العلم، فقد ضعفه أئمة كبار، كابن مهدي وأحمد و أبي زرعة، و ابن رجب و الذهبي، و العلم عند الله تعالى.


    المطلب الرّابع: تنبيهات و فوائد


    أولا: قد روي هذا الحديث بألفاظ، منها: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))، و روي بلفظ (( إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان )).
    قال ابن القطان: "و بينهما فرق؛ فإن الذي ورد من قوله (( فأمسكوا )) نهي لمن كان صائما من التمادي، و لفظ الخبر عند الترمذي (( فلا تصوموا )) نهي لمن كان صائما و لمن لم يكن صائما عن الصوم بعد النصف" اهـ[بيان الوهم و الإيهام (187/27)].
    ثانيا: أنكر العلامة أحمد شاكر أن يكون الإمام أحمد أنكر هذا الحديث، و استند في ذلك على أمرين:
    أحدهما: أن أبا داود لم يذكر ذلك في السنن.
    ثانيهما: أنه لم يجد هذا الكلام في مسائل أبي داود[تهذيب السنن (225/3) الحاشية].
    أما الأول فمسلم، فإنه لا يوجد في السنن المطبوعة الآن كلام الإمام أحمد، و لكنه موجود في مسائل أبي داود[رقم (2002) من طبعة مكتبة ابن تيمية بتحقيق طارق عوض الله]، و لعل النسخة التي اطلع عليها الشيخ سقط منها كلام أحمد.
    ثالثا: ذكر السخاوي أنه ألف جزءا في هذا الحديث[انظر: المقاصد الحسنة (ص82)]، و لا أعلم هل هو مطبوع أو لا.
    هذا آخر ما تيسر جمعه و نقله، و الحمد لله أولا وآخرا، و سبحانك اللهم و بحمد أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


    كتبه/ خير الدين مبارك عوير


    ليلة الثّلاثاء 1423/03/16هـ


    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ

    قال الحافظ ابن عساكر رحمه اللّه: "لحوم العلماء مسمومة و عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة و أنّ مَن أطلق لسانه في العلماء بالثّلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    152

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    جزاك الله خيرًا ، ونفع بك ، فقد أفدتنا في نقلك ، فبارك الله في الكاتب والناقل .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم


    عونك يا رب


    أولاً؛ شكر الله للجميع الكاتب والناقل والقارئ أيضاً، وحقيقة لي هنا وقفات مهمة نوعاً ما في الحكم على الحديث وبيانه، فأقول وبالله التوفيق:

    · وممن صححه أيضاً:
    الحاكم في (معرفة علوم الحديث) عند النوع الثالث والعشرين، وابن عساكر وابن حزم كما في (عمدة القاري 11/85)، والسيوطي في (الجامع الكبير)، ورضي بتصحيحه النووي كما في (رياض الصالحين).

    · أما الإمام أحمد فقد كانت علة تنكيره للحديث ما قاله هو بنفسه كما ورد في (علل الحديث رقم 273): (قال أبو عبد الله: هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم).
    وأخرج ابن عدي في (الكامل 3/218) ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 19/123) قال: (سمعت أحمد بن حفص السعدي يقول: قيل لأحمد بن حنبل رحمه الله _ يعني وهو حاضر _ حديث أبي هريرة: "إذا كان النصف من شعبان فلا يصوم أحد حتى يصوم رمضان"؛ قال: ذاك؛ أي: ضعيف، ثم قال: حديث العلاء كان يرويه وكيع عن أبي العميس عن العلاء، وابن مهدي، فكان يرويه ثم تركه. قيل: عن من كان يرويه؟ قال: عن زهير، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان يصله برمضان).
    فلذلك لم يجزم أبو داود رحمه الله بكون علة تركه للحديث أنه من رواية العلاء، بل قال: (ويحتمل).
    ولا يعقل أن يكون تركه للحديث سببه العلاء، بل قد أتى التصريح بالسبب كما مر بك، وهو أيضا سبب كل من ترك الحديث.

    بل قد ورد عند ابن القيم رحمه الله في (تهذيب السنن 7/50) قوله: (ونظيره ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان؛ أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه، وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول فلا يكره).

    · ومتابعة محمد بن المنكدر رواها الدار قطني في (الأفراد) كما في (الأطراف رقم 5231).
    وهي مما يستأنس به هنا، وإن ضعفت، فلا يجوز إطراحها.

    · وممن خرجه أيضاً:
    الخطيب في (تاريخه 8/48)، وابن مردويه في (جزء فيه أحاديث ابن حيان رقم 111)، والطبراني في (مسند الشاميين رقم 1827) و(الأوسط رقم 6863)، والفاداني في (العجالة في الأحاديث المسلسلة) من طريق الدارمي.
    قلت: وهو عند الديلمي في (الفردوس رقم 1006) من حديث ابن عمر.

    · ومفهوم الحديث:
    هو التقوي على صوم رمضان واستقباله بنشأة وعزم. ويمكن أن تحمل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصوم فيها شعبان كله على أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإنه يطيق ما لا يطيق غيره، على أن ذلك جائز لمن أراده.
    فلذلك قال القرطبي رحمه الله: (لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني؛ والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ وبين وصال شعبان برمضان والجمع ممكن..).
    بل بعض أهل العلم كما في (عمدة القاري 11/85) قد قال: إن أبا هريرة كان يصوم في النصف الثاني من شعبان، فدل على أن ما رواه منسوخ _ قلت: وهو ضعيف _، وقيل: يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام أو عبادة).
    فلذلك نفى أبو داود بعد إيراده كلام الإمام أحمد وأنه حلاف حديث الوصال؛ فقال: (وليس هذا عندي خلافه).

    وقد تنبه الحافظ ابن خزيمة في صحيحه (3/282) إلى عدم التعارض وأنه حديث سليم لا شيت فيه؛ فقال: (باب إباحة وصل صوم شعبان بصوم رمضان، والدليل على أن معنى خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان" أي: لا تواصلوا شعبان برمضان فتصوموا جميع شعبان، أو أن يوافق ذلك صوما كان يصومه المرء قبل ذاك فيصوم ذلك الصيام بعد النصف من شعبان، لا أنه نهى عن الصوم إذا انتصف شعبان نهيا مطلقاً).

    قلت: وهذا هو الصحيح الصواب في مراد الحديث، فهو مؤول ليس على إطلاقه، ويشهد له رواية أبو هريرة الصحيحة الأخرى: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجلا كان يصوم صوماً فليصمه"، وقد أومأ إلى ذلك الترمذي رحمه الله بعد روايته للحديث.

    فالحديث الذي يظهر فيه إن شاء الله تعالى أنه صحيح ثابت، يفسره غيره من الأحاديث، ويبين مراده أهل العلم الراسخون.
    ويكفي أن جملة لا يستهان بهم من الأئمة والحفاظ قد صححوا هذا الحديث، وهم لم يخف عليهم أنه من رواية العلاء، ولا أنه كما قيل: يخالف غيره.
    ومع ذلك عرفوا مراده والغاية منه، وحكموا بصحته، وهو كما قالوا رحمهم الله.

    والله تعالى أعلى وأعلم
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    412

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بحث قيم جدا بارك الله فيك

    الحديث منكر كما قال الإمام أحمد وغيره !
    والحافظ ابن رجب بين بما يكفي نكارة المتن وفقه هذه المسألة
    رحم الله السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله مشاهدة المشاركة
    رحم الله السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان
    كأني بها (إلماحة بمغزى) والله أعلم

    لكن ثق أخي الفاضل أننا لم نستشهد إلا بكلام السلف الصالح إن شاء الله، ونسأل الله أن نكون ممن تبعهم بإحسان.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  6. افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
    لا عليكم أستاذنا التميمي، لقد أتحفتمونا -حفظكم الله- بتعليقكم القيم الذي يظهر من خلاله غوصكم في علوم الحديث.
    وبارك الله فيكم أخواي عبد اللّه وأبا ناصر المدني، وإذا كان ثمة تقدير وإعجاب منكم بالبحث؛ فهو لشيخنا خير الدين مبارك عوير -حفظه الله-، وما أنا إلا ناقل لبحث اجتهد صاحبه في كتابته.
    ولا يخفى عنكم إخواني الأفاضل أنّ الحديث قد اختلف في الحكم على درجته من حيث القبول أئمة من المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين، عاليّي الشّأن شامخي القامة، وأنتم تعلمون أنّ الاجتهاد يجري في هذا كما يجري في الأحكام...
    فدعوني أقول لكم؛ أنكم جميعا على خير -بإذن الله-...
    وكلهم من رسول الله مرتشف ـــ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
    حفظكم ربي جميعا وبارك في علمكم وأعمالكم...
    قال الحافظ ابن عساكر رحمه اللّه: "لحوم العلماء مسمومة و عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة و أنّ مَن أطلق لسانه في العلماء بالثّلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بارك الله في الجميع
    الحديث _في نقدي_ لا يصح وهو من أوهام ومناكير الثقات
    وكثير من الكلام عليه مبني على مسألة تفرد الثقات وهي مسألة مشهورة خالف فيها كثير من المتأخرين المتقدمين
    وقد تقدم نقاش حول هذا الحديث هنا:
    الإفطار إذا انتصف شعبان.
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    61

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    من الأخطاء المرعبة القولُ بأن هذا الحديث على شرط مسلم، وإن كان من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة.
    قال الحافظ ابن حجر(1) - رحمه الله - في معرِض كلامه عن مستدرك الحاكم وطريقة حكمه على الأحاديث فيه: "القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره. ويلحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو ما خالف فيه. كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ما لم يتفرد به. فلا يحسن أن يقال: إن باقي النسخة على شرط مسلم، لأنه ما خرَّج بعضها إلا بعد أن تبين أن ذلك مما لم ينفرد به. فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفرادُه بشرطهما". أ.هـ.
    وقد نصَّ غيرُ عالم على تفرد العلاء به، وأما ما زُعِمَ أنه مُتابَع= فالأمر لا يعدو أن يكون صوريًا لا حقيقةَ له!! كما بيَّنه بعضُ من عقَّب من المشايخ الفضلاء.
    والله المستعان.

    _____________________
    (1) "النكت على ابن الصلاح" (1/169 - ط. الفرقان)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    تأييداً لكلامي السابق حول الحديث؛ أقول:

    سمعت بأذنيّ الشيخ العلامة (الشثري) عضو هيئة كبار العلماء _ وهو من هو في العلم ومعرفة الحديث _ يفتي أمام الملأ بفتوى استشهد بها بهذا الحديث وقال بعده: (رواه الأئمة بإسناد جيد).
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بارك الله فيكم

    قال ابن رجب بعد أن ذكر من صححه :"وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر منهم:
    عبد الرحمن بن مهدي
    والإمام أحمد
    وأبو زرعة
    والأثرم
    وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء أنكر منه، ورده بحديث " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ..." ا.هـ.

    وممن ضعفه غير ما تقدم ابن معين والنسائي والخليلي وابن رجب وغيرهم من كبار النقاد
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    61

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    وقد أعلَّ المتابعة المزعومة!! للعلاء الحافظُ الشمسُ السخاويُّ - رحمه الله - في "الأجوبة المرضية" (1/38) بكلامٍ رصينٍ، حقيقٌ بأن يُقرأ، إذا تأملتَه عرفت صدقَ قولتي: "أنها صورية لا حقيقة لها!!".
    فاعضض بناجذيك على هذا الإعلال!!

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    أخي الكريم رعاك الله..

    نحن لا نتكلم على تصحيح هذه المتابعة حفظك الله، فهي معلومة الضعف لا تخفى، المراد أنها مع ضعفها مما يستأنس به فقط لا غير.

    أما الحديث الأصل؛ فصحته _ عندي وعند غيري من الأئمة والعلماء _ تغني عن هذه المتابعة أصلاً، إنما ذكرت مما يستأنس بها فقط.
    وقد بينا في المشاركة السابقة ملابسات الحديث والكلام حوله بما يغني عن إعادته هنا.
    والله تعالى أعلم

    أما قولك أخي: (المزعومة) فلا يليق رحمك الله وصفها به، فهل افتريناها من عند أنفسنا أو افتراها العلماء الرواة قبلنا حتى تكون مزعومة؟!!
    هي فعلاً متابعة _ بغض النظر عن صحتها أو ضعفها _ فلا يليق مثل هذا الوصف لها وقد رويت بالسند المتصل.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    فائدة نفيسة:

    * قال الإمام الحافظ ابن حبان رحمه الله في صحيحه تحت عنوان الباب الذي روى تحته الحديث: (ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة العلم أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها).
    ثم ذكر في الباب بعده علة الزجر؛ فقال: (ذكر العلة التي من أجلها زُجر عن الصوم في النصف الأخير من شعبان).
    وساق حديث عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنهما.

    * ومثله صنع الإمام الحافظ ابن خزيمة؛ فقد أشار إلى عدم التعارض فقال: (باب: إباحة وصل صوم شعبان بصومرمضان، والدليل على أن معنى خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا انتصفشعبان فلا تصوموا حتى رمضان" أي: لا تواصلوا شعبان برمضان فتصوموا جميع شعبان، أوأن يوافق ذلك صوما كان يصومه المرء قبل ذاك فيصوم ذلك الصيام بعد النصف من شعبان،لا أنه نهى عن الصوم إذا انتصف شعبان نهيا مطلقاً).

    * وكذا صنيع الإمام الحافظ ابن ماجة؛ فإنه لما أن ذكر (باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان) أتبعه بذكر (باب: ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم إلا من صام صوماً فوافقه) أي: لم يكن قد صام شعبان كله.

    * بل صرح بالعلة والغاية الإمام الحافظ الترمذي رحمه الله؛ فقال: (باب: ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان).

    فكانت الغاية الأسمى، والمقصد الأحرى، للحديث هو أن لا يبتدئ أحد صومه من منتصف شعبان ابتداءً، أي: ولم يكن قد كان صام نصفه الأول، طبعاً إلا أن يكون قد وافق عادة له.
    قال الإمام الشيخ ابن قدامة في (المغني):
    (ويحمل هذا الحديث على نفي استحباب الصيام في حق من لم يصم قبل نصف الشهر، وحديث عائشة: في صلة شعبان برمضان في حق من صام الشهر كله، فإنه قد جاء ذلك في سياق الخبر، فلا تعارض بين الخبرين إذا، وهذا أولى من حملهما على التعارض وردِّ أحدهما بصاحبه. والله أعلم).
    فلذلك أتى في بعض طرقه: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم، ومن كان عليه قضاء فليصمه، ومن شاء فليسرد الصوم"، أي: شهر شعبان كله.

    قلت: ثم كيف يُرَدُّ الحديث وقد حَلَفَ عمرو بن العلاء بالله العظيم أنه سمعه من أبيه؟!
    وقد قال الإمام الحافظ ابن عدي: (وللعلاء نسخ يرويها عنه الثقات).
    وفي هذا ردٌ واضح لمن أعل الحديث بأنه ليس موجوداً في صحيفته التي تروى. فتأمل بعمق
    قال العلامة المبارك الشيخ المباركفوري _ بعد أن ذكر كل ما قيل حول الحديث _: (الحق عندي أن الحديث صحيح. والله تعالى أعلم).

    (فرع): ثم وجدت الإمام الثبت محمد بن حزم رحمه الله قد فهم من الحديث _ وهو عنده صحيح _ فهماً لم أجده لغيره رحمه الله، حيث جعل معنى الحديث = أنه لا يجوز صوم اليوم السادس عشر من شعبان وحده فقط دون سائر النصف _ أي: يوم النصف فقط _ تطوعاً صادف يوماً كان يصومه.
    ثم أفاض رحمه الله في تقرير وجه استدلاله.

    قد قلت من قبل التتبع التام الكامل لملابسات الحديث _ أياً كان _ والكلام حوله = حكماً راسخاً متيقناً حوله، سواء حكم عليه بالقبول أو الرد.


    والله تعالى أعلى وأعلم.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    287

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمجد الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    وكثير من الكلام عليه مبني على مسألة تفرد الثقات وهي مسألة مشهورة خالف فيها كثير من المتأخرين المتقدمين
    ليس هذا من ذاك يا اخانا !
    فالخلاف حول هذا الحديث مبناه (( مخالفة المتن )) لغيره من الأحاديث عند من ضعفه من الأئمة متقديميهم ومتأخريهم .
    ومن لم يرى أنه مخالف , صحح الحديث ومنهم الإمام أبو دواد كما في سننه وقد قال : "
    وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ قُلْتُ لأَحْمَدَ لِمَ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- خِلاَفَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِى خِلاَفَهُ وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ " . انتهى
    فتجده ذكر الخلاف , ونص على أن الحديث غير مخالف لغيره .
    فمن زعم أن سبب الخلاف قبول تفرد الثقة (( العلاء )) , فيلزمه رد جميع ما انفرد به العلاء عن أبيه ومنها أحاديث في صحيح مسلم والله أعلم .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بارك الله فيك

    قد ذكر الأخ ابن عقيل _في الرابط المحال عليه أعلاه_ نفس ما ذكرتَ هنا وقد أجبت عليه فقلتُ:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمجد الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    ....
    فالإعلال بالتفرد لا ينافي ثقة الراوي فكم من ثقة أُعل حديثه بالتفرد
    ولو أنك قرأت كلام المعلمي رحمه الله حين يقول :إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فانهم يتطلبون له علة فإذا لم يجدوا له علة قادحة مطلقا حيث وقعت أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا مع أن الراوي غير مدلس.........
    ثم ذكر أمثلة من صنيع المتقدمين على ذلك ثم قال :
    وحجتهم في هذا أن عدم القدح في بتلك العلة مطلقا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادرا فإذا اتفق أن يكون المتن منكرا يغلب على ظن الناقد بطلانه فقد يحقق وجود الخلل وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم ( يشير هنا رحمه الله إلى من لم يفهم كلام النقاد من بعض المتأخرين والمعاصرين ) من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر . ا.هـ من مقدمة الفوائد المجموعة

    فهذا الحديث المنكر لمخالفته لما هو أثبت منه مع صحة سنده عندهم من أين جاءت هذه النكارة لا بد وأن يكون لها سبب
    وهذا السبب هو تفرد العلاء به لأنه صدوق له أوهام يعني ليس غاية في الاتقان

    وقولك " فكلام الأئمة صريح على ......" فلا شك أنه صريح في ذلك لكن محل النزاع هل هذا هو السبب الوحيد ؟؟ لا طبعا لأن كلام الأئمة صريح في تعليل الحديث بكلا الأمرين بل علة النكارة متسببة عن علة التفرد وهذا كلامهم :
    قَالَ أبو داود : (( لَمْ يجئ بِهِ غَيْر العلاء ، عن أبيه ))
    وَقَالَ النسائي: (( لا نعلم أحداً رَوَى هَذَا الْحَدِيْث غَيْر العلاء بن عَبْد الرحمان))
    قال المنذري :وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْإِمَام أَحْمَد إِنَّمَا أَنْكَرَهُ مِنْ جِهَة الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا لِأَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْن
    قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه :
    الَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيث لَهُمْ مَأْخَذَانِ :
    أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَمْ يُتَابِع الْعَلَاء عَلَيْهِ أَحَد بَلْ اِنْفَرَدَ بِهِ عَنْ النَّاس وَكَيْف لَا يَكُون هَذَا مَعْرُوفًا عِنْد أَصْحَاب أَبِي هُرَيْرَة ، مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَّصِل بِهِ الْعَمَل ؟
    وقال الخليلي في (الإرشاد : 1/218) عن العلاء: "مديني ، مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليهاثم ذكر حديث الباب، ثم قال : - وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه دون هذا والشواذ " ا. هـ،

    وقال الحاكم في الكلام عن صنيع الشيخين ومنهجهم : " وكذلك فعلا في أحاديث غرائب يرويها الثقاة العدول لما انفرد بها واحد من الثقاة تركاها مثل حديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجئ رمضان " وقد خرج مسلم كثيرا من حديث العلاء في الصحيح وترك هذا وأشباهه مما انفرد به العلاء عن أبيه "

    ويؤيده فهم السخاوي رحمه الله حيث ذهب يطلب متابعات للعلاء تنفي عنه وصمة التفرد

    فهل بعد هذه النصوص عن الأئمة يقال لا علاقة لتفرد العلاء بتعليل الحديث وأنها مجرد دعوى ؟؟!
    يا إخواني _ والله نصيحة أنصح بها نفسي أولا _ لا يكن همنا الرد على المخالف وتضعيف قوله لا لابد وأن نحقق المسألة لأننا نتكلم عن مناهج وآراء أئمة الإسلام فأخشى أن ننسب لهم ما هم منه براء قد تبرؤوا منه منذ آلاف السنن فالتأني التأني
    http://majles.alukah.net/showpost.ph...9&postcount=19
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    وقد تقدم النقاش _في الرابط المحال عليه_ عن مذهب أبي داود في ثبوت الحديث وقلت ردا على الأخ المذكور:
    وأبو داود لم يصحح الحديث وإنما نفى كونه مخالفا لما ذكره أحمد من أحاديث فنفيه لعلة المعارضة لا يلزم منه نفيه لباقي العلل ولذلك قال بعد ذلك : "ولم يجيء به غير العلاء " وهذا إعلال بالتفرد وكونك لا تفهم من هذه العبارة عدم الإعلال فهذا لقلة خبرتك بكلام المتقدمين
    أضف إلى ذلك أنه قال كما في تهذيب ابن القيم: "قال أبو داود: "أنكروا على العلاء صيام شعبان".
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    أما ما ذكر من طرق الجمع فهو رأي لبعض أهل العلم نحترمه لكن الأئمة النقاد ممن هو أكبر في العلم منهم لم يرو صحة هذا الجمع وأن تفرد العلاء لا يحتمله وأن القول بوهم العلاء _وقد تُكلم فيه_ أولى من القول بهذا الضرب من الجمع الذي لا يخلو من تكلف
    ورأو أيضا أن هذا الحديث غير محفوظ كما قال الإمام أحمد فكيف نجمع بينه وبين الأحاديث الصحاح الصريحة التي لم يختلف فيها

    وإنما يصار إلى الجمع إذا تكافأت الأدلة ثبوتا ودلالة
    كنحو الجمع بين حديثين متفق عليهما

    أما أن يكون الجمع بين حديث تفرد به العلاء _وقد تكلم فيه فليس هو بذلك الثقة المتقن كالزهري وقتادة_ وبين أحاديث متفق على صحتها عند أهل الفن فغير سائغ ولا وجه له فيما أعلم

    ليس المقصود أن هذا الحديث موجود في صحيفة العلاء أم لا _إن كان ما يرويه عن والده صحيفة_ بل التعليل بتفرد أعم من هذا كما جاء في حاشية ابن القيم حكاية وترجمة وتلخيصا لكلام النقاد المتقدمين:
    "لم يتابع العلاء عليه أحد، بل انفرد به عن الناس، و كيف لا يكون معروفا عند أصحاب أبي هريرة، مع أنه أمر تعم به البلوى، و يتصل به العلم ؟!"
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  18. #18

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    بارك الله فيكم .
    للفائدة : تكلم على هذا الحديث تخريجًا وحكمًا في رسالته (زوائد السنن على الصحيحين في كتاب الصيام) (1/172-178).
    «وأصل فساد العالم إنما هو من اختلاف الملوك والفقهاء، ولهذا لم يطمع أعداء الإسلام فيه في زمن من الأزمنة إلا في زمن تعدد الملوك المسلمين وانفراد كل منهم ببلاد، وطلب بعضهم العلو على بعض» ابن القيم.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    لك ما شئت يا شيخ (أمجد).. ونبقى نحن على ما قرّرناه سابقاً.
    جزى الله الجميع خيرا
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    287

    افتراضي رد: هل يصحّ حديث: (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟

    الأخ أمجد ترفق بإخوانك وأبسط نفسك لهم , فهذا من سمت أهل العلم , إن كنت تنتسب إليهم , وأما نحن فاللائق بنا أن نجهل ولا نحسن وقد أحسنت بقولك :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمجد الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    فهذا لقلة خبرتك بكلام المتقدمين
    .
    ولكن هذا لا يمنعني من أن أتعجب من نفيك لصحة الحديث عند أبي دواد بقولك :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمجد الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    وأبو داود لم يصحح الحديث وإنما نفى كونه مخالفا لما ذكره أحمد من أحاديث فنفيه لعلة المعارضة لا يلزم منه نفيه لباقي العلل ولذلك قال بعد ذلك : "ولم يجيء به غير العلاء " وهذا إعلال بالتفرد وكونك لا تفهم من هذه العبارة عدم الإعلال .
    أضف إلى ذلك أنه قال كما في تهذيب ابن القيم: "قال أبو داود: "أنكروا على العلاء صيام شعبان"
    ومحل العجب أنك أقررت بنفي المخالفة وأنه مذهب أبي دواد في هذا الحديث , ثم تعلقت بحكايته لتفرد العلاء , مع أنه نص على أن العلة عند الأئمة هي مجرد المخالفة !
    فإن صح لك تقرير رد حديث الثقة بمجرد التفرد - وهو باطل - لن يصح لك تنزيله على الخلاف في هذا الحديث , إلا أن تأتي بنص عن الأئمة كما نصوا على المخالفة يا سلمك الله وسددك فيما تأتي وتذر .
    واعلم أن غاية ما تحتج به علينا على صحة تعليلك كلام الخليلي والمنذري وهما متأخران فيا لله العجب .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •